[طه : 115] وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا
115 - (ولقد عهدنا إلى آدم) ووصيناه أن لا يأكل من الشجرة (من قبل) أي قبل أكله منها (فنسي) ترك عهدنا (ولم نجد له عزما) حزما وصبرا عما منعناه عنه
يقول تعالى ذكره : وإن يضيع يا محمد هؤلاء الذين نصرف لهم في هذا القرآن من الوعيد عهدي ، ويخالفوا أمري ، ويتركوا طاعتي ، ويتبعوا أمر عدوهم إبليس ، ويطيعوه في خلاف أمري ، فقديماً ما فعل ذلك أبوهم آدم ولقد عهدنا إليه يقول : ولقد وصينا آدم وقلنا له : "إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة" فوسوس إليه الشيطان فأطاعه ، وخالف أمري ، فحل به من عقوبتي ما حل.
وعنى جل ثناؤه بقوله "من قبل" هؤلاء الذين أخبر أنه صرف لهم الوعيد في هذا القرآن ، وقوله "فنسي" يقول : فترك عهدي.
كما حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي" يقول : فترك.
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، في قوله "فنسي" قال : ترك أمر ربه.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما" قال : قال له "يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى" فقرأ حتى بلغ "لا تظمأ فيها ولا تضحى"، وقرأ حتى بلغ "وملك لا يبلى" قال : فنسى ما عهد إليه في ذلك ، قال : وهذا عهد الله إليه ، قال : ولو كان له عزم ما أطاع عدوه الذي حسده ، وأبى أن يسجد له مع من سجد له إبليس ، وعصى الله الذي كرمه وشرفه ، وأمر ملائكته فسجدوا له.
حدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا: ثنا يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن ، ومؤمل ، قالوا: ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، قال : إنما سمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي.
وقوله "ولم نجد له عزما" اختلف أهل التأويل في معنى العزم هاهنا، فقال بعضهم : معناه الصبر.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "ولم نجد له عزما" أي صبراً.
حدثنا محمد بن بشار، قال : ثنا محمد بن جعفر، قال : ثنا شعبة، عن قتادة "ولم نجد له عزما" قال : صبراً.
حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ، قال : ثنا أبو النضر، قال : ثنا شعبة، عن قتادة، مثله.
وقال آخرون : بل معناه : الحفظ ، قالوا : ومعناه : ولم نجد له حفظاً لما عهدنا إليه.
ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية "ولم نجد له عزما" قال : حفظاً لما أمرته.
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هاشم بن القاسم، عن الأشجعي ، عن سفيان ، عن عمرو بن قيس ، عن عطية، في قوله "ولم نجد له عزما" قال : حفظاً.
حدثنا عباد بن محمد، قال : ثنا قبيصة، عن سفيان ، عن عمرو بن قيس ، عن عطية، في قوله "ولم نجد له عزما" قال : حفظاً لما أمرته به.
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "ولم نجد له عزما" يقول : لم نجد له حفظاً.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "ولم نجد له عزما" قال : العزم : المحافظة على ما أمره الله تبارك وتعالى بحفظه ، والتمسك به.
حدثني علي، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله "ولم نجد له عزما" يقول : لم نجعل له عزماً.
حدثني القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا الحجاج بن فضالة، عن لقمان بن عامر، عن أبي أمامة قال : لو أن أحلام بني آدم جمعت منذ يوم خلق الله تعالى آدم إلى يوم الساعة، ووضعت في كفة ميزان ، ووضع حلم آدم في الكفة الأخرى، لرجع حلمه بأحلامهم ، وقد قال الله تعالى "ولم نجد له عزما".
قال أبو جعفر: وأصل العزم : اعتقاد القلب على الشيء ، يقال منه : عزم فلان على كذا : إذا اعتقد عليه ونواه ؟ ومن اعتقاد القلب : حفظ الشيء ، ومنه الصبر على الشيء ، لأنه لا يجزع جازع إلا من خور قلبه وضعفه. فإذا كان ذلك كذلك ، فلا معنى لذلك أبلغ مما بينه الله تبارك وتعالى، وهو قوله "ولم نجد له عزما" فيكون تأويله : ولم نجد له عزم قلب ، على الوفاء لله بعيده ،،ولا على حفظ ما عهد إليه.
