[طه : 18] قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى
18 - (قال هي عصاي أتوكأ) أعتمد (عليها) عند الوثوب والمشي (وأهش) أخبط ورق الشجر (بها) ليسقط (على غنمي) فتأكله (ولي فيها مآرب) جمع مأربة مثلث الراء أي حوائج (أخرى) كحمل الزاد والسقاء وطرد الهوان وزاد في الجواب بيان حاجاته بها
يقول تعالى ذكره مخبراً عن موسى : قال موسى مجيباً لربه "هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي" يقول أضرب بها الشجر اليابس فيسقط ورقها وترعاه غنمي يقال منه : هش فلان الشجر يهش هشاً : إذا اختبط ورق أغصانها فسقط ورقها ، كما قال الراجز:
أهش بالعصا على أغنامي من ناعم الأراك والبشام
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله "وأهش بها على غنمي" قال : أخبط بها الشجر.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة أو أهش بها على غنمي قال : أخبط.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "وأهش بها على غنمي" قال : كان نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم يهش على غنمه ورق الشجر.
حدثني موسى، قال : ثنا عمرو، قال : ثنا أسباط ، عن السدي "وأهش بها على غنمي" يقول : أضرب بها الشجر للغنم ، فيقع الورق.
حدثنييونس ، قال ؟ أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي" قال : يتوكأ عليها حين يمشي مع الغنم ، ويهش بها، يحرك الشجر حتى يسقط الورق الحبلة وغيرها.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسن ، عن عكرمة "وأهش بها على غنمي" قال : أضرب بها الشجر، فيسقط من ورقها علي.
حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه ، قال : ثنا علي بن الحسن ، قال : ثنا حسين ، قال : سمعت عكرمة يقول "وأهش بها على غنمي" قال : ضرب بها الشجر، فيتساقط الورق على غنمي.
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله "وأهش بها على غنمي" يقول : أضرب بها الشجر حتى يسقط منه ما تأكل غنمي.
وقوله "ولي فيها مآرب أخرى" يقول : ولي في عصاي هذه حوائج أخرى، وهي جمع مأربة ، وفيها للعروب لغات ثلاث : مآربة بضم الراء، ومأربة بفتحها، ومأربة بكسرها، وهي مفعلة من قولهم : لا أرب لي في هذا الأمر: أي لا حاجة لي فيه . وقيل أخرى وهن مآرب جمع ، ولم يقل أخر، كما قيل "له الأسماء الحسنى"[طه : 8]- [الحشر: 24] وقد بينت العلة في توجيه ذلك هنالك.
وبنحو الذي قلنا في معنى المآرب ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أحمد بن عبدة الضبي ، قال : ثنا حفص بن جميع ، قال: ثنا سماك بن حرب ، عن عكرمة، عن ابن عباس ، في قوله "ولي فيها مآرب أخرى" قال : حوائج أخرى قد علمتها.
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "ولي فيها مآرب أخرى" كما يقول حوائج أخرى.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد "ولي فيها مآرب أخرى" قال : حاجات.
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ًابن أبي نجيحً ، "ولي فيها مآرب أخرى" قال : حاجات ومنافع.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد "ولي فيها مآرب أخرى" قال : حاجات.
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو بن حماد، قال : ثنا أسباط ، عن السدي "ولي فيها مآرب أخرى" يقول : حوائج أخرى أحمل عليها المزود والسقاء.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "ولي فيها مآرب أخرى" قال : حوائج أخرى.
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة ، في قوله "ولي فيها مآرب أخرى" قال : حاجات منافع أخرى.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ، عن وهب بن منبه "ولي فيها مآرب أخرى": أي منافع أخرى.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "ولي فيها مآرب أخرى" قال : حوائج أخرى سوى ذلك.
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله "مآرب أخرى" قال : حاجات أخرى.
