[طه : 73] إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى
73 - (إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا) من الإشراك وغيره (وما أكرهتنا عليه من السحر) تعلما وعملا لمعارضة موسى (والله خير) منك ثوابا إذا اطيع (وأبقى) منك عذابا إذا عصي
وقوله: "إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا" يقول تعالى ذكره: إنا أقررنا بتوحيد ربنا، وصدقنا بوعده ووعيده ، وأن ما جاء به موسى حق "ليغفر لنا خطايانا" يقول : ليعفو لنا عن ذنوبنا فيسترها علينا "وما أكرهتنا عليه من السحر" يقول : ليغفر لنا ذنوبنا، وتعلمنا ما تعلمناه من السحر، وعملنا به الذي أكرهتنا على تعلمه والعمل به . وذكر أن فرعون كان أخذهم بتعليم السحر.
ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى بن سهل ، قال : ثنا نعيم بن حماد، قال : ثنا سفيان بن عيينة، عن أبي سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس ، في قول الله تبارك وتعالى "وما أكرهتنا عليه من السحر" قال : غلمان دفعهم فرعون إلى السحرة ، تعلمهم السحر بالفرما.
حدثني يونس، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله: "وما أكرهتنا عليه من السحر" قال : أمرهم بتعلم السحر، قال : تركوا كتاب الله، وأمروا قومهم بتعليم السحر.
"وما أكرهتنا عليه من السحر" قال : أمرتنا أن نتعلمه.
وقوله: "والله خير وأبقى" يقول: والله خير منك يا فرعون جزاء لمن أطاعه ، وأبقى عذاباً لمن عصاه وخالف أمره.
كما حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "والله خير وأبقى": خير منك ثواباً، وأبقى عذاباً.
حدثنا القاسم، قال : ثنا الحسين، قال : ثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب، ومحمد بن قيس في قول الله: "والله خير وأبقى" قالا: خيراً منك إن أطيع ، وأبقى منك عذاباً إن عصي.
" إنا آمنا بربنا " أي صدقنا بالله وحده لا شريك له وما جاءنا به موسى " ليغفر لنا خطايانا " يريدون الشرك الذي كانوا عليه. " وما أكرهتنا عليه من السحر " " ما " في موضع نصب معطوفة على الخطايا. وقيل: لا موضع لها وهي نافية، أي ليغفر لنا خطايانا من السحر وما أكرهتنا عليه. النحاس : والأول أولى. المهدوي : وفيه بعد، لقولهم: " أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين " [الشعراء: 41] وليس هذا بقول مكرهين، ولأن الإكراه ليس بذنب، وإن كان يجوز أن يكونوا أكرهوا على تعليمه صغاراً. قال الحسن : كانوا يعلمون السحر أطفالاً ثم عملوه مختارين بعد. ويجوز أن يكون " ما " في موضع رفع بالابتداء ويضمر الخبر، والتقدير: وما أكرهتنا عليه من السحر موضوع عنا. و " من السحر " على هذا القول والقول الأول يتعلق بـ"أكرهتنا ". وعلى أن " ما " نافية يتعلق بـ"خطايانا ". " والله خير وأبقى " أي ثوابه خير وأبقى فحذف المضاف، قاله ابن عباس. وقيل: الله خير لنا منك وأبقى عذاباً لنا من عذابك لنا. وهو جواب قوله: " ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى " وقيل: الله خير لنا إن أطعناه، وأبقى عذاباً منك إن عصيناه.
يقول تعالى مخبراً عن كفر فرعون وعناده وبغيه ومكابرته الحق بالباطل, حين رأى ما رأى من المعجزة الباهرة والاية العظيمة, ورأى الذين قد استنصر بهم قد آمنوا بحضرة الناس كلهم, وغلب كل الغلب, شرع في المكابرة والبهت, وعدل إلى استعمال جاهه وسلطانه في السحرة, فتهددهم وتوعدهم وقال: "آمنتم له" أي صدقتموه "قبل أن آذن لكم" أي ما أمرتكم بذلك وأفتنتم علي في ذلك, وقال قولاً يعلم هو والسحرة والخلق كلهم أنه بهت وكذب "إنه لكبيركم الذي علمكم السحر" أي أنتم إنما أخذتم السحر عن موسى, واتفقتم أنتم وإياه علي وعلى رعيتي لتظهروه, كما قال تعالى في الاية الأخرى: "إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون", ثم أخذ يتهددهم فقال: "لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل" أي لأجعلنكم مثلة, ولأقتلنكم ولأشهرنكم, قال ابن عباس : فكان أول من فعل ذلك, رواه ابن أبي حاتم .
