[طه : 62] فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى
62 - (فتنازعوا أمرهم بينهم) في موسى وأخيه (وأسروا النجوى) أي الكلام بينهم فيهما
يقول تعالى ذكره: فتنازع السحرة أمرهم بينهم.
وكان تنازعهم أمرهم بينهم فيما ذكر أن قال بعضهم لبعض ما:
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى" قال السحرة بينهم : إن كان هذا ساحراً فإنا سنغلبه ، وإن كان من السماء فله أمر.
وقال آخرون : بل هو أن بعضهم قال لبعض : ما هذا القول بقول ساحر.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال : حدثت عن وهب بن منبه، قال: جمع كل ساحر حباله وعصيه ، وخرج موسى معه أخوه يتكئ على عصاه ، حتى أتى المجمع، وفرعون في مجلسه ، معه أشراف أهل مملكته ، قد استكف له الناس ، فقال موسى للسحرة حين جاءهم "ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى" فتراد السحرة بينهم ، وقال بعضهم لبعض : ما هذا بقول ساحر.
وقوله "وأسروا النجوى" يقول تعالى ذكره : أسروا السحرة المناجاة بينهم.
ثم اختلف أهل العلم في السرار الذي أسروه ، فقال بعضهم : هو قول بعضهم لبعض : إن كان هذا ساحراً فإنا سنغلبه ، وإن كان من أمر السماء فإنه سيغلبنا.
قوله تعالى: " فتنازعوا أمرهم بينهم " أي تشاوروا، يريد السحرة. " وأسروا النجوى " قال قتادة " قالوا ": إن كان ما جاء به سحراً فسنغلبه، وإن كان من عند الله فسيكون له أمر، وهذا الذي أسروه. وقيل الذي أسروا قولهم: " إن هذان لساحران " الآية، قاله السدي و مقاتل . وقيل الذي أسروا قولهم: إن غلبنا اتبعناه، قاله الكلبي دليله ما ظهر من عاقبة أمرهم. وقيل: كان سرهم أن قالوا حين قال لهم موسى " ويلكم لا تفتروا على الله كذبا " [طه: 61]: ما هذا بقول ساحر. و " النجوى " المناجاة يكون اسماً ومصدراً، وقد تقدم في ((النساء)) بيانه.
يقول تعالى مخبراً عن فرعون أنه لما تواعد هو وموسى عليه السلام إلى وقت ومكان معلومين تولى, أي شرع في جمع السحرة من مدائن ممكلته, كل من ينسب إلى السحر في ذلك الزمان, وقد كان السحر فيهم كثيراً نافقاً جداً, كما قال تعالى: "وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم" ثم أتي. أي اجتمع الناس لميقات يوم معلوم وهو يوم الزينة, وجلس فرعون على سرير مملكته, واصطف له أكابر دولته, ووقفت الرعايا يمنة ويسرة, وأقبل موسى عليه الصلاة والسلام متوكئاً على عصاه ومعه أخوه هارون, ووقف السحرة بين يدي فرعون صفوفاً, وهو يحرضهم ويحثهم ويرغبهم في إجادة عملهم في ذلك اليوم, ويتمنون عليه وهو يعدهم ويمنيهم, يقولون " أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين " "قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذباً" أي لا تخيلوا للناس بأعمالكم إيجاد أشياء لا حقائق لها وأنها مخلوقة, وليست مخلوقة, فتكونون قد كذبتم على الله "فيسحتكم بعذاب" أي يهلككم بعقوبة هلاكاً لا بقية له " وقد خاب من افترى * فتنازعوا أمرهم بينهم " قيل معناه أنهم تشاجروا فيما بينهم, فقائل يقول ليس هذا بكلام ساحر إنما هذا كلام نبي, وقائل يقول بل هو ساحر, وقيل غير ذلك, والله أعلم.
وقوله: "وأسروا النجوى" أي تناجوا فيما بينهم " قالوا إن هذان لساحران " وهذه لغة لبعض العرب, جاءت هذه القراءة على إعرابها, ومنهم من قرأ " إن هذان لساحران " وهذ اللغة المشهورة, وقد توسع النحاة في الجواب عن القراءة الأولى بما ليس هذا موضعه. والغرض أن السحرة قالوا فيما بينهم: تعلمون أن هذا الرجل وأخاه ـ يعنون موسى وهارون ـ ساحران عالمان, خبيران بصناعة السحر, يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم ويستوليا على الناس, وتتبعهما العامة, ويقاتلا فرعون وجنوده, فينصرا عليه, ويخرجاكم من أرضكم.
وقوله: "ويذهبا بطريقتكم المثلى" أي ويستبدا بهذه الطريقة وهي السحر, فإنهم كانوا معظمين بسببها لهم أموال وأرزاق عليها, يقولون: إذا غلب هذان أهلكاكم وأخرجاكم من الأرض, وتفردا بذلك وتمحضت لهما الرياسة بها دونكم, وقد تقدم في حديث الفتون أن ابن عباس قال في قوله: "ويذهبا بطريقتكم المثلى" يعني ملكهم الذي هم فيه والعيش. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا نعيم بن حماد , حدثنا هشيم عن عبد الرحمن بن إسحاق , سمع الشعبي يحدث عن علي في قوله: "ويذهبا بطريقتكم المثلى" قال: يصرفا وجوه الناس إليهما.
وقال مجاهد "ويذهبا بطريقتكم المثلى" قال: أولو الشرف والعقل والأسنان. وقال أبو صالح : بطريقتكم المثلى أشرافكم وسرواتكم. وقال عكرمة : بخيركم. وقال قتادة : وطريقتهم المثلى يومئذ بنو إسرائيل, وكانوا أكثر القوم عدداً وأمولاً, فقال عدو الله يريدان أن يذهبا بها لأنفسهما. وقال عبد الرحمن بن زيد : بطريقتكم المثلى بالذي أنتم عليه. "فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفاً" أي اجتمعوا كلكم صفاً واحداً, وألقوا ما في أيديكم مرة واحدة لتبهروا الأبصار, وتغلبوا هذا وأخاه "وقد أفلح اليوم من استعلى" أي منا ومنه, أما نحن فقد وعدنا هذا الملك العطاء الجزيل, وأما هو فينال الرياسة العظيمة.
62- "فتنازعوا أمرهم بينهم" أي السحرة لما سمعوا كلام موسى تناظروا وتشاوروا وتجاذبوا أطراف الكلام في ذلك "وأسروا النجوى" أي من موسى.وكانت نجواهم هي قولهم.
62. " فتنازعوا أمرهم بينهم "، أي: تناظروا وتشاوروا، يعني السحرة في أمر موسى سراً من فرعون.
قال الكلبي : قالوا سراً: إن غلبنا موسى اتبعناه.
وقال محمد بن إسحاق : لما قال لهم موسى: لا تفتروا على الله كذباً، قال بعضهم لبعض: ما هذا بقول ساحر.
" وأسروا النجوى "، أي المناجاة، يكون مصدراً واسماً،
62ـ " فتنازعوا أمرهم بينهم " أي تنازعت السحرة في أمر موسى حين سمعوا كلامه فقال بعضهم : ليس هذا من كلام السحرة . " وأسروا النجوى " بأن موسى إن غلبنا اتبعناه أو تنازعوا واختلفوا فيما يعارضون به موسى وتشاوروا في السر . وقيل الضمير لفرعون وقومه وقوله :
62. Then they debated one with another what they must do, and they kept their counsel secret.
62 - So they disputed, one with another, over their affair, but they kept their talk secret.