[طه : 12] إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى
12 - (إني) بكسر الهمزة بتأويل نودي بقيل وبفتحها بتقدير الباء (أنا) تأكيد لياء المتكلم (ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس) المطهر أو المبارك (طوى) بدل أو عطف بيان بالتنوين وتركه مصروف باعتبار المكان وغير مصروف للتأنيث باعتبار البقعة مع العلمية
ناداه ربه يا موسى "إني أنا ربك فاخلع نعليك".
كما حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ، عن وهب بن منبه ، قال : خرج موسى نحوها، يعني نحو النار، فإذا هي في شجر من العليق ، وبعض أهل الكتاب يقول في عوسجة، فلما دنا استأخرت عنه ؟ فلما رأى استئخارها رجع عنها، وأوجس في نفسه منها خيفة، فلما أراد الرجعة، دنت منه ثم كلم من الشجرة، فلما سمع الصوت استأنس ، وقال الله تبارك وتعالى يا موسى "اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى" فخلعها فألقاها.
واختلف أهل العلم في السبب الذي من أجله أمر الله موسى بخلع نعليه ، فقال بعضهم : أمره بذلك ، لأنهما كانتا من جلد حمار ميت ، فكره أن يطأ بهما الوادي المقدس ، وأراد أن يمسه من بركة الوادي.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي قلابة، عن كعب ، أنه رآهم يخلعون نعالهم "اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى" فقال: كانت من جلد حمار ميت ، فأراد الله أن يمسه القدس.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين ، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله "فاخلع نعليك" قال : كانتا من جلد حمار ميت.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعد، عن قتادة، قال : حدثنا، أن نعليه كانتا من جلد حمار، فخلعهما ثم أتاه.
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة ، في قوله "فاخلع نعليك" قال : كانتا من جلد حمار، فقيل له اخلعهما.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قال : وأخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة وأبو سفيان ، عن صمر، عن جابر الجعفي ، عن علي بن أبي طالب "فاخلع نعليك" قال : كانتا من جلد حمار، فقيل له اخلعهما.قال : وقال قتادة مثل ذلك.
وقال آخرون : كانتا من جلد بقر، ولكن الله أراد أن يطأ موسى الأرض بقدميه ، ليصل إليه بركتها.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال الحسن : كانتا، يعني نعلي موسى من بقر، ولكن إنما أراد الله أن يباشر بقدميه بركة الأرض ، وكان قد قدس مرتين . قال ابن جريج : وقيل لمجاهد: زعموا أن نعليه كانتا من جلد حمار أو ميتة، قال : لا، ،.لكنه أمر أن يباشر بقدميه بركة الأرض.
حدثني يعقوب ، قال : قال : قال أبو بشر، يعني ابن علية، سمعت ابن أبي نجيح ، يقول في قوله "فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى" قال : يقول : أفض بقدميك إلى بركة الوادي
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : أمره الله تعالى ذكره بخلع نعليه ليباشر بقدميه بركة الوادي ، إذ كان وادياً مقدساً.
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب ، لأنه لا دلالة في ظاهر التنزيل على أنه أمر بخلعهما من أجل أنهما من جلد حمار ولا لنجاستهما، ولا خبر بذلك عمن يلزم بقوله الحجة، وإن في قوله "إنك بالواد المقدس" بعقبه دليلاً واضحاً ، على أنه إنما أمره بخلعهما لما ذكرنا.
ولو كان الخبر الذي
حدثنا به بشر قال : ثنا خلف بن خليفة، عن حميد بن عبد الله بن الحارث ، عن ابن مسعود، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، قال : يوم كتم الله موسى ، كانت عليه جبة صوف وكساء صوف ، وسراويل صوف ، ونعلان من جلد حمار غير مذكى صحيحاً لم نعده إلى غيره ، ولكن في إسناده نظر يجب التثبت فيه.
واختلفت القراء في قراءة قوله "إني أنا ربك" فقرأ ذلك بعض قراء المدينة والبصرة "نودي يا موسى" أني بفتح الألف من "أني" ، فان على قراءتهم في موضع رفع بقوله : نودي ، فإن معناه : كان عندهم نودي هذا القول . وقرأه بعض عامة قراء المدينة والكوفة بالكسر: نودي يا موسى إني ، على الابتداء، وأن معنى ذلك قيل : يا موسى إني.