الثالثة: قوله تعالى: " أتوكأ عليها " أي أتحامل عليها في المشي والوقوف، ومنه الاتكاء. " وأهش بها " " وأهش " أيضاً، ذكره النحاس . وهي قراءة النخعي ، أي أخبط بها الورق، أي أضرب أغصان الشجر ليسقط ورقها، فيسهل على غنمي تناوله فتأكله. قال الراجز:
أهش بالعصا على أغنامي من ناعم الأراك والبشام
يقال: هش على غنمه يهش بضم الهاء في المستقبل. وهش إلى الرجل يهش بالفتح. وكذلك هش للمعروف يهش وهششت أنا: وفي حديث عمر: هششت يوماً فقبلت وأنا صائم. قال شمر: أي فرحت واشتهيت. قال: ويجوز هاش بمعنى هش. قال الراعي:
فكبر للرؤيا وهاش فؤاده وبشر نفساً كان قبل يلومها
أي طرب. والأصل في الكلمة الرخاوة. يقال: رجل هش وزوج هش. وقرأ عكرمة وأهس بالسين غير معجمة، قيل: هما لغتان بمعنى واحد. وقيل: معناهما مختلف، فالهش بالإعجام خبط الشجر، والهس بغير إعجام زجر الغنم، ذكره الماوردي وكذلك ذكر الزمخشري . وعن عكرمة: وأهس بالسين أي أنحى عليها زاجراً لها والهس زجر الغنم.
الرابعة: قوله تعالى: " ولي فيها مآرب أخرى " أي حوائج. واحدها مأربة ومأربة ومأربة. وقال " أخرى " على صيغة الواحد، لأن مآرب في معنى الجماعة، لكن المهيع في توابع جمع ما لا يعقل الإفراد والكناية عنه بذلك، فإن ذلك يجري مجرى الواحدة المؤنثة، كقوله تعالى: " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها " [الأعراف: 180] وكقوله: " يا جبال أوبي معه " [سبأ: 10] وقد تقدم هذا في ((الأعراف)).
الخامسة: تعرض قوم لتعديد منافع العصا منهم ابن عباس، قال: إذا انتهيت إلى رأس بئر فقصر الرشا وصلته بالعصا، وإذا أصابني حر الشمس غرزتها في الأرض وألقيت عليها ما يظلني، وإذا خفت شيئاً من هوام الأرض قتلته بها، وإذا مشيت ألقيتها على عاتقي وعلقت عليها القوس والكنانة والمخلاة، وأقاتل بها السباع عن الغنم.
وروى عنه ميمون بن مهران قال: إمساك العصا سنة للأنبياء، وعلامة للمؤمن. وقال الحسن البصري: فيها ست خصال، سنة للأنبياء، وزينة الصلحاء، وسلاح على الأعداء، وعون للضعفاء، وغم المنافقين، وزيادة في الطاعات. ويقال: إذا كان مع المؤمن العصا يهرب منه الشيطان، ويخشع منه المنافق والفاجر، وتكون قبلته إذا صلى، وقوة إذا أعيا. ولقى الحجاج أعرابياً فقال: من أين أقبلت يا أعرابي؟ قال: من البادية. قال: وما في يدك؟ قال: عصاي أركزها لصلاتي، وأعدها لعداتي، وأسوق بها دابتي، وأقوى بها على سفري، وأعتمد بها في مشيتي لتتسع خطوتي، وأثب بها النهر، وتؤمنني من العثر، وألقي عليها كسائي فيقيني الحر، ويدفئني من القر، وتدني إلي ما بعد مني، وهي محمل سفرتي، وعلاقة إداوتي، أعصي بها عند الضراب، وأقرع بها الأبواب، وأتقي بها عقور الكلاب، وتنوب عن الرمح في الطعان، وعن السيف عند منازلة الأقران، ورثتها عن أبي، وأورثها بعدي ابني، وأهش بها على غنمي، ولي فيها مآرب أخرى، كثيرة لا تحصى.
