[طه : 81] كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى
81 - (كلوا من طيبات ما رزقناكم) أي المنعم به عليكم (ولا تطغوا فيه) بأن تكفروا النعمة به (فيحل عليكم غضبي) بكسر الحاء أي يجب وبضمها أي ينزل (ومن يحلل عليه غضبي) بكسر اللام وضمها (فقد هوى) سقط في النار
وقوله "كلوا من طيبات ما رزقناكم" يقول تعالى ذكره لهم : كلوا يا بني إسرائيل من شهيات رزقنا الذي رزقناكم ، وحلاله الذي طيبناه لكم "ولا تطغوا فيه" يقول : ولا تعتدوا فيه ، ولا يظلم فيه بعضكم بعضاً.
كما حدثنا علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس قوله "ولا تطغوا فيه" يقول : ولا تظلموا.
وقوله "فيحل عليكم غضبي" يقول : فينزل عليكم عقوبتي.
كما حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد عن قتادة، قوله "فيحل عليكم غضبي" يقول : فينزل عليكم غضبي.
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الحجاز والمدينة والبصرة والكوفة "فيحل عليكم" بكسر الحاء ومن يحلل بكسر اللام . ووجهوا معناه إلى : فيجب عليكم غضبي . وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة فيحل عليكم بضم الحاء، ووجهوا تأويله إلى ما ذكرنا عن قتادة من أنه فيقع وينزل عليكم غضبي.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء، وقد حذر الله الذين قيل لهم هذا القول من بني إسرائيل وقوع بأسه بهم ونزوله بمعصيتهم إياه إن هم عصوه ، وخوفهم وجوبه لهم ، فسواء قرئ ذلك بالوقوع أو بالوجوب ، لأنهم كانوا قد خوفوا المعنيين كليهما.
يقول تعالى ذكره : ومن يجب عليه غضبي ، فينزل به . فقد هوى، يقول فقد تردى فشقي.
كما حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "فقد هوى" يقول : فقد شقي.
" كلوا من طيبات ما رزقناكم " أي من لذيذ الرزق. وقيل: من حلاله إذ لا صنع فيه لآدمي فتدخله شبهة. " ولا تطغوا فيه " أي لا تحملنكم السعة والعافية أن تعصوا، لأن الطغيان التجاوز إلى ما لا يجوز. وقيل: المعنى، أي لا تكفروا النعمة ولا تنسوا شكر المنعم بها عليكم. وقيل: أي لا تستبدلوا بها شيئاً آخر كما قال: " أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير " [البقرة: 61]. وقيل: لا تدخروا منه لأكثر من يوم وليلة، قال ابن عباس: فيتدود عليهم ما ادخروه، ولولا ذلك ما تدود طعام أبداً. " فيحل عليكم غضبي " أي يجب وينزل، وهو منصوب بالفاء في جواب النهي من قوله: " ولا تطغوا ". " فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى " قرأ الأعمش ويحيى بن وثاب و الكسائي " فيحل " بضم الحاء " ومن يحلل " بضم اللام الأولى. والباقون بالكسر وهما لغتان. وحكى أبو عبيدة وغيره: أنه يقال: حل يحل إذا وجب وحل يحل إذا نزل. وكذا قال الفراء : الضم من الحلول بمعنى الوقوع والكسر من الوجوب. والمعنيان متقاربان إلا أن الكسر أولى، لأنهم قد أجمعوا على قوله: " ويحل عليه عذاب مقيم " [هود: 39]. وغضب الله عقابه ونقمته وعذابه. " فقد هوى " قال الزجاج فقد هلك، أي صار إلى الهاوية وهي قعر النار، من هوى يهوي هوياً أي سقط من علو إلى سفل، وهوى فلان أي مات. وذكر ابن المبارك: أخبرنا إسماعيل بن عياش قال: حدثنا ثعلبة بن مسلم عن أيوب بن بشير عن شفي الأصبحي قال: إن في جهنم جلاً يدعى صعوداً يطلع فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يرقاه، قال الله تعالى: " سأرهقه صعودا " [المدثر: 17] وإن في جهنم قصراً يقال له هوى يرمى الكافر من أعلاه فيهوي أربعين خريفاً قبل أن يبلغ أصله قال الله تعالى: " ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى " وذكر الحديث، وقد ذكرناه في كتاب التذكرة .
يذكر تعالى نعمه على بني إسرائيل العظام ومننه الجسام, حيث أنجاهم من عدوهم فرعون, وأقر أعينهم منه وهم ينظرون إليه وإلى جنده قد غرقوا في صبيحة واحدة, لم ينج منهم أحد, كما قال: "وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون" وقال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم , حدثنا روح بن عبادة , حدثنا شعبة , حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, وجد اليهود تصوم عاشوراء, فسألهم فقالوا: هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى على فرعون, فقال: "نحن أولى بموسى فصوموه" رواه مسلم أيضاً في صحيحه .
