[الإسراء : 11] وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً
11 - (ويدع الإنسان بالشر) على نفسه وأهله إذا ضجر (دعاءه) أي كدعائه له (بالخير وكان الإنسان) الجنس (عجولا) بالدعاء على نفسه وعدم النظر في عاقبته
يقول تعالى ذكره مذكرا .عباده أياديه عندهم : ويدعو الإنسان على نفسه وولده وماله بالشر، فيقول : اللهم أهلكه والعنه عند ضجره وغضبه ، كدعائه بالخير، يقول : كدعائه ربه بأن يهب له العافية، ويرزقه السلامة في نفسه وماله وولده ، يقول : فلو استجيب له في دعائه على نفسه وماله وولده بالشر كما يستجاب له في الخيرهلك ، ولكن الله بفضله لا يستجيب له فى ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا" يعني قول الإنسان : اللهم العنه واغضب عليه ، فلو يعجل له ذلك كما يعجل له الخير، لهلك ، قال : ويقال : هو" وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائما" : أن يكشف ما به من ضر، يقول تبارك وتعالى: لو أنه ذكرني وأطاعني ، واتبع أمري عند الخير، كما يدعوني عند البلاء ، كان خيراً له .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا" يدعو على ماله ، فيلعن، ماله وولده ، ولو استجاب الله له لأهلكه .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير" قال : يدعو على نفسه بما لو استجيب له هلك ، وعلى خادمه ، أو على ماله .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد " ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا" قال : ذلك دعاء الإنسان بالشر على ولده وعلى امرأته ، فيعجل ، فيدعو عليه ، ولا يحب أن يصيبه. واختلف في تاويل قوله " وكان الإنسان عجولا" فقال مجاهد ومن ذكرت قوله : معناه : وكان الإنسان عجولا، بالدعاء على ما يكره ، أن يستجاب له فيه . وقال اخرون : عني بذلك آدم أنه عجل حين نفخ فيه الروح قبل أن تجري في جمع جسده ، فرام النهوض ، فوصف ولده بالاستعجال ، لما كان من استعجال أبيهم آدم القيام ، قبل أن يتم خلقه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمدبن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن الحكم ، عن إبراهيم ، أن سلمان الفارسي ، قال : أول ما خلق الله من آدم رأسه ، فجعل ينظر وهو يخلق ، قال : وبقيت رجلاه ، فلما كان بعد العصر قال : يا رب عجل قبل الليل ، فذلك قوله " وكان الإنسان عجولا" .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عثمان بن سعيد ، قال : ثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك عن ابن عباس ، قال : لما نفخ الله في آدم من روحه أتت النفخة من قبل رأسه ، فجعل لا يجري شيء منها في جسده ، إلا صار لحما ودما، فلما انتهت النفخة إلى سرته ، نظر إلى جسده ، فاعجبه ما رأى من جسده فذهب لينهض فلم يقدر، فهو قول الله تبارك وتعالى " وكان الإنسان عجولا" قال : ضجرا لا صبرله على سراء ، ولا ضراء.
قوله تعالى : " و يدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير " . قال ابن عباس و عيره : هو دعاء الرجل على نفسه وولده عند الضجر بما لا يحب أن يستجاب له : اللهم أهلكه ، و نحوه .
