[طه : 49] قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى
49 - (قال فمن ربكما يا موسى) اقتصر عليه لأنه الأصل ولإدلاله عليه بالتربية
وقوله "قال فمن ربكما يا موسى" في هذا الكلام متروك ، ترك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر عليه عنه ، وهو قوله "فأتياه" فقالا له ما أمرهما به ربهما وأبلغاه رسالته ، فقال فرعون لهما "فمن ربكما يا موسى" فخاطب موسى وحده بقوله : يا موسى، وقد وجه الكلام قبل ذلك إلى موسى وأخيه . وإنما فعل ذلك كذلك ، لأن المجاوبة إنما تكون من الواحد وإن كان الخطاب بالجماعة لا من الجميع ، وذلك نظير قوله "نسيا حوتهما" [الكهف: 61] وكان الذي يحمل الحوت واحد، وهو فتى موسى، يدل على ذلك قوله "فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره" [الكهف: 63].
قوله تعالى: " قال فمن ربكما يا موسى " ذكر فرعون موسى دون هارون لرؤوس الآي. وقيل: خصصه بالذكر لأنه صاحب الرسالة والكلام والآية. وقيل: إنهما جميعاً بلغا الرسالة وإن كان ساكتاً، لأنه في وقت الكلام إنما يتكلم واحد، فإذا انقطع وازره الآخر وأيده. فصار لنا في هذا البناء فائدة علم، أن الاثنين إذا قلدا أمراً فقام به أحدهما والآخر شخصه هناك موجود مستغنى عنه في وقت دون وقت أنهما أديا الأمر الذي قلدا وقاما به واستوجبا الثواب، لأن الله تعالى قال: " اذهبا إلى فرعون " وقال: " اذهب أنت وأخوك " وقال: " فقولا له " فأمرهما جميعاً بالذهاب وبالقول، ثم أعلمنا في وقت الخطاب بقوله: " فمن ربكما " أنه كان حاضراً مع موسى.
يقول تعالى مخبراً عن فرعون أنه قال لموسى منكراً وجود الصانع الخالق إله كل شيء وربه ومليكه, قال "فمن ربكما يا موسى" أي الذي بعثك وأرسلك من هو, فإني لا أعرفه وما علمت لكم من إله غيري "قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى". قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : يقول خلق لكل شيء زوجه. وقال الضحاك عن ابن عباس : جعل الإنسان إنساناً, والحمار حماراً, والشاة شاة. وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد : أعطى كل شيء صورته. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : سوى خلق كل دابة.
وقال سعيد بن جبير في قوله: "أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" قال: أعطى كل ذي خلق ما يصلحه من خلقه, ولم يجعل للإنسان من خلق الدابة, ولاللدابة من خلق الكلب, ولا للكلب من خلق الشاة, وأعطى كل شيء ما ينبغي له من النكاح, وهيأ كل شيء على ذلك, ليس شيء منها يشبه شيئاً من أفعاله في الخلق والرزق والنكاح. وقال بعض المفسرين: أعطى كل شيء خلقه ثم هدى, كقوله تعالى: "الذي قدر فهدى" أي قدر قدراً وهدى الخلائق إليه, أي كتب الأعمال والاجال والأرزاق, ثم الخلائق ماشون على ذلك لا يحيدون عنه ولا يقدر أحد على الخروج منه.
يقول ربنا الذي خلق الخلق وقدر القدر وجبل الخليقة على ما أراد "قال فما بال القرون الأولى" أصح الأقوال في معنى ذلك أن فرعون لماأخبره موسى بأن ربه الذي أرسله هو الذي خلق ورزق, وقدر فهدى, شرع يحتج بالقرون الأولى, أي الذين لم يعبدوا الله, أي فما بالهم إذا كان الأمر كذلك لم يعبدوا ربك بل عبدوا غيره, فقال له موسى في جواب ذلك, هم وإن لم يعبدوه فإن علمهم عند الله مضبوط علهيم, وسجزيهم بعملهم في كتاب الله, وهو اللوح المحفوظ وكتاب الأعمال "لا يضل ربي ولا ينسى" أي لا يشذ عنه شيء, ولا يفوته صغير ولا كبير, ولا ينسى شيئاً يصف علمه تعالى بأنه بكل شيء محيط, وأنه لا ينسى شيئاً, تبارك وتعالى وتقدس وتنزه, فإن علم المخلوق يعتريه نقصانان: أحدهما عدم الإحاطة بالشيء, والاخر نسيانه بعد علمه, فنزه نفسه عن ذلك.
49- "قال فمن ربكما يا موسى" أي قال فرعون لهما: فمن ربكما؟ فأضاف الرب إليهما ولم يضفه إلى نفسه لعدم تصديقه لهما ولجحده للربوبية، وخص موسى بالنداء لكونه الأصل في الرسالة، وقيل لمطابقة رؤوس الآي.
49. " قال فمن ربكما يا موسى " من إلهكما الذي أرسلكما؟.
49ـ " قال فمن ربكما يا موسى " أن بعد ما أتياه وقالا له ما أمرا به ، ولعله حذف لدلالة الحال عليه فإن المطيع إذا أم بشيء فعله لا محالة ، وإنما خاطب الاثنين وخص موسى عليه الصلاة والسلام بالنداء لأنه الأصل وهرون وزيره وتابعه ، أو لأنه عرف أن له رتة ولأخيه فصاحة فأراد أن يفحمه ويدل عليه قوله " أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين " .
49. (Pharaoh) said: Who then is the Lord of you twain, O Moses?
49 - (When this message was delivered), (pharaoh) said: who, then, O Moses, is the Lord of you two?