[مريم : 34] ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ
34 - (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق) بالرفع خبر مبتدأ مقدر أي قول ابن مريم وبالنصب بتقدير قلت والمعنى القول الحق (الذي فيه يمترون) من المرية أي يشكون وهم النصارى قالوا إن عيسى ابن الله كذبوا
يقول تعالى ذكره : هذا الذي بينت لكم صفته ، وأخبرتكم خبره ، من أمر الغلام الذي حملته مريم ، هو عيسى ابن مريم ، وهذه الصفة صفته ، وهذا الخبر خبره ، وهو "قول الحق" يعني أن هذا الخبر الذي قصصته عليكم قول الحق ، والكلام الذي تلوته عليكم قول الله وخبره ، لا خبر غيره ، الذي يقع فيه الوهم والشك ، والزيادة والنقصان ، على ما كان يقول الله تعالى ذكره: فقولوا في عيسى أيها الناس ، هذا القول الذي أخبركم الله به عنه ، لا ما قالته اليهود، الذين زعموا أنه لغير رشدة، وأنه كان ساحراً كذاباً، ولا ما قالته النصارى، من أنه كان لله ولداً، وإن الله لم يتخذ ولداً، ولا ينبغي ذلك له.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال : ثنا الحسين، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله "ذلك عيسى ابن مريم قول الحق" قال: الله الحق.
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن إبراهيم، قال: كانوا يقولون في هذا الحرف في قراءة عبد الله: قال الحق الذي فيه يمترون، قال: كلمة الله.
ولو وجه تأويل ذلك إلى: ذلك عيسى ابن مريم القول الحق، بمعنى ذلك القول الحق، ثم حذفت الألف واللام من القول، وأضيف إلى الحق، كما قيل: "إن هذا لهو حق اليقين" [الواقعة: 95]. وكما قيل : "وعد الصدق الذي كانوا يوعدون" [الأحقاف: 16]، كان تأويلاً صحيحاً.
وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عاقة قراء الحجاز والعراق قول الحق، برفع القول ، على ما وصفت من المعنى، وجعلوه في إعرابه تابعاً لعيسى، كالنعت له ، وليس الأمر في إعرابه عندي على ما قاله الذين زعموا أنه رفع على النعت لعيسى، إلا أن يكون معنى القول الكلمة، على ما ذكرنا عن إبراهيم ، من تأويله ذلك كذلك ، فيصح حينئذ أن يكون نعتاً لعيسى، وإلا فرفعه عندي بمضمر، وهو هذا قول الحق على الابتداء ، وذلك أن الخبر قد تناهى عن قصة عيسى وأمه عند قوله "ذلك عيسى ابن مريم" ثم ابتدأ الخبر بأن الحق فيما فيه تمتري الأمم من أمر عيسى، هو هذا القول ، الذي أخبر الله به عنه عباده ، دون غيره. وقد قرأ ذلك عاصم بن أبي النجود وعبد الله بن عامر بالنصب ، وكأنهما أرادا بذلك المصدر: ذلك عيسى ابن مريم قولاً حقاً، ثم أدخلت فيه الألف واللام . وأما ذكر عن ابن مسعود من قراءته ذلك عيسى ابن مريم قال الحق، فإنه بمعنى قول الحق ، مثل العاب والعيب ، والذام والذيم.
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا: الرفع ، لإجماع الحجة من القراء عليه . وأما قوله تعالى ذكره "الذي فيه يمترون" فإنه يعني : الذي فيه يختصمون ويختلفون ، من قولهم: ماريت فلاناً: إذا جادلته وخاصمته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون" امترت فيه اليهود والنصارى، فأما اليهود فزعموا أنه ساحر كذاب ، وأما النصارى فزعموا أنه ابن الله ، وثالث ثلاثة ، وإله ، وكذبوا كلهم ، ولكنه عبد الله ورسوله ، وكلمته وروحه.