قوله تعالى: " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي " قرأ الأعمش باختلاف عنه " فنسي " بإسكان الياء وله معنيان: أحدهما: ترك، أي ترك الأمر والعهد، وهذا قول مجاهد وأكثر المفسرين ومنه " نسوا الله فنسيهم " [التوبة: 67]. وثانيهما قال ابن عباس: " نسي " هنا من السهو والنسيان، وإنما أخذ الإنسان منه لأنه عهد إليه فنسي. قال ابن زيد: نسي ما عهد الله إليه في ذلك، ولو كان له عزم ما أطاع عدوه إبليس. وعلى هذا القول يحتمل أن يكون آدم عليه السلام في ذلك الوقت مأخوذاً بالنسيان، وإن كان النسيان عنا اليوم مرفوعاً. ومعنى " من قبل " أي من قبل أن يأكل من الشجرة، لأنه نهي عنها. والمراد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم، أي طاعة بني آدم الشيطان أمر قديم، أي إن نقض هؤلاء العهد فإن آدم أيضاً عهدنا إليه فنسي، حكاه القشيري وكذلك الطبري . أي وإن يعرض يا محمد هؤلاء الكفرة عن آياتي، ويخالفوا رسلي، ويطيعوا إبليس، فقدماً فعل ذلك أبوهم آدم. قال ابن عطية : وهذا التأويل ضعيف، وذلك كون آدم مثالاً للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء، وآدم إنما عصى بتأويل، ففي هذا غضاضة عليه صلى الله عليه وسلم، وإنما الظاهر في الآية إما أن يكون ابتداء قصص لا تعلق له بما قبله، وإما أن يجعل تعلقه أنه لما عهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم ألا يعجل بالقرآن، مثل له بنبي قبله عهد إليه فنسي فعوقب، ليكون أشد في التحذير، وأبلغ في العهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم، والعهد هاهنا في معنى الوصية، " ونسي " معناه ترك، ونسيان الذهول لا يمكن هنا، لأنه لا يتعلق بالناسي عقاب. والعزم المضي على المعتقد في أي شيء كان، وآدم عليه السلام قد كان يعتقد ألا يأكل من الشجرة لكن لما وسوس إليه إبليس لم يعزم على معتقده. والشيء الذي عهد إلى آدم هو ألا يأكل من الشجرة، وأعلم مع ذلك أن إبليس عدو له. واختلف في معنى قوله: " ولم نجد له عزما " فقال ابن عباس و قتادة : لم نجد له صبراً عن أكل الشجرة، ومواظبة على التزام الأمر. قال النحاس : وكذلك هو في اللغة، يقال: لفلان عزم أي صبر وثبات على التحفظ من المعاصي حتى يسلم منها، ومنه " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل " [ألأحقاف: 35]. وعن ابن عباس أيضاً وعطية العوفي: حفظا لا أمر به، أي لم يتحفظ مما نهيته حتى نسي، وذهب عن علم ذلك بترك الاستدلال، وذلك أن إبليس قال له: إن أكلتها خلدت في الجنة، يعني عين تلك الشجرة، فلم يطعه فدعاه إلى نظير تلك الشجرة مما دخل في عموم النهي وكان يجب أن يستدل عليه فلم يفعل، وظن أنها لم تدخل في النهي فأكلها تأويلا، ولا يكون ناسياً للشيء من يعلم أنه معصية. وقال ابن زيد: " عزما " محافظة على أمر الله. وقال الضحاك : عزيمة أمر. ابن كيسان: إصراراً ولا إضماراً للعود إلى الذنب. قال القشيري : والأول أقرب إلى تأويل الكلام، ولهذا قال قوم: آدم لم يكن من أولي العزم من الرسل، لأن الله تعالى قال: " ولم نجد له عزما ". وقال المعظم: كل الرسل أولو العزم، وفي الخبر:
" ما من نبي إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة ما خلا يحيى بن زكريا " فلو خرج آدم بسبب خطيئته من جملة أولي العزم لخرج جميع الأنبياء سوى يحيى. وقد قال أبو أمامة: لو أن أحلام بني آدم جمعت منذ خلق الله الخلق إلى يوم القيامة، ووضعت في كفة ميزان، ووضع حلم آدم في كفة أخرى لرجحهم، وقد قال الله تبارك وتعالى: " ولم نجد له عزما ".
