[الكهف : 108] خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا
108 - (خالدين فيها لا يبغون) يطلبون (عنها حولا) تحولا إلى غيرها
وقوله " خالدين " يقول : لابثين فيها أبدا " لا يبغون عنها حولا" يقول : لا يريدون عنها تحولا، وهومصدر تحولت ، أخرج إلى أصله ، كما يقال : صغر يصغر صغرا، وعاج يعوج عوجا، وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ؟ وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " لا يبغون عنها حولا" قال : متحولا.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : سمعت مخلد بن الحسين يقول ، وسئل عنها، قال : سمعت بعض أصحاب أنس يقول : قال : يقول أولهم دخولا إنما أدخلني الله أولهم ، لأنه ليس أحد أفضل مني ، ويقول آخرهم دخولا : إنما أخرني الله ، لأنه ليس أحد أعطاه الله مثل الذي أعطاني .
" خالدين فيها " أي دائمين. " لا يبغون عنها حولا " أي لا يطلبون تحويلاً عنها إلى غيرها. والحول بمعنى التحويل، قاله أبو علي. وقال الزجاج : حال من مكانه حولاً كما يقال: عظم عظماً. قال: ويجوز أن يكون من الحيلة، أي لا يحتالون منزلاً غيرها. قال الجوهري : التحول التنقل من موضع إلى موضع، والاسم الحول، ومنه قوله تعالى: " خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ".
يخبر تعالى عن عباده السعداء وهم الذين آمنوا بالله ورسوله, وصدقوا المرسلين فيما جاءوا به, أن لهم جنات الفردوس, قال مجاهد : الفردوس هو البستان بالرومية. وقال كعب والسدي والضحاك : هو البستان الذي فيه شجر الأعناب, وقال أبو أمامة : الفردوس سرة الجنة, وقال قتادة : الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها, وقد روي هذا مرفوعاً من حديث سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "الفردوس ربوة الجنة أوسطها وأحسنها". وهكذا رواه إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن سمرة مرفوعاً وروي عن قتادة عن أنس بن مالك مرفوعاً بنحوه روى ذلك كله ابن جرير رحمه الله, وفي الصحيحين "إذا سألتم الله الجنة, فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة, ومنه تفجر أنهار الجنة". وقوله تعالى: "نزلاً" أي ضيافة, فإن النزل الضيافة. وقوله "خالدين فيها" أي مقيمين ساكنين فيها لا يظعنون عنها أبداً "لا يبغون عنها حولاً" أي لا يختارون عنها غيرها ولا يحبون سواها, كما قال الشاعر:
فحلت سويدا القلب لا أنا باغياً سواها ولا عن حبها أتحول
وفي قوله: "لا يبغون عنها حولاً" تنبيه على رغبتهم فيها وحبهم لها, مع أنه قد يتوهم فيمن هو مقيم في المكان دائماً أنه قد يسأمه أو يمله, فأخبر أنهم مع هذا الدوام والخلود السرمدي لا يختارون عن مقامهم ذلك متحولاً ولا انتقالاً ولا ظعناً ولا رحلة ولا بدلاً.
وانتصاب 108- "خالدين فيها" على الحال، وكذلك جملة "لا يبغون عنها حولاً" في محل نصب على الحال، والحول مصدر: أي لا يطلبون تحولاً عنها إذ هي أعز من أن يطلبوا غيرها، أو تشتاق أنفسهم إلى سواها. قال ابن الأعرابي وابن قتيبة والأزهري: الحول اسم بمعنى التحول يقوم مقام المصدر، وقال أبو عبيدة والفراء: إن الحول التحويل.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس في قوله: "وتركنا بعضهم" الآية قال: الجن والإنس "يموج" بعضهم "في بعض". وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "لا يستطيعون سمعاً" قال: لا يعقلون سمعاً. وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر عن علي أنه قرأ "أفحسب الذين كفروا" قال أبو عبيدة بجزم السين وضم الباء. وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة أنه قرأ كذلك. وأخرج عبد الرزاق والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه من طريق مصعب بن سعد قال: سألت أبي "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً" أهم الحرورية؟ قال: لا هم اليهود والنصارى، أما اليهود فكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، وأما النصارى فكفروا بالجنة وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب، والحرورية "الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه"، وكان سعد يسميهم الفاسقين. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن مصعب قال: قلت لأبي "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً" الحرورية هم؟ قال: لا ولكنهم أصحاب الصوامع، والحرورية قوم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي حميصة عبد الله بن قيس قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: في هذه الآية "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً" إنهم الرهبان الذين حبسوا أنفسهم في السواري. وأخرج ابن مردويه عن أبي الطفيل قال: سمعت علي ابن أبي طالب وسأله ابن الكوا فقال: "هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً" قال: فجرة قريش. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريقين عن علي أنه سئل عن هذه الآية "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً" قال: لا أظن إلا أن الخوارج منهم، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، وقال اقرأوا إن شئتم "فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً"". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سلوا الله الفردوس، فإنها سرة الجنة، وإن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش". وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأحمد والترمذي وابن جرير والحاكم والبيهقي وابن مردويه عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة مائة درجة، كل درجة منها ما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة، ومن فوقها يكون العرش، ومنه تفجر أنهار الجنة الأربعة، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس"، والأحاديث بهذا المعنى كثيرة. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الفردوس بستان بالرومية. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: هو الكرم بالنبطية، وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن المنذر عن عبد الله بن الحارث أن ابن عباس سأل كعباً عن الفردوس قال: هي جنات الأعناب بالسريانية. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "لا يبغون عنها حولاً" قال: متحولاً.
108 - " خالدين فيها لا يبغون " ، لا يطلبون ، " عنها حولاً " ، أي تحولاً إلى غيرها . قال ابن عباس : لا يريدون أن يتحولوا عنها كما ينتقل الرجل من دار إذا لم توافقه إلى دار أخرى .
108."خالدين فيها"حال مقدرة."لا يبغون عنها حولاً"تحولاً إذ لا يجدون أطيب منها حتى تنازعهم إليه أنفسهم ، ويجوز أن يراد به تأكيد الخلود.
108. Wherein they will abide, with no desire to be removed from thence.
108 - Wherein they shall dwell (for aye): no change will they wish for from them.