[طه : 66] قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى
66 - (قال بل ألقوا) فألقوا (فإذا حبالهم وعصيهم) أصله عصوو قلبت الواوان ياءين وكسرت العين والصاد (يخيل إليه من سحرهم أنها) حيات (تسعى) على بطونها
وقوله: "قال بل ألقوا" يقول تعالى ذكره : قال موسى للسحرة: بل ألقوا أنتم ما معكم قبلي. وقوله "فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى"، وفي هذا الكلام متروك، وهو: فألقوا ما معهم من الحبال والعصي ، فإذا حبالهم ، ترك ذكره استغناء بدلالة الكلام الذي ذكر عليه عنه. وذكر أن السحرة سحروا عين موسى وأعين الناس قبل أن يلقوا حبالهم وعصيهم ، فخيل حينئذ إلى موسى أنها تسعى.
كما حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال : حدثت عن وهب بن منبه، قال : قالوا يا موسى "إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا" فكان أول ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون ، ثم أبصار الناس بعد، ثم ألقى كل رجل منهم ما في يده من العصي والحبال ، فإذا هي حيات كأمثال الحبال، قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضاً.
واختلفت القراءة في قراءة قوله: "يخيل إليه" فقبرأ ذلك عامة قراء الأمصار "يخيل إليه" بالياء بمعنى : يخيل إليهم سعيها. وإذا قرئ ذلك كذلك ، كانت أن في موضع رفع. وروي عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه تخيل بالتاء، بمعنى : تخيل حبالهم وعصيهم بأنها تسعى . ومن قرأ ذلك كذلك ، كانت أن في موضع نصب لتعلق تخيل بها. وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يقرؤه تخيل إليه بمعنى : تتخيل إليه. وإذا قرئ ذلك كذلك أيضاً فـ أن في موضع نصب بمعنى : تتخيل بالسعي لهم.
والقراءة التي لا يجوز عندي في ذلك غيرها "يخيل" بالياء، لإجماع الحجة من القراء عليه.
" قال بل ألقوا فإذا حبالهم " في الكلام حذف، أي فألقوا، دل عليه المعنى. وقرأ الحسن " وعصيهم " بضم العين. قال هارون القارىء: لغة بني تميم " وعصيهم " وبها يأخذ الحسن . الباقون بالكسر إتباعاً لكسرة الصاد. ونحوه دلي ودلي وقسي وقسي. " يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ". وقرأ ابن عباس وأبو حيوة وابن ذكوان وروح عن يعقوب تخيل بالتاء، وردوه إلى العصي والحبال إذ هي مؤنثة. وذلك أنهم لطخوا العصي بالزئبق، فلما أصابها حر الشمس ارتهشت واهتزت. قال الكلبي : خيل إلى موسى أن الأرض حيات وأنها تسعى على بطنها. وقرىء تخيل بمعنى تتخيل وطريقه طريق تخيل ومن قرأ " يخيل " بالياء رده إلى الكيد. وقرىء نخيل بالنون على أن الله هو المخيل للمحنة والابتلاء. وقيل: الفاعل " أنها تسعى " فـ"أن " في موضع رفع، أي يخيل إليه سعيها، قاله الزجاج . وزعم الفراء أن موضعها موضع نصب، أي بأنها ثم حذف الباء. والمعنى في الوجه الأول: تشبه إليه من سحرهم وكيدهم حتى ظن أنها تسعى. وقال الزجاج : ومن قرأ بالتاء جعل " أن " في موضع نصب أي تخيل إليه ذات سعي. قال: ويجوز أن تكون في موضع رفع بدلاً من الضمير في تخيل وهو عائد على الحبال والعصي، والبدل فيه بدل اشتمال. و " تسعى " معناه تمشي.
يقول تعالى مخبراً عن السحرة حين توافقوا هم وموسى عليه السلام, أنهم قالوا لموسى "إما أن تلقي" أي أنت أولاً "وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا" أي أنتم أولاً لنرى ماذا تصنعون من السحر, وليظهر للناس جلية أمرهم "فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى" وفي الاية الأخرى أنهم لما ألقوا "قالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون" وقال تعالى: " سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم " وقال ههنا: "فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى" وذلك أنهم أودعوها من الزئبق ما كانت تتحرك بسببه وتضطرب وتميد, بحيث يخيل للناظر أنها تسعى باختيارها, وإنما كان حيلة, وكانوا جماً غفيراً وجمعاً كثيراً, فألقى كل منهم عصاً وحبلاً حتى صار الوادي ملان حيات يركب بعضها بعضاً.
