[طه : 13] وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى
13 - (وأنا اخترتك) من قومك (فاستمع لما يوحى) إليك مني
اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة القراء الذين قرءوا وأنا بتشديد النون ، و أنا بفتح الألف من أنا رداً على : نودي يا موسى، كان معنى الكلام عندهم : نودي يا موسى إني أنا ربك ، وأنا اخترتك ، وبهذه القراءة قرأ ذلك عامة قراء الكوفة. وأما عامة قراء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة فقرءوه "وأنا اخترتك" بتخفيف النون على وجه الخبر من الله عن نفسه أنه اختاره.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما قراء أهل العلم بالقرآن ، مع اتفاق معنييهما، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب فيه.وتأويل الكلام : نودي أنا اخترناك ، فاجتبيناك لرسالتنا إلى من نرسلك إليه "فاستمع لما يوحى" يقول : فاستمع لوحينا الذي نوحيه إليك وعه ، واعمل به
قوله تعالى: " وأنا اخترتك " أي اصطفيتك للرسالة. وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو وعاصم و الكسائي " وأنا اخترتك ". وقرأ حمزة وأنا اخترناك . والمعنى واحد، إلا أن " وأنا اخترتك " هاهنا أولى من جهتين: إحداهما: أنها أشبه بالخط، والثانية: أنها أولى بنسق الكلام، لقوله عز وجل: " يا موسى * إني أنا ربك فاخلع نعليك " وعلى هذا النسق جرت المخاطبة، قاله النحاس .
قوله تعالى: " فاستمع لما يوحى " فيه مسألة واحدة - قال ابن عطية : وحدثني أبي - رحمه الله - قال: سمعت أبا الفضل الجوهري رحمه الله تعالى يقول: لما قيل لموسى صلوات الله وسلامه عليه: " فاستمع لما يوحى " وقف على حجر، واستند إلى حجر، ووضع يمينه على شماله، وألقى ذقنه على صدره، ووقف يستمع، وكان كل لباسه صوفاً.
قلت: حسن الاستماع كما يجب قد مدح الله عليه فقال: " الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله " [الزمر: 18] وذم على خلاف هذا الوصف فقال: " نحن أعلم بما يستمعون به " [الإسراء: 47] الآية. فمدح المنصت لاستماع كلامه مع حضور العقل، وأمر عباده بذلك أدباً لهم، فقال: " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " [الأعراف :204] وقال ها هنا: " فاستمع لما يوحى " لأن بذلك ينال الفهم عن الله تعالى. روي عن وهب بن منبه أنه قال: من أدب الاستماع سكون الجوارح وغض البصر، والإصغاء بالسمع، وحضور العقل، والعزم على العمل، وذلك هو الاستماع كما يحب الله تعالى، وهو أن يكف العبد جوارحه، ولا يشغلها. فيشتغل قلبه عما يسمع، ويغض طرفه فلا يلهو قلبه بما يرى، ويحصر عقله فلا يحدث نفسه بشيء سوى ما يستمع إليه، ويعزم على أن يفهم فيعمل بما يفهم. وقال سفيان بن عيينة: أول العلم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر، فإذا استمع العبد إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام بنية صادقة على ما يحب الله أفهمه كما يحب، وجعل له في قلبه نوراً.
يقول تعالى: "فلما أتاها" أي النار, واقترب منها "نودي يا موسى" وفي الاية الأخرى " نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله " وقال ههنا "إني أنا ربك" أي الذي يكلمك ويخاطبك "فاخلع نعليك" قال علي بن أبي طالب وأبو ذر وأبو أيوب وغير واحد من السلف: كانتا من جلد حمار غير ذكي, وقيل: إنما أمره بخلع نعليه تعظيما للبقعة. وقال سعيد بن جبير : كما يؤمر الرجل أن يخلع نعليه إذا أراد أن يدخل الكعبة, وقيل: ليطأ الأرض المقدسة بقدميه حافياً غير منتعل, وقيل غير ذلك, والله أعلم.
