[مريم : 64] وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا
64 - (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا) أي أمامنا من أمور الآخرة (وما خلفنا) من امور الدنيا (وما بين ذلك) أي ما يكون في هذا الوقت إلى قيام الساعة أي له علم ذلك جميعه (وما كان ربك نسيا) بمعنى ناسيا أي تاركا لك بتأخير الوحي عنك
قوله تعالى وما نتنزل الا بأمر ربك الآية أخرج البخاري عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزلت وما نتنزل إلا بأمر ربك
واخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال أبطأ جبريل في النزول أربعين يوما فذكر نحوه وأخرج ابن مردويه عن أنس قال سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل أي البقاع أحب إلى الله وابغض إلى الله فقال ما أدري حتى أسأل فنزل جبريل وكان قد أبطأ عليه فقال لقد أبطأت علي حتى ظننت أن ترى علي موجدة فقال وما نتنزل إلا بأمر ربك الآية
وأخرج ابن إسحق عن ابن عباس أن قريشا لما سألوا عن أصحاب الكهف مكث خمس عشرة ليلة لا يحدث الله له في ذلك وحيا فلما نزل جبريل قال له أبطأت فذكره
ذكر أن هذه الآية نزلت من أجل استبطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرائيل بالوحي ، وقد ذكرت بعض الرواية، ونذكر إن شاء الله باقي ما حضرنا ذكره مما لم نذكر قبل.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب، قال : ثنا عبد الله، قال : ثنا عبد الله بن أبان العجلي، وقبيصة ووكيع ، وحدثنا سفيان بن وكيع قال : ثنا أبي ، جميعاً عن عمر بن ذر، قال : سمعت أبي يذكر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، أن محمداً قال لجبرائيل : ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فنزلت هذه الآية "وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا" قال : هذا الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم.
حدثني محمد بن معمر، قال : ثنا عبد الملك بن عمرو، قال : ثنا عمر بن ذر، قال : ثني أبي ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبرائيل : ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فنزلت "وما نتنزل إلا بأمر ربك".
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "وما نتنزل إلا بأمر ربك" إلى "وما كان ربك نسيا" قال: احتبس جبرائيل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وحزن ، فأتاه جبرائيل فقال : يا محمد "وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا".
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة، قال : لبث جبرائيل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فكأن النبي استبطأه ، فلما أتاه قال له جبرائيل "وما نتنزل إلا بأمر ربك" الآية .
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا" قال : هذا قول جبرائيل ، احتبس جبرائيل في بعض الوحي ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : ما جئت حتى اشتقت إليك ، فقال له جبرائيل : "وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا".
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء، جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تبارك وتعالى "وما نتنزل إلا بأمر ربك" قال : قول الملائكة حين استراثهم محمد صلى الله عليه وسلم ، كالتي في الضحى.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، قال : لبث جبرائيل عن محمد اثنتي عشرة ليلة، ويقولون : قلي ، فلما جاءه قال : أي جبرائيل لقد رثت علي حتى لقد ظن المشركون كل ظن ، فنزلت "وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا".
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ، يقول : ثنا عبيد، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله "وما نتنزل إلا بأمر ربك" احتبس عن نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى تكلم المشركون في ذلك ، واشتد ذلك على نبي الله ، فأتاه جبرائيل ، فقال : اشتد عليك احتباسنا عنك ، وتكلم في ذلك المشركون ، وإنما أنا عبد الله ورسوله ، إذا أمرني بأمر أطعته "وما نتنزل إلا بأمر ربك" يقول : بقول ربك.
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله "له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك" فقال بعضهم : يعني بقوله "ما بين أيدينا" من الدنيا ، وبقوله "وما خلفنا" الآخرة "وما بين ذلك" النفختين.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا حكام ، عن أبي جعفر، عن الربيع "له ما بين أيدينا" يعني الدنيا "وما خلفنا" الآخرة "وما بين ذلك" النفختين.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر، عن الربيع ، عن أبي العالية، قال "ما بين أيدينا" من الدنيا "وما خلفنا" من أمر الآخرة "وما بين ذلك" ما بين النفختين.
وقال آخرون : "ما بين أيدينا" الآخرة "وما خلفنا" الدنيا "وما بين ذلك" ما بين الدنيا والآخرة.
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس "بين أيدينا" الآخرة "وما خلفنا" من الدنيا .
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "له ما بين أيدينا" من أمر الآخرة "وما خلفنا" من أمر الدنيا "وما بين ذلك" ما بين الدنيا والآخرة "وما كان ربك نسيا".
