[طه : 50] قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى
50 - (قال ربنا الذي أعطى كل شيء) من الخلق (خلقه) الذي هو عليه متميز به من غيره (ثم هدى) الحيوان منه
وقوله "قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" يقول تعالى ذكره : قال موسى له مجيباً: ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ، يعني : نظير خلقه في الصورة والهيئة كالذكور من بني آدم ، أعطاهم نظير خلقهم من الإناث أزواجاً، وكالذكور من البهائم ، أعطاها نظير خلقها، وفي صورتها وهيئتها من الإناث أزواجاً، فلم يعط الإنسان خلاف خلقه ، فيزوجه بالإناث من البهائم ، ولا البهائم بالإناث من الإنس ، ثم هداهم للمأتي الذي منه النسل والنماء كيف يأتيه ، ولسائر منافعه من المطاعم والمشارب ، وغير ذلك.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم بنحو الذي قلنا فيه.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" يقول : خلق لكل شيء زوجة، ثم هداه لمنكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه ومولده.
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو، قال : ثنا أسباط ، عن السدي "قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" يقول : أعطى كل دابة خلقها زوجاً، ثم هدى للنكاح.
وقال آخرون : معنى قوله "ثم هدى" أنه هداهم إلى الألفة والاجتماع والمناكحة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" يعني : هدى بعضهم إلى بعض ، ألف بين قلوبهم وهداهم للتزويج أن يزوج بعضهم بعضاً.
وقال آخرون : معنى ذلك : أعطى كل شيء صورته ، وهي خلقه الذي خلقه به ، ثم هداه لما يصلحه من الاحتيال للغذاء والمعاش.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : ثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد، في قوله "أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" قال : أعطى كل شيء صورته ثم هدى كل شيء إلى معيشته.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، في قول الله "أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" قال : سوى خلق كل دابة، ثم هداها لما يصلحها، فعلمها إياه.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، قوله "ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" قال : سوى خلق كل دابة ثم هداها لما يصلحها وعلمها إياه ، ولم يجعل الناس في خلق البهائم ، ولا خلق البهائم في خلق الناس ، ولكن خلق كل شيء فقدره تقديراً.
حدثنا محمد بن بشار، قال : ثنا عبد الرحمن، قال : ثنا سفيان ، عن حميد عن مجاهد "أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" قال : هداه إلى حيلته ومعيشته.
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أعطى كل شيء ما يصلحه ، ثم هداه له.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله "أعطى كل شيء خلقه" قال : أعطى كل شيء ما يصلحه. ثم هداه له.
قال أبو جعفر: وإنما اخترنا القول الذي اخترنا في تأويل ذلك ، لأنه جل ثناؤه أخبر أنه أعطى كل شيء خلقه ، ولا يعطي المعطي نفسه ، بل إنما يعطي ما هو غيره ، لأن العطية تقتضي المعطي المعطى والعطية، ولا تكون العطية هي المعطى، وإذا لم تكن هي هو، وكانت غيره ، وكانت صورة كل خلق بعض أجزائه ، كان معلوماً أنه إذا قيل : أعطى الإنسان صورته ، إنما يعني أنه أعطى بعض المعاني التي به مع غيره دعي إنساناً، فكأن قائله قال : أعطى كل خلق نفسه ، وليس ذلك إذا وجه إليه الكلام بالمعروف من معاني العطية، وإن كان قد يحتمله الكلام . فإذا كان ذلك كذلك ، فالأصوب من معانيه أن يكون موجهاً إلى أن كل شيء أعطاه ربه مثل خلقه ، فزوجه به ، ثم هداه لما بينا، ثم ترك ذكر مثل ، وقيل "أعطى كل شيء خلقه" كما يقال : عبد الله مثل الأسد، ثم يحذف مثل ، فيقول عبد الله الأسد.
