[طه : 19] قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى
19 - (قال ألقها يا موسى)
يقول تعالى ذكره : قال الله لموسى : ألق عصاك التي بيمينك يا موسى، يقول الله جل جلاله : فألقاها موسى، فجعلها الله حية تسعى، وكانت قبل ذلك خشبة يابسة، وعصاً يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه ، فصارت حية بأمر الله.
قوله تعالى: " قال ألقها يا موسى ": لما أراد الله تعالى أن يدربه في تلقي النبوة وتكاليفها أمره بإلقاء العصا
هذا برهان من الله تعالى لموسى عليه السلام, ومعجزة عظيمة, وخرق للعادة باهر دل على أنه لا يقدر على مثل هذا إلا الله عز وجل, وأنه لا يأتي به إلا نبي مرسل. وقوله: "وما تلك بيمينك يا موسى" قال بعض المفسرين: إنما قال له ذلك على سبيل الإيناس له, وقيل: وإنما قال له ذلك على وجه التقرير, أي أما هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها, فسترى ما نصنع بها الان "وما تلك بيمينك يا موسى" استفهام تقرير " قال هي عصاي أتوكأ عليها " أي أعتمد عليها في حال المشي "وأهش بها على غنمي" أي أهز بها الشجرة ليتساقط ورقها لترعاه غنمي. قال عبد الرحمن بن القاسم عن الإمام مالك : الهش أن يضع الرجل المحجن في الغصن ثم يحركه حتى يسقط ورقه وثمره ولا يكسر العود, فهذا الهش ولا يخبط, وكذا قال ميمون بن مهران أيضاً.
وقوله: "ولي فيها مآرب أخرى" أي مصالح ومنافع وحاجات أخر غير ذلك, وقد تكلف بعضهم لذكر شيء من تلك المآرب التي أبهمت, فقيل: كانت تضيء له بالليل وتحرس له الغنم إذا نام, ويغرسها فتصير شجرة تظله, وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة, والظاهر أنها لم تكن كذلك, ولو كانت كذلك لما استنكر موسى عليه الصلاة والسلام صيرورتها ثعباناً فما كان يفر منها هارباً, ولكن كل ذلك من الأخبار الإسرائيلية, وكذا قول بعضهم: إنها كانت لادم عليه الصلاة والسلام, وقول الاخر: إنها هي الدابة التي تخرج قبل يوم القيامة, وروي عن ابن عباس أنه قال: كان اسمها ما شا, والله أعلم بالصواب.
وقوله تعالى: "قال ألقها يا موسى" أي هذه العصا التي في يدك يا موسى ألقها "فألقاها فإذا هي حية تسعى" أي صارت في الحال حية عظيمة ثعباناً طويلاً يتحرك حركة سريعة, فإذا هي تهتز كأنها جان, وهو أسرع الحيات حركة, ولكنه صغير, فهذه في غاية الكبر وفي غاية سرعة الحركة, "تسعى" أي تمشي وتضطرب. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أحمد بن عبدة , حدثنا حفص بن جميع , حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس "فألقاها فإذا هي حية تسعى" ولم تكن قبل ذلك حية, فمرت بشجرة فأكلتها, ومرت بصخرة فابتلعتها, فجعل موسى يسمع وقع الصخرة في جوفها فولى مدبراً, ونودي: أن يا موسى خذها فلم يأخذها, ثم نودي الثانية: أن خذها ولا تخف, فقيل له في الثالثة: إنك من الامنين, فأخذها.
وقال وهب بن منبه في قوله: "فألقاها فإذا هي حية تسعى" قال فألقاها على وجه الأرض ثم حانت منه نظرة فإذا بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون فدب يلتمس كأنه يبتغي شيئاً يريد أخذه, يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فيلتقمها, ويطعن بالناب من أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فيجتثها, عيناه توقدان ناراً, وقد عاد المحجن منها عرفاً, قيل: شعره مثل النيازك, وعاد الشعبتان منها مثل القليب الواسع فيه أضراس وأنياب لها صريف, فلما عاين ذلك موسى ولى مدبراً ولم يعقب, فذهب حتى أمعن ورأى أنه قد أعجز الحية, ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه ثم نودي يا موسى أن ارجع حيث كنت فرجع موسى وهو شديد الخوف فقال: "خذها" بيمينك "ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى" وعلى موسى حينئذ مدرعة من صوف فدخلها بخلال من عيدان, فلما أمره بأخذها, أدلى طرف المدرعة على يده, فقال له ملك: أرأيت يا موسى لو أذن الله بما تحاذر أكانت المدرعة تغني عنك شيئاً ؟ قال: لا ولكني ضعيف, ومن ضعف خلقت, فكشف عن يده ثم وضعها على فم الحية حتى سمع حس الأضراس والأنياب, ثم قبض فإذا هي عصاه التي عهدها, وإذا يده في موضعها الذي كان يضعها إذا توكأ بين الشعبتين, ولهذا قال تعالى: "سنعيدها سيرتها الأولى" أي إلى حالها التي تعرف قبل ذلك.
19- "قال ألقها يا موسى" هذه جملة مستأنفة جواب سؤال مقدر، أمره سبحانه بإلقائها ليريه ما جعل له فيها من المعجزة الظاهرة.
19. " قال "، الله تعالى: " ألقها يا موسى "، انبذها ، قال وهب : ظن موسى أنه يقول ارفضها.
19ـ " قال ألقها يا موسى " .
19. He said: Cast it down, O Moses!
19 - (God) said, throw it, O Moses!