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة "له ما بين أيدينا" من الآخرة "وما خلفنا" من الدنيا "وما بين ذلك" ما بين النفختين.
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله "ما بين أيدينا" من الآخرة "وما خلفنا" من الدنيا.
وقال آخرون في ذلك بما :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج، عن ابن جريج "ما بين أيدينا" قال : ما مضى أمامنا من الدنيا "وما خلفنا" ما يكون بعدنا من الدنيا والآخرة "وما بين ذلك" قال : ما بين ما مضى أمامهم ، وبين ما يكون بعدهم.
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يتأول ذلك له "ما بين أيدينا" قبل أن نخلق "وما خلفنا" بعد الفناء "وما بين ذلك" حين كنا.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : معناه : له ما بين أيدينا من أمر الآخرة، لأن ذلك لم يجئ وهو جاء، فهو بين أيديهم ، فإن الأغلب في استعمال الناس إذا قالوا هذا الأمر بين يديك ، أنهم يعنون به ما لم يجئ وأنه جاء، فلذلك قلنا: ذلك أولى بالصواب . وما خلفنا من أمر الدنيا، وذلك ما قد خلفوه فمضى، فصار خلفهم بتخليفهم إياه وكذلك تقول العرب لما قد جاوزه المرء وخلفه هو خلفه ووراءه ، وما بين ذلك : ما بين ما لم يمض من أمر الدنيا إلى الآخرة، لأن ذلك هو الذي بين ذينك الوقتين.
وإنما قلنا : ذلك أولى التأويلات به ، لأن ذلك هو الظاهر الأغلب ، وإنما يحمل تأويل القرآن على الأغلب من معانيه ، ما لم يمنع من ذلك ما يجب التسليم له . فتأمل الكلام إذن : فلا تستبطئنا يا محمد في تخلفنا عنك ، فإنا لا نتنزل من السماء إلى الأرض إلا بأمر ربك لنا بالنزول إليها، لله ما هو حادث من أمور الآخرة التي لم تأت وهي آتية، وما قد مضى فخلفناه من أمر الدنيا، وما بين وقتنا هذا إلى قيام الساعة، بيده ذلك كله ، وهو مالكه ومصرفه ، لا يملك ذلك غيره ، فليس لنا أن نحدث في سلطانه أمراً إلا بأمره إيانا به "وما كان ربك نسيا" يقول : ولم يكن ربك ذا نسيان ، فيتأخر نزولي إليك بنسيانه إياك بل هو الذي لا يعزب عنه شيء في السماء ولا في الأرض فتبارك وتعالى ولكنه أعلم بما يدبر ويقضي فى خلقه جل ثناؤه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم، قال : ثنا الحسين، قال : ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد "وما كان ربك نسيا" قال : ما نسيك ربك.
روى الترمذي عن ابن عباس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ما منعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا قال: فنزلت هذه الآية " وما نتنزل إلا بأمر ربك " إلى آخر الآية " . قال هذا حديث حسن غريب. ورواه البخاري : حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا عمر بن ذر قال: سمعت أبي يحدث عن سعيد بن جبير " عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزلت " وما نتنزل إلا بأمر ربك " " الآية، قال: كان هذا الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم. وقال مجاهد :
" أبطأ الملك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه، فقال: ما الذي أبطأك؟ قال: كيف نأتيكم وأنتم لا تقصون أظفاركم، ولا تأخذون من شواربكم، ولا تنقون رواجبكم، ولا تستاكون "، قال مجاهد : فنزلت الآية في هذا. وقال مجاهد أيضاً و قتادة و عكرمة و الضحاك و مقاتل و الكلبي : احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ولم يدر ما يجيبهم، ورجا أن يأتيه جبريل بجواب ما سألوا عنه، قال عكرمة : فأبطأ عليه أربعين يوماً. وقال مجاهد : اثنتي عشرة ليلة. وقيل: خمسة عشر يوماً، وقيل: ثلاثة عشر. وقيل: ثلاثة أيام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك، فقال جبريل عليه السلام: إني كنت أشوق، ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت، وإذا حبست احتبست "، فنزلت الآية: "وما نتنزل إلا بأمر ربك " وأنزل " والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى " [الضحى: 1 - 3]. ذكره الثعلبي و الواحدي و القشيري وغيرهم. وقيل: هو إخبار من أهل الجنة أنهم يقولون عند دخولها: وما نتنزل هذا الجنان إلا بأمر ربك. وعلى هذا تكون الآية متصلة بما قبل. وعلى ما ذكرنا من الأقوال قيل: تكون غير متصلة بما قبلها، والقرآن سور، ثم السور تشتمل على جمل، وقد تنفصل جملة عن جملة. " وما نتنزل " أي قال الله تعالى: قل يا جبريل " وما نتنزل إلا بأمر ربك ". وهذا يحتمل وجهين: أحدهما: إنا إذا أمرنا نزلنا عليك. الثاني: إذا أمرك ربك نزلنا عليك، فيكون الأمر على الأول متوجهاً إلى النزول، وعلى الوجه الثاني متوجهاً إلى التنزيل.
