[الإسراء : 34] وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً
34 - (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد) إذا عاهدتم الله أو الناس (إن العهد كان مسؤولا) عنه
يقول تعالى ذكره : وقض أيضا أن لا تقربوا مال اليتيم بأكل ، إسرافا وبدارا أن يكبروا ، ولكن اقربوه بالفعلة التي هى أحسن ، والخلة التي هي أجمل ، وذلك أن تتصرفوا فيه له بالتثمير والإصلاح والحيطة ، وكان قتادة يقول في ذلك ما:
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن " لما نزلت هذه الآية، اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانوا لا يخالطونهم في طعام أو أكل ولا غيره ، فأنزل الله تبارك وتعالى " وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح "
فكانت هذه لهم فيها رخصة .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتاده " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن " قال : كانوا لا يخالطونهم في مال ولا مأكل ولا مركب ، حتى نز لت " وإن تخالطوهم فإخوانكم "
وقال ابن زيد في ذلك ما:
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن " قال : الأكل بالمعروف ، أن تأكل معه إذا احتجت إليه ، كان أبي يقول ذلك .
وقوله " حتى يبلغ أشده " يقول : حتى يبلغ وقت اشتداده في العقل ، وتدبير ماله ، وصلاح حاله في دينه " وأوفوا بالعهد" يقول : وأوفوا بالعقد الذي تعاقدون الناس في الصلح بين أهل الحرب والإسلام ، وفيما بينكم أيضا ، والبيوع والأشربة والإجارات ، وغير ذلك من العقود " إن العهد كان مسؤولا" يقول : إن الله جل ثناؤه سائل ناقض العهد عن نقضه إياه ، يقول : فلا تنقضوا العهود الجائزة بينكم ، وبين من عاهادتموه أيها الناس فتخفروه ، وتغدروا بمن أعطيتموه ذلك . وإنما عنى بذلك أن العهد كان مطلوبا ، يقال في الكلام : ليسئلن فلان عهد فلان .
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده .
قد مضى الكلام فيه في الأنعام .
الثانية : قوله تعالى : " وأوفوا بالعهد " : قد مضى الكلام فيه في غير موضع . قال الزجاج : كل ما أمر اله به ونهى عنه فهو من العهد . إن العهد كان مسئولا عنه ، فحذف ، كقوله ويفعلون ما يؤمرون به وقيل : إن العهد يسأل تبكيتا لناقضه فيقال ك نقضت ، كما تسأل الموءودة تبكيتا لوائدها .
يقول تعالى: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده" أي لا تتصرفوا في مال اليتيم إلا بالغبطة "ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف" وقد جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر : "يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً, وإني أحب لك ما أحب لنفسي: لا تأمرن على اثنين, ولا تولين مال اليتيم" وقوله "وأوفوا بالعهد" أي الذي تعاهدون عليه الناس والعقود التي تعاملونهم بها, فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه عنه " إن العهد كان مسؤولا " أي عنه.
وقوله: "وأوفوا الكيل إذا كلتم" أي من غير تطفيف ولا تبخسوا الناس أشياءهم, "وزنوا بالقسطاس" قرىء بضم القاف وكسرها, كالقرطاس, وهو الميزان. وقال مجاهد : هو العدل بالرومية. وقوله: "المستقيم" أي الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا اضطراب "ذلك خير" أي لكم في معاشكم ومعادكم, ولهذا قال "وأحسن تأويلا" أي مآلا ومنقلباً في آخرتكم, قال سعيد عن قتادة "ذلك خير وأحسن تأويلا" أي خير ثواباً وأحسن عاقبة. و ابن عباس كان يقول: يا معشر الموالي إنكم وليتم أمرين بهما هلك الناس قبلكم, هذا المكيال, وهذا الميزان, قال: وذكر لنا أن نبي الله عليه الصلاة والسلام كان يقول "لا يقدر رجل على حرام ثم يدعه ليس به إلا مخافة الله, إلا أبدله الله به في عاجل الدنيا قبل الاخرة ما هو خير له من ذلك".
لما ذكر سبحانه النهي عن إتلاف النفوس أتبعه بالنهي عن إتلاف الأموال، وكان أهمها بالحفظ والرعاية مال اليتيم فقال: 34- "ولا تقربوا مال اليتيم" والنهي عن قربانه مبالغة في النهي عن المباشرة له وإتلافه، ثم بين سبحانه أن النهي عن قربانه، ليس المراد منه النهي عن مباشرته فيما يصلحه ويفسده بل يجوز لولي اليتيم أن يفعل في مال اليتيم ما يصلحه، وذلك يستلزم مباشرته، فقال: "إلا بالتي هي أحسن" أي إلا بالخصلة التي هي أحسن الخصال، وهي حفظه وطلب الربح فيه والسعي فيما يزيد به. ثم ذكر الغاية التي للنهي عن قربان مال اليتيم فقال: "حتى يبلغ أشده" أي لا تقربوه إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ اليتيم أشده. فإذا بلغ أشده كان لكم أن تدفعوه إليه، أو تتصرفوا فيه بإذنه، وقد تقدم الكلام على هذا مستوفى في الأنعام "وأوفوا بالعهد" قد مضى الكلام فيه في غير موضع. قال الزجاج: كل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد، فيدخل في ذلك ما بين العبد وربه، وما بين العباد بعضهم البعض. والوفاء بالعهد هو القيام بحفظه على الوجه الشرعي والقانون المرضي، إلا إذا دل ديل خاص على جواز النقض "إن العهد كان مسؤولاً" أي مسؤولاً عنه، فالمسؤول هنا هو صاحبه، وقيل إن العهد يسأل تبكيتاً لناقضه.
34 - " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ، وأوفوا بالعهد " ، بالإتيان بما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه . وقيل : أراد بالعهد ما يلتزمه الإنسان على نفسه .
" إن العهد كان مسؤولا " ، قال السدي : كان مطلوباً . وقيل : العهد يسأل عن صاحب العهد ، فيقال : فيم نقضت ، كالمؤودة تسأل فيم قتلت ؟
34."ولا تقربوا مال اليتيم "فضلاً أن تتصرفوا فيه . "إلا بالتي هي أحسن"إلا بالطريقة التي هي أحسن . "حتى يبلغ أشده"غاية لجواز التصرف الذي دل عليه الاستثناء . "وأوفوا بالعهد"بما عاهدكم الله من تكاليفه، أو ما عاهدتموه وغيره . " إن العهد كان مسؤولا "مطلوباً يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به ، أو مسؤولاً عنه يسأل الناكث ويعاتب عليه لم نكثت ، أو يسأل العهد تبكيتاً للناكث كما يقال للموءودة"بأي ذنب قتلت "فيكون تخييلاً ويجوز أ، يراد أن صاحب العهد كان مسؤولاً.
34. Come not near the wealth of the orphan save with that which is better till he come to strength; and keep the covenant. Lo! of the covenant it will be asked.
34 - Come not nigh to the orphan's property except to improve it, until he attains the age of full strength; and fulfil (every) engagement, for (every) engagement will be enquired into (on the day of reckoning).