قال أبو جعفر: والكسر أولى القراءتين عندنا بالصواب ، وذلك أن النداء قد حال بينه وبين العمل في أن قوله "يا موسى"، وحظ قوله نودي أن يعمل في أن لو كانت قبل قوله يا موسى، وذلك أن يقال : نودي أن يا موسى إني أنا ربك ، ولا حظ لها في إن التي بعد موسى . وأما قوله "إنك بالواد المقدس" فإنه يقول : إنك بالوادي المطهر المبارك.
كما حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "إنك بالواد المقدس" يقول : المبارك.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد، قوله "إنك بالواد المقدس طوى" قال : قدس بورك مرتين.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "إنك بالواد المقدس طوى" قال : بالوادي المبارك.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله !طوى فقال بعضهم : معناه : إنك بالوادي المقدس طويته ، فعلى هذا القول من قولهم طوى مصدر خرج من غير لفظه ، كأنه قال : طويت الوادي المقدس طوى.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "إنك بالواد المقدس طوى" يعني الأرض المقدسة ، وذلك أنه مر بواديها ليلاً فطواه ، يقال : طويت وادي كذا وكذا طوى من الليل ، وارتفع إلى أعلى الوادي ، وذلك نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون : بل معنى ذلك : مرتين ، وقال : ناداه ربه مرتين ، فعلى قول هؤلاء طوى مصدر أيضاً من غير لفظه وذلك أن معناه عندهم : نودي يا موسى مرتين نداءين. وكان بعضهم ينشد شاهداً لقوله طوى، أنه بمعنى مرتين ، قول عدي بن زيد العبادي:
أعاذل إن النوم في غير كنهه علي طوى من غيك المتردد
وروى ذلك آخرون : علي ثنى : أي مرة بعد أخرى ، وقالوا : طوى وثنى بمعنى واحد.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى" كنا نحدث أنه واد قدس مرتين ، وأن اسمه طوى.
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنه قدس طوى مرتين.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال الحسن : كان قد قدس مرتين.
وقال آخرون : بل طوى : اسم الوادي.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي بن داود، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله طوى : اسم للوادي.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : طوى : قال : اسم الوادي.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "بالواد المقدس طوى" قال : ذاك الوادي هو طوى، حيث كان موسى، وحيث كان إليه من الله ما كان.قال : وهو نحو الطور.
وقال آخرون : بل هو أمر من الله لموسى أن يطأ الوادي بقدميه.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن منصور الطوسي ، قال : ثنا صالح بن إسحاق ، عن جعفر بن برقان ، عن عكرمة عن ابن عباس ، في قول الله تبارك وتعالى "فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى"، قال : طأ الوادي.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا يحيى، قال : ثنا الحسن ، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله "طوى" قال : طأ الوادي.
حدثنا محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن سعيد بن جبير، في قول الله "طوى" قال : طأ الأرض حافياً ، كما تدخل الكعبة حافياً ، يقول : من بركة الوادي.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد "طوى" طأ الأرض حافياً.
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه بعض قراء المدينة "طوى" بضم الطاء وترك التنوين ، كأنهم جعلوه اسم الأرض التي بها الوادي ، كما قال الشاعر:
نصروا نبيهم وشدوا أزره بحنين حين تواكل الأبطال
فلم يجر حنين ، لأنه جعله اسما للبلدة لا للوادي : ولو كان جعله اسماً للوادي لأجراه كما قرأت القراء "ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم" التوبة: 25]، وكما قال الآخر:
ألسنا أكرم الثقلين رحلاً وأعظمهم ببطن حراء نارا
فلم يجر حراء، وهو جبل ، لأنه جعله اسماً للبلدة، فكذلك "طوى" في قراءة من لم يجره جعله اسماً للأرض. وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة "طوى" بضم الطاء والتنوين ، وقارئو ذلك كذلك مختلفون في معناه على ما قد ذكرت من اختلاف أهل التأويل ، ، فأما من أراد به المصدر من طويت ، فلا مؤنة في تنوينه ، وأما من أراد أن يجعله اسماً للوادي ، فإنه إنما ينونه لأنه اسم ذكر لا مؤنث ، وأن لام الفعل منه ياء ، فزاده ذلك خفة فأجراه كما قال الله "ويوم حنين" إذ كان حنين اسم واد، والوادي مذكر.
