[طه : 64] فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى
64 - (فأجمعوا كيدكم) من السحر بهمزة وصل وفتح الميم من جمع أي لممم وبهمزة قطع وكسر الميم من أجمع أحكم (ثم ائتوا صفا) حال أي مصطفين (وقد أفلح) فاز (اليوم من استعلى) غلب
اختلفت القراء في قراءة قوله: "فأجمعوا كيدكم" فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة "فأجمعوا كيدكم" بهمز الألف من "فأجمعوا"، ووجهوا معنى ذلك إلى : فأحكموا كيدكم ، واعزموا عليه، من قولهم : أجمع فلان الخروج ، وأجمع على الخروج ، كما يقال : أزمع عليه، ومنه قول الشاعر:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع هل أغدون يوماً وأمري مجمع
يعني بقوله : مجمع: قد أحكم وعزم عليه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يجمع على الصوم من الليل فلا صوم له".
وقرأ ذلك بعض قراء أهل البصرة فاجمعوا كيدكيم بوصل الألف ، وترك همزها، من جمعت الشيء ، كأنه وجهه إلى معنى : فلا تدعوا من كيدكم شيئاً إلا جئتم به. وكان بعض قارئي هذه القراءة يعتل فيما ذكر لي لقراءته ذلك كذلك بقوله: "فتولى فرعون فجمع كيده" [طه: 6].
قال أبو جعفر: والصواب في قراءة ذلك عندنا همز الألف من أجمع ، لإجماع الحجة من القراء عليه ، وأن السحرة هم الذين كانوا به معروفين ، فلا وجه لأن يقال لهم : اجمعوا ما دعيتم له مما أنتم به عالمون، لأن المرء إنما يجمع ما لم يكن عنده إلى ما عنده ، ولم يكن ذلك يوم تزيد في علمهم بما كانوا يعملونه من السحر، بل كان يوم إظهاره ، أو كان متفرقاً مما هو عنده ، بعضه إلى بعض، ولم يكن السحر متفرقاً عندهم فيجمعونه. وأما قوله: "فجمع كيده" [طه: 60] فغير شبيه المعنى بقوله: "فأجمعوا كيدكم" وذلك أن فرعون كان هو الذي يجمع ويحتفل بما يغلب به موسى مما لم يكن عنده مجتمعاً حاضراً، فقيل: فتولى فرعون فجمع كيده.
وقوله: "ثم ائتوا صفا" يقول : احضروا وجيئوا صفاً، والصف ههنا مصدر، ولذلك وحد، ومعناه : ثم ائتوا صفوفاً، وللصف في كلام العرب ، موضع آخر، وهو قول العرب: أتيت الصف اليوم يعني به المصلى الذي يصلى فيه.
وقوله: "وقد أفلح اليوم من استعلى" يقول: قد ظفر بحاجته اليوم من علا على صاحبه فقهره.
كما حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال : حدثت عن وهب بن منبه، قال: جمع فرعون الناس لذلك الجمع ، ثم أمر السحرة فقال : "ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى" أي قد أفلح من أفلج اليوم على صاحبه.
قوله تعالى: " فأجمعوا كيدكم " الإجماع الإحكام والعزم على الشيء. تقول: أجمعت الخروج وعلى الخروج أي عزمت. وقراءة كل الأمصار " فأجمعوا " إلا أبا عمرو فإنه قرأ فاجمعوا بالوصل وفتح الميم. واحتج بقوله: " فجمع كيده ثم أتى ". قال النحاس وفيما حكي لي عن محمد بن يزيد أنه قال: يجب على أبي عمرو أن يقرأ بخلاف قراءته هذه، وهي القراءة التي عليها أكثر الناس. قال: لأنه احتج بـ"جمع " وقوله عز وجل: " فجمع كيده " قد ثبت هذا فيبعد أن يكون بعده فاجمعوا ويقرب أن يكون بعده " فأجمعوا " أي اعزموا وجدوا، ولما تقدم ذلك وجب أن يكون هذا بخلاف معناه يقال: أمر مجمع ومجمع عليه. قال النحاس : ويصحح قراءة أبي عمرو فاجمعوا أي اجمعوا كل كيد لكم وكل حيلة فضموه مع أخيه. وقاله أبو إسحاق. الثعلبي : القراءة بقطع الألف وكسر الميم لها وجهان: أحدهما: بمعنى الجمع، تقول: أجمعت الشيء وجمعته بمعنى واحد، وفي الصحاح: وأجمعت الشيء جعلته جميعاً، قال أبو ذؤيب يصف حمراً:
فكأنها بالجزع بين نبايع وأولات ذي العرجاء نهب مجمع
أي مجموع. والثاني: أنه بمعنى العزم والإحكام، قال الشاعر:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع هل أغدون يوماً وأمري مجمع
أي محكم. " ثم ائتوا صفا " قال مقاتل و الكلبي : جميعاً. وقيل: صفوفاً ليكون أشد لهيبتكم. وهو منصوب بوقوع الفعل عليه على قول أبي عبيدة، قال يقال: أتيت الصف يعني المصلى، فالمعنى عنده ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه يوم العيد. وحكي عن بعض فصحاء العرب: ما قدرت أن آتي الصف، يعني المصلى. وقال الزجاج : يجوز أن يكون المعنى ثم ائتوا والناس مصطفون، فيكون على هذا مصدراً في موضع الحال. ولذلك لم يجمع. وقرىء ثم ايتوا بكسر الميم وياء. ومن ترك الهمز أبدل من الهمزة ألفاً. " وقد أفلح اليوم من استعلى " أي من غلب. وهذا كله من قول السحرة بعضهم لبعض. وقيل: من قول فرعون لهم.
