[طه : 61] قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى
61 - (قال لهم موسى) وهم اثنان وسبعون مع كل واحد حبل وعصا (ويلكم) أي ألزمكم الله الويل (لا تفتروا على الله كذبا) بإشراك أحد معه (فيسحتكم) بضم الياء وكسر الحاء وبفتحهما أي يهلككم (بعذاب) من عنده (وقد خاب) خسر (من افترى) كذب على الله
يقول تعالى ذكره : "قال موسى" للسحرة لما جاء بهم فرعون "ويلكم لا تفتروا على الله كذبا" يقول : لا تختلقوا على الله كذباً، ولا تتقولوه "فيسحتكم بعذاب" فيستأصلكم بهلاك فيبيدكم. وللعرب فيه لغتان : سحت ، وأسحت ، وسحت أكثر من أسحت ، يقال منه : سحت الدهر، وأسحت مال فلان : إذا أهلكه فهو يسحته سحتاً ، وأسحته يسحته إسحاتاً. ومن الإسحات قول الفرزدق:
وعض زمان يابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتاً أو مجلف
ويروى : إلا مسحت أو مجلف.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "فيسحتكم بعذاب" يقول : فيهلككم.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "فيسحتكم بعذاب" يقول : يستأصلكم بعذاب.
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله "فيسحتكم بعذاب" قال : فيستأصلكم بعذاب فيهلككم.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "فيسحتكم بعذاب" قال : يهلككم هلاكاً ليس فيه بقية، قال : والذي يسحت ليس فيه بقية.
حدثنا موسى قال : ثنا عمرو، قال : ثنا أسباط ، عن السدي "فيسحتكم بعذاب" يقول يهلككم بعذاب.
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة فيسحتكم بفتح الياء من سحت يسحت. وقرأته عامة قراء الكوفة "فيسحتكم" بضم الياء من أسحت يسحت.
قال أبو جعفر: والقول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان ، ولغتان معروفتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، غير أن الفتح فيها أعجب إلي لأنها لغة أهل العالية، وهي أفصح ، والأخرى وهي الضم في نجد.
وقوله "وقد خاب من افترى" يقول : ولم يظفر من يخلق كذباً ويقوله ، بكذبه ذلك ، بحاجته التي طلبها به ، ورجا إدراكها به.
"قال لهم موسى " أي قال لفرعون والسحرة " ويلكم " دعاء عليهم بالويل. وهو بمعنى المصدر. وقال أبو إسحاق الزجاج: هو منصوب بمعنى ألزمهم الله ويلاً. قال: ويجوز أن يكون نداء كقوله تعالى: " يا ويلنا من بعثنا " [يس: 52]. " لا تفتروا على الله كذبا " أي لا تختلقوا عليه الكذب، ولا تشركوا به، ولا تقولوا للمعجزات إنها سحر. " فيسحتكم بعذاب " من عنده أي يستأصلكم بالإهلاك. يقال فيه: سحت وأسحت بمعنى. وأصله من استقصاء الشعر. وقرأ الكوفيون " فيسحتكم " من أسحت، الباقون " فيسحتكم " من سحت وهذه لغة أهل الحجاز والأولى لغة بني تميم. وانتصب على جواب النهي. وقال الفرزدق:
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتاً أو مجلف
الزمخشري : وهذا بيت لا تزال الركب تصطك في تسوية إعرابه. " وقد خاب من افترى " أي خسر وهلك، وخاب من الرحمة والثواب من ادعى على الله مالم يأذن به.
يقول تعالى مخبراً عن فرعون أنه لما تواعد هو وموسى عليه السلام إلى وقت ومكان معلومين تولى, أي شرع في جمع السحرة من مدائن ممكلته, كل من ينسب إلى السحر في ذلك الزمان, وقد كان السحر فيهم كثيراً نافقاً جداً, كما قال تعالى: "وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم" ثم أتي. أي اجتمع الناس لميقات يوم معلوم وهو يوم الزينة, وجلس فرعون على سرير مملكته, واصطف له أكابر دولته, ووقفت الرعايا يمنة ويسرة, وأقبل موسى عليه الصلاة والسلام متوكئاً على عصاه ومعه أخوه هارون, ووقف السحرة بين يدي فرعون صفوفاً, وهو يحرضهم ويحثهم ويرغبهم في إجادة عملهم في ذلك اليوم, ويتمنون عليه وهو يعدهم ويمنيهم, يقولون " أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين " "قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذباً" أي لا تخيلوا للناس بأعمالكم إيجاد أشياء لا حقائق لها وأنها مخلوقة, وليست مخلوقة, فتكونون قد كذبتم على الله "فيسحتكم بعذاب" أي يهلككم بعقوبة هلاكاً لا بقية له " وقد خاب من افترى * فتنازعوا أمرهم بينهم " قيل معناه أنهم تشاجروا فيما بينهم, فقائل يقول ليس هذا بكلام ساحر إنما هذا كلام نبي, وقائل يقول بل هو ساحر, وقيل غير ذلك, والله أعلم.