قال أبو جعفر: وأولى القولين عندي بالصواب قراءة من قرأ بضم الطاء والتنوين ، لأنه إن يكن اسماً للوادي فحظه التنوين لما ذكر قبل من العلة لمن قال ذلك ، لان كان مصدراً أو مفسراً، فكذلك أيضاً حكمه التنوين ، وهو عندي اسم الوادي. وإذ كان ذلك كذلك ، فهو في موضع خفض رداً على الوادي.
قوله تعالى: " فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى " فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله تعالى: " فاخلع نعليك " روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"كان على موسى يوم كلمه ربه كساء صوف وجبة صوف وكمة صوف وسراويل صوف وكانت نعلاه من جلد حمار ميت " قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حميد الأعرج حميد - هو ابن علي الكوفي - منكر الحديث، وحميد بن قيس الأعرج المكي صاحب مجاهد ثقة، والكمة القلنسوة الصغيرة. وقرأ العامة " إني " بالكسر، أي نودي فقيل له يا موسى إني، واختاره أبو عبيد. وقرأ أبو عمرو و ابن كثير و ابن محيصن وحميد " أني " بفتح الألف بإعمال النداء. واختلف العلماء في السبب الذي من أجله أمر بخلع النعلين. والخلع النزع. والنعل ما جعلته وقاية لقدميك من الأرض. فقيل: أمر بطرح النعلين، لأنها نجسة إذ هي من جلد غير مذكىً، قاله كعب وعكرمة و قتادة . وقيل: أمر بذلك لينال بركة الوادي المقدس، وتمس قدماه تربة الوادي، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه و الحسن و ابن جريج . وقيل: أمر بخلع النعلين للخشوع والتواضع عند مناجاة الله تعالى. وكذلك فعل السلف حين طافوا بالبيت. وقيل: إعظاماً لذلك الموضع كما أن الحرم لا يدخل بنعلين إعظاماً له. قال سعيد بن جبير: قيل له طإ الأرض حافياً كما تدخل الكعبة حافياً. والعرف عند الملوك أن تخلع النعال ويبلغ الإنسان إلى غاية التواضع، فكأن موسى عليه السلام أمر بذلك على هذا الوجه، ولا تبالي كانت نعلاه من ميتة أو غيرها. وقد كان مالك لا يرى لنفسه ركوب دابة بالمدينة براً بتربتها المحتوية على الأعظم الشريفة، والجنة الكريمة. ومن هذا المعنى " قوله عليه الصلاة والسلام لبشير بن الخصاصية وهو يمشي بين القبور بنعليه
إذا كنت في مثل هذا المكان فاخلع نعليك، قال: فخلعتهما ". وقول خامس: إن ذلك عبارة عن تفريغ قلبه من أمر الأهل والولد. وقد يعبر عن الأهل بالنعل. وكذلك هو في التعبير: من رأى أنه لابس نعلين فإنه يتزوج. وقيل: لأن الله تعالى بسط له بساط النور والهدى، ولا ينبغي أن يطأ بساط رب العالمين بنعله. وقد يحتمل أن يكون موسى أمر بخلع نعليه، وكان ذلك أول فرض عليه، كما كان أول ما قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم: " قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر " [المدثر: 2 - 5] والله أعلم بالمراد من ذلك.
الثانية: في الخبر أن موسى عليه السلام خلع نعليه وألقاهما من وراء الوادي. وقال أبو الأحوص: زار عبد الله أبا موسى في داره، فأقيمت الصلاة فأقام أبو موسى، فقال أبو موسى لعبد الله: تقدم. فقال عبد الله: تقدم، أنت في دارك. فتقدم وخلع نعليه، فقال عبد الله: أبالوادي المقدس أنت؟! وفي صحيح مسلم عن سعيد بن يزيد قال: قلت: لأنس:
أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في نعلين؟قال: نعم. ورواه النسائي عن عبد الله بن السائب:
" أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح فوضع نعليه عن يساره ". وروى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
"بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه، إذ خلع نعليه، فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً، وقال: إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه وليصل فيهما ". صححه أبو محمد عبد الحق. وهو يجمع بين الحديثين قبله، ويرفع بينهما التعارض. ولم يختلف العلماء في جواز الصلاة في النعل إذا كانت طاهرة من ذكي، حتى لقد قال بعض العلماء: إن الصلاة فيهما أفضل، وهو معنى قوله تعالى: " خذوا زينتكم عند كل مسجد " [الأعراف: 31] على ما تقدم. وقال إبراهيم النخعي في الذين يخلعون نعالهم: لوددت أن محتاجاً جاء فأخذها.
