[الإسراء : 21] انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً
21 - (انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض) في الرزق والجاه (وللآخرة أكبر) أعظم (درجات وأكبر تفضيلا) من الدنيا فينبغي الاعتناء بها دونها
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : انظر يا محمد بعين قلبك إلى هذين الفريقين اللذين هم أحدهما الدار العاجلة، لاياها يطلب ، ولها يعمل ، والاخر الذي يريد الدار الاخرة، ولها يسعى موقنا بثواب الله على سعيه ، كيف فضلنا أحد الفريقين على الآخر، بأن بصرنا هذا رشده ، وهديناه للسبيل التي هي أقوم ، ويسرناه للذي هو أهدى وأرشد، وخذلنا هذا الاخر، فأضللناه عن طريق الحق ، وأغشينا بصره عن سبيل الرشد " وللآخرة أكبر درجات " يقول : وفريق مريد الاخرة أكبر في الدار الاخرة درجات بعضهم على بعض لتفاوت منازلهم باعمالهم في الجنة وأكبر تفضيلا بتفضيل الله بعضهم على بعض من هؤلاء الفريق الأخرين في الدنيا فيما بسطنا لهم فيها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التاويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله "انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض " : أي في الدنيا "وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا" وإن للمؤمنين في الجنة منازل ، لان لهم فضائل باعمالهم ، وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : إن بين أعلى أهل الجنة وأسفلهم درجة كالنجم يرى في مثارق الأرض ومغاربها .
ثم قال تعالى : "انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض " في الرزق والعمل ، فمن مقل ومكثر . " وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا " أي للمؤمنين ، فالكافر وإن وسع عليه في الدنيا مرة ، وقتر على المؤمن مرة فالآخرة لا تقسم إلا مرة واحدة بأعمالهم ، فمن فاته شيء منها لم يستدركه فيها .
يقول تعالى: "كلاً" أي كل واحد من الفريقين الذين أرادوا الدنيا والذين أرادوا الاخرة نمدهم فيما فيه "من عطاء ربك" أي هو المتصرف الحاكم الذي لا يجور, فيعطي كلاً ما يستحقه من السعادة والشقاوة, فلا راد لحكمه ولا مانع لما أعطى ولا مغير لما أراد, ولهذا قال "وما كان عطاء ربك محظوراً" أي لا يمنعه أحد, ولا يرده راد. قال قتادة "وما كان عطاء ربك محظوراً" أي منقوصاً, وقال الحسن وغيره: أي ممنوعاً, ثم قال تعالى: "انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض" أي في الدنيا, فمنهم الغني والفقير وبين ذلك, والحسن والقبيح وبين ذلك, ومن يموت صغيراً, ومن يعمر حتى يبقى شيخاً كبيراً, وبين ذلك " وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا " أي ولتفاوتهم في الدار الاخرة أكبر من الدنيا, فإن منهم من يكون في الدركات في جهنم وسلاسلها وأغلالها, ومنهم من يكون في الدرجات العليا ونعيمها وسرورها, ثم أهل الدركات يتفاتون في ما هم فيه, كما أن أهل الدرجات يتفاوتون, فإن الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض. وفي الصحيحين "إن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء" ولهذا قال تعالى: " وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا " وفي الطبراني من رواية زاذان عن سلمان مرفوعاً "ما من عبد يريد أن يرتفع في الدنيا درجة فارتفع, إلا وضعه الله في الاخرة أكبر منها" ثم قرأ " وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ".
21- "انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض" الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون لكل من له أهلية النظر والاعتبار، وهذه الجملة مقررة لما مر من الإمداد وموضحة له، والمعنى: انظر كيف فضلنا في العطايا العاجلة بعض العباد على بعض، فمن غني وفقير، وقوي وضعيف، وصحيح ومريض، وعاقل وأحمق وذلك لحكمة بالغة تقصر العقول عن إدراكها "وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً" وذلك لأن نسبة التفاضل في درجات الآخرة إلى التفاضل في درجات الدنيا كنسبة الآخرة إلى الدنيا، وليس للدنيا بالنسبة إلى الآخرة مقدار، فلهذا كانت الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً. وقيل المراد أن المؤمنين يدخلون الجنة والكافرون يدخلون النار فتظهر فضيلة المؤمنين على الكافرين. وحاصل المعنى أن التفاضل في الآخرة ودرجاتها فوق التفاضل في الدنيا ومراتب أهلها فيها من بسط وقبض ونحوهما.
21 - " انظر " ، يا محمد ، " كيف فضلنا بعضهم على بعض " ، في الرزق والعمل [ الصالح ] يعني : طالب العاجلة وطالب الآخرة ، " وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً " .
21."انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض"في الرزق ، وانتصاب "كيف" بـ"فضلنا"على الحال."وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً"أي التفاوت في الآخرة أكبر، لأن التفاوت فيها بالجنة ودرجاتها والنار ودركاتها.
21. See how We prefer one above another, and verily the Hereafter will be greater in degrees and greater in preferment.
21 - See how we have bestowed more on some than on others; but verily the hereafter is more in rank and gradation and more in excellence.