[مريم : 74] وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا
74 - (وكم) أي كثيرا (أهلكنا قبلهم من قرن) أي امة من الأمم الماضية (هم أحسن أثاثا) مالا ومتاعا (ورئيا) منظرا من الرؤية فكما أهلكناهم لكفرهم نهلك هؤلاء
يقول تعالى ذكره : وكم أهلكنا يا محمد قبل هؤلاء القائلين من أهل الكفر للمؤمنين ، إذا تتلى عليهم آيات الرحمن ، أي الفريقين خير مقاماً، وأحسن ندياً، مجالس من قرن هم أكثر متاع منازل من هؤلاء وأحسن منهم منظراً وأجمل صوراً ، فأهلكنا أموالهم ، وغيرنا صورهم ، ومن ذلك قول علقمة بن عبدة: كميت كلون الأرجوان نشرته لبيع الرثي في الصوان المكعب
يعني بالصوان : التخت الذي تصان فيه الثياب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن أبي عباس "أحسن أثاثا ورئيا" قال : الرئي : المنظر، والأثاث: المتاع.
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا ابن أبي عدي عن شعبة،عن سليمان ،عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس قال : الرئي المنظر.
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "أحسن أثاثا ورئيا" يقول : منظراً.
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس "أحسن أثاثا ورئيا" الأثاث: المال ، والرئي : المنظر.
حدثنا ابن بشار، قال : ثنا هوذة، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله "أثاثا ورئيا" قال : الأثاث : أحسن المتاع ، والرئي : قال : المال.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، يقول الله تبارك وتعالى "وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا" : أي أكثر متاعاً وأحسن منزلة ومستقراً ، فأهلك الله أموالهم ، وأفسد صورهم عليهم تبارك وتعالى.
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة ، قوله "أحسن أثاثا ورئيا" قال : أحسن صوراً ، وأكثر أموالاً.
حدثني محمد بني عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد "أثاثا" قال : المتاع "ورئيا" قال : فيما يرى الناس.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، بنحوه.
حدثنا ابن حميد وبشر بن معاذ، قالا : ثنا جرير بن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : الأثاث : المال ، والرئي : المنظر الحسن.
حدثنا القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس "ورئيا" منظراً في اللون والحسن.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "أحسن أثاثا ورئيا" قال : الرئي : المنظر، والأثاث : المتاع ، أحسن متاعاً ، وأحسن منظراً.
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول في قوله "أحسن أثاثا" يعني المال "ورئيا" يعني : المنظر الحسن.
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل المدينة وريا غير مهموز، وذلك إذا قرىء كذلك يتوجه لوجهين : أحدهما : أن يكون قارئه أراد الهمزة، فأبدل منها ياء، فاجتمعت الياء المبدلة من الهمز والياء التي هي لام الفعل ، فأدغمتا، فجعلتا ياء واحدة مشددة ليلحقوا ذلك ، إذ كان رأس آية، بنظائره من سائر رءوس الآيات قبله وبعده ، والآخر أن يكون من رويت أروي روية وريا ، وإذا أريد به ذلك كان معنى الكلام : وكم أهلكنا قبلهم من قرن ، هم أحسن متاعاً، وأحسن نظراً لماله ، ومعرفةً لتدبيره ، وذلك أن العرب تقول : ما أحسن رؤية فلان في هذا الأمر إذا كان حسن النظر فيه والمعرفة به . وقرأ ذلك عامة قراء العراق والكوفة والبصرة "ورئيا" بهمزها ، بمعنى : رؤية العين ، كأنه أراد : أحسن متاعاً ومرآة. وحكي عن بعضهم أنه قرأ : أحسن أثاثا وزيا، بالزاي ، كأنه أراد أحسن متاعاً وهيئة ومنظراً ، وذلك أن الزي هو الهيئة والمنظر من قولهم : زييت الجارية، بمعنى : زينتها وهيأتها.
قال أبو جعفر وأولى القراءات في ذلك بالصواب ، قراءة من قرأ "أثاثا ورئيا" بالراء والهمز، لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن معناه : المنظر، وذلك هو من رؤية العين ، لا من الروية، فلذلك كان المهموز أولى به ، فإن قرأ قارىء ذلك بترك الهمز، وهو يريد هذا المعنى، فغير مخطىء في قراءته.وأما قراءته بالزاي ، فقرأءة خارجة عن قراءة القراء، فلا أستجيز القراءة بها لخلافها قراءتهم ، وإن كان لهم في التأويل وجه صحيح.
واختلف أهل العربية في الأثاث أجمع هو أم واحد، فكان الأحمر فيما ذكر لي عنه يقول: هو جمع واحدتها أثاثة، كما الحمام جمع واحدتها حمامة، والسحاب جمع واحدتها سحابة . وأما الفراء فإنه كان يقول : لا واحد له ، كما أن المتاع لا واحد له. قال : والعرب تجمع المتاع : أمتعة، وأماتيع ، ومتع. قالع : ولو جمعت الأثاث لقلت : ثلاثة آثة وأثث. وأما الرئي فإن جمعه : آراء.