وقوله: "فأوجس في نفسه خيفة موسى" أي خاف على الناس أن يفتنوا بسحرهم ويغتروا بهم قبل أن يلقي ما في يمينه, فأوحى الله تعالى إليه في الساعة الراهنة أن ألق ما في يمينك يعني عصاك, فإذا هي تلقف ما صنعوا وذلك أنها صارت تنيناً عظيماً هائلاً ذا قوائم وعنق ورأس وأضراس, فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي حتى لم تبق منها شيئاً إلا تلقفته وابتلعته, والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عياناً جهرة نهاراً ضحوة, فقامت المعجزة واتضح البرهان, ووقع الحق وبطل السحر, ولهذا قال تعال: "إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى" وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن موسى الشيباني حدثنا حماد بن خالد حدثنا ابن معاذ أحسبه الصائغ عن الحسن عن جندب عن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أخذتم يعني الساحر فاقتلوه ثم قرأ "ولا يفلح الساحر حيث أتى" قال: لا يؤمن به حيث وجد" وقد روى أصله الترمذي موقوفاً ومرفوعاً. فلما عاين السحرة ذلك وشاهدوه, ولهم خبرة بفنون السحر وطرقه ووجوهه علموا علم اليقين أن هذا الذي فعله موسى ليس من قبيل السحر والحيل, وأنه حق لا مرية فيه, ولا يقدر على هذا إلا الذي يقول للشيء كن فيكون, فعند ذلك وقعوا سجداً لله, وقالوا: آمنا برب العالمين رب موسى وهارون, ولهذا قال ابن عباس وعبيد بن عمير : كانوا أول النهار سحرة, وفي آخر النهار شهداء بررة. وقال محمد بن كعب : كانوا ثمانين ألفاً, وقال القاسم بن أبي بزة : كانوا سبعين ألفاً, وقال السدي : بضعة وثلاثين ألفاً, وقال الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي ثمامة : كان سحرة فرعون تسعة عشر ألفاً, وقال محمد بن إسحاق : كانوا خمسة عشر ألفاً, وقال كعب الأحبار : كانوا اثني عشر ألفاً.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا محمد بن علي بن حمزة , حدثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: كانت السحرة سبعين رجلاً, أصبحوا سحرة, وأمسوا شهداء. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا المسيب بن واضح بمكة, حدثنا ابن المبارك قال: قال الأوزاعي : لما خر السحرة سجداً, رفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها, قال: وذكر عن سعيد بن سلام , حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن سليمان عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قوله: "فألقي السحرة سجداً" قال: رأوا منازلهم تبنى لهم وهم في سجودهم, وكذا قال عكرمة والقاسم بن أبي بزة .
فـ 66- "قال" لهم موسى "بل ألقوا" أمرهم بالإلقاء أولاً لتكون معجزته أظهر إذا ألقوا هم ما معهم ثم يلقي هو عصاه فتبتلع ذلك، وإظهاراً لعدم المبالاة بسحرهم "فإذا حبالهم وعصيهم" في الكلام حذف، والتقدير: فألقوا فإذا حبالهم، والفاء فصيحة، وإذا للمفاجأة أو ظرفية. والمعنى: فألقوا ففاجأ موسى وقت أن "يخيل إليه" سعي حبالهم وعصيهم، وقرأ الحسن عصيهم بضم العين وهي لغة بني تميم، وقرأ الباقون بكسرها اتباعاً لكسرة الصاد، وقرأ ابن عباس وابن ذكوان وروح عن يعقوب تخيل بالمثناة، لأن العصي والحبال مؤنثة، وذلك أنهم لطخوها بالزئبق، فلما أصابها حر الشمس ارتعشت واهتزت، وقرئ نخيل بالنون على أن الله سبحانه هو المخيل لذلك، وقرئ يخيل بالياء التحتية مبنياً للفاعل على أن المخيل هو الكيد، وقيل المخيل هو أنها تسعى، فإن في موضع رفع: أي يخيل إليه سعيها، ذكر معناه الزجاج. وقال الفراء: إنها في موضع نصب: أي بأنها ثم حذف الباء. قال الزجاج: ومن قرأ بالتاء: يعني الفوقية جعل أن في موضع نصب: أي تخل إليه ذات سعي. قال: ويجوز أن يكون في موضع رفع بدلاً من الضمير في تخيل، وهو عائد على الحبال والعصي، والبدل فيه اشتمال، يقال خيل إليه إذا شبه له وأدخل عليه البهمة والشبة.
66. " قال "، موسى: " بل ألقوا "، أنتم أولاً، " فإذا حبالهم "، وفيه إضمار، أي فألقوا فإذا حبالهم " وعصيهم "، جمع العصا، " يخيل إليه "، قرأ ابن عامر و يعقوب ((تخيل)) بالتاء رداً إلى الحبال والعصي، وقرأ الآخرون بالياء ردوه إلى الكيد والسحر، " من سحرهم أنها تسعى ".
وفي القصة أنهم لما ألقوا الحبال والعصي أخذوا أعين الناس، فرأى موسى والقوم كأن الأرض امتلأت حيات، وكانت قد أخذت ميلاً من كل جانب ورأوا أنها تسعى.
66ـ " قال بل ألقوا " مقابلة أدب بأدب وعدم مبالاة بسحرهم ، وإسعافاً إلى ما أوهموا من الميل إلى البدء بذكر الأول في شقهم وتغيير النظم إلى وجه أبلغ ، ولأن يبرزوا ما معهم ويستنفذوا أقصى وسعهم ثم يظهر الله سلطانه فيقذف بالحق على الباطل فيدمغه . " فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى" أي فألقوا فإذا حبالهم وعصيهم ، وهي للمفاجأة والتحقيق أنها أيضاً ظرفية تستدعي متعلقاً ينصبها وجملة تضاف إليها ، لكنها خصت بأن يكون المتعلق فعل المفاجأة والجملة ابتدائية والمعنى : فألقوا ففاجأ موسى عليه الصلاة والسلام وقت تخييل سعي حبالهم وعصيهم من سحرهم ، وذلك بأنهم لطخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمس اضطربت فخيل إليه أنها تتحرك . وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان وروح (( تخيل )) بالتاء على إسناده إلى ضمير الحبال ، والعصي وإبدال أنها " تسعى " منه بدل الاشتمال ، وقرئ " يخيل " بالياء على إسناده إلى الله تعالى ، و (( تخيل )) بمعنى تتخيل .
66. He said: Nay, do ye throw! Then Lo! their cords and their staves, by their magic, appeared to him as though they ran.
66 - He said, Nay, throw ye first! Then behold their ropes and their rods so it seemed to him on account of their magic began to be in lively motion!