[الكهف : 20] إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا
إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم) يقتلوكم بالرجم (أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا) أي إن عدتم في ملتهم (أبدا)
وقوله " إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم " يعنون بذلك : دقينوس وأصحابه ، قالوا : إن دقينوس وأصحابه إن يظهروا عليكم ، فيعلموا مكانكم ، يرجموكم شتما بالقول .
كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، في قوله " إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم " : يشتموكم بالقول ، يؤذوكم .
وقوله " أو يعيدوكم في ملتهم " يقول : أو يردوكم في دينهم ، فتصيروا كفارا بعبادة الأوثان " ولن تفلحوا إذا أبدا " يقول : ولن تدركوا الفلاح ، وهو البقاء الدائم والخلود في الجنان ، إذن : أي إن أنتم عدتم في ملتهم أبدا : أيام حياتكم .
قوله تعالى : " إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم " قال الزجاج : معناه بالحجارة ، وهو أخبث القتل . وقيل : يرموكم بالسب والشتم ، والأول أصح ، لأن كان عازماً على قتلهم كما تقدم في قصصهم . والرجم فيما سلف هي كانت على ما ذكر قبله عقوبة مخالفة ين الناس إذ هي أشفى لجملة أهل ذلك الدين من حيث إنهم يشتركون فيها .
الثالثة : في هذه البعثة بالورق دليل على الوكالة وصحتها . وقد وكل علي بن أبي طالب أخاه عقيلاً عن عثمان رضي الله عنه ، ولا خلاف فيها في الجملة . والوكالة معروفة في الجاهلية والإسلام ، ألا ترى إلى عبد الرحمن بن عوف كيف وكل أمية بن خلف بأهله وحاشيته بمكة ، أي يحفظهم ، وأمية مشرك ، والتزم عبد الرحمن لأمية من حفظ حاشيته بالمدينة مثل ذلك مجازاة لصنعه . روى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف قال : كاتبت أمية بن خلف كتاباً بأن يحفظني في صاغيتي بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة ، فلما ذكرت الرحمن ، قال :لا أعرف الرحمن ! كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية ، فكاتبته عبد عمرو وذكرالحديث . قال الأصمعي : صاغية الرجل الذين يميلون إليه ويأتونه ، وهو مأخوذ من صغا يصغو ويصغى إذا مال ، وكل مائل إلى الشيء أو معه فقد صغا إليه وأصغى ، من كتاب الأفعال .
الرابعة : الوكالة عقد نيابة ، أذن الله سبحانه فيه للحاجة إليه وقيام المصلحة في ذلك ، إذ ليس كل أحد يقدر على تناول أموره إلا بمعونة من غيره أو بترفه فيستنيب من يريحه .
وقد استدل علماؤنا على صحتها بآيات من الكتاب ، منها هذه الآية ، قوله تعالى : " والعاملين عليها " [ التوبة : 60] وقوله : " اذهبوا بقميصي هذا " [ يوسف : 93] . وأما من السنة فأحاديث كثيرة ، منها حديث عروة البارقي ، وقد تقدم في آخر الأنعام . روى جابر بن عبد الله قال : " أردت الخروج إلى خيبر فأتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له : إني أردت الخروج إلى خيبر ، فقال : إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقاً فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته " خرجه أبو داود . الأحاديث كثيرة في هذه المعنى ، وفي إجماع الأمة على جوازها كفاية .
الخامسة : الوكالة جائزة في كل حق تجوز النيابة فيه ، فلو ولك الغاصب لم يجز ، وكان هو الوكيل ، لأن كل محرم فعله لا تجوز النيابة فيه .