يقول تعالى مخبراً عن فرعون أنه لما تواعد هو وموسى عليه السلام إلى وقت ومكان معلومين تولى, أي شرع في جمع السحرة من مدائن ممكلته, كل من ينسب إلى السحر في ذلك الزمان, وقد كان السحر فيهم كثيراً نافقاً جداً, كما قال تعالى: "وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم" ثم أتي. أي اجتمع الناس لميقات يوم معلوم وهو يوم الزينة, وجلس فرعون على سرير مملكته, واصطف له أكابر دولته, ووقفت الرعايا يمنة ويسرة, وأقبل موسى عليه الصلاة والسلام متوكئاً على عصاه ومعه أخوه هارون, ووقف السحرة بين يدي فرعون صفوفاً, وهو يحرضهم ويحثهم ويرغبهم في إجادة عملهم في ذلك اليوم, ويتمنون عليه وهو يعدهم ويمنيهم, يقولون " أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين " "قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذباً" أي لا تخيلوا للناس بأعمالكم إيجاد أشياء لا حقائق لها وأنها مخلوقة, وليست مخلوقة, فتكونون قد كذبتم على الله "فيسحتكم بعذاب" أي يهلككم بعقوبة هلاكاً لا بقية له " وقد خاب من افترى * فتنازعوا أمرهم بينهم " قيل معناه أنهم تشاجروا فيما بينهم, فقائل يقول ليس هذا بكلام ساحر إنما هذا كلام نبي, وقائل يقول بل هو ساحر, وقيل غير ذلك, والله أعلم.
وقوله: "وأسروا النجوى" أي تناجوا فيما بينهم " قالوا إن هذان لساحران " وهذه لغة لبعض العرب, جاءت هذه القراءة على إعرابها, ومنهم من قرأ " إن هذان لساحران " وهذ اللغة المشهورة, وقد توسع النحاة في الجواب عن القراءة الأولى بما ليس هذا موضعه. والغرض أن السحرة قالوا فيما بينهم: تعلمون أن هذا الرجل وأخاه ـ يعنون موسى وهارون ـ ساحران عالمان, خبيران بصناعة السحر, يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم ويستوليا على الناس, وتتبعهما العامة, ويقاتلا فرعون وجنوده, فينصرا عليه, ويخرجاكم من أرضكم.
وقوله: "ويذهبا بطريقتكم المثلى" أي ويستبدا بهذه الطريقة وهي السحر, فإنهم كانوا معظمين بسببها لهم أموال وأرزاق عليها, يقولون: إذا غلب هذان أهلكاكم وأخرجاكم من الأرض, وتفردا بذلك وتمحضت لهما الرياسة بها دونكم, وقد تقدم في حديث الفتون أن ابن عباس قال في قوله: "ويذهبا بطريقتكم المثلى" يعني ملكهم الذي هم فيه والعيش. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا نعيم بن حماد , حدثنا هشيم عن عبد الرحمن بن إسحاق , سمع الشعبي يحدث عن علي في قوله: "ويذهبا بطريقتكم المثلى" قال: يصرفا وجوه الناس إليهما.
