[طه : 126] قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى
126 - (قال) الأمر (كذلك أتتك آياتنا فنسيتها) تركتها ولم تؤمن بها (وكذلك) مثل نسيانك آياتنا (اليوم تنسى) تترك في النار
وقوله : "قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها" يقول تعالى ذكره : قال الله حينئذ للقائل له : "لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا" فعلت ذلك بك ، فحشرتك أعمى كما أتتك آياتي وهي حججه وأدلته وبيانه الذي بينه في كتابه ، فنسيتها؟ يقول : فتركتها وأعرضت عنها. ولم تؤمن بها، ولم تعمل. وعنى بقوله : "كذلك أتتك" هكذا أتتك. وقوله : "وكذلك اليوم تنسى" يقول : فكما نسيت آياتنا في الدنيا، فتركتها وأعرضت عنها، فكذلك اليوم ننساك ، فنتركك فى النار.
وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله : "وكذلك اليوم تنسى" فقال بعضهم بمثل الذي قلنا في ذلك.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال : ثنا محمد بن عبيد، قال : ثنا سفيان الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح ، في قوله : "وكذلك اليوم تنسى" قال : في النار.
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، في قوله : "كذلك أتتك آياتنا فنسيتها" قال : فتركتها "وكذلك اليوم تنسى" وكذلك اليوم تترك في النار.
وروي عن قتادة في ذلك ما:
حدثني بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى" قال : نسي من الخير، ولم ينس من الشر. وهذا القول الذي قاله قتادة قريب المعنى مما قاله أبو صالح ومجاهد، لأن تركه إياهم في النار أعظم الشر لهم.
" قال كذلك أتتك آياتنا " أي قال الله تعالى له: " كذلك أتتك آياتنا " أي دلالتنا على وحدانيتنا وقدرتنا. " فنسيتها " أي تركتها ولم تنظر فيها، وأعرضت عنها. " وكذلك اليوم تنسى " أي تترك في العذاب، يريد جهنم.
يقول تعالى لادم وحواء وإبليس: اهبطوا منها جميعاً, أي من الجنة كلكم, وقد بسطنا ذلك في سورة البقرة "بعضكم لبعض عدو" قال: آدم وذريته, وإبليس وذريته. وقوله: "فإما يأتينكم مني هدى" قال أبو العالية : الأنبياء والرسل والبيان " فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى " قال ابن عباس : لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الاخرة "ومن أعرض عن ذكري" أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه "فإن له معيشة ضنكاً" أي ضنكا في الدنيا, فلا طمأنينة له ولا انشرح لصدره, بل صدره ضيق حرج لضلاله, وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء, فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك, فلا يزال في ريبة يتردد فهذا من ضنك المعيشة.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "فإن له معيشة ضنكا" قال: الشقاء. وقال العوفي عن ابن عباس : "فإن له معيشة ضنكاً" قال: كلما أعطيته عبداً من عبادي قل أو كثر, لا يتقيني فيه, فلا خير فيه وهو الضنك في المعيشة, وقال أيضاً: إن قوماً ضلالاً أعرضوا عن الحق وكانوا في سعة من الدنيا متكبرين, فكانت معيشتهم ضنكاً, وذلك أنهم كانوا يرون أن الله ليس مخلفاً لهم معايشهم من سوء ظنهم بالله والتكذيب, فإذا كان العبد يكذب بالله ويسيء الظن به والثقة به, اشتدت عليه معيشته, فذلك الضنك. وقال الضحاك : هو العمل السيء والرزق الخبيث, وكذا قال عكرمة ومالك بن دينار .
وقال سفيان بن عيينة عن أبي حازم عن أبي سلمة عن أبي سعيد في قوله: "معيشة ضنكا" قال: يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فيه, وقال أبو حاتم الرازي : النعمان بن أبي عياش يكنى أبا سلمة . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا صفوان , أنبأنا الوليد , أنبأنا عبد الله بن لهيعة , عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل "فإن له معيشة ضنكا" قال: ضمة القبر له, والموقوف أصح. وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا الربيع بن سليمان , حدثنا أسد بن موسى , حدثنا ابن لهيعة , حدثنا دراج أبو السمح عن ابن حجيرة واسمه عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن في قبره في روضة خضراء, ويفسح له في قبره سبعون ذراعاً, وينور له قبره كالقمر ليلة البدر, أتدرون فيم أنزلت هذه الاية "فإن له معيشة ضنكا" أتدرون ما المعيشة الضنك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: عذاب الكافر في قبره, والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنيناً. أتدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية, لكل حية سبعة رؤوس ينفخون في جسمه ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثون" رفعه منكر جداً.
وقال البزار : حدثنا محمد بن يحيى الأزدي : حدثنا محمد بن عمرو حدثنا هشام بن سعد عن سعيد بن أبي هلال عن ابن حجيرة , عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل: "فإن له معيشة ضنكا" قال "المعيشة الضنك الذي قال الله إنه يسلط عليه تسعة وتسعون حية ينهشون لحمه حتى تقوم الساعة". وقال أيضاً: حدثنا أبو زرعة , حدثنا أبو الوليد , حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "فإن له معيشة ضنكا" قال: "عذاب القبر" إسناد جيد.
وقوله: "ونحشره يوم القيامة أعمى" قال مجاهد وأبو صالح والسدي : لا حجة له, وقال عكرمة : عمي عليه كل شيء إلا جهنم, ويحتمل أن يكون المراد أنه يبعث أو يحشر إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضاً, كما قال تعالى: "ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً مأواهم جهنم" الاية, ولهذا يقول: "رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً" أي في الدنيا "قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى" أي لما أعرضت عن آيات الله وعاملتها معاملة من لم يذكرها بعد بلاغها إليك, تناسيتها وأعرضت عنها وأغفلتها, كذلك اليوم نعاملك معاملة من ينساك "فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا" فإن الجزاء من جنس العمل. فأما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه, فليس داخلاً في هذاالوعيد الخاص, وإن كان متوعداً عليه من جهة أخرى فإنه قد وردت السنة بالنهي الأكيد والوعيد الشديد في ذلك. قال الإمام أحمد : حدثنا خلف بن الوليد , حدثنا خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن رجل عن سعد بن عبادة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم", ثم رواه الإمام أحمد من حديث يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن عبادة بن الصامت , عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله سواء.
126- "قال كذلك". أي مثل ذلك فعلت أنت، ثم فسره بقوله: "أتتك آياتنا فنسيتها" أي أعرضت عنها، وتركتها، ولم تنظر فيها "وكذلك اليوم تنسى" أي مثل ذلك النسيان الذي كنت فعلته في الدنيا تنسى: أي تترك في العمى والعذاب في النار، قال الفراء: يقال إنه يخرج بصيراً من قبره فيعمى في حشره.
126. " قال كذلك "، أي كما " أتتك آياتنا فنسيتها "، فتركتها وأعرضت عنها، " وكذلك اليوم تنسى ". تترك في النار. قال قتادة : نسوا من الخير ولم ينسوا من العذاب.
126ـ " قال كذلك " أي مثل ذلك فعلت ثم تفسره فقال : " أتتك آياتنا " واضحة نيرة . " فنسيتها " فعميت عنها وتركتها غير منظور إليها . " وكذلك " ومثل تركك إياها . " اليوم تنسى " تترك في العمى والعذاب .
126. He will say: So (it must be). Our revelations came unto thee but thou didst forget them. In like manner thou art forgotten this Day.
126 - (God) will say: thus didst thou, when our signs came unto thee, disregard them: so wilt thou, this day, be disregarded.