حدثنا القاسم، قال : ثنا الحسين، قال : ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله "الذي فيه يمترون" قال : اختلفوا، فقالت فرقة : هو عبد الله ونبيه ، فآمنوا به . وقالت فرقة : بل هو الله. وقالت فرقة : هو ابن الله. تبارك وتعالى عما يقولون علواً كبيراً. قال : فذاك قوله "فاختلف الأحزاب من بينهم" [مريم: 37] والتي في الزخرف، قال دقيوس ونسطور ومار يعقوب ، قال أحدهم حين رفع الله عيسى : هو الله ، وقال الآخر: ابن الله ، وقال الآخر: كلمة الله وعبده ، فقال المفتريان : إن قولي هو أشبه بقولك ، وقولك بقولي من قول هذا، فهلم فلنقاتلهم ، فقاتلوهم وأوطئوهم إسرائيل ، فأخرجوا منهم أربعة نفر، أخرج كل قوم عالمهم ، فامتروا في عيسى حين رفع ، فقال أحدهم : هو الله هبط إلى الأرض وأحيا من أحيا، وأمات من أمات ، ثم صعد إلى السماء، وهم اليعقوبية، فقال الثلاثة : كذبت ، ثم قال اثنان منهم للثالث: قل أنت فيه، قال : هو ابن الله وهم النسطورية، فقال الاثنان : كذبت ، ثم قال أحد الاثنين للآخر: قل فيه ، قال: هو ثالث ثلاثة : الله إله ، وهو إله ، وأمه إله ، وهم الإسرائيلية ملوك النصارى، قال الرابع: كذبت ، هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ، وهم المسلمون ، فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قال، فاقتتلوا، فظهر على المسلمين ، وذلك قول الله "ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس" [آل عمران: 21] قال قتادة: هم الذين قال الله "فاختلف الأحزاب" [مريم: 37] اختلفوا فيه فصاروا أحزاباً.
قوله تعالى: " ذلك عيسى ابن مريم " أي ذلك الذي ذكرناه عيسى ابن مريم فكذلك اعتقدوه، لا كما تقول اليهود إنه لغي رشدة، وأنه ابن يوسف النجار، ولا كما قالت النصارى: إنه الإله أو ابن الإله. " قول الحق " قال الكسائي : " قول الحق " نعت لعيسى، أي ذلك عيسى ابن مريم قول الحق. وسمي قول الحق كما سمي كلمة الله، والحق هو الله عز وجل. وقال أبو حاتم: المعنى هو قول الحق. وقيل: التقدير هذا الكلام قول الحق. قال ابن عباس: يريد هذا كلام عيسى صلى الله عليه وسلم قول الحق ليس بباطل، وأضيف القول إلى الحق كما قال: " وعد الصدق الذي كانوا يوعدون " [الأحقاف: 16] أي الوعد الصدق. وقال: " ولدار الآخرة خير " [يوسف: 109] أي ولا الدار الآخرة. وقرأ عاصم وعبد الله بن عامر " قول الحق " بالنصب على الحال، أي أقول قولاً حقاً. والعامل معنى الإشارة في " ذلك ". الزجاج : هو مصدر أي أقول قول الحق، لأن ما قبله يدل عليه. وقيل: مدح. وقيل: إغراء. وقرأ عبد الله قال الحق . وقرأ الحسن " قول الحق " بضم القاف، وكذلك في ((الأنعام)) " قوله الحق " [الأنعام: 73] والقول والقال والقول بمعنى واحد، كالرهب والرهب والرهب. " الذي " من نعت عيسى. " فيه يمترون " أي يشكون، أي ذلك عيسى ابن مريم الذي فيه يمترون القول الحق. وقيل: " يمترون " يختلفون. ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله تعالى: " ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون " قال: اجتمع بنو إسرائيل فأخرجوا منهم أربعة نفر، أخرج كل قوم عالمهم فامتروا في عيسى حين رفع، فقال أحدهم: هو الله هبط إلى الأرض فأحيا من أحيا وأمات من أمات، ثم صعد إلى السماء وهم اليعقوبية. فقالت الثلاثة: كذبت. ثم قال اثنان منهم للثالث: قل فيه، قال: هو ابن الله وهم النسطورية، فقال الاثنان كذبت، ثم قال أحد الاثنين للآخر قل فيه، فقال: هو ثالث ثلاثة، الله إله وهو إله، وأمه إله، وهم الإسرائيلية ملوك النصارى. قال الرابع: كذبت بل هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته وهم المسلمون، فكان لكل رجل منهم أتباع - على ما قال - فاقتتلوا فظهر على المسلمين، فذلك قول الله تعالى: " ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس " [آل عمران: 21]. وقال قتادة : وهم الذين قال الله تعالى فيهم: " فاختلف الأحزاب من بينهم " اختلفوا فيه فصاروا أحزاباً فهذا معنى قوله: " الذي فيه يمترون " بالتاء المعجمة من فوق وهي قراءة أبي عبد الرحمن السلمي وغيره. قال ابن عباس: فمر بمريم ابن عمها ومعها ابنها إلى مصر فكانوا فيها اثنتي عشرة سنة حتى مات الملك الذي كانوا يخافونه، ذكره الماوردي .
