[الكهف : 55] وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا
وما منع الناس) أي كفار مكة (أن يؤمنوا) مفعول ثان (إذ جاءهم الهدى) القرآن (ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين) فاعل أي سنتنا فيهم وهي الإهلاك المقدر عليهم (أو يأتيهم العذاب قبلا) مقابلة وعيانا وهو القتل يوم بدر وفي قراءة بضمتين جمع قبيل أي أنواعا
يقول عز ذكره : وما منع هؤلاء المشركين يا محمد الإيمان بالله إذ جاءهم الهدى بيان الله ، وعلموا صحة ما تدعوهم إليه وحقيقته ، والاستغفار مما هم عليه مقيمون من شركهم ، إلا مجيئهم سنتنا في أمثالهم من الأمم المكذبة رسلها قبلهم ، أو إتيانهم العذاب قبلا . واختلف أهل التاويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : أو يأتيهم العذاب فجاة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، في قوله " أو يأتيهم العذاب قبلا " قال فجاة .
حدثنا القاسم ، قال ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله . وقال اخرون : معناه : أو يأتيهم العذاب عيانا . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله " أو يأتيهم العذاب قبلا" قال : قبلا معاينة ذلك القبل . وقد اختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته جماعة ذات عدد " أو يأتيهم العذاب قبلا" بضم القاف والباء، بمعنى أنه يأتيهم من العذاب ألوان وضروب ، ووجهوا القبل إلى جمع قبيل ، كما يجمع القتيل القتل ، والجديد الجدد . وقرأ جماعة أخرى " أو يأتيهم العذاب قبلا" بكسر القاف وفتح الباء ، بمعنى أو يأتيهم العذاب عيانا من قولهم : كلمته قبلا. وقد بينت القول في ذلك في سورة الأنعام بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
قوله تعالى: " وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى " أي القرآن والإسلام ومحمد عليه الصلاة والسلام. " ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين " أي سنتنا في إهلاكهم، أي ما منعهم عن الإيمان إلا حكمي عليهم بذلك، ولو حكمت عليهم بالإيمان آمنوا. وسنة الأولين عادة الأولين في عذاب الاستئصال. وقيل: المعنى وما منع الناس أن يؤمنوا إلا طلب أن تأتيهم سنة الأولين فحذف. وسنة الأولين معاينة العذاب، فطلب المشركون ذلك، وقالوا: " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك " الآية. " أو يأتيهم العذاب قبلا " نصب على الحال، ومعناه عيانا، قاله ابن عباس. وقال الكلبي: هو السيف يوم بدر. وقال مقاتل: فجأة. وقرأ أبو جعفر وعاصم والأعمش وحمزة و الكسائي " قبلا " بضمتين أرادوا به أصناف العذاب كله، جمع قبيل نحو سبيل وسبل. النحاس: ومذهب الفراء أن " قبلا " جمع قبيل أي متفرقاً يتلو بعضه بعضاً. ويجوز عنده أن يكون المعنى عيانا. وقال الأعرج: وكانت قراءته " قبلا " معناه جميعاً. وقال أبو عمرو: وكانت قراءته قبلا ومعناه عيانا.
يخبر تعالى عن تمرد الكفرة في قديم الزمان وحديثه, وتكذيبهم بالحق البين الظاهر مع ما يشاهدون من الايات والدلالات الواضحات, وأنه ما منعهم من اتباع ذلك إلا طلبهم أن يشاهدوا العذاب الذي وعدوا به عياناً, كما قال أولئك لنبيهم: "فأسقط علينا كسفاً من السماء إن كنت من الصادقين" وآخرون قالوا "ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين" وقالت قريش "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" " وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون * لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين " إلى غير ذلك من الايات الدالة على ذلك.