دعاءه بالنخير أي كدعائه ربه أن يهب له العافية ، فلو استجاب الله دعاءه على نفسه بالشر هلك لكن بفضله لا يستجيب له في ذلك . نظيره : و لو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير . و قد تقدم . و قيل : نزلت في النضر بن الحارث . كان يدعو و يقول : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم .و قيل : هو أن يدعو في طلب المحظور كما يدعو في طلب المباح ، قال الشاعر وهو ابن جامع :
أطوف بالبيت فيمن يطوف وأرفع من مئزري المسبل
وأسجد باليل حتى الصباح وأتلو من المحكم المنزل
عسى فارج الهم عن يوسف يسخر لي ربة المحمل
قال الجوهري : يقال على فلان محمل مثال مجلس أي معتمد . والمحمل أيضا : واحد محامل الحاج . والمحمل مثال المرجل : علاقة السيف . وحذف الواو من ويدع الإنسان في اللفظ والحظ ولم تحذف في المعنى لأن موضعها رفع فحذفت ، لاستقبالها اللام الساكنة ، كقوله تعالى : سندع الزبانية ويمح الله الباطل وسوف يؤت الله المؤمنين يناد المناد فما تغن النذر وكان الإنسان عجولا أي طبعه العجلة ، فيعجل بسؤال الشر كما يعجل بسؤال الخير . وقيل : أشار به إلى آدم عليه السلام خين نهض قبل أن تركب فيه الروح على الكمال . قال سلمان : أول ما خلق الله تعالى من آدم رأسه فجعل ينظر وهو يخلق جسده ، فلما كان عند العصر بقيت رجلاه لم ينفخ فيهما الروح فقال : يا رب عجل قبل الليل ، فذلك قوله : وكان الإنسان عجولا وقال ابن عباس : لما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده فذهب لينهض فلم يقدر ، فذلك قوله وكان الإنسان عجولا . وقال ابن مسعود : لما دخل الروح عينيه نظر إلى ثمار الجنة ، فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة ، فذلك حين يقول خلق الإنسان في عجل ذكره البيهقي . وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
لما صور الله تعالى آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك وقد تقدم . وقيل سلم عليه السلام أسيرا إلى سودة فبات يئن فسألته فقال : أنيني لشدة القد والأسر ، فأرخت من كتافه فلما نامت هرب ، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قطع الله يدك فلما أصبحت كانت تتوقع الآفة ، فقال عليه السلام : إني سألت الله تعالى أن يجعل دعائي على من لا يستحق من أهلي رحمة لأني بشر أغضب كما يغضب البشر ونزلت الآية ، ذكره القشيري أبو نصر رحمه الله . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وإني قد اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة . وفي الباب عن عائشة وجابر . وقيل : معنى وكان الإنسا عجولا أي يؤثر العاجل وإن قل ، على الآجل وإن جل .
يخبر تعالى عن عجلة الإنسان ودعائه في بعض الأحيان على نفسه أو ولده أو ماله بالشر أي بالموت أو الهلاك والدمار واللعنة ونحو ذلك, فلو استجاب له ربه لهلك بدعائه, كما قال تعالى "ولو يعجل الله للناس الشر" الاية, وكذا فسره ابن عباس ومجاهد وقتادة , وقد تقدم في الحديث "لا تدعوا على أنفسكم, ولا على أموالكم أن توافقوا من الله ساعة إجابة يستجيب فيها" وإنما يحمل ابن آدم على ذلك قلقه وعجلته, ولهذا قال تعالى: "وكان الإنسان عجولاً" وقد ذكر سلمان الفارسي وابن عباس ههنا قصة آدم عليه السلام حين هم بالنهوض قائماً قبل أن تصل الروح إلى رجليه, وذلك أنه جاءته النفخة من قبل رأسه, فلما وصلت إلى دماغه عطس, فقال: الحمد لله, فقال الله: يرحمك ربك يا آدم. فلما وصلت إلى عينيه فتحهما, فلما سرت إلى أعضائه وجسده, جعل ينظر إليه ويعجبه, فهم بالنهوض قبل أن تصل إلى رجليه فلم يستطع, وقال: يا رب عجل قبل الليل.
11- "ويدع الإنسان بالشر" المراد بالإنسان هنا الجنس لوقوع هذا الدعاء من بعض أفراده وهو دعاء الرجل على نفسه وولده عند الضجر بما لا يحب أن يستجاب له "دعاءه بالخير" أي مثل دعائه لربه بالخير لنفسه ولأهله كطلب العافية والرزق ونحوهما، فلو استجاب الله دعاءه على نفسه بالشر هلك، لكنه لم يستجب تفضلاً منه ورحمة، ومثل ذلك "ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير" وقد تقدم، وقيل المراد بالإنسان هنا القائل هذه المقالة هو الكافر يدعو لنفسه بالشر، وهو استعجال العذاب دعاه بالخير كقول القائل: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم". وقيل أن يدعو في طلب المحظور كدعائه في طلب المباح، وحذفت الواو من ويدع الإنسان في رسم المصحف لعدم التلفظ بها لوقوع اللام الساكنة بعدها كقوله: "سندع الزبانية" "ويمح الله الباطل" "وسوف يؤت الله المؤمنين" ونحو ذلك "وكان الإنسان عجولاً" أي مطبوعاً على العجلة، ومن عجلته أنه يسأل الشر كما يسأل الخير، وقيل إشارته إلى آدم عليه السلام حين نهض قبل أن تكمل فيه الروح، والمناسب للسياق هو الأول.