قلت: ووقع في تاريخ مصر فيما رأيت وجاء في الإنجيل، الظاهر أن السيد المسيح لما ولد في بيت لحم كان هيرودس في ذلك الوقت ملكاً، وأن الله تعالى أوحى إلى يوسف النجار في الحلم وقال له: قم فخذ الصبي وأمه واذهب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك، فإن هيرودس مزمع أن يطلب عيسى ليهلكه، فقام من نومه: وامتثل أمر ربه، وأخذ السيد المسيح ومريم أمه وجاء إلى مصر، وفي حال مجيئه إلى مصر نزل ببئر البلسان التي بظاهر القاهرة، وغسلت ثيابه على ذلك البئر، فالبلسان لا يطلع ولا ينبت إلا في تلك الأرض، ومنه يخرج الدهن الذي يخالط الزيت الذي تعمد به النصارى، وذلك كانت قارورة واحدة في أيام المصريين لها مقدار عظيم، وتقع في نفوس ملوك النصارى مثل ملك القسطنطينية وملك صقلية وملك الحبشة وملك النوبة وملك الفرنجة وغيرهم من الملوك عندما يهاديهم به ملوك مصر موقعاً جليلاً جداً، وتكون أحب إليهم. من كل هدية لها قدر. وفي تلك السفرة وصل السيد المسيح إلى مدينة الأشمونين وقسقام المعروفة الآن بالمحرقة، فلذلك يعظمها النصارى إلى الآن، ويحضرون إليها في عيد الفصح من كل مكان، لأنها نهاية ما وصل إليه من أرض مصر، ومنها عاد إلى الشام. والله أعلم.
يقول تعالى لرسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه: ذلك الذي قصصناه عليك من خبر عيسى عليه السلام "قول الحق الذي فيه يمترون" أي يختلف المبطلون والمحقون ممن آمن به وكفر به, ولهذا قرأ الأكثرون قول الحق برفع قول, وقرأ عاصم وعبد الله بن عامر قول الحق, وعن ابن مسعود أنه قرأ ذلك عيسى بن مريم, قال: الحق, والرفع أظهر إعراباً, ويشهد له قوله تعالى: "الحق من ربك فلا تكن من الممترين" ولما ذكر تعالى أنه خلقه عبداً نبياً نزه نفسه المقدسة فقال: "ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه" أي عما يقول هؤلاء الجاهلون الظالمون المعتدون علواً كبيراً "إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون" أي إذا أراد شيئاً, فإنما يأمر به فيصير كما يشاء, كما قال: " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين ".