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان , حدثنا أسباط بن محمد , حدثنا الأعمش عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال: إنما سمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي, وكذا رواه علي بن أبي طلحة عنه. وقال مجاهد والحسن : ترك. وقوله: " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " يذكر تعالى تشريف آدم, وتكريمه وما فضله به على كثير ممن خلق تفضيلاً, وقد تقدم الكلام على هذه القصة في سورة البقرة وفي الأعراف وفي الحجر والكهف, وسيأتي في آخر سورة "ص" يذكر تعالى فيها خلق آدم وأمره الملائكة بالسجود له تشريفاً وتكريماً, ويبين عداوة إبليس لبني آدم ولأبيهم قديماً, ولهذا قال تعالى: "فسجدوا إلا إبليس أبى" أي امتنع واستكبر "فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك" يعني حواء عليهما السلام "فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى" أي إياك أن تسعى في إخراجك منها فتتعب وتعنى وتشقى في طلب رزقك, فإنك ههنا في عيش رغيد هنيء بلا كلفة ولا مشقة " إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى " إنما قرن بين الجوع والعري, لأن الجوع ذل الباطن, والعري ذل الظاهر, " وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى " وهذان أيضاً متقابلان, فالظمأ حر الباطن وهو العطش, والضحى حر الظاهر.
وقوله: "فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى" قد تقدم أنه دلاهما بغرور "وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين" وقد تقدم أن الله تعالى عهد إلى آدم وزوجه أن يأكلا من كل الثمار ولا يقربا هذه الشجرة المعينة في الجنة, فلم يزل بهما إبليس حتى أكلا منها وكانت شجرة الخلد, يعني التي من أكل منها خلد ودام مكثه, وقد جاء في الحديث ذكر شجرة الخلد, فقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة عن أبي الضحاك , سمعت أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها, وهي شجرة الخلد" ورواه الإمام أحمد .
وقوله: "فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما" قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين بن إشكاب , حدثنا علي بن عاصم عن سعيد بن أبي عروبة , عن قتادة , عن الحسن , عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم رجلاً طوالاً كثير شعر الرأس, كأنه نخلة سحوق, فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه, فأول ما بدا منه عورته, فلما نظر إلى عورته جعل يشتد في الجنة, فأخذت شعره شجرة فنازعها, فناداه الرحمن: يا آدم مني تفر, فلما سمع كلام الرحمن قال: يا رب لا, ولكن استحياء, أرأيت إن تبت ورجعت أعائدي إلى الجنة؟ قال: نعم" فذلك قوله: "فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه" وهذا منقطع بين الحسن وأبي بن كعب , فلم يسمعه منه, وفي رفعه نظر أيضاً.
وقوله: "وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة" قال مجاهد: يرقعان كهيئة الثوب, وكذا قال قتادة والسدي . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا جعفر بن عون , حدثنا سفيان عن ابن أبي ليلى , عن المنهال , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس "وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة" قال: ينزعان ورق التين فيجعلانه على سوآتهما. وقوله: "وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى" قال البخاري : حدثنا قتيبة , حدثنا أيوب بن النجار عن يحي بن أبي كثير , عن أبي سلمة , عن أبي هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حاج موسى آدم, فقال له: أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم؟ قال آدم: يا موسى, أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه, أتلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلقني أو قدره الله علي قبل أن يخلقني؟ ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فحج آدم موسى", وهذا الحديث له طرق في الصحيحين وغيرهما من المسانيد.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى , أخبرنا ابن وهب , أخبرني أنس بن عياض عن الحارث بن أبي ذئاب , عن يزيد بن هرمز قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احتج آدم وموسى عند ربهما, فحج آدم موسى, قال موسى: أنت الذي خلقك الله بيده, ونفخ فيك من روحه, وأسجد لك ملائكته, وأسكنك في جنته, ثم أهبطت الناس إلى الأرض بخطيئتك, قال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه, وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء, وقربك نجياً, فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق؟ قال موسى: بأربعين عاماً, قال آدم: فهل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى؟ قال: نعم, قال: أفتلومني على أن عملت عملاً كتب الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فحج آدم موسى", قال الحارث : وحدثني عبد الرحمن بن هرمز بذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