قلت: منافع العصا كثيرة، ولها ندخل في مواضع من الشريعة: منها أنها تتخذ قبلة في الصحراء، وقد كان للنبي عليه الصلاة والسلام عنزة تركز له فيصلي إليها، وكان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها، وذلك ثابت في الصحيح. والحربة والعنزة والنيزك والآلة اسم لمسمى واحد. وكان له محجن وهو عصا معوجة الطرف يشير به إلى الحجر إذا لم يستطع أن يقبله، ثابت في الصحيح أيضاً وفي الموطأ عن السائب بن يزيد أنه قال: أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، وكان القارىء يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في بزوغ الفجر. وفي الصحيحين : أنه عليه الصلاة والسلام كان له مخصرة. والإجماع منعقد على أن الخطيب يخطب متوكئاً على سيف أو عصا، فالعصا مأخوذة من أصل كريم، ومعدن شريف، ولا ينكرها إلا جاهل. وقد جمع الله لموسى في عصاه من البراهين العظام، والآيات الجسام، ما آمن به السحرة المعاندون. واتخذها سليمان لخطبته وموعظته وطول صلاته. وكان ابن مسعود صاحب عصا النبي صلى الله عليه وسلم وعنزته، وكان يخطب بالقضيب - وكفى بذلك فضلاً على شرف حال العصا - وعلى ذلك الخلفاء وكبراء الخطباء، وعادة العرب العرباء، الفصحاء اللسن البلغاء أخذ المخصرة والعصا والاعتماد عليها عند الكلام، وفي المحافل والخطب. وأنكرت الشعوبية على خطباء العرب أخذ المخصرة والإشارة بها إلى المعاني. والشعوبية تبغض العرب وتفضل العجم. قال مالك : كان عطاء بن السائب يمسك المخصرة يستعين بها. قال مالك : والرجل إذا كبر لم يكن مثل الشباب يقوى بها عند قيامه.
قلت: وفي مشيته كما قال بعضهم:
قد كنت أمشي على رجلين معتمداً فصرت أمشي على أخرى من الخشب
قال مالك رحمه الله ورضي عنه: وقد كان الناس إذا جاءهم المطر خرجوا بالعصي يتوكأون عليها، حتى لقد كان الشباب يحبسون عصيهم، وربما أخذ ربيعة العصا من بعض من يجلس إليه حتى يقوم. ومن منافع العصا ضرب الرجل نساؤه بها فيما يصلحهم، ويصلح حاله وحالهم معه. ومنه قوله عليه السلام:
" وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه " في إحدى الروايات. " وقد روي عنه عليه السلام أنه قال لرجل أوصاه:
لا ترفع عصاك عن أهلك أخفهم في الله " رواه عبادة بن الصامت، خرجه النسائي . ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم:
" علق سوطك حيث يراه أهلك " وقد تقدم هذا في ((النساء)). ومن فوائدها التنبيه على الانتقال من هذه الدار، كما قيل لبعض الزهاد: ما لك تمشي على عصا ولست بكبير ولا مريض؟ قال: إني أعلم أني مسافر، وأنها دار قلعة، وأن العصا من آلة السفر، فأخذه بعض الشعراء فقال:
حملت العصا لا الضعف أوجب حملها علي ولا أني تحنيت من كبر
ولكنني ألزمت نفسي حملها لأعلمها أن المقيم على سفر
هذا برهان من الله تعالى لموسى عليه السلام, ومعجزة عظيمة, وخرق للعادة باهر دل على أنه لا يقدر على مثل هذا إلا الله عز وجل, وأنه لا يأتي به إلا نبي مرسل. وقوله: "وما تلك بيمينك يا موسى" قال بعض المفسرين: إنما قال له ذلك على سبيل الإيناس له, وقيل: وإنما قال له ذلك على وجه التقرير, أي أما هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها, فسترى ما نصنع بها الان "وما تلك بيمينك يا موسى" استفهام تقرير " قال هي عصاي أتوكأ عليها " أي أعتمد عليها في حال المشي "وأهش بها على غنمي" أي أهز بها الشجرة ليتساقط ورقها لترعاه غنمي. قال عبد الرحمن بن القاسم عن الإمام مالك : الهش أن يضع الرجل المحجن في الغصن ثم يحركه حتى يسقط ورقه وثمره ولا يكسر العود, فهذا الهش ولا يخبط, وكذا قال ميمون بن مهران أيضاً.
وقوله: "ولي فيها مآرب أخرى" أي مصالح ومنافع وحاجات أخر غير ذلك, وقد تكلف بعضهم لذكر شيء من تلك المآرب التي أبهمت, فقيل: كانت تضيء له بالليل وتحرس له الغنم إذا نام, ويغرسها فتصير شجرة تظله, وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة, والظاهر أنها لم تكن كذلك, ولو كانت كذلك لما استنكر موسى عليه الصلاة والسلام صيرورتها ثعباناً فما كان يفر منها هارباً, ولكن كل ذلك من الأخبار الإسرائيلية, وكذا قول بعضهم: إنها كانت لادم عليه الصلاة والسلام, وقول الاخر: إنها هي الدابة التي تخرج قبل يوم القيامة, وروي عن ابن عباس أنه قال: كان اسمها ما شا, والله أعلم بالصواب.