" قال " موسى: " ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه " أي أنه يعرف بصفاته، وليس له اسم علم حتى يقال فلان، بل هو خالق العالم، وهو الذي خص كل مخلوق بهيئة وصورة، ولو كان الخطاب معهما لقالا: قالا ربنا. " وخلقه " أول مفعولي أعطى، أي أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به، أو ثانيهما أي أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به، على قول الضحاك على ما يأتي. " ثم هدى " قال ابن عباس وسعيد بن جبير و السدي : أعطى كل شيء زوجه من جنسه، ثم هداه إلى منكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه. وعن ابن عباس: ثم هداه إلى الألفة والاجتماع والمناكحة. وقال الحسن و قتادة : أعطى كل شيء صلاحه، وهداه لما يصلحه. وقال مجاهد : أعطى كل شيء صورة، لم يجعل خلق الإنسان في خلق البهائم، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان، ولكن خلق كل شيء فقدره تقديرا. وقال الشاعر:
وله في كل شيء خلقة وكذاك الله ما شاء فعل
يعني بالخلقة الصورة، وهو قول عطية و مقاتل . وقال الضحاك : أعطى كل شيء خلقه من المنفعة المنوطة به المطابقة له. يعني اليد للبطش، والرجل للمشي، واللسان للنطق، والعين للنظر، والأذن للسمع. وقيل: أعطى كل شيء ما ألهمه من علم أو صناعة. وقال الفراء : خلق الرجل للمرأة، ولكل ذكر ما يوافقه من الإناث، ثم هدى الذكر للأنثى. فالتقدير على هذا أعطى كل شيء مثل خلقه.
قلت: وهذا معنى قول ابن عباس. والآية بعمومها تتناول جميع الأقوال. وروى زائدة عن الأعمش أنه قرأ " الذي أعطى كل شيء خلقه " بفتح اللام، وهي قراءة ابن أبي إسحاق ورواها نصير عن الكسائي وغيره، أي أعطى بني آدم كل شيء خلقه مما يحتاجون إليه. فالقراءتان متفقتان في المعنى.
يقول تعالى مخبراً عن فرعون أنه قال لموسى منكراً وجود الصانع الخالق إله كل شيء وربه ومليكه, قال "فمن ربكما يا موسى" أي الذي بعثك وأرسلك من هو, فإني لا أعرفه وما علمت لكم من إله غيري "قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى". قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : يقول خلق لكل شيء زوجه. وقال الضحاك عن ابن عباس : جعل الإنسان إنساناً, والحمار حماراً, والشاة شاة. وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد : أعطى كل شيء صورته. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : سوى خلق كل دابة.
وقال سعيد بن جبير في قوله: "أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" قال: أعطى كل ذي خلق ما يصلحه من خلقه, ولم يجعل للإنسان من خلق الدابة, ولاللدابة من خلق الكلب, ولا للكلب من خلق الشاة, وأعطى كل شيء ما ينبغي له من النكاح, وهيأ كل شيء على ذلك, ليس شيء منها يشبه شيئاً من أفعاله في الخلق والرزق والنكاح. وقال بعض المفسرين: أعطى كل شيء خلقه ثم هدى, كقوله تعالى: "الذي قدر فهدى" أي قدر قدراً وهدى الخلائق إليه, أي كتب الأعمال والاجال والأرزاق, ثم الخلائق ماشون على ذلك لا يحيدون عنه ولا يقدر أحد على الخروج منه.
يقول ربنا الذي خلق الخلق وقدر القدر وجبل الخليقة على ما أراد "قال فما بال القرون الأولى" أصح الأقوال في معنى ذلك أن فرعون لماأخبره موسى بأن ربه الذي أرسله هو الذي خلق ورزق, وقدر فهدى, شرع يحتج بالقرون الأولى, أي الذين لم يعبدوا الله, أي فما بالهم إذا كان الأمر كذلك لم يعبدوا ربك بل عبدوا غيره, فقال له موسى في جواب ذلك, هم وإن لم يعبدوه فإن علمهم عند الله مضبوط علهيم, وسجزيهم بعملهم في كتاب الله, وهو اللوح المحفوظ وكتاب الأعمال "لا يضل ربي ولا ينسى" أي لا يشذ عنه شيء, ولا يفوته صغير ولا كبير, ولا ينسى شيئاً يصف علمه تعالى بأنه بكل شيء محيط, وأنه لا ينسى شيئاً, تبارك وتعالى وتقدس وتنزه, فإن علم المخلوق يعتريه نقصانان: أحدهما عدم الإحاطة بالشيء, والاخر نسيانه بعد علمه, فنزه نفسه عن ذلك.