115- "ولقد عهدنا إلى آدم" اللام هي الموطئة للقسم، والجملة المستأنفة مقررة لما قبلها من تصريف الوعيد. أي لقد أمرناه ووصيناه، والمعهود محذوف، وهو ما سيأتي من نهيه عن الأكل من الشجرة، ومعنى "من قبل" أي من قبل هذا الزمان "فنسي" قرأ الأعمش بإسكان الياء، والمراد بالنسيان هنا ترك العمل بما وقع به العهد إليه وينتهي عنه، وبه قال أكثر المفسرين، وقيل النسيان على حقيقته، وأنه نسي ما عهد الله به إليه وينتهي عنه، وكان آدم مأخوذاً بالنسيان في ذلك الوقت، وإن كان النسيان مرفوعاً عن هذه الأمة، والمراد من الآية تسلية النبي صلى الله عليه وسلم على القول الأول. أي أن طاعة بني آدم للشيطان أمر قديم، وأن هؤلاء المعاصرين له إن نقضوا العهد فقد نقض أبوهم آدم، كذا قال ابن جرير والقشيري، واعترضه ابن عطية قائلاً بأن كون آدم مماثلاً للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء، وقرئ فنسي بضم النون وتشديد السين مكسورة مبنياً للمفعول: أي فنساه إبليس "ولم نجد له عزماً" العزم في اللغة توطين النفس على الفعل والتصميم عليه، والمضي على المعتقد في أي شيء كان، وقد كان آدم عليه السلام قد وطن نفسه على أن لا يأكل من الشجرة وصمم على ذلك، فلما وسوس إليه إبليس لانت عريكته وفتر عزمه وأدركه ضعف البشر، وقيل العزم الصبر أي لم نجد له صبراً عن أكل الشجرة. قال النحاس: وهو كذلك في اللغة، يقال لفلان عزم: أي صبر وثبات على التحفظ عن المعاصي حتى يسلم منها، ومنها " كما صبر أولو العزم من الرسل "، وقيل المعنى: ولم نجد له عزماً على الذنب، وبه قال ابن كيسان: وقيل لم نجد له رأياً معزوماً عليه، وبه قال ابن قتيبة.
115. قوله تعالى: " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل "، يعني: أمرناه وأوحينا إليه أن لا يأكل من الشجرة من قبل هؤلاء الذين نقضوا عهدك وتركوا الإيمان بي، وهم الذين ذكرهم الله في قوله تعالى: " لعلهم يتقون "، " فنسي " فترك الأمر، والمعنى أنهم نقضوا العهد، فإن آدم أيضاً عهدنا إليه فنسي، " ولم نجد له عزماً "، قال الحسن لم نجد له صبراً عما نهي عنه. وقال عطية العوفي : حفظاً لما أمر به.
وقال ابن قتيبة : رأياً معزوماً حيث أطاع عدوه إبليس الذي حسده وأبى أن يسجد له.
و ((العزم)) في اللغة: هو توطين النفس على الفعل.
قال أبو أمامة الباهلي : لو وزن حلم آدم بحلم جميع ولده لرجح حلمه، وقد قال الله: " ولم نجد له عزماً ".
فإن قيل: أتقولون إن آدم كان ناسياً لأمر الله حين أكل من الشجرة؟.
قيل: يجوز أن يكون نسي أمره، ولم يكن النسيان في ذلك الوقت مرفوعاً عن الإنسان، بل كان مؤاخذاً به، وإنما رفع عنا.
وقيل: نسى عقوبة الله وظن أنه نهي تنزيهاً.
115ـ " ولقد عهدنا إلى آدم " ولقد أمرناه يقال تقدم الملك إليه وأوعز إليه وعزم عليه وعهد إليه إذ أمره ، واللام جواب قسم محذوف وإنما عطف قصة آدم على قوله " وصرفنا فيه من الوعيد " للدلالة على أن أساس بني آدم على العصيان وعرقهم راسخ في النسيان . " من قبل " من قبل هذا الزمان . " فنسي " العهد ولم يعن به حتى غفل عنه ، أو ترك ما وصي به من الاحتراز عن الشجرة . " ولم نجد له عزما " تصميم رأي وثباتاً على الأمر إذ لو كان ذا عزيمة وتصلب لم يزله الشيطان ولم يستطع تغريره ، ولعل ذلك كان في بدء أمره قبل أن يجرب الأمور ويذوق شريها وأريها . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " لو وزنت أحلام بني آدم بحلم آدم لرجح حلمه " وقد قال الله تعالى " ولم نجد له عزماً " . وقيل عزماً على الذنب لأنه أخطأ ولم يتعمده ونجد إن كان من الوجود الذي بمعنى العلم فله عزماً مفعولاه ، وإن كان من الوجود المناقض للعدم فله حال من عزماً أو متعلق بنجد .
115. And verily We made a covenant of old with Adam, but he forgot, and We found no constancy in him.
115 - We had already, beforehand, taken the covenant of Adam, but he forget: and we found on his part no firm resolve.