وقوله تعالى: "قال ألقها يا موسى" أي هذه العصا التي في يدك يا موسى ألقها "فألقاها فإذا هي حية تسعى" أي صارت في الحال حية عظيمة ثعباناً طويلاً يتحرك حركة سريعة, فإذا هي تهتز كأنها جان, وهو أسرع الحيات حركة, ولكنه صغير, فهذه في غاية الكبر وفي غاية سرعة الحركة, "تسعى" أي تمشي وتضطرب. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أحمد بن عبدة , حدثنا حفص بن جميع , حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس "فألقاها فإذا هي حية تسعى" ولم تكن قبل ذلك حية, فمرت بشجرة فأكلتها, ومرت بصخرة فابتلعتها, فجعل موسى يسمع وقع الصخرة في جوفها فولى مدبراً, ونودي: أن يا موسى خذها فلم يأخذها, ثم نودي الثانية: أن خذها ولا تخف, فقيل له في الثالثة: إنك من الامنين, فأخذها.
وقال وهب بن منبه في قوله: "فألقاها فإذا هي حية تسعى" قال فألقاها على وجه الأرض ثم حانت منه نظرة فإذا بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون فدب يلتمس كأنه يبتغي شيئاً يريد أخذه, يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فيلتقمها, ويطعن بالناب من أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فيجتثها, عيناه توقدان ناراً, وقد عاد المحجن منها عرفاً, قيل: شعره مثل النيازك, وعاد الشعبتان منها مثل القليب الواسع فيه أضراس وأنياب لها صريف, فلما عاين ذلك موسى ولى مدبراً ولم يعقب, فذهب حتى أمعن ورأى أنه قد أعجز الحية, ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه ثم نودي يا موسى أن ارجع حيث كنت فرجع موسى وهو شديد الخوف فقال: "خذها" بيمينك "ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى" وعلى موسى حينئذ مدرعة من صوف فدخلها بخلال من عيدان, فلما أمره بأخذها, أدلى طرف المدرعة على يده, فقال له ملك: أرأيت يا موسى لو أذن الله بما تحاذر أكانت المدرعة تغني عنك شيئاً ؟ قال: لا ولكني ضعيف, ومن ضعف خلقت, فكشف عن يده ثم وضعها على فم الحية حتى سمع حس الأضراس والأنياب, ثم قبض فإذا هي عصاه التي عهدها, وإذا يده في موضعها الذي كان يضعها إذا توكأ بين الشعبتين, ولهذا قال تعالى: "سنعيدها سيرتها الأولى" أي إلى حالها التي تعرف قبل ذلك.
18- "قال هي عصاي" قرأ ابن أبي إسحاق عصي على لغة هذيل. وقرأ الحسن عصاي بكسر الياء لالتقاء الساكنين "أتوكأ عليها" أي أتحامل عليها في المشي وأعتمدها عند الإعياء والوقوف ومنه الاتكاء "وأهش بها على غنمي" هش بالعصا يهش هشاً: إذا خبط بها الشجر ليسقط منه الورق. قال الشاعر:
أهش بالعصا على أغنامي من ناعم الأوراك والسنام
وقرأ النخعي أهس بالسين المهملة، وهو زجر الغنم، وكذا قرأ عكرمة، وقيل هما لغتان لمعنى واحد "ولي فيها مآرب أخرى" أي حوائج واحدها مأربة ومأربة ومأربة مثلث الراء، كذا قال ابن الأعرابي وقطرب، ذكر تفصيل منافع العصا، ثم عقبه بالإجمال. وقد تعرض قوم لتعداد منافع العصا فذكروا من ذلك أشياء: منها قول بعض العرب: عصاي أركزها لصلاتي، وأعدها لعداتي، وأسوق بها دابتي، وأقوى بها على سفري، وأعتمد بها في مشيتي، ليتسع خطوي، وأثب بها النهر، وتؤمنني العثر، وألقي عليها كسائي، فتقيني الحر، وتدفيني من القر، وتدني إلي ما بعد مني وهي تحمل سفرتي، وعلاقة إداوتي، أعصي بها عند الضراب، وأقرع بها الأبواب، وأقي بها عقور الكلاب، وتنوب عن الرمح في الطعان، وعن السيف عند منازلة الأقران، ورثتها عن أبي وأورثها بعدي بني انتهى.
