[الكهف : 93] حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا
93 - (حتى إذا بلغ بين السدين) بفتح السين وضمها هنا وبعدهما جبلان بمنقطع بلاد الترك سد الإسكندر ما بينهما كما سيأتي (وجد من دونهما) أي أمامهما (قوما لا يكادون يفقهون قولا) أي لا يفهمونه إلا بعد بطء وفي قراءة بضم االياء وكسر القاف
يقول تعالى ذكره : ثم سار طرقاً ومنازل ، وسلك سبلا " حتى إذا بلغ بين السدين " .
واختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة وبعض الكوفيين " حتى إذا بلغ بين السدين " بضم السين وكذلك جميع ما في القرآن من ذلك بضم السين . وكان بعض قراء المكيين يقرؤه بفتح ذلك كله. وكان أبو عمرو بن العلاء يفتح السين في هذه السورة ، ويضم السين في يس ، ويقول : السد بالفتح : هو الحاجز بينك وبين الشيء ، والسد بالضم : ما كان من غشاوة في العين . وأما الكوفيون فإن قراءة عامتهم في جميع القرآن بفتح السين غير قوله " حتى إذا بلغ بين السدين " فانهم ضموا السين في ذلك خاصة .
وروي عن عكرمة في ذلك ، ما :
حدثنا به أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، عن أيوب ، عن عكرمة ، قال : ما كان من صنعة بني آدم فهو السد ، يعني بالفتح ، وما كان من صنع الله فهو السد. وكان الكسائي يقول : هما لغتان بمعنى واحد .
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار، ولغتان متفقتا المعنى غير مختلفة، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، ولا معنى للفرق الذي ذكر عن أبي عمرو بن العلاء و عكرمة بين السد والسد، لأنا لم نجد لذلك شاهدا يبين عن فرقان ما بين ذلك على ما حكي عنهما. ومما يبين ذلك أن جميع أهل التاويل الذي روي لنا عنهم في ذلك قول ، لم يحك لنا عن أحد منهم تفصيل بين فتح ذلك وضمه ، ولو كانا مختلفي المعنى لنقل الفصل مع التأويل إن شاء الله ، ولكن معنى ذلك كان عندهم غير مفترق ، فيفسر الحرف بغير تفصيل منهم بين ذلك . وأما ما ذكر عن عكرمة في ذلك ، فإن الذي نقل ذلك عن أيوب هارون ، وفي نقله نظر، ولا نعرف ذلك عن أيوب من رواية ثقات أصحابه . والسد والسد جميعا : الحاجز بين الشيئين ، وهما ههنا فيما ذكر جبلان سد ما بينهما ، فردم ذو القرنين حاجزا بين يأجوج ومأجوج ومن وراءهم ، ليقطع ماد غوائلهم وعيثهم عنهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس " حتى إذا بلغ بين السدين " قال : الجبلين الردم الذي بين يأجوج ومأجوج ، أمتين من وراء ردم ذي القرنين ، قال : الجبلان : أرمينية وأذربيجان .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " حتى إذا بلغ بين السدين " وهما جبلان .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعمت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " بين السدين " يعني بين جبلين.
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، فيقوله " بين السدين " قال : هما جبلان .
وقوله " وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا " يقول عز ذكره : وجد من دون السدين قوما لا يكادون يفقهون قول قائل سوى كلامهم .
وقد اختلفت القراء في قراءة قوله " يفقهون " فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة " يفقهون قولا " بفتح القاف والياء ، من فقه الرجل يفقه فقها . وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة " يفقهون قولا " بضم الياء وكسر القاف : من أفقهت فلانا كذا أفقهه إفقاها : إذا فهمته ذلك .
والصواب عندي من القول في ذلك ، أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار، غير دافعة إحداهما الأخرى، وذلك أن القوم الذين أخبر الثه عنهم هذا الخبر جائز أن يكونوا لا يكادون يفقهون قولا لغيرهم عنهم ، فيكون صوابا القراءة بذلك. وجائز أن يكونوا مع كونهم كذلك كانوا لا يكادون أن يفقهوا غيرهم لعلل : إما بألسنتهم ، وإما بمنطقهم ، فتكون القراءة بذلك أيضا صوابا .
" حتى إذا بلغ بين السدين " وهما جبلان من قبل أرمينية وأذربيجان. " وجد من دونهما " أي من ورائهما: " قوما لا يكادون يفقهون قولا ". وقرأ حمزة والكسائي " يفقهون " بضم الياء وكسر القاف من أفقه إذا أبان أي لا يفقهون غيرهم كلاماً. الباقون بفتح الياء والقاف، أي يعلمون. والقراءتان صحيحتان، فلا هم يفقهون من غيرهم ولا يفقهون غيرهم.