50- "قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه" أي قال موسى مجيباً له، وربنا مبتدأ، وخبره الذي أعطى كل شيء خلقه، ويجوز أن يكون ربنا خبر مبتدأ محذوف، وما بعده صفته، قرأ الجمهور "خلقه" بسكون اللام، وروى زائدة عن الأعمش أنه قرأ خلقه بفتح اللام على أنه فعل، وهي قراءة ابن أبي إسحاق، ورواها نصير عن الكسائي. فعلى القراءة الأولى يكون خلقه ثاني مفعولي أعطى. والمعنى: أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به المطابقة له كاليد للبطش، والرجل للمشي واللسان للنطق، والعين للنظر، والأذن للسمع، كذا قال الضحاك وغيره. وقال الحسن وقتادة: أعطى كل شيء صلاحه وهداه لما يصلحه. وقال مجاهد: المعنى لم يخلق خلق الإنسان في خلق البهائم، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان، ولكن خلق كل شيء فقدره تقديراً، ومنه قول الشاعر:
وله في كل شيء خلقه وكذاك الله ما شاء فعل
وقال الفراء: المعنى خلق للرجل والمرأة، ولكل ذكر ما يوافقه من الإناث، ويجوز أن يكون خلقه على القراءة الأولى هو المفعول الأول لأعطى: أي أعطى خلقه كل شيء يحتاجون إليه، ويرتفقون به، ومعنى "ثم هدى" أنه سبحانه هداهم إلى طرق الانتفاع بما أعطاهم فانتفعوا بكل شيء فيما خلق له، وأما على القراءة الآخرة، فيكون الفعل صفة للمضاف أو للمضاف إليه: أي أعطى كل شيء خلقه الله سبحانه ولم يخله من عطائه، وعلى هذه القراءة يكون المفعول الثاني محذوفاً: أي أعطى كل شيء خلقه ما يحتاج إليه، فيوافق معناها معنى القراءة الأولى.
50. " قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى "، قال الحسن و قتادة : أعطى كل شيء صلاحه، وهداه لما يصلحه.
وقال مجاهد : أعطى كل شيء صورته، لم يجعل خلق الإنسان كخلق البهائم، ولا خلق البهائم كخلق الإنسان، ثم هداه إلى منافعه من المطعم والمشرب والمنكح.
وقال الضحاك : (( أعطى كل شيء خلقه: يعني اليد للبطش، والرجل للمشي، واللسان للنطق، والعين للنظر، والأذن للسمع.
وقال سعيد بن جبير : " أعطى كل شيء خلقه ": يعني زوج، للإنسان المرأة، وللبعير الناقة، وللحمار الأتان، وللفرس الرمكة. " ثم هدى ": أي: ألهمه كيف يأتي الذكر الأنثى.
50ـ " قال ربنا الذي أعطى كل شيء " من الأنواع " خلقه " صورته وشكله الذي يطابق كماله الممكن له ، أو أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به ، فقدم المفعول الثاني لأنه المقصود بيانه . وقيل أعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة زوجاً . وقرئ " خلقه " صفة للمضاف إليه أو المضاف على شذوذ فيكون المفعول الثاني محذوفاً أي : أعطى كل مخلوق ما يصلحه. " ثم هدى " ثم عرفه كيف يرتفق بما أعطي وكيف يتوصل به إلى بقائه وكماله اختياراً أو طبعاً وهو جواب في غاية البلاغة لاختصاره وإعرابه عن الموجودات بأسرها على مراتبها ، ودلالته على أن الغني القادر بالذات المنعم على الإطلاق هو الله تعالى وأن جميع ما عداه مفتقر إليه منعم عليه في حد ذاته وصفاته وأفعاله ، ولذلك بهت الذي كفر وأفحم عن الدخل عليه فلم ير إلا صرف الكلام عنه .
50. He said: Our Lord is He Who gave unto evening its nature, then guided it aright.
50 - He said: our Lord is he who gave to each (created) thing its form and nature, and further, gave (it) guidance.