قوله تعالى: " وكم أهلكنا قبلهم من قرن " أي من أمة وجماعة. " هم أحسن أثاثا " أي متاعاً كثيراً، قال:
وفرع يزين المتن أسود فاحم أثيث كقنو النخلة المتعثكل
والأثاث متاع البيت. وقيل: هو ما جد من الفرش والخرثي ما لبس منها، وأنشد الحسن بن علي الطوسي فقال:
تقادم العهد من أم الوليد بنا دهراً وصار أثاث البيت خرثيا وقال ابن عباس: هيئة. مقاتل : ثيابا. " ورئيا " أي منظراً حسناً. وفيه خمس قراءات: قرأ أهل المدينة وريا بغير همز. وقرأ أهل الكوفة " ورئيا " بالهمز. وحكى يعقوب أن طلحة قرأ وريا بياء واحدة مخففة. وروى سفيان عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس: هم أحسن أثاثا وزيا بالزاي، فهذه أربع قراءات. قال أبو إسحاق: ويجوز هم أحسن أثاثا وريئا بياء بعدها همزة. النحاس : وقراءة أهل المدينة في هذا حسنة وفيها تقريران: أحدهما: أن تكون من رأيت ثم خففت الهمزة فأبدل منها ياء، وأدغمت الياء في الياء. وكان هذا حسناً لتتفق رؤوس الآيات لأنها غير مهموزات. وعلى هذا قال ابن عباس: الرئي المنظر، فالمعنى: هم أحسن أثاثاً ولباساً. والوجه الثاني: أن جلودهم مرتوية من النعمة، فلا يجوز الهمز على هذا. وفي رواية ورش عن نافع وابن ذكوان عن ابن عامر " ورئيا " بالهمز تكون على الوجه الأول. وهي قراءة أهل الكوفة وأبي عمرو من رأيت على الأصل. وقراءة طلحة بن مصرف وريا بياء واحدة مخففة أحسبها غلطاً. وقد زعم بعض النحويين أنه كان أصلها الهمز فقلبت الهمزة ياء، ثم حذفت إحدى اليائين. المهدوي: ويجوز أن يكون " ورئيا " فقلبت ياء فصارت رييا ثم نقلت حركة الهمزة على الياء وحذفت. وقد قرأ بعضهم وريا على القلب هي القراءة الخامسة. وحكى سيبويه راء بمعنى رأى. الجوهري : من همزه جعله من المنظر من رأيت، وهو ما رأته العين من حال حسنة وكسوة ظاهرة. وأنشد أبو عبيدة لمحمد بن نمير الثقفي فقال:
أشاقتك الظعائن يوم بانوا بذي الرئي الجميل من الأثاث
ومن لم يهمز إما أن يكون على تخفيف الهمزة أو يكون من رويت ألوانهم وجلودهم رياً، أي امتلأت وحسنت. وأما قراءة ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير والأعسم المكي ويزيد البربري وزيا بالزاي فهو الهيئة والحسن. ويجوز أن يكون من زويت أي جمعت، فيكون أصلها زويا فقلبت الواو ياء. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:
" زويت لي الأرض " أي جمعت، أي فلم يغن ذلك عنهم شيئا عن عذاب الله تعالى، فليعش هؤلاء ما شاؤوا فمصيرهم إلى الموت والعذاب وإن عمروا، أو العذاب العاجل يأخذهم الله تعالى به.
يخبر تعالى عن الكفار حين تتلى عليهم آيات الله ظاهرة الدلالة بينة الحجة واضحة البرهان أنهم يصدون ويعرضون عن ذلك ويقولون عن الذين آمنوا مفتخرين عليهم ومحتجين على صحة ما هم عليه من الدين الباطل بأنهم "خير مقاماً وأحسن ندياً" أي أحسن منازل وأرفع دوراً وأحسن ندياً وهو مجتمع الرجال للحديث أي ناديهم أعمر وأكثر وارداً وطارقاً يعنون فكيف نكون ونحن بهذه المثابة على باطل وأولئك الذين هم مختفون مستترون في دار الأرقم بن أبي الأرقم ونحوها من الدور على الحق كما قال تعالى مخبراً عنهم: "وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه" وقال قوم نوح: "أنؤمن لك واتبعك الأرذلون" وقال تعالى: " وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين " ولهذا قال تعالى راداً على شبهتهم "وكم أهلكنا قبلهم من قرن" أي وكم من أمة وقرن من المكذبين قد أهلكناهم بكفرهم "هم أحسن أثاثاً ورئياً" أي كانوا أحسن من هؤلاء أموالاً ومناظر وأشكالاً وأمتعة قال الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس "خير مقاماً وأحسن ندياً" قال المقام المنزل والندي المجلس والأثاث المتاع والرئي المنظر, وقال العوفي عن ابن عباس المقام المسكن والندي المجلس والنعمة والبهجة التي كانوا فيها وهو كما قال الله لقوم فرعون حين أهلكهم وقص شأنهم في القرآن: " كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم " فالمقام المسكن والنعيم, والندي المجلس والمجمع الذي كانوا يجتمعون فيه, وقال تعالى فيما قص على رسوله من أمر قوم لوط: "وتأتون في ناديكم المنكر" والعرب تسمي المجلس النادي, وقال قتادة : لما رأوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في عيشهم خشونة وفيهم قشافة فعرض أهل الشرك ما تسمعون "أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً" وكذا قال مجاهد والضحاك ومنهم من قال في الأثاث هو المال ومنهم من قال الثياب ومنهم من قال المتاع والرئي المنظر كما قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد, وقال الحسن البصري يعني الصور وكذا قال مالك : "أثاثاً ورئياً" أكثر أموالاً وأحسن صوراً والكل متقارب صحيح.