السادسة : في هذه الآية نكتة بديعة ، وهي أن الوكالة إنما كانت مع التقية خوف أن يشعر بهم أحد لما كانوا عليه من الخوف على أنفسهم . وجواز توكيل ذوي العذر متفق عليه ، فأما من لا عذر له فالجمهور على جوازها . وقال أبو حنيفة و سحنون : لا تجوز . قال ابن العربي : وكأن سحنون تلقفه من أسد بن الفرات فحكم به أيام قضائه ، ولعله كان يفعل ذلك بأهل الظلم والجبروت ، إنصافاً منهم وإذلالالهم ، وهو الحق ، فإن الوكالة معونة ولا تكون لأهل الباطل . قلت : هذا حسن ، فأما أهل الدين والفضل فلهم أن يوكلوا وإن كانوا حاضرين . أصحاء . والدليل على صحة جواز الوكالة للشاهد الصحيح ما خرجه الصحيحان وغيرهما عن أبي هريرة قال : كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سن من الإبل فجاء يتقاضاه فقال : ( أعطوه ) فطلبوا له سنه فلم يجدوا إلا سنا فوقها ، فقال : ( أعطوه ) فقال : أوفيتني أوفى الله لك . قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن خيركم أحسنكم قضاء " لفظ البخاري . فدل هذا الحديث مع صحته على جواز توكيل الحاضر الصحيح البدن ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يعطوا عنه السن التي كانت عليه ، وذلك توكيل منه لهم على ذلك ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم مريضاً ولا مسافراً وهذا يرد قول أبي حنيفة و سحنون في قولهما : إنه لا يجوز توكيل الصاضر الصحيح البدن إلا برضا خصمه ، وهذا الحديث خلاف قولهما .
السابعة : قال ابن خويز منداد : تضمنت هذه الآية الشركة لأن الورق كان لجمعيهم . وتضمنت جواز الوكالة لأنهم بعثوا من وكلوه بالشراء وتضمنت جواز أكل الرفقاء وخلطهم طعامهم معا ، وإن كان بعضهم أكثر أكلاً من الآخر ،ومثله قوله تعالى : " وإن تخالطوهم فإخوانكم " [ البقرة : 220] حسبما تقدم بيانه في (البقرة ) . ولهذا قال أصحابنا في المسكين يتصدق عليه فيخلطه بطعام لغني ثم يأكل معه : إن ذلك جائر . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من اشترى له أضحية . قال ابن العربي : ليس في الآية دليل على ذلك ، لأنه يحتمل أن يكون كل واحد منهم قد أعطاه منفرداً فلا يكون فيه اشتراك . ولا معول في هذه المسألة إلا على حديثين :
أحدهما : أن ابن عمر مر بقول يأكلون تمراً فقال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاقتران إلا أن يستأذن الرجل أخاه .
الثاني : حديث أبي عبيدة في جيش الخبط . هذا دون الأول في الظهور ، لأنه يحتمل أن يكون أبو عبيدة يعطيهم كفافاً من ذلك القوت ولا يجمعهم عليه .
يقول تعالى كما أرقدناهم بعثناهم صحيحة أبدانهم وأشعارهم وأبصارهم لم يفقدوا من أحوالهم وهيآتهم شيئاً وذلك بعد ثلثمائة سنة وتسع سنين, ولهذا تساءلوا بينهم "كم لبثتم" أي كم رقدتم ؟ "قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم" لأنه كان دخولهم إلى الكهف في أول نهار, واستيقاظهم كان في آخر نهار, ولهذا استدركوا فقالوا: "أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم" أي الله أعلم بأمركم, وكأنه حصل لهم نوع تردد في كثرة نومهم, فالله أعلم, ثم عدلوا إلى الأهم في أمرهم إذ ذاك, وهو احتياجهم إلى الطعام والشراب, فقالوا: "فابعثوا أحدكم بورقكم" أي فضتكم هذه, وذلك أنهم كانوا قد استصحبوا معهم دراهم من منازلهم لحاجتهم إليها, فتصدقوا منها وبقي منها, فلهذا قالوا: "فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة" أي مدينتكم التي خرجتم منها, والألف واللام للعهد "فلينظر أيها أزكى طعاماً" أي أطيب طعاماً. كقوله: " ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا " وقوله: "قد أفلح من تزكى" ومنه الزكاة التي تطيب المال وتطهره, وقيل: أكثر طعاماً, ومنه زكا الزرع إذا كثر, قال الشاعر:
قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة والسبع أزكى من ثلاث وأطيب
والصحيح الأول, لأن مقصودهم إنما هو الطيب الحلال سواء كان كثيراً أو قليلاً. وقوله "وليتلطف" أي في خروجه وذهابه وشرائه وإيابه, يقولون: وليختف كل ما يقدر عليه "ولا يشعرن" أي ولا يعلمن "بكم أحداً * إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم" أي إن علموا بمكانكم "يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم" يعنون أصحاب دقيانوس يخافون منهم أن يطلعوا على مكانهم, فلا يزالون يعذبونهم بأنواع العذاب إلى أن يعيدوهم في ملتهم التي هم عليها, أو يموتوا, وإن وافقتموهم على العود في الدين فلا فلاح لكم في الدنيا ولا في الاخرة, ولهذا قال: "ولن تفلحوا إذاً أبداً".
