[النحل : 82] فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ
82 - (فإن تولوا) أعرضوا عن الإسلام (فإنما عليك) يا محمد (البلاغ المبين) الإبلاغ البين وهذا قبل الأمر بالقتال
قوله تعالى : "فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين" .
قوله تعالى " فإن تولوا " أي أعرضوا عن النظر والاستدلال والإيمان "فإنما عليك البلاغ " أي ليس عليك إلا التبليغ وأما الهداية فإلينا .
يذكر تبارك وتعالى تمام نعمه على عبيده بما جعل لهم من البيوت التي هي سكن لهم, يأوون إليها, ويستترون بها, وينتفعون بها بسائر وجوه الانتفاع, وجعل لهم أيضاً من جلود الأنعام بيوتاً أي من الأدم, يستخفون حملها في أسفارهم ليضربوها لهم في إقامتهم في السفر والحضر, ولهذا قال: "تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها" أي الغنم, "وأوبارها" أي الإبل, "وأشعارها" أي المعز, والضمير عائد على الأنعام "أثاثا" أي تتخذون منه أثاثاً وهو المال, وقيل: المتاع, وقيل: الثياب, والصحيح أعم من هذا كله فإنه يتخذ من الأثاث البسط والثياب وغير ذلك, ويتخذ مالاً وتجارة, وقال ابن عباس: الأثاث المتاع, وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وعطية العوفي وعطاء الخراساني والضحاك وقتادة. وقوله: "إلى حين" أي إلى أجل مسمى ووقت معلوم.
وقوله: " والله جعل لكم مما خلق ظلالاً" قال قتادة: يعني الشجر "وجعل لكم من الجبال أكناناً" أي حصوناً ومعاقل, كما "جعل لكم سرابيل تقيكم الحر" وهي الثياب من القطن والكتان والصوف "وسرابيل تقيكم بأسكم" كالدروع من الحديد المصفح والزرد وغير ذلك, "كذلك يتم نعمته عليكم" أي هكذا يجعل لكم ما تستعينون به على أمركم وما تحتاجون إليه ليكون عوناً لكم على طاعته وعبادته "لعلكم تسلمون" هكذا فسره الجمهور, وقرءوه بكسر اللام من "تسلمون" أي من الإسلام.
وقال قتادة في قوله: "كذلك يتم نعمته عليكم" هذه السورة تسمى سورة النعم. وقال عبد الله بن المبارك وعباد بن العوام عن حنظلة السدوسي, عن شهر بن حوشب, عن ابن عباس أنه كان يقرؤها "تسلمون" بفتح اللام, يعني من الجراح, رواه أبو عبيد القاسم بن سلام عن عباد, ,أخرجه ابن جرير من الوجهين, ورد هذه القراءة. وقال عطاء الخراساني: إنما نزل القرآن على قدر معرفة العرب, ألا ترى إلى قوله تعالى: " والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً" وما جعل من السهل أعظم وأكثر, ولكنهم كانوا أصحاب جبال ؟ ألا ترى إلى قوله: "ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين" وما جعل لهم من غير ذلك أعظم وأكثر, ولكنهم كانوا أصحاب وبر وشعر ؟ ألا ترى إلى قوله: "وينزل من السماء من جبال فيها من برد" لعجبهم من ذلك وما أنزل من الثلج أعظم وأكثر, ولكنهم كانوا لا يعرفونه ؟ ألا ترى إلى قوله تعالى: "سرابيل تقيكم الحر" وما تقي من البرد أعظم وأكثر, ولكنهم كانوا أصحاب حر.
وقوله: "فإن تولوا" أي بعد هذ البيان وهذا الامتنان, فلا عليك منهم "فإنما عليك البلاغ المبين" وقد أديته إليهم "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها" أي يعرفون أن الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك وهو المتفضل به عليهم ومع هذا ينكرون ذلك ويعبدون معه غيره ويسندون النصر والرزق إلى غيره "وأكثرهم الكافرون" كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا صفوان, حدثنا الوليد, حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن مجاهد أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله, فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم " والله جعل لكم من بيوتكم سكناً" فقال الأعرابي: نعم, قال: "وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا" الاية, قال الأعرابي: نعم, ثم قرأ عليه كل ذلك, يقول الأعرابي: نعم حتى بلغ "كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون" فولى الأعرابي, فأنزل الله "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها" الاية.
82- " فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين " أي إن تولوا عنك ولم يقبلوا ما جئت به فقد تمهد عذرك، فإنما عليك البلاغ لما أرسلت به إليهم المبين: أي الواضح، وليس عليك غير ذلك، وصرف الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسلية له.
82 -" فإن تولوا " ، فإن أعرضوا فلا يلحقك في ذلك عتب ولا سيمة تقصير ،" فإنما عليك البلاغ المبين " .
82."فإن تولوا"أعرضوا ولم يقبلوا منك ."فإنما عليك البلاغ المبين "فلا يضرك فإنما عليك البلاغ وقد بلغت ، وهذا من إقامة السبب مقام المسبب.
82. Then, if they turn away, thy duty (O Muhammad) is but plain conveyance (of the message).
82 - But if they turn away, thy duty is only to preach the clear message.