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وقضينا إلى بني إسرائيل" قال: أعلمناهم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: أخبرناهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: أخبرناهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً قضينا إلى بني إسرائيل: قضينا عليهم. وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن علي في قوله: "لتفسدن في الأرض مرتين" قال: الأولى قتل زكريا، والآخرة قتل يحيى. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في الآية قال: كان أول الفساد قتل زكريا، فبعث الله عليهم ملك النبط، ثم إن بني إسرائيل تجهزوا فغزوا النبط فأصابوا منهم، فذلك قوله: " رددنا لكم الكرة عليهم " وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: بعث الله عليهم في الأولى جالوت، وبعث عليهم في المرة الأخرى بختنصر، فعادوا فسلط الله عليهم المؤمنين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه "فجاسوا" قال: فمشوا. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال: "تتبيراً" تدميراً. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: "عسى ربكم أن يرحمكم" قال: كانت الرحمة التي وعدهم بعث محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج عبد الرزاق ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "وإن عدتم عدنا" قال: فعادوا فبعث الله سبحانه عليهم محمداً صلى الله عليه وسلم، فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. واعلم أنها قد اختلفت الروايات في تعيين الواقع منهم في المرتين، وفي تعيين من سلطه الله عليهم، وفي كيفية الانتقام منهم، ولا يتعلق بذلك كثير فائدة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً" قال: سجناً. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه. قال: معنى حصيراً: جعل الله مأواهم فيها. وأخرج عبد الرزاق ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: "حصيراً" قال: فراشاً ومهاداً. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم" قال: للتي هي أصوب. وأخرج الحاكم عن ابن مسعود أنه كان يتلو كثيراً "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر" بالتخفيف. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير" يعني قول الإنسان: اللهم العنه واغضب عليه. وأخرج ابن جرير عنه في قوله: "وكان الإنسان عجولاً" قال: ضجراً لا صر له على سراء ولا ضراء. وأخرج ابن أبي شيبة ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن سلمان الفارسي قال: أول ما خلق الله من آدم رأسه، فجعل ينظر وهو يخلق وبقيت رجلاه، فلما كان بعد العصر قال: يا رب أعجل قبل الليل، فذلك قوله: "وكان الإنسان عجولاً".
11 - وقوله تعالى : " ويدع الإنسان " ، حذف الواو لفظاً لاستقبال اللام الساكنة كقوله : " سندع الزبانية " ( العلق - 18 ) ، وحذف في الخط أيضاً وهي غير محذوفة في المعنى . ومعناه : ويدعو الإنسان على ماله وولده ونفسه ، " بالشر " ، فيقول عند الغضب : اللهم العنه وأهلكه ونحوهما ، " دعاءه بالخير " ، أي : كدعائه ربه [ بالخير ] أن يهب له النعمة والعافية ولو استجاب الله دعاءه على نفسه لهلك ، ولكن الله لا يستجيب بفضله " وكان الإنسان عجولاً " بالدعاء على ما يكره أن يستجاب له فيه . قال جماعة من أهل التفسير ، وقال ابن عباس : ضجراً ، لا صبر له على السراء والضراء .
11."ويدع الإنسان بالشر "ويدعوالله تعالى عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله ، أو يدعوه بما يحسبه خيراً وهو شر . "دعاءه بالخير "مثل دعائه بالخير . "وكان الإنسان عجولاً"يسارع إلىكل ما يخطر بباله لا ينظر عاقبته . وقيل المراد آدم عليه الصلاة والسلام فإنه لما انتهى الروح إلىسرته ذهب لينهض فسقط . "روي : أنه عليه السلام دفع أسيراً إلى سودة بنت زمعة فرحمته لأنينه فأرخت كتافه ، فهرب فدعا عليها بقطع اليد ثم ندم فقال عليه السلام : اللهم إنما أنا بشر فمن دعوة عليه فاجعل دعائي رحمة له فنزلت . "ويجوز أن يريد بالإنسان الكافر وبالدعاء استعجاله بالعذاب استهزاء كقول النضر بن الحارث : اللهم انصر خيرا الحربين،" اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك "الآية. فأجيب له فضرب عنقه صبراً يوم بدر.
11. Man prayeth for evil as he prayeth for good; for man was ever hasty.
11 - The prayer that man should make for good, he maketh for evil; for man is given to hasty (deeds).