يقول تعالى مخبراً عن ذي القرنين "ثم أتبع سبباً" أي ثم سلك طريقاً من مشارق الأرض حتى إذا بلغ بين السدين وهما جبلان متناوحان بينهما ثغرة يخرج منها يأجوج ومأجوج على بلاد الترك فيعيثون فيها فساداً ويهلكون الحرث والنسل, ويأجوج ومأجوج من سلالة آدم عليه السلام كما ثبت في الصحيحين "إن الله تعالى يقول: يا آدم فيقول لبيك وسعديك فيقول: ابعث بعث النار فيقول: وما بعث النار ؟ فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة, فحينئذ يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها فقال إن فيكم أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج" وقد حكى النووي رحمه الله في شرح مسلم عن بعض الناس أن يأجوج ومأجوج خلقوا من مني خرج من آدم فاختلط بالتراب فخلقوا من ذلك, فعلى هذا يكونون مخلوقين من آدم وليسوا من حواء وهذا قول غريب جداً لا دليل عليه لا من عقل ولا من نقل ولا يجوز الاعتماد ههنا على ما يحكيه بعض أهل الكتاب لما عندهم من الأحاديث المفتعلة والله أعلم.
وفي مسند الإمام أحمد عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ولد نوح ثلاثة: سام أبو العرب وحام أبو السودان, ويافث أبو الترك" قال بعض العلماء هؤلاء من نسل يافث أبو الترك, وقال إنما سمي هؤلاء تركاً لأنهم تركوا من وراء السد من هذه الجهة وإلا فهم أقرباء أولئك ولكن كان في أولئك بغي وفساد وجراءة, وقد ذكر ابن جرير ههنا عن وهب بن منبه أثراً طويلاً عجيباً في سير ذي القرنين وبنائه السد وكيفية ما جرى له وفيه طول وغرابة ونكارة في أشكالهم وصفاتهم وطولهم وقصر بعضهم وآذانهم وروى ابن أبي حاتم عن أبيه في ذلك أحاديث غريبة لا تصح أسانيدها والله أعلم. وقوله: "وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً" أي لاستعجام كلامهم وبعدهم عن الناس " قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا " قال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أجراً عظيماً يعني أنهم أرادوا أن يجمعوا لهم من بينهم مالاً يعطونه إياه حتى يجعل بينه وبينهم سداً فقال ذو القرنين بعفة وديانة وصلاح وقصد للخير "ما مكني فيه ربي خير" أي إن الذي أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه كما قال سليمان عليه السلام "أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم" الاية وهكذا قال ذو القرنين: الذي أنا فيه خير من الذي تبذلونه ولكن ساعدوني بقوة أي بعملكم وآلات البناء " أجعل بينكم وبينهم ردما * آتوني زبر الحديد " والزبر جمع زبرة وهي القطعة منه قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وهي كاللبنة يقال كل لبنة زنة قنطار بالدمشقي أو تزيد عليه "حتى إذا ساوى بين الصدفين" أي وضع بعضه على بعض من الأساس حتى إذا حاذى به رؤوس الجبلين طولاً وعرضاً واختلفوا في مساحة عرضه وطوله على أقوال "قال انفخوا" أي أجج عليه النار حتى صار كله ناراً "قال آتوني أفرغ عليه قطراً" قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة والسدي هو النحاس زاد بعضهم المذاب ويستشهد بقوله تعالى: "وأسلنا له عين القطر" ولهذا يشبه بالبرد المحبر. قال ابن جرير : حدثنا بشر عن يزيد حدثنا سعيد عن قتادة قال: " ذكر لنا أن رجلاً قال يا رسول الله قد رأيت سد يأجوج ومأجوج قال انعته لي قال كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء قال قد رأيته " هذا حديث مرسل. وقد بعث الخليفة الواثق في دولته أحد أمرائه وجهز معه جيشاً سرية لينظروا إلى السد ويعاينوه وينعتوه له إذا رجعوا فتوصلوا من هناك إلى بلاد ومن ملك إلى ملك حتى وصلوا إليه ورأوا بناءه من الحديد ومن النحاس وذكروا أنهم رأوا فيه باباً عظيماً وعليه أقفال عظيمة ورأوا بقية اللبن والعمل في برج هناك, وأن عنده حرساً من الملوك المتاخمة له وأنه عال منيف شاهق لا يستطاع ولا ما حوله من الجبال ثم رجعوا إلى بلادهم وكانت غيبتهم أكثر من سنتين وشاهدوا أهوالاً وعجائب. ثم قال الله تعالى.
