[مريم : 37] فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ
37 - (فاختلف الأحزاب من بينهم) أي النصارى في عيسى أهو ابن الله أم إله معه أو ثالث ثلاثة (فويل) فشدة عذاب (للذين كفروا) بما ذكر وغيره (من مشهد يوم عظيم) أي حضور يوم القيامة وأهواله
يقول تعالى ذكره: فاختلف المختلفون في عيسى ، فصاروا أحزاباً متفرقين من بين قومه.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال : ثني الحسن، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله "فاختلف الأحزاب من بينهم" قال: أهل الكتاب.
حدثنا القاسم، قال : ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "فاختلف الأحزاب من بينهم" ذكر لنا أنه لما رفع ابن مريم ، انتخبت بنو إسرائيل أربعة من فقهائهم، فقالوا للأول : ما تقول في عيسى؟ قال: هو الله هبط إلى الأرض ، فخلق ما خلق ، وأحيا ما أحيا، ثم صعد إلى السماء. فتابعه على ذلك ناس من الناس ، فكانت اليعقوبية من النصارى، وقال الثلاثة الآخرون: نشهد أنك كاذب. فقالوا للثاني : ما تقول في عيسى؟ قال : هو ابن الله ، فتابعه على ذلك ناس من الناس، فكانط النسطورية من النصارى، وقال الاثنان الآخران: نشهد أنك كاذب ، فقالوا للثالث: ما تقول في عيسى؟ قال : هو إله ، وأمه إله ، والله إله ، فتابعه على ذلك ناس من الناس، فكانت الإسرائيلية من النصارى، فقال الرابع : أشهد أنك كاذب ، ولكنه عبد الله ورسوله ، هو كلمة الله وروحه ، فاختصم القوم ، فقال المرء المسلم : أنشدكم الله ما تعلمون أن عيسى كان يطعم الطعام، وأن الله تبارك وتعالى لا يطعم الطعام؟ قالوا: اللهم نعم، قال: هل تعلمون أن عيسى كان ينام؟ قالوا: اللهم نعم ، قال : فخصمهم المسلم ، قال: فاقتتل القوم. قال : فذكر لنا أن اليعقوبية ظهرت يومئذ وأصيب المسلمون ، فأنزل الله في ذلك القران "إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم" [آل عمران: 21].
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا إسحاق، قال : أخبرنا عبد الرزاق، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة "فاختلف الأحزاب من بينهم" اختلفوا فيه فصاروا أحزاباً.
وقوله "فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم" يقول: فوادي جهنم الذي يدعى ويلاً للذين كفروا بالله ، من الزاعمين أن عيسى لله ولد، وغيرهم من أهل الكفر به من شهودهم يوماً عظيماً شأنه ، وذلك يوم القيامة.
وكان قتادة يقول في تأويل ذلك ما:
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله "فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم" شهدوا هولاً إذاً عظيماً.
قوله تعالى: " فاختلف الأحزاب من بينهم " " من " زائدة،أي اختلف الأحزاب بينهم. وقال قتادة : أي ما بينهم. فاختلفت الفرق من أهل الكتاب في أمر عيسى عليه السلام فاليهود بالقدح والسحر. والنصارى قالت النسطورية منهم: هو ابن الله. والملكانية ثالث ثلاثة. وقالت اليعقوبية: هو الله، فأفطرت النصارى وغلت، وفرطت اليهود وقصرت. وقد تقدم هذا في ((النساء)). وقال ابن عباس: المراد من الأحزاب الذين تحزبوا على النبي صلى الله عليه وسلم وكذبوه من المشركين. " فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم " أي من شهود يوم القيامة، والمشهد بمعنى المصدر، والشهود الحضور. ويجوز أن يكون الحضور لهم، ويضاف إلى الظرف لوقوعه فيه، كما يقال: ويل لفلان من قتال يوم كذا، أي من حضوره ذلك اليوم. وقيل: المشهد بمعنى الموضع الذي يشهده الخلائق، كالمحشر للموضع الذي يحشر إليه الخلق. وقيل: فويل للذين كفروا من حضورهم المشهد العظيم الذي اجتمعوا فيه للتشاور، فأجمعوا على الكفر بالله، وقولهم: إن الله ثالث ثلاثة.
