[مريم : 86] وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا
86 - (ونسوق المجرمين) بكفرهم (إلى جهنم وردا) جمع وارد بمعنى ماش عطشان
وقوله "ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا" يقول تعالى ذكره : ونسوق الكافرين بالله الذين أجرموا إلى جهنم عطاشاً. والورد : مصدر من قول القائل : وردت كذا أرده ورداً، ولذلك لم يجمع ، وشد وصف به الجمع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي ، قال : ثني عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا" يقول : عطاشاً.
حدثنا محمد بن المثنى، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن شعبة، عن إسماعيل ، عن رجل ، عن أبي هريرة "ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا" قال : عطاشاً.
حدثني يعقوب والفضل بن صباح ، قالا: ثنا إسماعيل بن علية، عن أبي رجاء، قال : سمعت الحسن يقول في قوله "ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا" قال : عطاشاً.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن يونس ، عن الحسن ، مثله.
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله "إلى جهنم وردا" قال : ظماءً إلى النار.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا" سوقوا إليها وهم ظمء عطاش.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : سمعت سفيان يقول في قوله "ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا" قال : عطاشاً.
" ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا " السوق الحث على السير. و " وردا " عطاشا، قاله ابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهما و الحسن . و الأخفش و الفراء وابن الأعرابي: حفاة مشاة. وقيل: أفواجاً. وقال الأزهري : أي مشاة عطاشا، كالإبل ترد الماء، فيقال: جاء ورد بني فلان. القشيري : وقوله: " وردا " يدل على العطش، لأن الماء إنما يورد في الغالب للعطش. وفي التفسير : مشاة عطاشا تتقطع أعناقهم من العطش، وإذا كان سوق المجرمين إلى النار فحشر المتقين إلى الجنة. وقيل: " وردا " أي الورود، كقولك: جئتك إكراماً لك أي لإكرامك، أي نسوقهم لورود النار.
قلت: ولا تناقض بين هذه الأقوال، فيساقون عطاشاً حفاة مشاة أفواجاً. قال ابن عرفة: الورد القوم يردون الماء، فسمي العطاش ورداً لطلبهم ورود الماء، كما تقول: قوم صوم أي صيام، وقوم زور أي زوار، فهو اسم على لفظ المصدر، واحدهم وارد. والورد أيضاً الجماعة التي ترد الماء من طير وإبل. والورد الماء الذي يورد. وهذا من باب الإيماء بالشيء إلى الشيء. والورد الجزء من القرآن يقال: قرأت وردي. والورد يوم الحمى إذا أخذت صاحبها لوقت. فظاهره لفظ مشترك. وقال الشاعر يصف قليبا:
يطمو إذا الورد عليه التكا
أي الوراد الذين يريدون الماء.
يخبر تعالى عن أوليائه المتقين الذين خافوه في الدار الدنيا, واتبعوا رسله وصدقوهم فيما أخبروهم, وأطاعوهم فيما أمروهم به, وانتهوا عما عنه زجروهم, أنه يحشرهم يوم القيامة وفداً إليه, والوفد هم القادمون ركباناً, ومنه الوفود وركوبهم على نجائب من نور من مراكب الدار الاخرة. وهم قادمون على خير موفود إليه إلى دار كرامته ورضوانه, وأما المجرمون المكذبون للرسل المخالفون لهم, فإنهم يساقون عنفاً إلى النار "ورداً" عطاشاً, قاله عطاء وابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد, وههنا يقال: "أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا ابن خالد عن عمرو بن قيس الملائي عن ابن مرزوق "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً" قال: يستقبل المؤمن عند خروجه من قبره أحسن صورة رآها وأطيبها ريحاً, فيقول: من أنت ؟ فيقول أما تعرفني ؟ فيقول: لا, إلا أن الله قد طيب ريحك وحسن وجهك, فيقول: أنا عملك الصالح, هكذا كنت في الدنيا حسن العمل طيبه, فطالما ركبتك في الدنيا فهلم اركبني فيركبه, فذلك قوله: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً" وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً" قال: ركبانا.
وقال ابن جرير : حدثني ابن المثنى , حدثنا ابن مهدي عن شعبة عن إسماعيل عن رجل عن أبي هريرة "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً" قال: على الإبل. وقال ابن جريج : على النجائب. وقال الثوري : على الإبل النوق. وقال قتادة "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً" قال: إلى الجنة. وقال عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه : حدثنا سويد بن سعيد , أخبرنا علي بن مسهر عن عبد الرحمن بن إسحاق , حدثنا النعمان بن سعد , قال: كنا جلوساً عند علي رضي الله عنه, فقرأ هذه الاية: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً" قال: لا والله ما على أرجلهم يحشرون ولا يحشر الوفد على أرجلهم, ولكن بنوق لم ير الخلائق مثلها, عليها رحائل من ذهب, فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة, وهكذا رواه ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث عبد الرحمن بن إسحاق المدني به. وزاد عليها رحائل من ذهب وأزمتها الزبرجد والباقي مثله.