وقوله تعالى: " له " أي لله. " ما بين أيدينا " أي علم ما بين أيدينا " وما خلفنا وما بين ذلك " قال ابن عباس وابن جريج: ما مضى أمامنا من أمر الدنيا، وما يكون بعدنا من أمرها وأمر الآخرة " وما بين ذلك " من البرزخ. وقال قتادة و مقاتل : " له ما بين أيدينا " من أمر الآخرة " وما خلفنا " ما مضى من الدنيا " وما بين ذلك " ما بين النفختين وبينهما أربعون سنة. الأخفش : " ما بين أيدينا " ما كان قبل أن نخلق " وما خلفنا " ما يكون بعد أن نموت " وما بين ذلك " ما يكون منذ خلقنا إلى أن نموت. وقيل: " ما بين أيدينا " من الثواب والعقاب وأمور الآخرة. وما خلفنا ما مضى من أعمالنا في الدنيا " وما بين ذلك " أي ما يكون من هذا الوقت إلى يوم القيامة. ويحتمل خامساً: " ما بين أيدينا " السماء " وما خلفنا " الأرض " وما بين ذلك " أي ما بين السماء والأرض. وقال ابن عباس في رواية: " له ما بين أيدينا " يريد الدنيا إلى الأرض " وما خلفنا " يريد السموات - وهذا على عكس ما قبله - " وما بين ذلك " يريد الهواء، ذكر الأول الماوردي والثاني القشيري . الزمخشري : وقيل ما مضى من أعمارنا وما غبر منها، والحال التي نحن فيها. ولم يقل: ما بين ذينك لأن المراد ما بين ما ذكرنا، كما قال: " لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك " [البقرة: 68] أي بين ما ذكرنا. " وما كان ربك نسيا " أي ناسياً إذا شاء أن يرسل إليك أرسل. وقيل: المعنى لم ينسك وإن تأخر عنك الوحي. وقيل: المعنى أنه عالم بجميع الأشياء متقدمها ومتأخرها، ولا ينسى شيئاً منها.
قال الإمام أحمد : حدثنا يعلى ووكيع قالا: حدثنا عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبرائيل : "ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا ؟" قال: فنزلت "وما نتنزل إلا بأمر ربك" إلى آخر الاية.
انفرد بإخراجه البخاري فرواه عند تفسير هذه الاية عن أبي نعيم عن عمر بن ذر به ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث عمر بن ذر به وعندهما زيادة في آخر الحديث فكان ذلك الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم وقال العوفي عن ابن عباس احتبس جبرائيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وحزن فأتاه جبريل وقال: يا محمد "وما نتنزل إلا بأمر ربك" الاية.
وقال مجاهد لبث جبرائيل عن محمد صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة ليلة, ويقولون أقل, فلما جاءه قال: "يا جبرائيل لقد لبثت علي حتى ظن المشركون كل ظن" فنزلت "وما نتنزل إلا بأمر ربك" الاية. قال: وهذه الاية كالتي في الضحى, وكذلك قال الضحاك بن مزاحم وقتادة والسدي وغير واحد: إنها نزلت في احتباس جبرائيل. وقال الحكم بن أبان عن عكرمة قال: " أبطأ جبرائيل النزول على النبي صلى الله عليه وسلم: أربعين يوماً, ثم نزل, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما نزلت حتى اشتقت إليك فقال له جبريل: بل أنا كنت إليك أشوق ولكني مأمور, فأوحى الله إلى جبرائيل أن قل له "وما نتنزل إلا بأمر ربك" " الاية, ورواه ابن أبي حاتم رحمه الله وهو غريب.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان , حدثنا أبو معاوية , حدثنا الأعمش عن مجاهد قال: " أبطأت الرسل على النبي صلى الله عليه وسلم, ثم أتاه جبريل فقال له ما حبسك يا جبريل ؟ فقال له جبريل: وكيف نأتيكم وأنتم لا تقصون أظفاركم, ولا تنقون براجمكم, ولا تأخذون شواربكم, ولا تستاكون. ثم قرأ "وما نتنزل إلا بأمر ربك" إلى آخر الاية " . وقد قال الطبراني : حدثنا أبو عامر النحوي , حدثنا محمد بن إبراهيم الصوري , حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي , حدثنا إسماعيل بن عياش , أخبرني ثعلبة بن مسلم عن أبي كعب مولى ابن عباس , عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن جبرائيل أبطأ عليه فذكر له ذلك, فقال: وكيف وأنتم لا تستنون, ولا تقلمون أظفاركم, ولا تقصون شواربكم, ولا تنقون براجمكم ؟ " وهكذا رواه الإمام أحمد عن أبي اليمان عن إسماعيل بن عياش عن ابن عباس بنحوه.