ثم علل ما يسبق من الأمر والنهي فقال: 20- "إنهم إن يظهروا عليكم" أي يطلعوا عليم ويعلموا بمكانكم، يعني أهل المدينة "يرجموكم" يقتلوكم بالرجم، وهذه القتلة هي أخبث قتلة، فإن ذلك كان عادة لهم، ولهذا خصه من بين أنواع ما يقع به القتل "أو يعيدوكم في ملتهم" أي يردوكم إلى ملتهم التي كنتم عليها قبل أن يهديكم الله، أو المراد بالعود هنا الصيرورة على تقدير أنهم لم يكونوا على ملتهم، وإيثار كلمة في على كلمة إلى للدلالة على الاستقرار "ولن تفلحوا إذاً أبداً" في إذن معنى الشرط، كأنه قال: إن رجعتم إلى دينهم فلن تفلحوا إذاً أبداً، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "تزاور" قال: تميل، وفي قوله: "تقرضهم" قال: تذرهم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "تقرضهم" قال: تتركهم "وهم في فجوة منه" قال: المكان الداخل. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، قال: الفجوة، الخلوة من الأرض، ويعني بالخلوة الناحية من الأرض. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "ونقلبهم" الآية قال: ستة أشهر على ذي الجنب اليمين، وستة أشهر على ذي الجنب الشمال. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن سعيد بن جبير في الآية قال: كي لا تأكل الأرض لحومهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أن اسم كلبهم قطموراً. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: اسمه قطمير. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: "بالوصيد" قال: بالفناء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال: بالباب. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "أزكى طعاماً" قال: أحل ذبيحة، وكانوا يذبحون للطواغيت. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه "أزكى طعاماً": يعني أطهر، لأنهم كانوا يذبحون للطواغيت.
20 - " إنهم إن يظهروا عليكم " ، أي : يعلموا بمكانكم ، " يرجموكم " قال ابن جريج : يشتمونكم ويؤذونكم بالقول . وقيل : يقتلوكم ، وقيل : كان من عاداتهم القتل بالحجارة وهو أخبث القتل . وقيل يضربونكم ، " أو يعيدوكم في ملتهم " أي : إلى الكفر ، " ولن تفلحوا إذاً أبداً " ، إن عدتم إليه .
20."إنهم إن يظهروا عليكم"أي يطلعوا عليكم أو يظفروا بكم ،والضمير لأهل المقدر في "أيها"."يرجموكم"يقتلوكم بالرجم . "أو يعيدوكم في ملتهم" أو يصيروكم إليها كرهاً من العود بمعنى الصيرورة . وقيل كانوا أولاً على دينهم فآمنوا ."ولن تفلحوا إذاً أبداً"إن دخلتم في ملتهم.
20. For they, if they should come to know of you, will stone you or turn you back to their religion; then ye will never prosper.
20 - For if they should come upon you, they would stone you or force you to return to their cult, and in that case ye would never attain prosperity.