[الإسراء : 48] انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً
48 - (انظر كيف ضربوا لك الأمثال) بالمسحور والكاهن والشاعر (فضلوا) بذلك عن الهدى (فلا يستطيعون سبيلا) طريقا إليه
يقول تعالى ذكره : انظر يأ محمد بعين قلبك فاعتبر كيف مثلوا لك الأمثال ، وشبهوا لك الأشباه ، بقولهم : هو مسحور، وهو شاعر، وهو مجنون " فضلوا " يقول : فجاروا عن قصد السبيل بقيلهم ما قالوا " فلا يستطيعون سبيلا" يقول : فلا يهتدون لطريق الحق لضلالهم عنه وبعدهم منه ، وأن الله قد خذلهم عن إصابته ، فهم لا يقدرون على المخرج مما هم فيه من كفرهم بتوفقهم إلى الإيمان به .
كما حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبوعاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثتا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " فلا يستطيعون سبيلا" قال : مخرجاً، الوليد بن المغيرة وأصحابه أيضا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد " انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا" مخرجاً، الوليد بن المغيرة وأصحابه .
قوله تعالى : " انظر كيف ضربوا لك الأمثال " عجبه من صنعهم كيف يقولون تارة ساحر وتارة مجنون وتارة شاعر . " فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " أي حيل في صد الناس عنك . وقيل : ضلوا عن الحق فلا يجدون سبيلا ، أي إلى الهدى . وقيل : مخرجا لتناقض كلامهم في قولهم : مجنون ، ساحر ، شاعر .
يخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بما يتناجى به رؤساء قريش حين جاؤوا يستمعون قراءته صلى الله عليه وسلم سراً من قومهم بما قالوا من أنه رجل مسحور من السحر على المشهور, أو من السحر وهو الرئة, أي إن تتبعون إن اتبعتم محمداً إلا بشراً يأكل, كما قال الشاعر:
فإن تسألينا فيم نحن فإننا عصافير من هذا الأنام المسحر
وقال الراجز :
نسحر بالطعام وبالشراب
أي يغذي, وقد صوب هذا القول ابن جرير , وفيه نظر لأنهم أرادوا ههنا أنه مسحور له رئي يأتيه بما استمعوه من الكلام الذي يتلوه, ومنهم من قال: شاعر. ومنهم من قال: كاهن. ومنهم من قال: مجنون ومنهم من قال: ساحر, ولهذا قال تعالى: "انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً" أي فلا يهتدون إلى الحق ولا يجدون إليه مخلصاً, قال محمد بن إسحاق في السيرة: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أنه حدث أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي حليف بني زهرة, خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل في بيته, فأخذ كل واحد منهم مجلساً يستمع فيه, وكل لا يعلم بمكان صاحبه, فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا, حتى إذا جمعتهم الطريق تلاوموا, وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً, ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية, عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له, حتى إذا طلع الفجر تفرقوا وجمعتهم الطريق, فقال بعضهم لبعض مثل ما قاله أول مرة, ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل مجلسه فباتوا يستمعون له, حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعتهم الطريق, فقال بعضهم لبعض لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود, فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا, فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته, فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد. قال: يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها, وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها, قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به. قال: ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته, فقال: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال: ماذا سمعت ؟ قال: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا, وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا, حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان, قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء, فمتى ندرك هذه والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه. قال: فقام عنه الأخنس وتركه.