وقد وقفت على مصنف في مجلد لطيف في منافع العصا لبعض المتأخرين، وذكر فيه أخباراً وأشعاراً وفوائد لطيفة ونكتاً رشيقة. وقد جمع الله سبحانه لموسى في عصاه من البراهين العظام والآيات الجسام ما أمن به مون كيد السحرة ومعرة المعاندين، واتخذها سليمان لخطبته وموعظته وطول صلاته، وكان ابن مسعود صاحب عصا النبي صلى الله عليه وسلم وعنزته وكان يخطب بالقضيب وكذلك الخلفاء من بعده، وكان عادة العرب العرباء أخذ العصا والاعتماد عليها عند الكلام، وفي المحافل والخطب.
18 - " قال هي عصاي " ، قيل : وكانت لها شعبتان ، وفي أسفلها سنان ، ولها محجن . قال مقاتل : اسمها نبعة .
" أتوكأ عليها " : أعتمد عليها إذا مشيت وإذا أعييت وعند الوثبة ، " وأهش بها على غنمي " ، أضرب بها الشجرة اليابسة ليسقط ورقها فترعاه الغنم .
وقرأ عكرمة " وأهش " بالسين غير المعجمة ، أي : أزجر بها الغنم ، و ( الهس ) : زجر الغنم .
" ولي فيها مآرب أخرى " ، حاجات ومنافع أخرى ، جمع ( مأربة ) بفتح الراء وضمها ، ولم يقل : " أخر " لرؤوس الآي . وأراد بالمآرب : ما يستعمل فيه العصا في السفر ،وكان يحمل بها الزاد ويشد بها الحبل فيستقي الماء من البئر ، ويقتل بها الحيات ، ويحارب بها السباع ، ويستظل بها إذا عقد وغير ذلك .
وروى عن ابن عباس : أن موسى كان يحمل عليها زاده وسقاءه ، فجعلت تماشيه وتحدثه ، وكان يضرب بها الأرض فيخرج ما يأكل يومه ، ويركزها فيخرج الماء ، فإذا رفعها ذهب الماء ، وإذا اشتهى ثمرة ركزها فتغصنت غصن الشجرة وأورقت وأثمرت ، وإذا أراد الاستقاء من البئر أدلاها فطالت على طول البئر وصارت شعبتاها كالدلو حتى يستقي ، وكانت تضيء بالليل بمنزلة السراج ، وإذا ظهر له عدو كانت تحارب وتناضل عنه .
18ـ " قال هي عصاي " وقرئ (( عصي )) على لغة هذيل . " أتوكأ عليها " أعتمد عليها إذا أعييت أو وقفت على رأس القطيع . " وأهش بها على غنمي " وأخبط الورق بها على رؤوس غنمي ، وقرئ " أهش " وكلاهما من هش الخبز يهش إذا انكسر لهشاشته ، وقرئ بالسين من الهس وهو زجر الغنم أي أنحي عليها زاجراً لها . " ولي فيها مآرب أخرى " حاجات أخر مثل أن كان إذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته ، وعرض الزندين على شعبيتها وألقى عليها الكساء واستظل به ، وإذا قصر الرشاء وصله بها ، وإذا تعرضت السباع لغنمه قاتل بها ، وكأنه صلى الله عليه وسلم فهم أن المقصود من السؤال أن يذكر حقيقتها وما يرى من منافعها ، حتى إذا رآها بعد ذلك على خلاف تلك الحقيقة ووجد منها خصائص أخرى خارقة للعادة مثل أن تشتعل شعبتاه بالليل كالشمع ، وتصيران دلواً عند الاستقاء ، وتطول بطول البئر وتحارب عنه إذا ظهر عدو ، وينبع الماء بركزها ، وينضب بنزعها وتورق وتثمر إذا اشتهى ثمرة فركزها ، على أن ذلك آياته باهرة ومعجزات قاهرة أحدثها الله فيها لأجله وليست من خواصها ، فذكر حقيقتها ومنافعها مفصلاً ومجملاً على معنى أنها من جنس العصي تنفع منافع أمثالها ليطابق جوابه الغرض الذي فهمه .
18. He said: This is my staff whereon I lean, and wherewith I beat down branches for my sheep, and wherein I find other uses.
18 - He said, It is my rod: on it I lean; with it I beat down fodder for my flocks; and in it find Other uses.