[طه : 67] فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى
67 - (فأوجس) أحس (في نفسه خيفة موسى) أي خاف من جهة أن سحرهم من جنس معجزته أن يلتبس أمره على الناس فلا يؤمنوا به
يعني تعالى ذكره بقوله: فأوجس في نفسه خوفاً موسى فوجده.
قوله تعالى: " فأوجس في نفسه خيفة موسى " أي أضمر. وقيل: وجد. وقيل: أحس. أي من الحيات وذلك على ما يعرض من طباع البشر على ما تقدم. وقيل: خاف أن يفتتن الناس قبل أن يلقي عصاه. وقيل: خاف حين أبطأ عليه الوحي بإلقاء العصا أن يفترق الناس قبل ذلك فيفتتنوا. وقال بعض أهل الحقائق: إنما كان السبب أن موسى عليه السلام لما التقى بالسحرة وقال لهم: " ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب " [طه: 61] التفت فإذا جبريل على يمينه فقال له يا موسى ترفق بأولياء الله. فقال موسى: يا جبريل هؤلاء سحرة جاؤوا بسحر عظيم ليبطلوا المعجزة، وينصروا دين فرعون، ويردوا دين الله، تقول: ترفق بأولياء الله! فقال جبريل: هم من الساعة إلى صلاة العصر عندك، وبعد صلاة العصر في الجنة. فلما قال له ذلك، أوجس في نفس موسى، وخطر أن ما يدريني ما علم الله في، فلعلي أكون الآن في حالة، وعلم الله في على خلافها كما كان هؤلاء.
يقول تعالى مخبراً عن السحرة حين توافقوا هم وموسى عليه السلام, أنهم قالوا لموسى "إما أن تلقي" أي أنت أولاً "وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا" أي أنتم أولاً لنرى ماذا تصنعون من السحر, وليظهر للناس جلية أمرهم "فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى" وفي الاية الأخرى أنهم لما ألقوا "قالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون" وقال تعالى: " سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم " وقال ههنا: "فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى" وذلك أنهم أودعوها من الزئبق ما كانت تتحرك بسببه وتضطرب وتميد, بحيث يخيل للناظر أنها تسعى باختيارها, وإنما كان حيلة, وكانوا جماً غفيراً وجمعاً كثيراً, فألقى كل منهم عصاً وحبلاً حتى صار الوادي ملان حيات يركب بعضها بعضاً.
وقوله: "فأوجس في نفسه خيفة موسى" أي خاف على الناس أن يفتنوا بسحرهم ويغتروا بهم قبل أن يلقي ما في يمينه, فأوحى الله تعالى إليه في الساعة الراهنة أن ألق ما في يمينك يعني عصاك, فإذا هي تلقف ما صنعوا وذلك أنها صارت تنيناً عظيماً هائلاً ذا قوائم وعنق ورأس وأضراس, فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي حتى لم تبق منها شيئاً إلا تلقفته وابتلعته, والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عياناً جهرة نهاراً ضحوة, فقامت المعجزة واتضح البرهان, ووقع الحق وبطل السحر, ولهذا قال تعال: "إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى" وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن موسى الشيباني حدثنا حماد بن خالد حدثنا ابن معاذ أحسبه الصائغ عن الحسن عن جندب عن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أخذتم يعني الساحر فاقتلوه ثم قرأ "ولا يفلح الساحر حيث أتى" قال: لا يؤمن به حيث وجد" وقد روى أصله الترمذي موقوفاً ومرفوعاً. فلما عاين السحرة ذلك وشاهدوه, ولهم خبرة بفنون السحر وطرقه ووجوهه علموا علم اليقين أن هذا الذي فعله موسى ليس من قبيل السحر والحيل, وأنه حق لا مرية فيه, ولا يقدر على هذا إلا الذي يقول للشيء كن فيكون, فعند ذلك وقعوا سجداً لله, وقالوا: آمنا برب العالمين رب موسى وهارون, ولهذا قال ابن عباس وعبيد بن عمير : كانوا أول النهار سحرة, وفي آخر النهار شهداء بررة. وقال محمد بن كعب : كانوا ثمانين ألفاً, وقال القاسم بن أبي بزة : كانوا سبعين ألفاً, وقال السدي : بضعة وثلاثين ألفاً, وقال الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي ثمامة : كان سحرة فرعون تسعة عشر ألفاً, وقال محمد بن إسحاق : كانوا خمسة عشر ألفاً, وقال كعب الأحبار : كانوا اثني عشر ألفاً.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا محمد بن علي بن حمزة , حدثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: كانت السحرة سبعين رجلاً, أصبحوا سحرة, وأمسوا شهداء. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا المسيب بن واضح بمكة, حدثنا ابن المبارك قال: قال الأوزاعي : لما خر السحرة سجداً, رفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها, قال: وذكر عن سعيد بن سلام , حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن سليمان عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قوله: "فألقي السحرة سجداً" قال: رأوا منازلهم تبنى لهم وهم في سجودهم, وكذا قال عكرمة والقاسم بن أبي بزة .
67- "فأوجس في نفسه خيفة موسى" أي أحس، وقيل وجد، وقيل أضمر، وقيل خاف، وذلك لما يعرض من الطباع البشرية عند مشاهدة ما يخشى منه، وقيل خاف أن يفتتن الناس قبل أن يلقي عصاه، وقيل إن سبب خوفه هو أن سحرهم كان من جنس ما أراهم في العصا، فخاف أن يلتبس أمره على الناس فلا يؤمنوا.
67. " فأوجس في نفسه خيفةً موسى "، أي وجد، وقيل: أضمر في نفسه خوفاً، واختلفوا في خوفه: قيل: خوف طبع البشرية، وذلك أنه ظن أنها تقصده.
وقال مقاتل : خاف على القوم أن يلتبس عليهم الأمر فيشكوا في أمره فلا يتبعوه.
67ـ " فأوجس في نفسه خيفةً موسى " فأضمر فيها خوفاً من مفاجأته على ما هو مقتضى الجبلة البشرية ، أو من أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه .
67. And Moses conceived a fear in his mind
67 - So Moses conceived in his mind A (sort of) fear.