ثم إنه تعالى واعد موسى وبني إسرائيل بعد هلاك فرعون إلى جانب الطور الأيمن, وهو الذي كلمه الله تعالى عليه, وسأل فيه الرؤية, وأعطاه التوراة هنالك, وفي غضون ذلك عبد بنو إسرائيل العجل كما يقصه الله تعالى قريباً, وأما المن والسلوى فقد تقدم الكلام على ذلك في سورة البقرة وغيرها, فالمن حلوى كانت تنزل عليهم من السماء, والسلوى طائر يسقط عليهم فيأخذون من كل قدر الحاجة إلى الغد, لطفاً من الله ورحمة بهم وإحساناً إليهم, ولهذا قال تعالى: "كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي" أي كلوا من هذا الرزق الذي رزقتكم, ولا تطغوا في رزقي فتأخذوه من غير حاجة, وتخالفوا ما أمرتكم به "فيحل عليكم غضبي" أي أغضب عليكم "ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أي فقد شقي. وقال شفي بن مانع : إن في جهنم قصراً يرمى الكافر من أعلاه, فيهوي في جهنم أربعين خريفاً قبل أن يبلغ الصلصال, وذلك قوله "ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى" وراه ابن أبي حاتم .
وقوله: "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً" أي كل من تاب إلي, تبت عليه من أي ذنب كان, حتى أنه تاب تعالى على من عبد العجل من بني إسرائيل. وقوله تعالى: "تاب" أي رجع عما كان فيه من كفر أو شرك أو معصية أو نفاق. وقوله: "وآمن" أي بقلبه. "وعمل صالحاً" أي بجوارحه. وقوله: "ثم اهتدى" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : أي ثم لم يشكك. وقال سعيد بن جبير "ثم اهتدى" أي استقام على السنة والجماعة وروي نحوه عن مجاهد والضحاك وغير واحد من السلف وقال قتادة "ثم اهتدى" أي لزم الإسلام حتى يموت وقال سفيان الثوري "ثم اهتدى" أي علم أن لهذا ثواباً, وثم ههنا لترتيب الخبر على الخبر, كقوله: " فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات ".
81- "كلوا من طيبات ما رزقناكم" أي وقلنا لهم كلوا والمراد بالطيبات المستلذات، وقيل الحلال على الخلاف المشهور في ذلك. وقرأ حمزة والكسائي والأعمش: " قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور " "كلوا من طيبات ما رزقناكم" بتاء المتكلم في الثلاثة. وقرأ الباقون بنون العظمة فيها "ولا تطغوا فيه" والطغيان التجاوز: أي لا تتجاوزوا ما هو جائز إلى ما لا يجوز، وقيل المعنى: لا تجحدوا نعمة الله فتكونوا طاغين، وقيل لا تكفروا النعمة ولا تنسوا شكرها، وقيل لا تعصوا المنعم: أي لا تحملنكم السعة والعافية على المعصية، ولا مانع من حمل الطغيان على جميع هذه المعاني فإن كل واحد منها يصدق عليه أن طغيان "فيحل عليكم غضبي" هذا جواب النهي: أي يلزمكم غضبي وينزل بكم، وهو مأخوذ من حلول الدين: أي حضور وقت أدائه "ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى" قرأ الأعمش ويحيى بن وثاب والكسائي "فيحل" بضم الحاء وكذلك قرأوا "يحلل" بضم اللام الأولى، وقرأ الباقون بالكسر فيهما وهما لغتان. قال الفراء: والكسر أحب إلي من الضم لأن الضم من الحلول بمعنى الوقوع، ويحل بالكسر يجب، وجاء التفسير بالوجوب لا بالوقوع، وذكر نحو هذا أبو عبيدة وغيره. ومعنى فقد هوى فقد هلك
هوياً: . قال الزجاج " فقد هوى " أي صار إلى الهاوية ، وهي قعر النار من هوى يهوي هويا : أي سقط من علو إلى سفل، وهوى فلان: أي مات.
81. " كلوا من طيبات ما رزقناكم "، قرأ حمزة و الكسائي : ((أنجيتكم))، و ((واعدتكم))، و ((رزقتكم)) بالتاء على التوحيد، وقرأ الآخرون بالنون والألف على التعظيم، ولم يختلفوا في " ونزلنا " لأنه مكتوب بالألف.
" ولا تطغوا فيه "، قال ابن عباس: لا تظلموا. قال الكلبي : لا تكفروا النعمة فتكونوا طاغين.
وقيل: لا تنفقوا في معصيتي.
وقيل: لا تدخروا، ثم ادخروا فتدود، " فيحل "، قرأ الأعمش : و الكسائي : ((فيحل)) بضم الحاء ((ومن يحلل)) بضم اللام، أي: ينزل، وقرأ الآخرون بكسرها أي: يجب، " عليكم غضبي، ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى "، هلك وتردى في النار.
81ـ " كلوا من طيبات ما رزقناكم " لذائذه أو حلالاته ، وقرأ حمزة و الكسائي (( أنجيتكم )) ((وواعدتم )) و (( رزقتكم )) على التاء . وقرئ (( ووعدتكم )) (( ووعدناكم )) ، والأيمن بالجر على الجوار مثل : حجر ضب خرب . " ولا تطغوا فيه " فيما رزقناكم بالإخلال بشكره والتعدي لما حد الله لكم فيه كالسرف والبطر والمنع عن المستحق . " فيحل عليكم غضبي " فيلزمكم عذابي ويجب لكم من حل الدين إذا وجب أداؤه . " ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى " فقد تردى وهلك . وقيل وقع في الهاوية ، وقرأ الكسائي (( يحل )) و" يحلل " بالضم من حل يحل إذا نزل .
81. (Saying): Eat of the good things wherewith We have provided you, and transgress not in respect thereof lest My wrath come upon you; and he on whom My wrath cometh, he is lost indeed.
81 - (Saying): eat of the good things we have provided for you sustenance, but Commit no excess therein, Lest My Wrath should justly descend on you: and those on whom descends my Wrath do perish indeed!