وقال الإمام احمد : حدثنا سيار , حدثنا جعفر بن سليمان , حدثنا المغيرة بن حبيب عن مالك بن دينار , حدثني شيخ من أهل المدينة عن أم سلمة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصلحي لنا المجلس فإنه ينزل ملك إلى الأرض لم ينزل إليها قط" وقوله: "له ما بين أيدينا وما خلفنا" قيل: المراد ما بين أيدينا أمر الدنيا, وما خلفنا أمر الاخرة, "وما بين ذلك" ما بين النفختين, هذا قول أبي العالية وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة في رواية عنهما, والسدي والربيع بن أنس , وقيل: "ما بين أيدينا" ما يستقبل من أمر الاخرة "وما خلفنا" أي ما مضى من الدنيا "وما بين ذلك" أي ما بين الدنيا والاخرة, ويروى نحوه عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة وابن جريج والثوري , واختاره ابن جرير أيضاً, والله اعلم.
وقوله: "وما كان ربك نسياً" قال مجاهد معناه ما نسيك ربك, وقد تقدم عنه أن هذه الاية كقوله: " والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى ". وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يزيد بن محمد بن عبد الصمد الدمشقي , حدثنا محمد بن عثمان يعني أبا الجماهر , حدثنا إسماعيل بن عياش , حدثنا عاصم بن رجاء بن حيوة عن أبيه عن أبي الدرداء يرفعه قال "ما أحل الله في كتابه فهو حلال, وما حرمه فهو حرام, وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله عافيته, فإن الله لم يكن لينسى شيئاً" ثم تلا هذه الاية "وما كان ربك نسياً" وقوله: "رب السموات والأرض وما بينهما" أي خالق ذلك ومدبره والحاكم فيه والمتصرف الذي لا معقب لحكمه "فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سمياً" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هل تعلم للرب مثلاً أو شبيهاً, وكذلك قال مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وابن جريج وغيرهم. وقال عكرمة عن ابن عباس : ليس أحد يسمى الرحمن غيره تبارك وتعالى وتقدس اسمه.
قوله: 64- "وما نتنزل" أي قال الله سبحانه: قل يا جبريل وما نتنزل، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استبطأ نزول جبريل عليه، فأمر جبريل أن يخبره بأن الملائكة ما تتنزل عليه إلا بأمر الله. قيل احتبس جبريل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً، وقيل خمسة عشر، وقيل اثني عشر، وقيل ثلاثة أيام، وقيل إن هذا حكاية عن أهل الجنة، وأنهم يقولون عند دخولها: وما نتنزل هذه الجنان "إلا بأمر ربك" والأول أولى بدلالة ما قبله، ومعناه يحتمل وجهين: الأول وما نتنزل عليك إلا بأمر ربك لنا بالتنزل. والثاني وما نتنزل عليك إلا بأمر ربك الذي يأمرك به بما شرعه لك ولأمتك، والتنزل: النزول على مهل، وقد يطلق على مطلق النزول. ثم أكد جبريل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك" أي من الجهات والأماكن، أو من الأزمة الماضية والمستقبلة، وما بينهما من الزمان أو المكان الذي نحن فيه، فلا نقدر على أن ننتقل من جهة إلى جهة، أو من زمان إلى زمان إلا بأمر ربك ومشيئته، وقيل المعنى: له ما سلف من أمر الدنيا وما يستقبل من أمر الآخرة وما بين ذلك، وهو ما بين النفختين، وقيل الأرض التي بين أيدينا إذا نزلنا، والسماء التي وراءنا وما بين السماء والأرض، وقيل ما مضى من أعمارنا وما غير منها والحالة التي نحن فيها. وعلى هذه الأقوال كلها يكون المعنى: أن الله سبحانه هو المحيط بكل شيء لا يخفى عليه خافية، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة، فلا نقدم على أمر إلا بإذنه، وقال: وما بين ذلك، ولم يقل وما بين ذينك لأن المراد: وما بين ما ذكرنا كما في قوله سبحانه: "عوان بين ذلك" "وما كان ربك نسياً" أي لم ينسك وإن تأخر عنك الوحي، وقيل المعنى: إنه عالم بجميع الأشياء لا ينسى منها شيئاً، وقيل المعنى: وما كان ربك ينسى الإرسال إليك عند الوقت الذي يرسل فيه رسله.