الثالثة: فإن خلعتهما فاخلعهما بين رجليك، فإن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا صلى أحدكم فليخلع نعليه بين رجليه ". وقال أبو هريرة للمقبري: اخلعهما بين رجليك ولا تؤذ بهما مسلماً. وما رواه عبد الله بن السائب رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام خلعهما عن يساره فإنه كان إماماً، فإن كنت إماماً أو وحدك فافعل ذلك إن أحببت، وإن كنت مأموماً في الصف فلا تؤذ بهما من على يسارك، ولا تضعهما بين قدميك فتشغلاك، ولكن قدام قدميك. وروي عن جبير بن مطعم أنه قال: وضع الرجل نعليه بين قدميه بدعة.
الرابعة: فإن تحقق فيهما نجاسة مجمع على تنجيسها كالدم والعذرة من بول بني آدم لم يطهرها إلا الغسل بالماء، عند مالك و الشافعي وأكثر العلماء، وإن كانت النجاسة مختلفاً فيها كبول الدواب وأرواثها الرطبة فهل يطهرها المسح بالتراب من النعل والخف أو لا؟ قولان عندنا. وأطلق الإجزاء بمسح ذلك بالتراب من غير تفصيل الأوزاعي و أبو ثور . وقال أبو حنيفة : يزيله إذا يبس الحك والفرك، ولا يزيل رطبه إلا الغسل ما عدا البول، فلا يجزىء فيه عنده إلا الغسل. وقال الشافعي : لا يطهر شيئاً من ذلك كله إلا الماء. والصحيح قول من قال: إن المسح يطهره من الخف والنعل، لحديث أبي سعيد. فأما لو كانت النعل والخف من جلد ميتة فإن كان غير مدبوغ فهو نجس باتفاق، ما عدا ما ذهب إليه الزهري و الليث ، على ما تقدم بيانه في سورة ((النحل)). ومضى في سورة ((براءة)) القول في إزالة النجاسة والحمد لله.
الخامسة: قوله تعالى: " إنك بالواد المقدس طوى " المقدس: المطهر. والقدس: الطهارة، والأرض المقدسة أي المطهرة، سميت بذلك لأن الله تعالى أخرج منها الكافرين وعمرها بالمؤمنين. وقد جعل الله تعالى لبعض الأماكن زيادة فضل على بعض، كما قد جعل لبعض الأزمان زيادة فضل على بعض، ولبعض الحيوان كذلك. ولله أن يفضل ما شاء. وعلى هذا فلا اعتبار بكونه مقدساً بإخراج الكافرين وإسكان المؤمنين، فقد شاركه في ذلك غيره. و " طوى " اسم الوادي عن ابن عباس و مجاهد وغيرهما. وقال الضحاك : هو واد عميق مستدير مثل الطوي. وقرأ عكرمة " طوي ". الباقون " طوي ". قال الضحاك : هو واد عميق مستدير مثل الطوي. وقرأ عكرمة " طوى ". الباقون " طوى " قال الجوهري : " طوى " اسم موضع بالشام، تكسر طاؤه وتضم، ويصرف ولا يصرف، فمن صرفه جعله اسم واد ومكان وجعله نكرة، ومن لم يصرفه جعله بلدة وبقعة وجعله معرفة وقال بعضهم: " طوى " مثل " طوى " وهو الشيء المثني، وقالوا في قوله " المقدس طوى ": طوي مرتين أي قدس. وقال الحسن : ثنيت فيه البركة والتقديس مرتين. وذكر المهدوي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قيل له " طوى " لأن موسى طواه بالليل إذا مر به فارتفع إلى أعلى الوادي، فهو مصدر عمل فيه ما ليس من لفظه، فكأنه قال: " إنك بالواد المقدس " الذي طويته طوى، أي تجاوزته فطويته بسيرك. الحسن : معناه أنه قدس مرتين، فهو مصدر من طويته طوى أيضاً.