وقوله "ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى" أي أنتم تقولون: إني وقومي على ضلالة وأنتم مع موسى وقومه على الهدى, فسوف تعلمون من يكون له العذاب ويبقى فيه, فلما صال عليهم بذلك وتوعدهم, هانت عليهم أنفسهم في الله عز وجل و"قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات" أي لن نختارك على ما حصل لنا من الهدى واليقين, "والذي فطرنا" يحتمل أن يكون قسماً, ويحتمل أن يكون معطوفاً على البينات, يعنون لا نختارك على فاطرنا وخالقنا الذي أنشأنا من العدم المبتدي خلقنا من الطين, فهو المستحق للعبادة والخضوع لا أنت, "فاقض ما أنت قاض" أي فافعل ما شئت, وما وصلت إليه يدك, "إنما تقضي هذه الحياة الدنيا" أي إنما لك تسلط في هذه الدار وهي دار الزوال, ونحن قد رغبنا في دار القرار "إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا" أي ما كان منا من الاثام خصوصاً ما أكرهتنا عليه من الحسر لتعارض به آية الله تعالى ومعجزة نبيه.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا نعيم بن حماد , حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: "وما أكرهتنا عليه من السحر" قال: أخذ فرعون أربعين غلاماً من بني إسرائيل, فأمر أن يعلموا السحر بالفرماء, وقال: علموهم تعليماً لا يعلمه أحد في الأرض, قال ابن عباس : فهم من الذين آمنوا بموسى وهم من الذين قالوا: "آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر" وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم . وقوله: "والله خير وأبقى" أي خير لنا منك "وأبقى" أي أدوم ثواباً مما كنت وعدتنا ومنيتنا, وهو رواية عن ابن إسحاق رحمه الله. وقال محمد بن كعب القرظي "والله خير" أي لنا منك إن أطيع "وأبقى" أي منك عذاباً غن عصي, وروي نحوه عن ابن إسحاق أيضاً. والظاهر أن فرعون ـ لعنه الله ـ صمم على ذلك, وفعله بهم رحمة لهم من الله, ولهذا قال ابن عباس وغيره من السلف: أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء.
73- "إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا" التي سلفت منا من الكفر وغيره "وما أكرهتنا عليه من السحر" معطوف على خطايانا: أي ويغفر لنا الذي أكرهتنا عليه من عمل السحر في معارضة موسى فما في محل نصب على المفعولية وقيل هي نافية، قال النحاس: والأول أولى. قيل ويجوز أن يكون في محل رفع بالابتداء والخبر مقدر: أي وما أكرهتنا عليه من السحر موضوع عنا "والله خير وأبقى" أي خير منك ثواباً وأبقى منك عقاباً، وهذا جواب قوله: "ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى".
73. " إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر "، فإنه قيل: كيف قالوا هذا، وقد جاؤوا مختارين يحلفون بعزة فرعون أن لهم الغلبة؟.
قيل: روي عن الحسن أنه قال: كان فرعون يكره قوماً على تعلم السحر لكيلا يذهب أصله، وقد كان أكرههم في الابتداء.
وقال مقاتل : كانت السحرة اثنين وسبعين، اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل، كان فرعون أكره الذين هم من بني إسرائيل على تعلم السحر، فذلك قولهم: " وما أكرهتنا عليه من السحر ".
وقال عبد العزيز بن أبان : قالت السحرة لفرعون: أرنا موسى إذا نام، فأراهم موسى نائماً وعصاه تحرسه، فقالوا لفرعون إن هذا ليس بساحر، إن الساحر إذا نام بطل سحره، فأبى عليهم إلا أن يعلموا، فذلك قوله تعالى: " وما أكرهتنا عليه من السحر ".
" والله خير وأبقى "، قال محمد بن إسحاق : خير منك ثواباً، وأبقى عقاباً.
وقال محمد بن كعب : خير منك ثواباً إن أطيع، وأبقى منك عذاباً إن عصي، وهذا جواب لقوله: "ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى".
73ـ " إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا " من الكفر والمعاصي . " وما أكرهتنا عليه من السحر " من معارضة المعجزة . روي أنهم قالوا لفرعون أرنا موسى نائماً فوجدوه تحرسها العصا فقالوا ما هذا بسحر فإن الساحر إذا نام بطل سحره فأبى إلا أن يعارضوه . " والله خير وأبقى " جزاء أو خير ثواباً وأبقى عقاباً .
73. Lo! we believe in our Lord, that He may forgive us our sins and the magic unto which thou didst force us. Allah is better and more lasting.
73 - For us, we have believed in our Lord: may he forgive us our faults, and the magic to which Thou didst compel us: for God is best And most abiding.