64 - قوله عز وجل : " وما نتنزل إلا بأمر ربك " ، أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا خلاد بن يحيى ، أخبرنا عمر بن ذر قال : سمعت أبي يحدث عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا فنزلت : " وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا " الآية : قال : كان هذا الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم ".
وقال عكرمة ، و الضحاك ، و قتادة ، و مقاتل ، و الكلبي : "احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله قومه عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ، فقال :أخبركم غداً ، ولم يقل : إن شاء الله ، حتى شق على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم نزل بعد أيام ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك فقال له جبريل : إني كنت أشوق ، ولكني عبد مأمور ، إذا بعثت نزلت ،وإذا حبست احتبست ، فأنزل الله : " وما نتنزل إلا بأمر ربك " وأنزل : " والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى " " .
" له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك " ،أي : له علم ما بين أيدينا . واختلفوا فيه : فقال سعيد بن جبير ، و قتادة و مقاتل : " ما بين أيدينا " : من أمر الآخرة والثواب والعقاب ، " وما خلقنا " : ما مضى من الدنيا . " وما بين ذلك " : ما يكون من هذا الوقت إلى قيام الساعة .
وقيل " ما بين أيدينا " :ما بقي من الدنيا ، " وما خلفنا " : ما مضى منها ، " وما بين ذلك " : أي : ما بين النفختين , وبينهما أربعون سنة .
وقيل : " ما بين أيدينا " ما بقي من الدنيا ، " وما خلفنا " : ما مضى منها ، " وما بين ذلك ": مدة حياتنا .
وقيل : " ما بين أيدينا " : بعد أن نموت ، " وما خلفنا " : قبل أن نخلق ، " وما بين ذلك " : مدة الحياة .
وقيل : " ما بين أيدينا " : الأرض إذا أردنا النزول إليها ، " وما خلفنا " : السماء إذا نزلنا منها ، " وما بين ذلك " : الهواء، يريد : أن ذلك كله لله عز وجل ، فلا نقدر على شيء إلا بأمره .
" وما كان ربك نسياً " ، أي : ناسياً ، يقول : ما نسيك ربك ، أي : ما تركك ، والناسي التارك .
64ـ " وما نتنزل إلا بأمر ربك " حكاية قول جبريل عليه الصلاة والسلام حين استبطأه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ولم يدر ما يجيب ، ورجا أن يوحي إليه فيه فأبطأ عليه خمسة عشر يوماً ، وقيل أربعين يوماً حتى قال المشركون ودعه ربه وقلاه ، ثم نزل ببيان ذلك . والتنزل النزول على مهل لأنه مطاوع نزل وقد يطلق بمعنى النزول مطلقاً كما يطلق نزل بمعنى أنزل ، والمعنى وما ننزل وقتاً عب وقت إلا بأمر الله على ما تقتضيه حكمته ، وقرئ (( وما يتنزل )) بالياء والضمير للوحي . " له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك " وهو ما نحن فيه من الأماكن والأحايين لا ننتقل من مكان إلى مكان ، ولا ننزل في زمان دون زمان إلا بأمره ومشيئته " وما كان ربك نسيا " تاركاً لك أي ما كان عدم النزول إلا لعدم الأمر به ، ولم يكن ذلك عن ترك الله لك وتوديعه إياك كما زعمت الكفرة وإنما كان لحكمة رآها فيه . وقيل أول الآية حكاية قول المتقين حين يدخلون الجنة ، والمعنى وما ننزل الجنة إلا بأمر الله ولطفه ، وهو مالك الأمور كلها السالفة والمترقبة والحاضرة فما وجدناه وما نجده من لطفه وفضله وقوله " وما كان ربك نسيا " تقرير من الله لقولهم أي وما كان ربك نسياً لأعمال العاملين وما وعد لهم من الثواب عليها وقوله :
64. We (angels) come not down save by commandment of thy Lord. Unto Him belongeth all that is before us and all that is behind us and all that is between those two, and thy Lord was never forgetful
64 - (The angles say:) we descend not but by command of thy Lord: to him belongeth what is Before us and what is behind us, and what is Between: and thy Lord never doth forget,