يقول تعالى لرسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه: ذلك الذي قصصناه عليك من خبر عيسى عليه السلام "قول الحق الذي فيه يمترون" أي يختلف المبطلون والمحقون ممن آمن به وكفر به, ولهذا قرأ الأكثرون قول الحق برفع قول, وقرأ عاصم وعبد الله بن عامر قول الحق, وعن ابن مسعود أنه قرأ ذلك عيسى بن مريم, قال: الحق, والرفع أظهر إعراباً, ويشهد له قوله تعالى: "الحق من ربك فلا تكن من الممترين" ولما ذكر تعالى أنه خلقه عبداً نبياً نزه نفسه المقدسة فقال: "ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه" أي عما يقول هؤلاء الجاهلون الظالمون المعتدون علواً كبيراً "إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون" أي إذا أراد شيئاً, فإنما يأمر به فيصير كما يشاء, كما قال: " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين ".
وقوله: "وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم" أي ومما أمر به عيسى قومه وهو في مهده أن أخبرهم إذ ذاك أن الله ربه وربهم وأمرهم بعبادته, فقال: "فاعبدوه هذا صراط مستقيم" أي هذا الذي جئتكم به عن الله صراط مستقيم, أي قويم من اتبعه رشد وهدي, ومن خالفه ضل وغوى. وقوله: "فاختلف الأحزاب من بينهم" أي اختلف أقوال أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله, وأنه عبده ورسوله, وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه, فصممت طائفة منهم, وهم جمهور اليهود. ـ عليهم لعائن الله ـ على أنه ولد زنية, وقالوا: كلامه هذا سحر. وقالت طائفة أخرى: إنما تكلم الله. وقال آخرون: بل هو ابن الله. وقال آخرون: ثالث ثلاثة. وقال آخرون: بل هو عبد الله ورسوله, وهذا هو قول الحق الذي أرشد الله إليه المؤمنين, وقد روي نحو هذا عن عمرو بن ميمون وابن جريج وقتادة وغير واحد من السلف والخلف.
قال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: "ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون" قال: اجتمع بنو إسرائيل, فأخرجوا منهم أربعة نفر, أخرج كل قوم عالمهم, فامتروا في عيسى حين رفع, فقال بعضهم: هو الله هبط إلى الأرض فأحيا من أحيا وأمات من أمات, ثم صعد إلى السماء وهم اليعقوبية, فقال الثلاثة: كذبت. ثم قال اثنان منهم للثالث: قل أنت فيه قال: هو ابن الله وهم النسطورية, فقال الاثنان: كذبت. ثم قال أحد الاثنين للاخر: قل فيه, فقال: هو ثالث ثلاثة: الله إله, وهو إله, وأمه إله, وهم الإسرائيلية ملوك النصارى عليهم لعائن الله. قال الرابع: كذبت بل هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته وهم المسلمون. فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قالوا, فاقتتلوا وظهروا على المسلمين, وذلك قول الله تعالى: "ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس" قال قتادة : وهم الذين قال الله: "فاختلف الأحزاب من بينهم" قال اختلفوا فيه فصاروا أحزاباً.
