[الكهف : 70] قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا
70 - (قال فإن اتبعتني فلا تسألني) وفي قراءة بفتح اللام وتشديد النون (عن شيء) تنكره مني في علمك واصبر (حتى أحدث لك منه ذكرا) أي أذكره لك بعلته فقبل موسى شرطه رعاية لأدب المتعلم مع العالم
يقول تبارك وتعالى: قال العالم لموسى : فإن اتبعتني الان فلا تسالني عن شيء أعلمه مما تستنكره ، فإني قد أعلمتك أني أعمل العمل على الغيب الذي لا تحيط به علما " حتى أحدث لك منه ذكر" يقول : حتى أحدث أنا لك مما ترى من الأفعال التي تستنكرها أذكرها لك وأبين لك شأنها، وأبتدئك الخبر عنها .
كما حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا" يعني عن شيء أصنعه حتى أبين لك شأنه .
قوله تعالى: " قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا " أي حتى أكون أنا الذي أفسره لك، وهذا من الخضر تأديب وإرشاد لما يقتضي دوام الصحبة، فلو صبر ودأب لرأى العجب، لكنه أكثر من الاعتراض، فتعين الفراق والإعراض.
يخبر تعالى عن قيل موسى عليه السلام لذلك الرجل العالم وهو الخضر, الذي خصه الله بعلم لم يطلع عليه موسى, كما أنه أعطى موسى من العلم ما لم يعطه الخضر "قال له موسى هل أتبعك" سؤال تلطف لا على وجه الإلزام والإجبار, وهكذا ينبغي أن يكون سؤال المتعلم من العالم. وقوله: "أتبعك" أي أصحبك وأرافقك "على أن تعلمن مما علمت رشدا" أي مما علمك الله شيئاً أسترشد به في أمري من علم نافع وعمل صالح, فعندها "قال" الخضر لموسى "إنك لن تستطيع معي صبرا" أي إنك لا تقدر على مصاحبتي لما ترى مني من الأفعال التي تخالف شريعتك, لأني على علم من علم الله ما علمكه الله, وأنت على علم من علم الله ما علمنيه الله, فكل منا مكلف بأمور من الله دون صاحبه, وأنت لا تقدر على صحبتي "وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا" فأنا أعرف أنك ستنكر علي ما أنت معذور فيه, ولكن ما اطلعت على حكمته ومصلحته الباطنة التي اطلعت أنا عليها دونك "قال" أي موسى "ستجدني إن شاء الله صابرا" أي على ما أرى من أمورك "ولا أعصي لك أمراً" أي ولا أخالفك في شيء فعند ذلك شارطه الخضر عليه السلام "قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء" أي ابتداءً "حتى أحدث لك منه ذكرا" أي حتى أبدأك أنا به قبل أن تسألني.
قال ابن جرير : حدثنا حميد بن جبير , حدثنا يعقوب عن هارون بن عنترة عن أبيه , عن ابن عباس قال: سأل موسى عليه السلام ربه عز وجل فقال: أي رب أي عبادك أحب إليك ؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني. قال: فأي عبادك أقضى ؟ قال: الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى. قال: أي رب أي عبادك أعلم ؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تهديه إلى هدى أو ترده عن ردى, قال: أي رب هل في أرضك أحد أعلم مني ؟ قال: نعم قال: فمن هو ؟ قال: الخضر. قال: وأين أطلبه ؟ قال: على الساحل عند الصخرة التي ينفلت عندها الحوت. قال: فخرج موسى يطلبه حتى كان ما ذكر الله, وانتهى موسى إليه عند الصخرة, فسلم كل واحد منهما على صاحبه, فقال له موسى: إني أحب أن أصحبك, قال: إنك لن تطيق صحبتي قال: بلى. قال: فإن صحبتني "فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً" قال: فسار به في البحر حتى انتهى إلى مجمع البحرين, وليس في الأرض مكان أكثر ماء منه, قال: وبعث الله الخطاف, فجعل يستقي منه بمنقاره, فقال لموسى: كم ترى هذا الخطاف رزأ من هذا الماء ؟ قال: ما أقل ما رزأ. قال: يا موسى, فإن علمي وعلمك في علم الله كقدر ما استقى هذا الخطاف من هذا الماء, وكان موسى قد حدث نفسه أنه ليس أحد أعلم منه أو تكلم به, فمن ثم أمر أن يأتي الخضر, وذكر تمام الحديث في خرق السفينة, وقتل الغلام, وإصلاح الجدار, وتفسيره له ذلك.