وقوله: "وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم" أي ومما أمر به عيسى قومه وهو في مهده أن أخبرهم إذ ذاك أن الله ربه وربهم وأمرهم بعبادته, فقال: "فاعبدوه هذا صراط مستقيم" أي هذا الذي جئتكم به عن الله صراط مستقيم, أي قويم من اتبعه رشد وهدي, ومن خالفه ضل وغوى. وقوله: "فاختلف الأحزاب من بينهم" أي اختلف أقوال أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله, وأنه عبده ورسوله, وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه, فصممت طائفة منهم, وهم جمهور اليهود. ـ عليهم لعائن الله ـ على أنه ولد زنية, وقالوا: كلامه هذا سحر. وقالت طائفة أخرى: إنما تكلم الله. وقال آخرون: بل هو ابن الله. وقال آخرون: ثالث ثلاثة. وقال آخرون: بل هو عبد الله ورسوله, وهذا هو قول الحق الذي أرشد الله إليه المؤمنين, وقد روي نحو هذا عن عمرو بن ميمون وابن جريج وقتادة وغير واحد من السلف والخلف.
قال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: "ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون" قال: اجتمع بنو إسرائيل, فأخرجوا منهم أربعة نفر, أخرج كل قوم عالمهم, فامتروا في عيسى حين رفع, فقال بعضهم: هو الله هبط إلى الأرض فأحيا من أحيا وأمات من أمات, ثم صعد إلى السماء وهم اليعقوبية, فقال الثلاثة: كذبت. ثم قال اثنان منهم للثالث: قل أنت فيه قال: هو ابن الله وهم النسطورية, فقال الاثنان: كذبت. ثم قال أحد الاثنين للاخر: قل فيه, فقال: هو ثالث ثلاثة: الله إله, وهو إله, وأمه إله, وهم الإسرائيلية ملوك النصارى عليهم لعائن الله. قال الرابع: كذبت بل هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته وهم المسلمون. فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قالوا, فاقتتلوا وظهروا على المسلمين, وذلك قول الله تعالى: "ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس" قال قتادة : وهم الذين قال الله: "فاختلف الأحزاب من بينهم" قال اختلفوا فيه فصاروا أحزاباً.
وقد روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس وعن عروة بن الزبير وعن بعض أهل العلم قريباً من ذلك, وقد ذكر غير واحد من علماء التاريخ من أهل الكتاب وغيرهم أن قسطنطين جمعهم في محفل كبير من مجامعهم الثلاثة المشهورة عندهم, فكان جماعة الأساقفة منهم ألفين ومائة وسبعين أسقفاً, فاختلفوا في عيسى ابن مريم عليه السلام اختلافاً متبايناً جداً, فقالت كل شرذمة فيه قولاً, فمائة تقول فيه شيئاً, وسبعون تقول فيه قولاً آخر, وخمسون تقول شيئاً آخر ومائة وستون تقول شيئاً, ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلثمائة, وثمانية منهم اتفقوا على قول وصمموا عليه, فمال إليهم الملك وكان فيلسوفاً فقدمهم ونصرهم وطرد من عداهم, فوضعوا له الأمانة الكبيرة بل هي الخيانة العظيمة, ووضعوا له كتب القوانين وشرعوا له أشياء, وابتدعوا بدعاً كثيرة, وحرفوا دين المسيح وغيروه, فابتنى لهم حينئذ الكنائس الكبار في مملكته كلها, بلاد الشام والجزيرة والروم, فكان مبلغ الكنائس في أيامه ما يقارب اثنتي عشرة ألف كنيسة, وبنت أمه هيلانة قمامة على المكان الذي صلب فيه المصلوب الذي يزعم اليهود والنصارى أنه المسيح, وقد كذبوا بل رفعه الله إلى السماء.
وقوله "فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم" تهديد ووعيد شديد لمن كذب على الله وافترى وزعم أن له ولداً, ولكن أنظرهم تعالى إلى يوم القيامة, وأجلهم حلماً وثقة بقدرته عليهم, فإنه الذي لا يعجل على من عصاه, كما جاء في الصحيحين "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد". وفي الصحيحين أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله, إنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم" وقد قال الله تعالى: " وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير " وقال تعالى: " ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار " ولهذا قال ههنا: "فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم" أي يوم القيامة. وقد جاء في الحديث الصحيح المتفق على صحته عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمداً عبده ورسوله, وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه, وأن الجنة حق والنار حق, أدخله الله الجنة على ما كان من العمل".
