[مريم : 80] وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا
80 - (ونرثه ما يقول) من المال والولد (ويأتينا) يوم القيامة (فردا) لا مال له ولا ولد
وقوله "ونرثه ما يقول" يقول عز ذكره : ونسلب هذا القائل : لأوتين في الآخرة مالاً وولداً ، ماله وولده ، ويصير لنا ماله وولده دونه ، ويأتينا هو يوم القيامة فرداً ، وحده لا مال معه ولا ولد.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ح ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، ، عن مجاهد، قوله "ونرثه ما يقول": ماله وولده ، وذلك الذي قال العاصي بن وائل.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "ونرثه ما يقول ويأتينا فردا" : لا مال له ولا ولد.
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله "ونرثه ما يقول" قال : ما عنده ، وهل! قوله "لأوتين مالا وولدا" وفي حرف ابن مسعود : ونرثه ما عنده.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "ونرثه ما يقول" قال : ما جمع من الدنيا وما عمل فيها.
قال "ويأتينا فردا" قال : فرداً من ذلك ، لا يتبعه قليل ولا كثير.
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "ونرثه ما يقول": نرثه.
" ونرثه ما يقول " أي نسلبه ما أعطيناه في الدنيا من مال وولد. وقال ابن عباس وغيره: أي نرثه المال والولد بعد إهلاكنا إياه. وقيل: نحرمه ما تمناه في الآخرة من مال وولد، ونجعله لغيره من المسلمين. " ويأتينا فردا " أي منفرداً لا مال له ولا ولد ولا عشيرة تنصره.
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية , حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن خباب بن الأرت قال: كنت رجلاً قيناً وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه منه, فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد, فقلت: لا والله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت ثم تبعث. قال: فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيتك, فأنزل الله: " أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا * أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا * كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا * ونرثه ما يقول ويأتينا فردا " أخرجه صاحبا الصحيح وغيرهما من غير وجه عن الأعمش به وفي لفظ البخاري : كنت قيناً بمكة فعملت للعاص بن وائل سيفاً, فجئت أتقاضاه فذكر الحديث, وقال: "أم اتخذ عند الرحمن عهداً" قال: موثقاً.
وقال عبد الرزاق : أخبرنا الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى , عن مسروق قال: قال خباب بن الأرت : كنت قيناً بمكة فكنت أعمل للعاص بن وائل, فاجتمعت لي عليه دراهم فجئت لأتقاضاه, فقال لي: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد, فقلت: لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث, قال: فإذا بعثت كان لي مال وولد, فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله "أفرأيت الذي كفر بآياتنا" الايات. وقال العوفي عن ابن عباس : إن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطالبون العاص بن وائل السهمي بدين, فأتوه يتقاضونه, فقال: ألستم تزعمون أن في الجنة ذهباً وفضة وحريراً ومن كل الثمرات ؟ قالوا: بلى. قال: فإن موعدكم الاخرة, فو الله لأوتين مالاً وولداً, ولأوتين مثل كتابكم الذي جئتم به, فضرب الله مثله في القرآن, فقال " أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا * أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا * كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا * ونرثه ما يقول ويأتينا فردا " وهكذا قال مجاهد وقتادة وغيرهم: أنها نزلت في العاص بن وائل. وقوله: "لأوتين مالاً وولداً" قرأ بعضهم بفتح الواو من ولدا, وقرأ آخرون بضمها, وهو بمعناه, قال رؤبة:
الحمد لله العزيز فرداً لم يتخذ من ولد شيء ولداً
وقال الحارث بن حلزة:
ولقد رأيت معاشراً قد ثمروا مالاً وولدا
وقال الشاعر:
فليت فلاناً كان في بطن أمه وليت فلاناً كان ولد حمار
وقيل: إن الولد بالضم جمع, والولد بالفتح مفرد, وهي لغة قيس, والله أعلم. "أطلع الغيب" إنكار على هذا القائل "لأوتين مالاً وولداً" يعني يوم القيامة, أي أعلم ماله في الاخرة حتى تألى وحلف على ذلك "أم اتخذ عند الرحمن عهداً" أم له عند الله عهد سيؤتيه ذلك, وقد تقدم عند البخاري أنه الموثق. وقال الضحاك عن ابن عباس : "أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهداً" قال: لا إله إلا الله فيرجو بها. وقال محمد بن كعب القرظي "إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً" قال: شهادة أن لا إله إلا الله, ثم قرأ "إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً".