وقد روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس وعن عروة بن الزبير وعن بعض أهل العلم قريباً من ذلك, وقد ذكر غير واحد من علماء التاريخ من أهل الكتاب وغيرهم أن قسطنطين جمعهم في محفل كبير من مجامعهم الثلاثة المشهورة عندهم, فكان جماعة الأساقفة منهم ألفين ومائة وسبعين أسقفاً, فاختلفوا في عيسى ابن مريم عليه السلام اختلافاً متبايناً جداً, فقالت كل شرذمة فيه قولاً, فمائة تقول فيه شيئاً, وسبعون تقول فيه قولاً آخر, وخمسون تقول شيئاً آخر ومائة وستون تقول شيئاً, ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلثمائة, وثمانية منهم اتفقوا على قول وصمموا عليه, فمال إليهم الملك وكان فيلسوفاً فقدمهم ونصرهم وطرد من عداهم, فوضعوا له الأمانة الكبيرة بل هي الخيانة العظيمة, ووضعوا له كتب القوانين وشرعوا له أشياء, وابتدعوا بدعاً كثيرة, وحرفوا دين المسيح وغيروه, فابتنى لهم حينئذ الكنائس الكبار في مملكته كلها, بلاد الشام والجزيرة والروم, فكان مبلغ الكنائس في أيامه ما يقارب اثنتي عشرة ألف كنيسة, وبنت أمه هيلانة قمامة على المكان الذي صلب فيه المصلوب الذي يزعم اليهود والنصارى أنه المسيح, وقد كذبوا بل رفعه الله إلى السماء.
وقوله "فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم" تهديد ووعيد شديد لمن كذب على الله وافترى وزعم أن له ولداً, ولكن أنظرهم تعالى إلى يوم القيامة, وأجلهم حلماً وثقة بقدرته عليهم, فإنه الذي لا يعجل على من عصاه, كما جاء في الصحيحين "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد". وفي الصحيحين أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله, إنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم" وقد قال الله تعالى: " وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير " وقال تعالى: " ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار " ولهذا قال ههنا: "فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم" أي يوم القيامة. وقد جاء في الحديث الصحيح المتفق على صحته عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمداً عبده ورسوله, وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه, وأن الجنة حق والنار حق, أدخله الله الجنة على ما كان من العمل".
37- "فاختلف الأحزاب من بينهم" من زائدة للتوكيد، والأحزاب اليهود والنصارى: أي فاختلفت الفرق من أهل الكتاب في أمر عيسى، فاليهود قالوا إنه ساحر كما تقدم، وقالوا إنه ابن يوسف النجار، والنصارى اختلفت فرقهم فيه، فقالت النسطورية منهم: هو ابن الله، وقالت الملكية: ثالث ثلاثة، وقالت اليعقوبية: هو الله تعالى فأفرطت النصارى وغلت، وفرطت اليهود وقصرت "فويل للذين كفروا" وهم المختلفون في أمره "من مشهد يوم عظيم" أي من شهود يوم القيامة وما يجري فيه من الحساب والعقاب، أو من مكان الشهود فيه، أو من شهادة ذلك اليوم عليهم، وقيل المعنى: فويل لهم من حضورهم المشهد العظيم الذي اجتمعوا فيه للتشاور.
37 - " فاختلف الأحزاب من بينهم " ، يعني : النصارى ،سموا أحزاباً لأنهم تحزبوا ثلاث فرق في أمر عيسى : النسطورية ،والملكانية ، واليعقوبية . " فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم " ، يعني يوم القيامة .
37ـ"فاختلف الأحزاب من بينهم" اليهود والنصارى. أو فرق النصارى، نسطورية قالوا إنه ابن الله، ويعقوبية قالوا هو الله هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء، وملكانية قالوا هو عبد الله ونبيه. "فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم" من شهود يوم عظيم هوله وحسابه وجزاؤه، وهو يوم القيامة أو من وقت الشهود أو من مكانه فيه، أو من شهادة ذلك اليوم عليهم وهو أن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء وألسنتهم وآرابهم وأرجلهم بالكفر والفسق، أو من وقت الشهادة أو من مكانها. وقيل هو ما شهدوا به في عيسى وأمه.
37. The sects among them differ: but woe unto the disbelievers from the meeting of an awful Day.
37 - But the sects differ among themselves: and woe to the unbelievers because Of the (coming) Judgment Of a momentous Day!