يقول تعالى: "فلما أتاها" أي النار, واقترب منها "نودي يا موسى" وفي الاية الأخرى " نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله " وقال ههنا "إني أنا ربك" أي الذي يكلمك ويخاطبك "فاخلع نعليك" قال علي بن أبي طالب وأبو ذر وأبو أيوب وغير واحد من السلف: كانتا من جلد حمار غير ذكي, وقيل: إنما أمره بخلع نعليه تعظيما للبقعة. وقال سعيد بن جبير : كما يؤمر الرجل أن يخلع نعليه إذا أراد أن يدخل الكعبة, وقيل: ليطأ الأرض المقدسة بقدميه حافياً غير منتعل, وقيل غير ذلك, والله أعلم.
وقوله: "طوى" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هو اسم للوادي, وكذا قال غير واحد, فعلى هذا يكون عطف بيان, وقيل عبارة عن الأمر بالوطء بقدميه, وقيل: لأنه قدس مرتين, وطوى له البركة وكررت, والأول أصح كقوله: "إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى". وقوله: "وأنا اخترتك" كقوله: "إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي" أي على جميع الناس من الموجودين في زمانه, وقد قيل: إن الله تعالى قال يا موسى أتدري لم خصصتك بالتلكيم من بين الناس ؟ قال: لا, قال: لأني لم يتواضع إلي أحد تواضعك. وقوله: "فاستمع لما يوحى" أي استمع الان ما أقول لك وأوحيه إليك "إنني أنا الله لا إله إلا أنا" هذا أول واجب على المكلفين أن يعلموا أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وقوله: "فاعبدني" أي وحدني, وقم بعبادتي من غير شريك "وأقم الصلاة لذكري" قيل: معناه صل لتذكرني, وقيل: معناه وأقم الصلاة عند ذكرك لي, ويشهد لهذا الثاني ما قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي , حدثنا المثنى بن سعيد عن قتادة , عن أنس , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها, فليصلها إذا ذكرها, فإن الله تعالى قال: وأقم الصلاة لذكري", وفي الصحيحين عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها, لا كفارة لها إلا ذلك". وقوله: "إن الساعة آتية" أي قائمة لا محالة وكائنة لا بد منها.
وقوله: "أكاد أخفيها" قال الضحاك عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: أكاد أخفيها من نفسي, يقول: لأنها لا تخفى من نفس الله أبداً. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : من نفسه: وكذا قال مجاهد وأبو صالح ويحيى بن رافع . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "أكاد أخفيها" يقول: لا أطلع عليها أحداً غيري. وقال السدي : ليس أحد من أهل السموات والأرض إلا قد أخفى الله تعالى عنه علم الساعة وهي في قراءة ابن مسعود إني أكاد أخفيها من نفسي, يقول: كتمتها عن الخلائق حتى لو استطعت أن أكتمها من نفسي لفعلت. وقال قتادة : أكاد أخفيها, وهي في بعض القراءات: أخفيها من نفسي, ولعمري لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ومن الأنبياء والمرسلين. قلت وهذا كقوله تعالى: "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله" وقال: "ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة" أي ثقل علمها على أهل السموات والأرض, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا منجاب , حدثنا أبو نميلة , حدثني محمد بن سهل الأسدي عن وقاء قال: أقرأنيها سعيد بن جبير : أكاد أخفيها, يعني بنصب الألف وخفض الفاء, يقول أظهرها, ثم قال أما سمعت قول الشاعر:
دأب شهرين ثم شهراً دميكاً بأريكين يخفيان غميراً
قال السدي : الغمير نبت رطب ينبت في خلال يبس, والأريكين موضع, والدميك الشهر التام, وهذا الشعر لكعب بن زهير . وقوله سبحانه وتعالى: "لتجزى كل نفس بما تسعى" أي أقيمها لا محالة لأجزي كل عامل بعمله " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " " إنما تجزون ما كنتم تعملون " وقوله: "فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها" الاية, المراد بهذا الخطاب آحاد المكلفين. أي لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة, وأقبل على ملاذه في دنياه, وعصى مولاه واتبع هواه, فمن وافقهم على ذلك فقد خاب وخسر "فتردى" أي تهلك وتعطب, قال الله تعالى: "وما يغني عنه ماله إذا تردى".