وقوله: "كلا" هي حرف ردع لما قبلها, وتأكيد لما بعدها "سنكتب ما يقول" أي من طلبه ذلك وحكمه لنفسه بما يتمناه وكفره بالله العظيم , "ونمد له من العذاب مداً" أي في الدار الاخرة على قوله ذلك وكفره بالله في الدنيا, "ونرثه ما يقول" أي من مال وولد نسلبه منه عكس ما قال إنه يؤتى في الدار الاخرة مالاً وولداً زيادة على الذي له في الدنيا, بل في الاخرة يسلب منه الذي كان له في الدنيا, ولهذا قال تعالى: "ويأتينا فرداً" أي من المال والولد. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس , "ونرثه ما يقول" قال: نرثه.
قال مجاهد : "ونرثه ما يقول" ماله وولده. وذلك الذي قال العاص بن وائل. وقال عبد الرزاق عن معمر , عن قتادة "ونرثه ما يقول" قال: ما عنده. وهو قوله: "لأوتين مالاً وولداً". وفي حرف ابن مسعود : ونرثه ما عنده وقال قتادة "ويأتينا فرداً" لا مال له ولا ولد. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم "ونرثه ما يقول" قال: ما جمع من الدنيا وما عمل فيها, قال "ويأتينا فرداً" قال: فرداً من ذلك لا يتبعه قليل ولا كثير.
"ونرثه ما يقول" أي نميته فنرثه المال والولد الذي يقول إنه يؤتاه. والمعنى: مسمي ما يقول ومصداقه، وقيل المعنى: نحرمه ما تمناه ونعطيه غيره "ويأتينا فرداً" أي يوم القيامة لا مال له ولا ولد، بل نسلبه ذلك، فكيف يطمع في أن نؤتيه، وقيل المراد بما يقول نفس القول لا مسماه، والمعنى: إنما يقول هذا القول ما دام حياً، فإذا أمتناه حلنا بينه وبين أن يقوله ويأتينا رافضاً له منفرداً عنه، والأول أولى.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "أي الفريقين خير مقاماً" قال: قريش نقوله لها ولأصحاب محمد. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "خير مقاماً" قال: المنازل "وأحسن ندياً" قال: المجالس، وفي قوله: "أحسن أثاثاً" قال: المتاع والمال "ورئياً" قال: المنظر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً" فليدعه الله في طغيانه، وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن حبيب بن أبي ثابت قال في حرف أبي قل من كان في الضلالة فإنه يزيد الله ضلالة. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما في قوله "أفرأيت الذي كفر" من حديث خباب بن الأرت قال: كنت رجلاً قيناً وكان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث، قال: فإني مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيك، فأنزل الله فيه هذه الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "أم اتخذ عند الرحمن عهداً"
قال: لا إله إلا الله يرجو بها. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: "ونرثه ما يقول" قاله ماله وولده.
80 - " ونرثه ما يقول " ، أي ما عنده من المال والولد بإهلاكنا إياه وإبطال ملكه وقوله ما يقول ، لأنه زعم أن له مالاً وولداً ( في الآخرة ) ، أي : لا نعطيه ونعطي غيره فيكون الإرث راجعاً إلى ما تحت القول لا إلى نفس القول .
وقيل : معنى قوله : " ونرثه ما يقول " أي : نحفظ ما يقول حتى نجازيه به .
" ويأتينا فرداً " ، يوم القيامة بلا مال ولا ولد .
80 -"ونرثه " بموته. " ما يقول" يعني المال والولد. "ويأتينا" يوم القيامة . "فرداً " لا يصحبه مال ولا ولد كان له في الدنيا فضلا أن يؤتى ثم زائداً وقيل " فردا " رافضاً لهذا القول متفرداً عنه.
80. And We shall inherit from him that whereof he spake, and he will come unto Us, alone (without his wealth and children).
80 - To us shall return all that he talks of, and he shall appear before us bare and alone.