الإشارة بقوله: 34- "ذلك" إلى المتصف بالأوصاف السابقة. قال الزجاج: ذلك الذي قال إني عبد الله عيسى ابن مريم، لا ما تقوله النصارى من أنه ابن الله وأنه إله. وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب "قول الحق" بالنصب، وقرأ الباقون بالرفع. فوجه القراءة الأولى أنه منتصب على المدح، أو على أنه مصدر مؤكد لقال إني عبد الله قاله الزجاج. ووجه القراءة الثانية أنه نعت لعيسى: أي ذلك عيسى ابن مريم قول الحق، قاله الكسائي. وسمي قول الحق كما سمي كلمة الله، والحق هو الله عز وجل. وقال أبو حاتم: المعنى هو قول الحق، وقيل التقدير: هذا لكلام قول الحق، وهو من باب إضافة الموصوف إلى الصفة مثل حق اليقين، وقيل الإضافة للبيان، وقرئ قال الحق وروي ذلك عن ابن مسعود، وقرأ الحسن قول الحق بضم القاف، والقول والقول والقال والمقال بمعنى واحد، و"الذي فيه يمترون" صفة لعيسى: أي ذلك عيسى ابن مريم الذي فيه يمترون قول الحق، ومعنى يمترون بختلفون على أنه من المماراة، أو يشكو على أنه من المرية. وقد وقع الاختلاف في عيسى، فقالت اليهود هو ساحر، وقالت النصارى هو ابن الله.
34 - " ذلك عيسى ابن مريم " ، [ قال الزجاج : أي ذلك الذي قال إني عبد الله عيسى ابن مريم ] ، " قول الحق " ،قرأ ابن عامر و عاصم و يعقوب : " قول الحق " بنصب اللام وهو نصب على المصدر ، أي : قال قول الحق ، " الذي فيه يمترون " أي : يختلفون ، فقائل يقول : هو ابن الله ، وقائل يقول : هو الله ، وقائل يقول : هو ساحر كاذب .
وقرأ الآخرون برفع اللام ، يعني : هو قول الحق ، أي هذا الكلام هو قول الحق ، أضاف القول إلى الحق ، كما قال : ( حق اليقين ) ، و ( وعد الصدق ) .
وقيل :هو نعت لعيسى ابن مريم ، يعني ذلك عيسى ابن مريم كلمة الله والحق هو الله " الذي فيه يمترون " يشكون ، ويختلفون ، ويقولون غير الحق . ثم نفى عن نفسه الولد ، فقال :
34ـ " ذلك عيسى ابن مريم" أي الذي تقدم نعته هو عيسى ابن مريم لا ما يصفه النصارى، وهو تكذيب لهم فيما يصفونه على الوجه الأبلغ والطريق البرهاني حيث جعله موصوفاً بأضداد ما يصفونه ثم عكس الحكم. "قول الحق" خبر محذوف أي هو قول الحق الذي لا ريب فيه، والإضافة للبيان والضمير للكلام السابق أو لتمام القصة. وقيل صفة " عيسى" أو بدل أو خبر ثان ومعناه كلمة الله. وقرأ عاصم وابن عامر و يعقوب "قول" بالنصب على أنه مصدر مؤكد. وقرىء ((قال الحق)) وهو بمعنى القول. "الذي فيه يمترون " في أمره يشكون أو يتنازعون، فقالت اليهود ساحر وقالت النصارى ابن الله وقرئ بالتاء على الخطاب.
34. Such was Jesus, son of Mary: (this is) a statement of the truth concerning which they doubt.
34 - Such (was) Jesus the son Of Mary: (it is) a statement of truth, about which they (vainly) dispute.