وقوله: "وأسروا النجوى" أي تناجوا فيما بينهم " قالوا إن هذان لساحران " وهذه لغة لبعض العرب, جاءت هذه القراءة على إعرابها, ومنهم من قرأ " إن هذان لساحران " وهذ اللغة المشهورة, وقد توسع النحاة في الجواب عن القراءة الأولى بما ليس هذا موضعه. والغرض أن السحرة قالوا فيما بينهم: تعلمون أن هذا الرجل وأخاه ـ يعنون موسى وهارون ـ ساحران عالمان, خبيران بصناعة السحر, يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم ويستوليا على الناس, وتتبعهما العامة, ويقاتلا فرعون وجنوده, فينصرا عليه, ويخرجاكم من أرضكم.
وقوله: "ويذهبا بطريقتكم المثلى" أي ويستبدا بهذه الطريقة وهي السحر, فإنهم كانوا معظمين بسببها لهم أموال وأرزاق عليها, يقولون: إذا غلب هذان أهلكاكم وأخرجاكم من الأرض, وتفردا بذلك وتمحضت لهما الرياسة بها دونكم, وقد تقدم في حديث الفتون أن ابن عباس قال في قوله: "ويذهبا بطريقتكم المثلى" يعني ملكهم الذي هم فيه والعيش. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا نعيم بن حماد , حدثنا هشيم عن عبد الرحمن بن إسحاق , سمع الشعبي يحدث عن علي في قوله: "ويذهبا بطريقتكم المثلى" قال: يصرفا وجوه الناس إليهما.
وقال مجاهد "ويذهبا بطريقتكم المثلى" قال: أولو الشرف والعقل والأسنان. وقال أبو صالح : بطريقتكم المثلى أشرافكم وسرواتكم. وقال عكرمة : بخيركم. وقال قتادة : وطريقتهم المثلى يومئذ بنو إسرائيل, وكانوا أكثر القوم عدداً وأمولاً, فقال عدو الله يريدان أن يذهبا بها لأنفسهما. وقال عبد الرحمن بن زيد : بطريقتكم المثلى بالذي أنتم عليه. "فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفاً" أي اجتمعوا كلكم صفاً واحداً, وألقوا ما في أيديكم مرة واحدة لتبهروا الأبصار, وتغلبوا هذا وأخاه "وقد أفلح اليوم من استعلى" أي منا ومنه, أما نحن فقد وعدنا هذا الملك العطاء الجزيل, وأما هو فينال الرياسة العظيمة.
وجملة 61- "قال لهم موسى" مستأنفة جواب سؤال مقدر "ويلكم لا تفتروا على الله كذباً" دعا عليهم بالويل، ونهاهم عن افتراء الكذب. قال الزجاج: هو منصوب بمحذوف، والتقدير ألزمهم الله ويلاً. قال: ويجوز أن يكون نداء كقوله: "يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا" "فيسحتكم بعذاب" السحت الاستئصال، يقال سحت وأسحت بمعنى، وأصله استقصاء الشعر. وقرأ الكوفيون إلا شعبة "فيسحتكم" بضم حرف المضارعة من أسحت، وهي لغة بني تميم، وقرأ الباقون بفتحه من سحت، وهي لغة الحجاز وانتصابه على أنه جواب للنهي "وقد خاب من افترى" أي خسر وهلك، والمعنى: قد خسر من افترى على الله أي كذب كان.
61. " قال لهم موسى "، يعني: للسحرة الذين جمعهم فرعون، وكانوا اثنين وسبعين ساحراً، مع كل واحد منهم حبل وعصا.
وقيل: كانوا أربعمائة. وقال كعب : كانوا اثني عشر ألفاً. وقيل أكثر من ذلك.
" ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذاب "، قرأ حمزة و الكسائي وحفص: " فيسحتكم " بضم الياء وكسر الحاء، وقرأ الباقون بفتح الياء والحاء وهما لغتان. قال مقاتل و الكلبي : فيهلككم. وقال قتادة : فيستأصلكم، " وقد خاب من افترى ".
61ـ " قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذباً " بأن تدعوا آياته سحراً. " فيسحتكم بعذاب " فيهلككم ويستأصلكم ، وبه قرأ حمزة و والكسائي و حفص و يعقوب بالضم من الاسحات وهو لغة نجد وتميم ، والسحت لغة الحجاز . " وقد خاب من افترى " كما خاب فرعون ، فإنه افترى واحتال ليبقى الملك عليه فلم ينفعه .
61. Moses said unto them: Woe unto you! Invent not a lie against Allah, lest He extirpate you by some punishment. He who lieth faileth miserably.
61 - Moses said to him: Woe to you! forge not Ye a lie against God, lest he destroy you (at once) utterly by chastisement: the forger must suffer frustration!