48- "انظر كيف ضربوا لك الأمثال" أي قالوا تارة إنك كاهن وتارة ساحر، وتارة شاعر، وتارة مجنون "فضلوا" عن طريق الصواب في جميع ذلك "فلا يستطيعون سبيلاً" إلى الهدى أو إلى الطعن الذي تقبله العقول ويقع التصديق له لا أصل الطعن، فقد فعلوا منه ما قدروا عليه، وقيل لا يستطيعون مخرجاً لتناقض كلامهم كقولهم: ساحر مجنون: وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: " إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا " قال: على أن يزيلوا ملكه. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن قرط "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى كان جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فطار به حتى بلغ السموات العلى، فلما رجع قال: سمعت تسبيحاً من السموات العلى مع تسبيح كثير سبحت السموات العلى من ذي المهابة مشفقات لذي العلو بما علا، سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى". وأخرج ابن مردويه عن أنس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو جالس مع أصحابه إذ سمع هدة فقال: أطت السماء ويحق لها أن تئط، والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر إلا فيه جبهة ملك ساجد يسبح بحمده". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه؟ إن نوحاً قال لابنه: يا بني آمرك أن تقول سبحان الله، فإنها صلاة الخلائق، وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق"، قال الله تعالى: "وإن من شيء إلا يسبح بحمده". وأخرج أحمد وابن مردويه من حديث ابن عمر نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال: ما من عبد سبح تسبيحة إلا سبح ما خلق الله من شيء قال: "وإن من شيء إلا يسبح بحمده" قال ابن كثير إسناده فيه ضعف. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قرصت نملة نبياً من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله إليه من أجل نملة واحدة أحرقت أمة من الأمم تسبح". وأخرج النسائي وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمرو قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع وقال: نقيقها تسبيح". وأخرج أبو الشيخ في العظمة وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "وإن من شيء إلا يسبح بحمده" قال: الزرع يسبح وأجره لصاحبه والثوب يسبح ويقول الوسخ إن كنت مؤمناً فاغسلني إذن. وأخرج أبو الشيخ عنه قال: كل شيء يسبح إلا الكلب والحمار. وأخرج ابن راهويه في مسنده من طريق الزهري قال: أتي أبو بكر بغراب وافر الجناحين، فجعل ينشر جناحيه ويقول: ما صيد من صيد ولا عضد من شجرة إلا بما ضيعت من التسبيح. وأخرجه أحمد في الزهد وأبو الشيخ عن ميمون بن مهران قال: أتي أبو بكر الصديق فذكره من قوله غير مرفوع. وأخرجه أبو نعيم في الحلية وابن مردويه من حديث أبي هريرة بنحوه. وأخرج ابن مردويه من حديث ابن مسعود بمعنى بعضه. وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي الدرداء بمعناه. وأخرج ابن عساكر من حديث أبي رهم نحوه. وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال: هذه الآية في التوراة كقدر ألف آية "وإن من شيء إلا يسبح بحمده" قال: في التوراة تسبح له الجبال ويسبح له الشجر، ويسبح له كذا، ويسبح له كذا، وأخرج أحمد وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: صلى داود ليلة حتى أصبح، فلما أصبح وجد في نفسه سروراً فنادته ضفدعة يا داود كنت أدأب منك قد أغفيت إغفاءً. وأخرج البيهقي في الشعب عن صدقة بن يسار قال: كان داود في محرابه فأبصر دودة صغيرة ففكر في خلقها وقال: ما يعبأ الله بخلق هذه، فأنطقها الله فقالت: يا داود أتعجبك نفسك، لأنا على قدر ما آتاني الله أذكر الله وأشكر له منك على ما آتاك الله، قال الله: "وإن من شيء إلا يسبح بحمده". وفي الباب أحاديث وروايات عن السلف فيها التصريح بتسبيح جميع المخلوقات. وأخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن أسماء بنت أبي بكر قال: لما نزلت "تبت يدا أبي لهب" أقبلت العوراء أم جميل ولها ولولة، وفي يدها فهر وهي تقول:
مذمماً أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا
ورسول الله جالس وأبو بكر إلى جنبه، فقال أبو بكر: لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك، فقال: إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به كما قال تعالى: "وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً" فجاءت حتى قامت على أبي بكر فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني، فقال أبو بكر: لا ورب هذا البيت ما هجاك، فانصرفت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها، وقد رويت هذه القصة بألفاظ مختلفة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً" قال: الحجاب المستور أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في الآية قال: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن على المشركين بمكة سمعوا قراءته ولا يرونه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويهعن ابن عباس في قوله: "ولوا على أدبارهم نفوراً" قال: الشياطين. وأخرج ابن مردويه عنه في قوله: "إذ يستمعون إليك" قال: عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل.
48 - " انظر " ، يا محمد ، " كيف ضربوا لك الأمثال " ، الأشباه ، قالوا : شاعر وساحر وكاهن ومجنون ،" فضلوا " ، فحاروا وحادوا ،" فلا يستطيعون سبيلاً " أي : وصولاً إلى طريق الحق .
48." انظر كيف ضربوا لك الأمثال "مثلوك بالشاعر والساحر والكاهن والمحنون. "فضلوا"عن الحق في جميع ذلك ."فلا يستطيعون سبيلاً"إلى طعن موجه فيتهافتون ويخبطون كالمتحير في أمره لا يدري ما يصنع أو إلى الرشاد .
48. See what similitudes they coin for thee, and thus are all astray, and cannot find a road!
48 - See what similes they strike for thee: but they have gone astray, and never can they find a way.