[الكهف : 106] ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا
106 - (ذلك) أي الأمر الذي ذكرت عن حبوط أعمالهم وغيره مبتدأ خبره (جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا) أي مهزوءا بهما
يقول تعالى ذكره : أولئك ثوابهم جهنم بكفرهم بالله ، واتخاذهم آيات كتابه ، وحجج رسله سخريا ، واستهزائهم برسله .
قوله تعالى: " ذلك جزاؤهم " " ذلك " إشارة إلى ترك الوزن، وهو في موضع رفع بالابتداء " جزاؤهم " خبره و " جهنم " بدل من المبتدأ الذي هو " ذلك " و " ما " في قوله: " بما كفروا " مصدرية، والهزء الاستخفاف والسخرية، وقد تقدم.
قال البخاري : حدثنا محمد بن بشار , حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن عمرو عن مصعب قال: سألت أبي يعني سعد بن أبي وقاص عن قول الله: "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً" أهم الحرورية ؟ قال: لا هم اليهود والنصارى, أما اليهود فكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم, وأما النصارى فكفروا بالجنة وقالو: لا طعام فيها ولا شراب, والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه, فكان سعد رضي الله عنه يسميهم الفاسقين, وقال علي بن أبي طالب والضحاك وغير واحد: هم الحرورية, ومعنى هذا عن علي رضي الله عنه أن هذه الاية الكريمة تشمل الحرورية كما تشمل اليهود والنصارى وغيرهم, لا أنها نزلت في هؤلاء على الخصوص ولا هؤلاء, بل هي أعم من هذا, فإن هذه الاية مكية قبل خطاب اليهود والنصارى وقبل وجود الخوارج بالكلية, وإنما هي عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها, وأن عمله مقبول وهو مخطىء وعمله مردود, كما قال تعالى: " وجوه يومئذ خاشعة * عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية " وقال تعالى: "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً" وقال تعالى: "والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً" وقال تعالى في هذه الاية الكريمة: "قل هل ننبئكم" أي نخبركم "بالأخسرين أعمالاً" ثم فسرهم, فقال "الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا" أي عملوا أعمالاً باطلة على غير شريعة مشروعة مرضية مقبولة "وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" أي يعتقدون أنهم على شيء وأنهم مقبولون محبوبون.
وقوله "أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه" أي جحدوا آيات الله في الدنيا وبراهينه التي أقام على وحدانيته وصدق رسله, وكذبوا بالدار الاخرة "فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً" أي لا نثقل موازينهم لأنها خالية عن الخير. قال البخاري : حدثنا محمد بن عبد الله , حدثنا سعيد بن أبي مريم , أخبرنا المغيرة , حدثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ـ وقال ـ اقرءوا إن شئتم "فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً"". وعن يحيى بن بكير عن مغيرة بن عبد الرحمن , عن أبي الزناد مثله, هكذا ذكره عن يحيى بن بكير معلقاً, وقد رواه مسلم عن أبي بكر محمد بن إسحاق عن يحيى بن بكير به.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو الوليد , حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد , عن صالح مولى التوأمة , عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالرجل الأكول الشروب العظيم, فيوزن بحبة فلا يزنها" قال وقرأ "فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً" وكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن أبي الصلت عن أبي الزناد , عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعاً, فذكره بلفظ البخاري سواء. وقال أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار : حدثنا العباس بن محمد , حدثنا عون بن عمارة , حدثنا هشيم بن حسان عن واصل عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأقبل رجل من قريش يخطر في حلة له, فلما قام على النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بريدة هذا ممن لا يقيم الله له يوم القيامة وزناً" ثم قال: تفرد به واصل مولى أبي عنبسة , وعون بن عمارة وليس بالحافظ ولم يتابع عليه.
وقد قال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار , حدثنا عبد الرحمن , حدثنا سفيان عن الأعمش عن شمر عن أبي يحيى , عن كعب قال: يؤتى يوم القيامة برجل عظيم طويل, فلا يزن عند الله جناح بعوضة, اقرءوا "فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً". وقوله: "ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا" أي إنما جازيناهم بهذا الجزاء بسبب كفرهم واتخاذهم آيات الله ورسله هزواً, استهزءوا بهم وكذبوهم أشد التكذيب.
ثم بين سبحانه عاقبة هؤلاء وما يؤول إليه أمرهم فقال: 106- "ذلك" أي الذي ذكرناه من أنواع الوعيد جزاؤهم، ويكون قوله: جهنم عطف بيان للجزاء، أو جملة جزاؤهم جهنم مبتدأ وخبر والجملة خبر ذلك، والسبب في ذلك أنهم ضموا إلى الكفر اتخاذ آيات الله واتخاذ رسله هزواً، فالباء في "بما كفروا" للسببية، ومعنى كونهم هزواً أنهم مهزوء بهم. وقد اختلف السلف في تعيين هؤلاء الأخسرين أعمالاً، فقيل اليهود والنصارى، وقيل كفار مكة، وقيل الخوارج، وقيل الرهبان أصحاب الصوامع، والأولى حمل الآية على العموم لكل من اتصف بتلك الصفات المذكورة.
106 - " ذلك " الذي ذكرت من حبوط أعمالهم وخسة أقدارهم ، ثم ابتدأ فقال : " جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي " ، يعني القرآن ، " ورسلي هزواً " ، أي سخرية ومهزوءاً بهم .
106."ذلك "أي الأمر ذلك وقوله:"جزاؤهم جهنم "جملة مبينة له ويجوز أن يكون "ذلك"مبتدأ والجملة خبره والعائد محذوف أي جزاؤهم به، أو جزاؤهم بدله و"جهنم "خبره أو"جزاؤهم "خبره."جهنم "عطف بيان للخبر."بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزواً"أي بسبب ذلك.
106. That is their reward: hell, because they disbelieved, and made a jest of Our revelations and Our messengers.
106 - That is their reward, hell; because they rejected faith, and took my signs and my messengers by way of jest.