ومن ناحيتها 12- " يا موسى * إني أنا ربك " أي نودي فقيل يا موسى. وقرأ أبو عمرو وابن كثير وأبو جعفر وابن محيصن وحميد واليزيدي "أني" بفتح الهمزة. وقرأ الباقون بكسرها: أي بأني "فاخلع نعليك" أمره الله سبحانه بخلع نعليه، لأن ذلك أبلغ في التواضع، وأقرب إلى التشريف والتكريم وحسن التأدب. وقيل إنهما كانا من جلد حمار غير مدبوغ، وقيل معنى الخلع للنعلين: تفريغ القلب من الأهل والمال، وهو من بدع التفاسير. ثم علل سبحانه الأمر بالخلع فقال: "إنك بالواد المقدس طوى" المقدس المطهر، والقدس الطهارة، والأرض المقدسة المطهرة، سميت بذلك لأن الله أخرج منها الكافرين وعمرها بالمؤمنين، وطوى اسم للوادي. قال الجوهري: وطوى اسم موضع بالشام بكسر طاؤه ويضم، ويصرف ولا يصرف، فمن صرفه جعله اسم واد ومكان وجعله نكرة ومن لم يصرفه جعله بلدة، وبقعة وجعله معرفة، وقرأ عكرمة طوى بكسر الطاء، وقرأ الباقون بضمها. وقيل إن طوى كثنى من الطي مصدر لنودي، أو للمقدس: أي نودي نداءين، أو قدس مرة بعد أخرى.
12 - " إني أنا ربك " ، قرأ أبو جعفر ، و ابن كثير ، أبو عمرو ، ( أني ) بفتح الألف ، على معنى : نودي بأني : .
وقرأ الآخرون بكسر الألف ، أي : نودي فقيل : إني أنا ربك .
قوله عز وجل :" فاخلع نعليك " ، وكان السبب فيه ما روي عن ابن مسعود مرفوعاً في قوله : " فاخلع نعليك " ، قال : كانتا من جلد حمار ميت . ويروى غير مدبوغ .
وقال عكرمة و مجاهد : أمر بخلع النعلين ليباشر بقدمه تراب الأرض المقدسة ، فيناله بركتها لأنها قدست مرتين ، فخلعهما موسى وألقاهما من وراء الوادي .
" إنك بالواد المقدس" ، أي المطهر ، " طوىً " ، وطوى اسم الوادي ،وقرأ أهل الكوفة والشام : " طوىً " بالتنوين هاهنا وفي سورة النازعات ، وقرأ الآخرون بلا تنوين لأنه معدول عن ( طاو ) فلما كان معدولاً عن وجهه كان مصروفاً عن إعرابه ، مثل عمر ، وزفر ، وقال الضحاك : " طوى " : واد مستدير عميق مثل الطوي في استدارته .

12ـ " إني أنا ربك " فتحه ابن كثير و أبو عمرو أي بأني وكسره الباقون بإضمار القول أو إجراء النداء مجراه ، وتكرير الضمير للتوكيد والتحقيق . قيل إنه لما نودي قال : من المتكلم قال : إني أنا الله ، فوسوس إليه إبليس لعلك تسمع كلام شيطان فقال : أنا عرقت أنه كلام الله بأي أسمعه من جميع الجهات وبجميع الأعضاء . وهو إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام تلقى من ربه كلامه تلقياً روحانياً ، ثم تمثل ذلك الكلام لبدنه وانتقل إلى الحس المشترك فانتقش به من غير اختصاص بعضو وجهة . " فاخلع نعليك " أمره بذلك لأن الحفوة تواضع وأدب ولذلك طاف السلف حافين . وقيل لنجاسة نعليه فإنهما كانتا من جلد حما غير مدبوغ . وقيل معناه فرغ قلبك من الأهل والمال . " إنك بالواد المقدس " تعليل للأمر باحترام البقعة والمقدس يحتمل المعنيين . " طوًى " عطف بيان للوادي ونونه ابن عامر والكوفيون بتأويل المكان . وقيل هو كثني من الطي مصدر لـ " نودي " أو " المقدس " أي : نودي نداءين أو قدس مرتين .
12. Lo! I, even I, am thy Lord. So take off thy shoes, for Lo! thou art in the holy valley of Tuwa.
12 - Verily I am thy Lord! therefore (in my presence) put off thy shoes: thou art In the sacred valley Tuwa.