ثم قال "إلا أن تأتيهم سنة الأولين" من غشيانهم بالعذاب وأخذهم عن آخرهم, "أو يأتيهم العذاب قبلاً" أي يرونه عياناً مواجهة ومقابلة, ثم قال تعالى: "وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين" أي قبل العذاب مبشرين من صدقهم وآمن بهم, ومنذرين لمن كذبهم وخالفهم, ثم أخبر عن الكفار بأنهم " وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق " أي ليضعفوا به الحق الذي جاءتهم به الرسل, وليس ذلك بحاصل لهم, "واتخذوا آياتي وما أنذروا هزواً" أي اتخذوا الحجج والبراهين وخوارق العادات التي بعث بها الرسل وما أنذروهم وخوفوهم به من العذاب "هزواً" أي سخروا منهم في ذلك وهو أشد التكذيب.
55- "وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين" قد تقدم الكلام على مثل هذا في سورة بني إسرائيل، وذكرنا أن "أن" الأولى في محل نصب، والثانية في محل رفع، والهدى القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم، والناس هنا هم أهل مكة، والمعنى على حذف مضاف: أي ما منع الناس من الإيمان والاستغفار إلا طلب إتيان سنة الأولين، أو انتظار إتيان سنة الأولين، وزاد الاستغفار في هذه السورة لأنه قد ذكر هنا ما فرط منهم من الذنوب التي من جملتها جدالهم بالباطل، وسنة الأولين هو أنهم إذا لم يؤمنوا عذبوا عذاب الاستئصال. قال الزجاج: سنتهم هو قولهم: "إن كان هذا هو الحق من عندك" الآية "أو يأتيهم العذاب" أي عذاب الآخرة "قبلاً" قال الفراء: إن قبلاً جمع قبيل: أي متفرقاً يتلو بعضه بعضاً، وقيل عياناً، وقيل فجأة. ويناسب ما قاله الفراء قراءة أبي جعفر وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي ويحيى بن وثاب وخلف "قبلاً" بضمتين فإنه جمع قبيل، نحو سبيل وسبل، والمراد أصناف العذاب، ويناسب التفسير الثاني: أي عياناً، قراءة الباقين بكسر القاف وفتح الباء: أي مقابلة ومعاينة، وقرئ بفتحتين على معنى أو يأتيهم العذاب مستقبلاً، وانتصابه على الحال. فحاصل معنى الآية أنهم لا يؤمنون ولا يستغفرون إلا عند نزول عذاب الدنيا المستأصل لهم، أو عند إتيان أصناف عذاب الآخرة أو معاينته.
55 - قوله عز وجل : " وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى " ، القرآن ، والإسلام ، والبيان من الله عز وجل ، وقيل : إنه الرسول صلى الله عليه وسلم . " ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين " ، يعني : سنتنا في إهلاكهم إن لم يؤمنوا .
وقيل : إلا طلب أن تأتيهم سنة الأولين من معاينة العذاب ، كما قالوا : " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " ( الأنفال - 32 ) .
" أو يأتيهم العذاب قبلاً " ، قال ابن عباس : أي : عياناً من المقابلة . وقال مجاهد : فجأة ، وقرأ أبو جعفر وأهل الكوفة :" قبلاً" بضم القاف والياء ، جمع قبيل أي : أصناف العذاب نوعاً نوعاً .
55."وما منع الناس أن يؤمنوا"من الإيمان."إذ جاءهم الهدى"وهو الرسول الداعي والقرآن المبين ."ويستغفروا ربهم"ومن الاستغفار من الذنوب ."إلا أن تأتيهم سنة الأولين"إلا طلب أو انتظار أو تقدير أن تأتيهم سنة الأولين ، وهي الاستئصال فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه "أو يأتيهم العذاب" عذاب الآخرة."قبلاً"عياناً . وقرأ الكوفيون"قبلاً"بضمتين وهو لغة فيه أو جمع قبيل بمعنى أنواع، وقرئ بفتحتين وهو أيضاً لغة يقال لقيته مقابلة وقبلاً وقبلاً قبلياً ، وانتصابه على الحال من الضمير أو "العذاب".
55. And naught hindereth mankind from believing when the guidance cometh unto them, and from asking for forgiveness of their Lord, unless (it be that they wish) that the judgment of the men of old should come upon them or (that) they should be confronted with the Doom.
55 - And what is there to keep men from believing, now that guidance has come to them, nor from praying for forgiveness from their Lord, but that (they ask that) that ways of the ancients be repeated with them, or the wrath be brought to them face to face?