[طه : 54] كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى
54 - (كلوا) منها (وارعوا أنعامكم) فيها جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم يقال رعت الأنعام ورعيتها والأمر للاباحة وتذكير النعمة والجملة حال من ضمير أخرجنا أي مبيحين لكم الأكل ورعي الإنعام (إن في ذلك) المكور هنا (لآيات) لعبرا (لأولي النهى) لأصحاب العقول جمع نهية كغرفة وغرف سمي به العقل لأنه ينهى صاحبه عن ارتكاب القبائح
يقول تعالى ذكره : كلوا أيها الناس من طيب ما أخرجنا لكم بالغيث الذي أنزلناه من السماء إلى الأرض من ثمار ذلك وطعامه ، وما هو من أقواتكم وغذائكم ، وارعوا فيما هو أرزاق بهائمكم منه وأقواتها أنعامكم "إن في ذلك لآيات" يقول : إن فيما وصفت في هذه الآية من قدرة ربكم ، وعظيم سلطانه لآيات : يعني لدلالات وعلامات تدل على وحدانية ربكم ، وأن لا إله لكم غيره "لأولي النهى" يعني : أهل الحجى والعقول. والنهى : جمع نهية، كما الكشى : جمع كشية.
قال أبو جعفر: والكشى : شحمة تكون في جوف الضب ، شبيهة بالسرة، وخص تعالى ذكره بأن ذلك آيات لأولي النهى ، لأنهم أهل التفكر والاعتبار، وأهل التدبر والاتعاظ.
قوله تعالى: " كلوا وارعوا أنعامكم " أمر إباحة. " وارعوا " من رعت الماشية الكلأ، ورعاها صاحبها رعاية، أي أسامها وسرحها، لازم ومتعد " إن في ذلك لآيات لأولي النهى " أي العقول. الواحدة نهية. قال لهم ذلك، لأنهم الذين ينتهى إلى رأيهم. وقيل: لأنهم ينهون النفس عن القبائح. وهذا كله من موسى احتجاج على فرعون في إثبات الصانع جواباً لقوله: " قال فمن ربكما يا موسى ". وبين أنه إنما يستدل على الصانع اليوم بأفعاله.
من تمام كلام موسى فيما وصف به ربه عز وجل حين سأله فرعون عنه, فقال: "الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" ثم اعترض الكلام بين ذلك, ثم قال: "الذي جعل لكم الأرض مهداً" وفي قراءة بعضهم مهاداً أي قراراً تستقرون عليها, وتقومون وتنامون عليها, وتسافرون على ظهرها "وسلك لكم فيها سبلاً" أي جعل لكم طرقاً تمشون في مناكبها كما قال تعالى: "وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً لعلهم يهتدون" "وأنزل من السماء ماءً فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى" أي من أنواع النباتات من زروع وثمار, ومن حامض وحلو ومر وسائر الأنواع "كلوا وارعوا أنعامكم" أي شيء لطعامكم وفاكهتكم, وشيء لأنعامكم لأقواتها خضراً ويبساً " إن في ذلك لآيات " أي لدلالات وحججاً وبراهين "لأولي النهى" أي لذوي العقول السليمة المستقيمة, على أنه لا إله إلا الله ولا رب سواه "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى" أي من الأرض مبدؤكم, فإن أباكم آدم مخلوق من تراب من أديم الأرض وفيها نعيدكم أي وإليها تصيرون إذا متم وبليتم, ومنها نخرجكم تارة أخرى "يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا" وهذه الاية كقوله تعالى: "قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون" وفي الحديث الذي في السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حضر جنازة, فلما دفن الميت أخذ قبضة من التراب فألقاها في القبر وقال: منها خلقناكم, ثم أخذ أخرى, وقال: وفيها نعيدكم, ثم أخرى, وقال: ومنها نخرجكم تارة أخرى. وقوله: "ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى" يعني فرعون أنه قامت عليه الحجج والايات والدلالات, وعاين ذلك وأبصره فكذب بها وأباها كفراً وعناداً وبغياً, كما قال تعالى: "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً" الاية.
وجملة 54- "كلوا وارعوا" في محل نصب على الحال بتقدير القول: أي قائلين لهم ذلك، والأمر للإباحة: يقال رعت الماشية الكلأ ورعاها صاحبها رعاية: أي أسامها وسرحها يجيء لازماً ومتعدياً، والإشارة بقوله: " إن في ذلك لآيات لأولي النهى " إلى ما تقدم ذكره في هذه الآيات، والنهي العقول جمع نهية، وخص ذوي النهي لأنهم الذين ينتهون إلى رأيهم، وقيل لأنهم ينهون النفس عن القبائح، وهذا كله من موسى احتجاج على فرعون في إثبات الصانع جواباً لقوله: "فمن ربكما يا موسى".
54. " كلوا وارعوا " [أي وارتعوا]، " أنعامكم "، تقول العرب: رعيت الغنم فرعت، أي: أسيموا أنعامكم ترعى.
" إن في ذلك "، الذي ذكرت، " لآيات لأولي النهى "، لذوي العقول، واحدتها: ((نهية)) سميت نهية لأنها تنهى صاحبها عن القبائح والمعاصي.
قال الضحاك : " لأولي النهى ": الذين ينتهون عما حرم عليهم.
قال قتادة : لذوي الورع.
54ـ " كلوا وارعوا أنعامكم " وهو حال من ضمير " فأخرجنا " على إرادة القول أي أخرجنا أصناف النبات قائلين " كلوا وارعوا " ، والمعنى معديهما لانتفاعكم بالأكل والعلف آذنين فيه . " إن في ذلك لآيات لأولي النهى " لذوي العقول الناهية عن اتباع الباطل وارتكاب القبائح جمع نهية .
54. (Saying): Eat ye and feed your cattle. Lo! herein verily are portents for men of thought.
54 - Eat (for yourselves) and pasture your cattle: verily, in this are signs for men endued with understanding.