[النحل : 74] فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
74 - (فلا تضربوا لله الأمثال) لا تجعلوا لله أشباها تشركونهم به (إن الله يعلم) أن لا مثل له (وأنتم لا تعلمون) ذلك
يقول تعالى ذكره : ويعبد هؤلاء المشركون بالله من دونه أوثاناً لا تملك لهم رزقاً من السماوات ، لأنها لا تقدر على إنزال قطر منها لإحياء موتان الأرضين ، "والأرض" . يقول : ولا تملك لهم أيضاً رزقاً من الأرض لأنها لا تقدر على إخراج شيء من نباتها وثمارها لهم ،ولا شيئاً مما عدد تعالى في هذه الآية أنه أنعم بها عليهم "ولا يستطيعون" يقول : ولا تملك أوثانهم شيئاً من السماوات والأرض ،بل هي وجميع ما في السماوات والأرض لله ملك ، "ولا يستطيعون" . يقول : ولا تقدر على شيء .
وقوله "فلا تضربوا لله الأمثال" يقول :فلا تمثلوا لله الأمثال ، ولا تشبهوا له الأشباه ، فإنه لا مثل له ولا شبه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ،عن مجاهد : الأمثال : الأشباه .‌
وحدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "فلا تضربوا لله الأمثال" يعني اتخاذهم الأصنام ، يقول :لا تجعلوا معي إلهاً غيري ، فإنه لا إله غيري .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله "ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون" قال : هذه الأوثان التي تعبد من دون الله لا تملك لمن يعبدها رزقاً ولا ضراً ولا نفعاً ، ولا حياة ولا نشوراً . وقوله "فلا تضربوا لله الأمثال" فإنه أحد صمد ، لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد "إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون" يقول : والله أيها الناس يعلم خطأ ما تمثلون وتضربون من الأمثال وصوابه ، وغير ذلك من سائر الأشياء ، وأنتم لا تعلمون صواب ذلك من خطئه .
واختلف أهل العربية في الناصب قوله "شيئا" فقال بعض البصريين : هو منصوب على البدل من الرزق ، وهو في معنى : لا يملكون رزقاً قليلاً ولا كثيراً . وقال بعض الكوفيين : نصب شيئاً بوقوع الرزق عليه ، كما قال تعالى ذكره ( ألم نجعل الأرض كفاتا * أحياء وأمواتا ) : أي تكفت الأحياء والأموات ، ومثله قوله تعالى ذكره ( أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة * أو مسكينا ذا متربة ) قال : ولو كان الرزق مع الشيء لجاز خفضه ، لا يملك لكم رزق شيء من السماوات ، ومثله ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) .
"فلا تضربوا لله الأمثال " أي لا تشبهوا به هذه الجمادات لأنه واحد قادر لا مثل له وقد تقدم .
يقول تعالى إخباراً عن المشركين الذين عبدوا معه غيره مع أنه هو المنعم المتفضل الخالق الرازق, وحده لا شريك ومع هذا يعبدون من دونه من الأصنام والأنداد والأوثان ما لا يملك لهم رزقاً من السموات والأرض شيئاً, أي لا يقدر على إنزال مطر ولا إنبات زرع ولا شجر, ولا يملكون ذلك لأنفسهم, أي ليس لهم ذلك, ولا يقدرون عليه لو أرادوه, ولهذا قال تعالى: "فلا تضربوا لله الأمثال" أي لا تجعلوا له أنداداً وأشباهاً وأمثالاً "إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون"أي أنه يعلم ويشهد أنه لا إله إلا هو, وأنتم بجهلكم تشركون به غيره.
