[طه : 41] وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي
41 - (واصطنعتك) اخترتك (لنفسي) بالرسالة
يقول تعالى ذكره : "واصطنعتك لنفسي" أنعمت عليك يا موسى هذه النعم ، ومننت عليك هذه المنن ، اجتباء مني لك ، واختياراً لرسالتي والبلاغ عني ، والقيام بأمري ونهيي.
قوله تعالى: " واصطنعتك لنفسي " قال ابن عباس: أي اصطفيتك لوحيي ورسالتي. وقيل: " اصطنعتك " خلقتك، مأخوذ من الصنعة. وقيل: قويتك وعلمتك لتبلغ عبادي أمري ونهيي.
يقول تعالى مخاطباً لموسى عليه السلام: إنه لبث مقيماً في أهل مدين فاراً من فرعون وملئه, يرعى على صهره حتى انتهت المدة وانقضى الأجل, ثم جاء موافقاً لقدر الله وإرادته من غير ميعاد, والأمر كله لله تبارك وتعالى, وهو المسير عباده وخلقه فيما يشاء, ولهذا قال: "ثم جئت على قدر يا موسى" قال مجاهد : أي على موعد. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: "ثم جئت على قدر يا موسى" قال: على قدر الرسالة والنبوة. وقوله: "واصطنعتك لنفسي" أي اصطفيتك واجتبيتك رسولاً لنفسي أي كما أريد وأشاء. وقال البخاري عند تفسيرها: حدثنا الصلت بن محمد , حدثنا مهدي بن ميمون , حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "التقى آدم وموسى فقال موسى: أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة, فقال آدم: وأنت الذي اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه وأنزل عليك التوراة ؟ قال: نعم, قال فوجدته مكتوباً علي قبل أن يخلقني, قال: نعم فحج آدم موسى" أخرجاه.
وقوله: "اذهب أنت وأخوك بآياتي" أي بحججي وبراهيني ومعجزاتي "ولا تنيا في ذكري" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : لا تبطئا, وقال مجاهد عن ابن عباس : لا تضعفا, والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله, بل يذكران الله في حال مواجهة فرعون, ليكون ذكر الله عوناً لهما عليه, وقوة لهما وسلطاناً كاسراً له, كما جاء في الحديث "إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مناجز قرنه". وقوله: "اذهبا إلى فرعون إنه طغى" أي تمرد وعتا وتجبر على الله وعصاه "فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى" هذه الاية فيها عبرة عظيمة, وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك, ومع هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين, كما قال يزيد الرقاشي عند قوله: "فقولا له قولاً ليناً",
يا من يتحبب إلى من يعاديه فكيف بمن يتولاه ويناديه ؟
وقال وهب بن منبه : قولا له إني إلى العفو والمغفرة أقرب مني إلى الغضب والعقوبة. وعن عكرمة في قوله: "فقولا له قولاً ليناً" قال: لا إله إلا الله, وقال عمرو بن عبيد عن الحسن البصري "فقولا له قولاً ليناً" أعذرا إليه قولا له: إن لك رباً ولك معاداً, وإن بين يديك جنة وناراً, وقال بقية عن علي بن هارون عن رجل عن الضحاك بن مزاحم عن النزال بن سبرة عن علي في قوله "فقولا له قولاً لينا" قال: كنه, وكذا روي عن سفيان الثوري : كنه بأبي مرة, والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين سهل رفيق, ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع, كما قال تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن".
وقوله: "لعله يتذكر أو يخشى" أي لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة, أو يخشى أي يوجد طاعة من خشية ربه, كما قال تعالى: " لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا " فالتذكر الرجوع عن المحذور, والخشية تحصيل الطاعة, وقال الحسن البصري : "لعله يتذكر أو يخشى" يقول: لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه, وههنا نذكر شعر زيد بن عمرو بن نفيل , ويروى لأمية بن أبي الصلت فيما ذكره ابن إسحاق .
وأنت الذي من فضل من ورحمة بعثت إلى موسى رسولاً مناديا
فقلت له: فاذهب وهارون فادعوا إلى الله فرعون الذي كان باغيا
فقولا له: هل أنت سويت هذه بلا وتد حتى استقلت كما هيا
وقولا له: آأنت رفعت هذه بلا عمد أرفق إذن بك بانيا
وقولا له: آأنت سويت وسطها منيراً إذا ما جنه الليل هاديا
وقولا له: من يخرج الشمس بكرة فيصبح مامست من الأرض ضاحيا
وقولا له: من ينبت الحب في الثرى فيصبح منه البقل يهتز رابيا
ويخرج منه حبة في رؤوسه ؟ ففي ذاك آيات لمن كان واعيا
41- "واصطنعتك لنفسي" الاصطناع: اتخاذ الصنعة، وهي الخير تسديه إلى إنسان، والمعنى: اصطنعتك لوحيي ورسالتي لتتصرف على أرادتي. قال الزجاج: تأويله اخترتك لإقامة حجتي، وجعلتك بيني وبين خفي، وصرت بالتبليغ عني بالمنزلة التي أكون أنا بها لو خاطبتهم واحتججت عليهم. قيل وهو تمثيل لما خوله الله سبحانه من الكرامة العظمى بتقريب الملك لبعض خواصه.
41. قوله عز وجل: " واصطنعتك لنفسي "، أي اخترتك واصطفيتك لوحيي ورسالتي، يعني لتنصرف على إرادتي ومحبتي، وذلك أن قيامه بأداء الرسالة [تصرف على] إرادة الله ومحبته.
قال الزجاج : اخترتك لأمري وجعلتك القائم بحجتي والمخاطب بيني وبين خلقي، كأني الذي أقمت بك عليهم الحجة وخاطبتهم.
41ـ " واصطنعتك لنفسي " واصطفيتك لمحبتي مثله فيما خوله من الكرامة بمن قربه الملك واستخلصه لنفسه .
41. And I have attached thee to Myself.
41 - And I have prepared thee for myself (for service).