74- "وكم أهلكنا قبلهم من قرن" القرن الأمة والجماعة "هم أحسن أثاثاً ورئياً" الأثاث المال أجمع: الإبل والغنم والبقر والعبيد والمتاع، وقيل هو متاع البيت خاصة، وقيل هو الجديد من الفرش، وقيل اللباس خاصة. واختلفت القراءات في ورثياً فقرأ أهل المدينة وابن ذكوان "ورياً" بياء مشددة، وفي ذلك وجهان: أحدهما أن يكون من رأيت ثم خففت الهمزة فأبدل منها ياء وأدغمت الياء في الياء، والمعنى على هذه القراءة: هم أحسن منظراً وبه قول جمهور المفسرين، وحسن المنظر يكون من جهة حسن اللباس، أو حسن الأبدان وتنعمها، أو مجموع الأمرين. قرأ أهل الكوفة وأبو عمرو وابن كثير "ورئياً" بالهمز، وحكاها ورش عن نافع وهشام عن ابن عامر، ومعناها معنى القراءة الأولى. قال الجوهري: من همز جعله من المنظر من رأيت، وهو ما رأته العين من حال حسنة وكسوة ظاهرة، وأنشد أبو عبيدة لمحمد بن نمير الثقفي:
أشاقتك الظعائن يوم بانوا ببذي الرئي الجميل من الأثاث
ومن لم يهمز: إما أن يكون من تخفيف الهمزة، أو يكون من رويت ألوانهم أو جلودهم رياً: أي امتلأت وحسنت. وقد ذكر الزجاج معنى هذا كما حكاه عنه الواحدي. وحكى يعقوب أن طلحة بن مصرف قرأ بياء واحدة خفيفة، فقيل إن هذه القراءة غلط، ووجهها بعض النحويين أنه كان أصلها الهمزة فقلبت ياء ثم حذفت إحدى الياءين، وروي عن ابن عباس أنه قرأ بالزاي مكان الراء، وروي مثل ذلك عن أبي بن كعب وسعيد بن جبير والأعصم المكي واليزيدي، والزي الهيئة والحسن. قيل ويجوز أن يكون من زويت: أي جمعت، فيكون أصلها زوياً فقلبت الواو ياء، والزي محاسن مجموعة.
74 - " وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً " ، أي متاعاً وأموالاً . وقال مقاتل : لباساً وثياباً ، " رؤيا " ، قرأ أكثر القراء بالهمز ، أي :منظراً ، من ( الرؤية ) ، وقرأ ابن عامر ،و أبو جعفر ، و نافع غير ورش : ( وريا ) مشدداً بغير همز ، وله تفسيران : أحدهما هو الأول ، بطرح الهمز ، والثاني : من الري : الذي هو ضد العطش ، ومعناه : الارتواء من النعمة ، فإن المتنعم يظهر فيه ارتواء النعمة ، والفقير يظهر عليه ذيول الفقر .
74 -" وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً ورئيا" و "كم" مفعول " أهلكنا" و "من قرن" بيانه، وإنما سمي أهل كل عصر قرناً أي مقدماً من قرن الدابة. وهو مقدمها لأنه يتقدم من بعده، وهم أحسن صفة لكم وأثاثاً تمييز عن النسبة وهو متاع البيت. وقيل هو ما جد منه والخرثي ما رث والرئي المنظر فعل من الرؤية لما يرى كالطحن والخبز، وقرأ نافع وابن عامر ريا على قلب الهمزة وإدغامها أو على أنه من الري الذي هو النعمة، وقرأ أبو بكر رييا على القلب، وقرئ ريا بحذف الهمزة و زيا من الزي وهو الجمع فإنه محاسن مجموعة، ثم بين أن تمتيعهم استدراج وليس بإكرام وإنما العيار على الفضل والنقص ما يكون في الآخرة بقوله:
74. How many a generation have We destroyed before them, who were more imposing in respect of gear and outward seeming!
74 - But how many (countless) Generations before them have we destroyed, who were even better In equipment and in glitter To the eye?