ثم نهاهم سبحانه عن أن يشبهوه بخلقه. فقال: 74- "فلا تضربوا لله الأمثال" فإن ضارب المثل يشبه حالاً بحال وقصة بقصة. قال الزجاج: لا تجعلوا لله مثلاً لأنه واحد لا مثل له، وكانوا يقولون: إن إله العالم أجل من أن يعبده الواحد منا، فكانوا يتوسلون إلى الأصنام والكواكب، كما أن أصاغر الناس يخدمون أكابر حضرة الملك، وأولئك الأكابر يخدمون الملك فنهوا عن ذلك، وعلل النهي بقوله: "إن الله" عليم "يعلم" ما عليكم من العبادة "وأنتم لا تعلمون" ما في عبادتها من سوء العاقبة، والتعرض لعذاب الله سبحانه، أو أنتم لا تعلمون بشيء من ذلك، وفعلكم هذا هو عن توهم فاسد وخاطر باطل وخيال مختل، ويجوز أن يراد فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم كيف تضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ذلك.
وقد أخرج ابن جرير عن علي في قوله: "ومنكم من يرد إلى أرذل العمر" قال: خمس وسبعون سنة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: هو الخرف. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر، ثم قرأ " لكي لا يعلم بعد علم شيئا ". وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال: العالم لا يخرف. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح وغيره أنه كان يتعوذ بالله أن يرد إلى أرذل العمر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "والله فضل بعضكم على بعض في الرزق" قال: لم يكونوا ليشركوا عبيدهم في أموالهم ونسائهم فكيف يشركون عبيدي معي في سلطاني. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: هذا مثل لآلهة الباطل مع الله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً" قال: خلق آدم، ثم خلق زوجته منه. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن مسعود في قوله: "بنين وحفدة" قال: الحفدة الأختان. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الحفدة الأصهار. وأخرجا عنه قال: الحفدة الولد وولد الولد. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: الحفدة بنو البنين. وأخرج ابن جرير عن أبي حمزة قال: سئل ابن عباس عن قوله: "بنين وحفدة" قال: من أعابك فقد حفدك، أما سمعت الشاعر يقول:
حفد الولائد حولهن وأسلمت بأكفهن أزمة الأجمال
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: الحفدة بنو امرأة الرجل ليسوا منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة "أفبالباطل يؤمنون" قال: الشرك. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال هو الشيطان "وبنعمة الله" قال: محمد. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "ويعبدون من دون الله" الآية قال: هذه الأوثان التي تعبد من دون الله لا تملك لمن يعبدها "رزقاً من السموات والأرض" ولا خيراً ولا حياة ولا نشوراً " فلا تضربوا لله الأمثال " فإنه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله سبحانه: "فلا تضربوا لله الأمثال" يعني اتخاذهم الأصنام، يقول لا تجعلوا معي إلهاً غيري، فإنه لا إله غيري.
74 - " فلا تضربوا لله الأمثال " ، يعني : الأشباه . فتشبهونه بخلقه ، وتجعلون له شريكاً ، فإنه واحد لا مثل له ، " إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون " ، خطأ ما تضربون من الأمثال . ثم ضرب مثلاً [ للكافرين والمؤمنين ] ، فقال جل ذكره :
74."فلا تضربوا لله الأمثال"فلا تجعلوا له مثلاً تشركونه به ، أو تقيسونه عليه فإن ضرب المثل تشبيه حال بحال ."إن الله يعلم "فساد ما تعولون عليه من القياس على أن عبدة عبيد الملك أدخل في التعظيم من عبادته وعظم جرمكم فيما تفعلون ."وأنتم لا تعلمون"ذلك ولو علمتموه لما جرأتم عليه فهو عليم للنهي ، أو أنه يعلم كنه الأشياء وأنتم لا تعلمونه فدعوا رأيكم دون نصه، ويجوز أن يراد فلا تضربوا لله الأمثال فإنه يعلم كيف تضرب الأمثال وانتم لا تعلمون . ثم علمهم كيف يضرب فضرب مثلاً لنفس ولمن عند دونه فقال:
74. So coin not similitudes for Allah. Lo! Allah knoweth; ye know not.
74 - Invent not similitudes for God: for God knoweth, and ye know not.