قال: 70- "فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء" مما تشاهده من أفعالي المخالفة لما يقتضيه ظاهر الشرع الذي بعثك الله به "حتى أحدث لك منه ذكراً" أي حتى أكون أنا المبتدئ لك بذكره، وبيان وجهه وما يؤول إليه، وهذه الجمل المعنونة بقال وقال مستأنفة، لأنها جوابات عن سؤالات مقدرة كل واحدة ينشأ السؤال عنها مما قبلها.
وقد أخرج الدارقطني في الإفراد وابن عساكر من طريق مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس قال: الخضر ابن آدم لصلبه ونسئ له في أجله حتى يكذب الدجال. وأخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء". وأخرجه ابن عساكر من حديث ابن عباس. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن مجاهد إنما سمي الخضر لأنه إذا صلى اخضر ما حوله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: "لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين" قال: حتى أنتهي. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "مجمع البحرين". قال: بحر فارس والروم، وهما نحو المشرق والمغرب. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس مثله. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال: "مجمع البحرين" إفريقية. وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب قال طنجة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "أو أمضي حقباً" قال: سبعين خريفاً. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال: دهراً. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: "نسيا حوتهما" قال: كان مملوحاً مشقوق البطن. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله: "فاتخذ سبيله في البحر سرباً" قال: أثره يابس في البحر كأنه في حجر. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "فارتدا على آثارهما قصصاً" قال: عودهما على بدئهما. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "آتيناه رحمة من عندنا" قال: أعطيناه الهدى والنبوة.
واعلم أنها قد رويت في قصة الخضر مع موسى المذكورة في الكتاب العزيز أحاديث كثيرة، وأتمها وأكملها ما روي عن ابن عباس ولكنها اختلفت في بعض الألفاظ، وكلها مروية من طريق سعيد بن جبير عنه، وبعضها في الصحيحين وغيرهما، وبعضها في أحدهما، وبعضها خارج عنهما. وقد رويت من طريق العوفي عنه كما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم، ومن طريق هارون بن عنترة عن أبيه عنه عند ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والخطيب وابن عساكر، فلنقتصر على الرواية التي هي أتم الروايات الثابتة في الصحيحين، ففي ذلك ما يغني عن غيره، وهي: قال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: إن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل، قال ابن عباس: كذب عدو الله. حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل، فسئل أي الناس أعلم؟ فقال أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: يا رب فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتاً فجعله في مكتل. ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سرباً، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، حتى إذا كانا من الغد قال موسى لفتاه "آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً" قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به، فقال له فتاه "أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجباً" قال: فكان للحوت سرباً، ولموسى وفتاه عجباً، فقال موسى: " ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا "" قال سفيان: يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة لا يصيب ماؤها ميتاً إلا عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلما قطر عليه الماء عاش، قال: "فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى، فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام؟ قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل؟ قال نعم، قال أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً، قال إنك لن تستطيع معي صبراً، يا موسى إني على علم من الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم من الله علمك الله لا أعلمه، قال موسى: ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً، فقال له الخضر "فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً" فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول، فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً؟ قال: ألم أقل أنك لن تستطيع معي صبراً، قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكانت الأولى من موسى نسياناً. قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور الذي وقع على حرف السفينة من هذا البحر. ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال موسى " أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا * قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا " قال: وهذه أشد من الأولى " قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا * فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه " قال مائل، فقال الخضر بيده هكذا فأقامه، فـ "قال" موسى قوم آتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا " لو شئت لاتخذت عليه أجرا * قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما". قال سعيد بن جبير: وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً وكان يقرأ: وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين وبقية روايات سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب هي موافقة لهذه الرواية في المعنى وإن تفاوتت الألفاظ في بعضها فلا فائدة في الإطالة بذكرها، وكذلك روايات غير سعيد عنه.
70 - " قال فإن اتبعتني " ،فإن صحبتني ، ولم يقل : اتبعني ولكن جعل الاختيار إليه إلا أنه شرط عليه شرطاً فقال: " فلا تسألني " ، قرأ أبو جعفر و نافع و ابن عامر بفتح اللام وتشديد النون ،والآخرون بسكون اللام وتخفيف النون ،" عن شيء " أعمله مما تنكره ولا تعترض عليه ، " حتى أحدث لك منه ذكراً " ، حتى أبتدئ لك بذكره فأبين لك شأنه .
70."قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء"فلا تفاتحني بالسؤال عن شيء أنكرته مني ولم تعلم وجه صحته ، "حتى أحدث لك منه ذكراً"حتى أبتدئك ببيانه، وقرأ نافع و ابن عامر فلا تسألني بالنون الثقيلة.
70. He said: Well, if thou go with me, ask me not concerning aught till I myself mention of it unto thee.
70 - The other said: if then thou wouldst follow me, ask me no questions about anything until I myself speak to thee concerning it.