وروى ابن أبي حاتم ههنا حديثاً غريباً جداً مرفوعاً عن علي , فقال: حدثنا أبي , حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي , حدثنا مسلمة بن جعفر البجلي , سمعت أبا معاذ البصري قال: إن علياً كان ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقرأ هذه الاية "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً" فقال: ما أظن الوفد إلا الركب يا رسول الله ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده,إنهم إذا خرجوا من قبورهم يستقبلون أو يؤتون بنوق بيض لها أجنحة وعليها رحال الذهب شرك نعالهم نور يتلألأ كل خطوة منها مد البصر, فينتهون إلى شجرة ينبع من أصلها عينان, فيشربون من إحداهما فتغسل ما في بطونهم من دنس, ويغتسلون من الأخرى فلا تشعث أبشارهم ولا أشعارهم بعدها أبداً, وتجري عليهم نضرة النعيم فينتهون أو فيأتون باب الجنة, فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب فيضربون بالحلقة على الصفحة, فيسمع لها طنين يا علي , فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل, فتبعث قيمها فيفتح له, فإذا رآه خر له ـ قال مسلمة أراه قال ساجداً ـ فيقول: ارفع رأسك فإنما أنا قيمك وكلت بأمرك, فيتبعه, ويقفو أثره فتستخف الحوراء العجلة, فتخرج من خيام الدر والياقوت حتى تعتنقه, ثم تقول: أنت حبي وأنا حبك, وأنا الخالدة التي لا أموت, وأنا الناعمة التي لا أبأس, وأنا الراضية التي لا أسخط, وأنا المقيمة التي لا أظعن, فيدخل بيتاً من رأسه إلى سقفه مائة ألف ذراع, بناؤه على جندل اللؤلؤ طرائق: أحمر وأصفر وأخضر, ليس منها طريقة تشاكل صاحبتها. وفي البيت سبعون سريراً, على كل سرير سبعون حشية, على كل حشية سبعون زوجة, على كل زوجة سبعون حلة, يرى مخ ساقها من وراء الحلل يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم هذه, الأنهار من تحتهم تطرد أنهار من ماء غير آسن, قال: صاف لا كدر فيه, وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ولم يخرج من ضروع الماشية وأنهار من خمر لذة للشاربين لم يعتصرها الرجال بأقدامهم, وأنهار من عسل مصفى لم يخرج من بطون النحل فيستحلي الثمار, فإن شاء أكل قائماً وإن شاء قاعداً وإن شاء متكئاً, ثم تلا: "ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلاً" فيشتهي الطعام فيأتيه طير أبيض, وربما قال أخضر, فترفع أجنحتها فيأكل من جنوبها, أي الألوان شاء, ثم يطير فتذهب فيدخل الملك فيقول: سلام عليكم "تلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون" ولو أن شعرة من شعر الحوراء وقعت لأهل الأرض لأضاءت الشمس معها سواد في نور" هكذا وقع في هذه الرواية مرفوعاً, وقد رويناه في المقدمات من كلام علي رضي الله عنه بنحوه, وهو أشبه بالصحة, والله أعلم.
وقوله: "ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً" أي عطاشا "لا يملكون الشفاعة" أي ليس لهم من يشفع لهم كما يشفع المؤمنون بعضهم لبعض, كما قال تعالى مخبراً عنهم: " فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم ". وقوله: "إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً" هذا استثناء منقطع بمعنى لكن من اتخذ عند الرحمن عهداً, وهو شهادة أن لا إله إلا الله والقيام بحقها. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً" قال: العهد شهادة أن لا إله إلا الله, ويبرأ إلى الله من الحول والقوة, ولا يرجو إلا الله عز وجل.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عثمان بن خالد الواسطي حدثنا محمد بن الحسن الواسطي عن المسعودي , عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة , عن الأسود بن يزيد قال: قرأ عبد الله يعني ابن مسعود هذه الاية "إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً" ثم قال: اتخذوا عند الله عهداً, فإن الله يوم القيامة يقول: من كان له عند الله عهد فليقم, قالوا: يا أبا عبد الرحمن فعلمنا. قال: قولوا: اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة, فإني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا أن لا تكلني إلى عملي يقربني من الشر ويباعدني من الخير, وإني لا أثق إلا برحمتك, فاجعل لي عندك عهداً تؤديه إلي يوم القيامة, إنك لا تخلف الميعاد. وقال المسعودي : فحدثني زكريا عن القاسم بن عبد الرحمن , أخبرنا ابن مسعود وكان يحلق بهن خائفاً مستجيراً مستغفراً راهباً راغباً إليك, ثم رواه من وجه آخر عن المسعودي بنحوه.
86- "ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً" السوق الحث على السير، والورد العطاش قاله الأخفش وغيره. وقال الفراء وابن الأعرابي: هم المشاة، وقال الأزهري: هم المشاة العطاش كالإبل ترد الماء. وقيل ورداً: أي للورد، كقولك جئتك إكراماً: أي للإكرام، وقيل أفراداً. قيل لا تناقض بين هذه الأقوال فهم يساقون مشاة عطاشاً أفراداً، وأصل الورد الجماعة التي ترد الماء من طير أو إبل أو قوم أو غير ذلك. والورد الماء الذي يورد.
86- " ونسوق المجرمين " ، الكافرين ، " إلى جهنم ورداً " ، أي مشاة . وقيل : عطاشاً قد تقطعت أعناقهم من العطش . ( والورد ) جماعة يردون لماء ، ولا يرد أحد الماء إلا بعد عطش .
86ـ " ونسوق المجرمين " كما تساق البهائم . " إلى جهنم ورداً " عطاشاً فإن من يرد الماء لا يرده إلا لعطش ، أو كالدواب التي ترد الماء .
86. And drive the guilty unto Hell, a weary herd,
86 - And we shall drive the sinners to hell, like thirsty cattle driven down to water,