وقوله: "طوى" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هو اسم للوادي, وكذا قال غير واحد, فعلى هذا يكون عطف بيان, وقيل عبارة عن الأمر بالوطء بقدميه, وقيل: لأنه قدس مرتين, وطوى له البركة وكررت, والأول أصح كقوله: "إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى". وقوله: "وأنا اخترتك" كقوله: "إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي" أي على جميع الناس من الموجودين في زمانه, وقد قيل: إن الله تعالى قال يا موسى أتدري لم خصصتك بالتلكيم من بين الناس ؟ قال: لا, قال: لأني لم يتواضع إلي أحد تواضعك. وقوله: "فاستمع لما يوحى" أي استمع الان ما أقول لك وأوحيه إليك "إنني أنا الله لا إله إلا أنا" هذا أول واجب على المكلفين أن يعلموا أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وقوله: "فاعبدني" أي وحدني, وقم بعبادتي من غير شريك "وأقم الصلاة لذكري" قيل: معناه صل لتذكرني, وقيل: معناه وأقم الصلاة عند ذكرك لي, ويشهد لهذا الثاني ما قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي , حدثنا المثنى بن سعيد عن قتادة , عن أنس , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها, فليصلها إذا ذكرها, فإن الله تعالى قال: وأقم الصلاة لذكري", وفي الصحيحين عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها, لا كفارة لها إلا ذلك". وقوله: "إن الساعة آتية" أي قائمة لا محالة وكائنة لا بد منها.
وقوله: "أكاد أخفيها" قال الضحاك عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: أكاد أخفيها من نفسي, يقول: لأنها لا تخفى من نفس الله أبداً. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : من نفسه: وكذا قال مجاهد وأبو صالح ويحيى بن رافع . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "أكاد أخفيها" يقول: لا أطلع عليها أحداً غيري. وقال السدي : ليس أحد من أهل السموات والأرض إلا قد أخفى الله تعالى عنه علم الساعة وهي في قراءة ابن مسعود إني أكاد أخفيها من نفسي, يقول: كتمتها عن الخلائق حتى لو استطعت أن أكتمها من نفسي لفعلت. وقال قتادة : أكاد أخفيها, وهي في بعض القراءات: أخفيها من نفسي, ولعمري لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ومن الأنبياء والمرسلين. قلت وهذا كقوله تعالى: "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله" وقال: "ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة" أي ثقل علمها على أهل السموات والأرض, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا منجاب , حدثنا أبو نميلة , حدثني محمد بن سهل الأسدي عن وقاء قال: أقرأنيها سعيد بن جبير : أكاد أخفيها, يعني بنصب الألف وخفض الفاء, يقول أظهرها, ثم قال أما سمعت قول الشاعر:
دأب شهرين ثم شهراً دميكاً بأريكين يخفيان غميراً
قال السدي : الغمير نبت رطب ينبت في خلال يبس, والأريكين موضع, والدميك الشهر التام, وهذا الشعر لكعب بن زهير . وقوله سبحانه وتعالى: "لتجزى كل نفس بما تسعى" أي أقيمها لا محالة لأجزي كل عامل بعمله " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " " إنما تجزون ما كنتم تعملون " وقوله: "فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها" الاية, المراد بهذا الخطاب آحاد المكلفين. أي لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة, وأقبل على ملاذه في دنياه, وعصى مولاه واتبع هواه, فمن وافقهم على ذلك فقد خاب وخسر "فتردى" أي تهلك وتعطب, قال الله تعالى: "وما يغني عنه ماله إذا تردى".
13- "وأنا اخترتك" قرأ أهل المدينة، وأهل مكة وأبو عمرو وابن عامر وعاصم والكسائي "وأنا اخترتك" بالإفراد. وقرأ حمزة " وأنا اخترتك " بالجمع. قال النحاس: والقراءة الأولى أولى من جهتين: إحداهما أنها أشبه بالخط، والثانية أنها أولى بنسق الكلام لقوله: " يا موسى * إني أنا ربك "، ومعنى اخترتك اصطفيتك للنبوة والرسالة، والفاء في قوله: "فاستمع لما يوحى" لترتيب ما بعدها على ما قبلها وما موصولة أو مصدرية أي فاستمع للذي يوحى إليك، أو للوحي.
13 - " وأنا اخترتك " ، اصطفيتك برسالاتي ، قرأ حمزة : " وأنا " مشددة النون ، ( اخترناك ) على التعظيم . " فاستمع لما يوحى " ، إليك :
13ـ " وأنا اخترتك " اصطفيتك للنبوة وقرأ حمزة (( وإنا اخترناك )) . " فاستمع لما يوحى " للذي يوحى إليك ، أو للوحي واللام تحتمل التعلق بكل من الفعلين .
13. And I have chosen thee, so hearken unto that which is inspired.
13 - I have chosen thee: Listen, then, to the inspiration (sent to thee).