93- "حتى إذا بلغ بين السدين" قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص وابن محيصن ويحيى اليزيدي وأبو زيد عن المفضل بفتح السين. وقرأ الباقون بضمها. قال أبو عبيدة وابن الأنباري وأبو عمرو بن العلاء: السد إن كان بخلق الله سبحانه فهو بضم السين حتى يكون بمعنى مفعول: أي هو مما فعله الله وخلقه، وإن كان من عمل العباد فهو بالفتح حتى يكون حدثاً. وقال ابن الأعرابي: كل ما قابلك فسد ما وراءه فهو سد وسد نحو الضعف والضعف، والفقر والفقر، والسدان هما جبلان من قبل أرمينية وأذربيجان، وانتصاب بين على أنه مفعول به كما ارتفع بالفاعلية في قوله: "لقد تقطع بينكم". وقيل موضع بين السدين هو منقطع أرض الترك مما يلي المشرق لا جبلا أرمينية وأذربيجان، وحكى ابن جرير في تاريخه أن صاحب أذربيجان أيام فتحها وجه إنساناً من ناحية الجزر فشاهده، ووصف أنه بنيان رفيع وراء خندق وثيق منيع، و "وجد من دونهما" أي من ورائهما مجازاً عنهما، وقيل أمامهما "قوماً لا يكادون يفقهون قولاً" قرأ حمزة والكسائي "يفقهون" بضم الياء وكسر القاف من أفقه إذا أبان: أي لا يبينون لغيرهم كلاماً، وقرأ الباقون بفتح الياء والقاف: أي لا يفهمون كلام غيرهم، والقراءتان صحيحتان، ومعناهما لا يفهمون عن غيرهم ولا يفهمون غيرهم، لأنهم لا يعرفون غير لغة أنفسهم.
93 - " حتى إذا بلغ بين السدين " ، قرأ ابن كثير و أبو عمرو ، و حفص : " السدين " و " سداً " هاهنا بفتح السين ، وافق حمزة و الكسائي في ( سدا ) ، [ قرأ الباقون : بضم السين ، وفي يس ( سداً ) بالفتح حمزة و الكسائي و حفص ] وقرأ الباقون بالضم ، منهم من قال : هما لغتان ، معناهما واحد . وقال عكرمة : ما كان من صنعة بني آدم فهو السد بالفتح ، وما كان من صنع الله فهو سد الضم ، وقاله أبو عمرو . وقيل : ( السد ) : بالفتح مصدر ، وبالضم اسم ، وهما هاهنا : جبلان ، سد ذو القرنين ما بينهما ، حاجزاً بين يأجوج ومأجوج ومن ورائهم . " وجد من دونهما قوماً " يعني : أمام السدين . " لا يكادون يفقهون قولاً " ، قرأ حمزة ، و الكسائي : ( يفقهون ) بضم الياء وكسر القاف على معنى لا يفقهون غيرهم قولاً ، وقرأ الآخرون : بفتح الياء والقاف ، أي لا يفقهون كلام غيرهم ، قال ابن عباس : لا يفقهون كلام أحد ، ولا يفهم الناس كلامهم .
93."حتى إذا بلغ بين السدين"بين الجبلين المبني بينهما سده وهماً جبلا أرمينية وأذربيجان . وقيل جبلان منيفان في أواخر الشمال في منقطع أرض الترك من ورائهما يأجوج ومأجوج.وقرأ نافع و ابن عامر و حمزة و الكسائي و أبو بكر و يعقوب بين السدين بالضم وهما لغتان .وقيل المضموم لما خلقه الله تعالى والمفتوح لما عمله الناس لأنه في الأصل مصدر سمي به حدث يحدثه الناس.وقيل بالعكس وبين ها هنا مفعول به وهو من الظروف المتصرفة."وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً"لغرابة لغتهم وقلة فطنتهم . وقرأ حمزة و الكسائي لا يفقهون ألا لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لتعلثمهم فيه.
93. Till, when he came between the two mountains, he found upon their hither side a folk that scarce could understand a saying.
93 - Until, when he reached (a tract) between two mountains, he found, beneath them, a people who scarcely understood a word.