[طه : 122] ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى
122 - (ثم اجتباه ربه) قربه (فتاب عليه) قبل توبته (وهدى) أي هداه إلى المداومة على التوبة
" ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى "
ودليل ذلك قوله تعالى: " ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى " فذكر أن الاجتباء والهداية كانا بعد العصيان، وإذا كان هذا قبل النبوة فجائز عليهم الذنوب وجهاً واحداً، لأن قبل النبوة لا شرع علينا في تصديقهم، فإذا بعثهم الله تعالى إلى خلقه وكانوا مأمونين في الأداء معصومين لم يضر ما قد سلف منهم من الذنوب. وهذا نفيس والله أعلم.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان , حدثنا أسباط بن محمد , حدثنا الأعمش عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال: إنما سمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي, وكذا رواه علي بن أبي طلحة عنه. وقال مجاهد والحسن : ترك. وقوله: " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " يذكر تعالى تشريف آدم, وتكريمه وما فضله به على كثير ممن خلق تفضيلاً, وقد تقدم الكلام على هذه القصة في سورة البقرة وفي الأعراف وفي الحجر والكهف, وسيأتي في آخر سورة "ص" يذكر تعالى فيها خلق آدم وأمره الملائكة بالسجود له تشريفاً وتكريماً, ويبين عداوة إبليس لبني آدم ولأبيهم قديماً, ولهذا قال تعالى: "فسجدوا إلا إبليس أبى" أي امتنع واستكبر "فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك" يعني حواء عليهما السلام "فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى" أي إياك أن تسعى في إخراجك منها فتتعب وتعنى وتشقى في طلب رزقك, فإنك ههنا في عيش رغيد هنيء بلا كلفة ولا مشقة " إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى " إنما قرن بين الجوع والعري, لأن الجوع ذل الباطن, والعري ذل الظاهر, " وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى " وهذان أيضاً متقابلان, فالظمأ حر الباطن وهو العطش, والضحى حر الظاهر.
وقوله: "فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى" قد تقدم أنه دلاهما بغرور "وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين" وقد تقدم أن الله تعالى عهد إلى آدم وزوجه أن يأكلا من كل الثمار ولا يقربا هذه الشجرة المعينة في الجنة, فلم يزل بهما إبليس حتى أكلا منها وكانت شجرة الخلد, يعني التي من أكل منها خلد ودام مكثه, وقد جاء في الحديث ذكر شجرة الخلد, فقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة عن أبي الضحاك , سمعت أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها, وهي شجرة الخلد" ورواه الإمام أحمد .
وقوله: "فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما" قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين بن إشكاب , حدثنا علي بن عاصم عن سعيد بن أبي عروبة , عن قتادة , عن الحسن , عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم رجلاً طوالاً كثير شعر الرأس, كأنه نخلة سحوق, فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه, فأول ما بدا منه عورته, فلما نظر إلى عورته جعل يشتد في الجنة, فأخذت شعره شجرة فنازعها, فناداه الرحمن: يا آدم مني تفر, فلما سمع كلام الرحمن قال: يا رب لا, ولكن استحياء, أرأيت إن تبت ورجعت أعائدي إلى الجنة؟ قال: نعم" فذلك قوله: "فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه" وهذا منقطع بين الحسن وأبي بن كعب , فلم يسمعه منه, وفي رفعه نظر أيضاً.
وقوله: "وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة" قال مجاهد: يرقعان كهيئة الثوب, وكذا قال قتادة والسدي . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا جعفر بن عون , حدثنا سفيان عن ابن أبي ليلى , عن المنهال , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس "وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة" قال: ينزعان ورق التين فيجعلانه على سوآتهما. وقوله: "وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى" قال البخاري : حدثنا قتيبة , حدثنا أيوب بن النجار عن يحي بن أبي كثير , عن أبي سلمة , عن أبي هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حاج موسى آدم, فقال له: أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم؟ قال آدم: يا موسى, أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه, أتلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلقني أو قدره الله علي قبل أن يخلقني؟ ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فحج آدم موسى", وهذا الحديث له طرق في الصحيحين وغيرهما من المسانيد.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى , أخبرنا ابن وهب , أخبرني أنس بن عياض عن الحارث بن أبي ذئاب , عن يزيد بن هرمز قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احتج آدم وموسى عند ربهما, فحج آدم موسى, قال موسى: أنت الذي خلقك الله بيده, ونفخ فيك من روحه, وأسجد لك ملائكته, وأسكنك في جنته, ثم أهبطت الناس إلى الأرض بخطيئتك, قال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه, وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء, وقربك نجياً, فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق؟ قال موسى: بأربعين عاماً, قال آدم: فهل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى؟ قال: نعم, قال: أفتلومني على أن عملت عملاً كتب الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فحج آدم موسى", قال الحارث : وحدثني عبد الرحمن بن هرمز بذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
122- "ثم اجتباه ربه" أي اصطفاه وقربه. قال ابن فورك: كانت المعصية من آدم قبل النبوة بدليل ما في هذه الآية، فإنه ذكر الاجتباء والهداية بعد ذكر المعصية، وإذا كانت المعصية قبل النبوة فجائز عليهم الذنوب وجهاً واحداً "فتاب عليه وهدى" أي تاب عليه من معصيته، وهداه إلى الثبات على التوبة. قيل وكانت توبة الله عليه قبل أن يتوب هو وحواء بقولهما "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" وقد مر وجه تخصيص آدم بالذكر دون حواء.
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "أو يحدث لهم" أي القرآن "ذكراً" قال: جداً وورعاً. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "ولا تعجل بالقرآن" يقول: لا تعجل حتى نبينه لك. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن الحسن قال: لطم رجل امرأته، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطلب قصاصاً، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما القصاص، فأنزل الله "ولا تعجل بالقرآن" الآية، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت "الرجال قوامون على النساء" الآية.أخرج عبد بن حميد وابن المنذر و ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله " ولا تعجل " الآية . قال: لا تتله على أحد حتى نتمه لك. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن منده في التوحيد والطبراني في الصغير وصححه عن ابن عباس قال: إنما سمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي. وأخرج عبد الغني وابن سعد عن ابن عباس "ولقد عهدنا إلى آدم" أن لا تقرب الشجرة "فنسي" فترك عهدي "ولم نجد له عزماً" قال: حفظاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً "فنسي" فترك "ولم نجد له عزماً" يقول: لم نجعل له عزماً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً " أنك لا تظمأ فيها ولا تضحى " قال: لا يصيبك فيها عطش ولا حر. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلمها مائة عام لا يقطعها، وهي شجرة الخلد" وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حاج آدم موسى قال له: أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم بمعصيتك، قال آدم: يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، أتلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلقني، أو قدره علي قبل أن يخلقني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى".
122. " ثم اجتباه ربه "، اختاره واصطفاه، " فتاب عليه "، بالعفو، " وهدى "، هداه إلى التوبة حين قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا.
122ـ " ثم اجتباه ربه " اصطفاه وقربه بالحمل على التوبة والتوفيق لها من أجبى إلى كذا فاجتبيته مثل جليت على العروس فاجتليتها ، وأصل معنى الكلمة الجمع . " فتاب عليه " فقبل توبته لما تاب . " وهدى " إلى الثبات على التوبة والتثبت بأسباب العصمة .
122. Then his Lord chose him, and relented toward him, and guided him.
122 - But his Lord chose him (for his Grace): he turned to him, and gave him guidance.