وقال مجاهد "ويذهبا بطريقتكم المثلى" قال: أولو الشرف والعقل والأسنان. وقال أبو صالح : بطريقتكم المثلى أشرافكم وسرواتكم. وقال عكرمة : بخيركم. وقال قتادة : وطريقتهم المثلى يومئذ بنو إسرائيل, وكانوا أكثر القوم عدداً وأمولاً, فقال عدو الله يريدان أن يذهبا بها لأنفسهما. وقال عبد الرحمن بن زيد : بطريقتكم المثلى بالذي أنتم عليه. "فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفاً" أي اجتمعوا كلكم صفاً واحداً, وألقوا ما في أيديكم مرة واحدة لتبهروا الأبصار, وتغلبوا هذا وأخاه "وقد أفلح اليوم من استعلى" أي منا ومنه, أما نحن فقد وعدنا هذا الملك العطاء الجزيل, وأما هو فينال الرياسة العظيمة.
64- "فأجمعوا كيدكم" الإجماع الإحكام، والعزم على الشيء قاله الفراء. تقول أجمعت على الخروج مثل أزمعت. وقال الزجاج: معناه ليكن عزمكم كلكم كالكيد مجمعاً عليه، وقد اتفق القراء على قطع الهمزة في أجمعوا إلا أبا عمرو، فإنه قرأ بوصلها وفتح الميم من الجمع. قال النحاس: وفيما حكى لي عن محمد بن يزيد المبرد أنه قال: يجب على أبي عمرو أن يقرأ بخلاف هذه القراءة، وهي القراءة التي عليها أكثر الناس "ثم ائتوا صفاً" أي مصطفين مجتمعين ليكون أنظم لأمورهم وأشد لهيبتهم، وهذا قول جمهور المفسرين. وقال أبو عبيدة: الصف موضع المجمع ويسمى المصلى الصف. قال الزجاج: وعلى هذا معناه: ثم ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم، يقال: أتيت الصف بمعنى أتيت المصلى، فعلى التفسير الأول يكون انتصاب صفاً على الحال، وعلى تفسير أبي عبيدة يكون انتصابه على المفعولية. قال الزجاج: يجوز أن يكون المعنى ثم ائتوا الناس مصطفون، فيكون على هذا مصدراً في موضع الحال، ولذلك لم يجمع، وقرئ بكسر الهمزة بعدها ياء، ومن ترك الهمزة أبدل منها ألفاً "وقد أفلح اليوم من استعلى" أي من غلب، يقال استعلى عليه إذا غلبه، وهذا كله من قول السحرة بعضهم لبعض، وقيل من قول فرعون لهم.
64. " فأجمعوا كيدكم "، قرأ أبو عمرو: " فأجمعوا " بوصل الألف وفتح الميم، من الجمع، أي لا تدعوا شيئاً من كيدكم إلا جئتم به، بدليل قوله: ((فجمع كيده))، وقرأ الآخرون بقطع الألف وكسر الميم. فقد قيل: معناه الجمع أيضاً، تقول العرب: أجمعت الشيء وجمعته بمعنىً واحد.
والصحيح أن معناه العزم والإحكام، أي: أعزموا كلكم على كيده مجتمعين له، ولا تختلفوا فيختل أمركم.
" ثم ائتوا صفاً " أي جميعاً، قال مقاتل و الكلبي ، وقال قوم: أي مصطفين مجتمعين ليكون أشد لهيبتكم، وقال أبو عبيدة: الصف المجمع، ويسمى المصلى صفاً. معناه: ثم ائتوا المكان الموعود.
" وقد أفلح اليوم من استعلى "، أي: فاز من غلب.
64ـ " فأجمعوا كيدكم " فأزمعوه واجعلوه مجمعاً عليه لا يتخلف عنه واحد منكم . وقرأ أبو عمرو " فأجمعوا " ويعضده قوله " فجمع كيده " والضمير في " قالوا " إن كان للسحرة فهو قول بعضهم لبعض . " ثم ائتوا صفاً " مصطفين لأنه أهيب في صدور الرائين . قيل كانوا سبعين ألفاً مع كل واحد منهم جبل وعصا وأقبلوا عليه إقبالة واحدة . " وقد أفلح اليوم من استعلى " فاز بالمطلوب من غلب وهو اعتراض .
64. So arrange your plan, and come in battle line. Whoso is uppermost this day will be indeed successful.
64 - Therefore concert your plan, and then assemble In (serried) ranks: he wins (all along) to day who gains the upper hand