[النحل : 7] وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
7 - (وتحمل أثقالكم) أحماالكم (إلى بلد لم تكونوا بالغيه) واصلين إليه على غير الإبل (إلا بشق الأنفس) بجهدها (إن ربكم لرؤوف رحيم) بكم حيث خلقها لكم
يقول تعالى ذكره : ولكم في هذه الأنعام والمواشي التي خلقها لكم "جمال حين تريحون" يعني : تردونها بالعشي من مسارحها إلى مراحها ومنازلها التي تأوي إليها ، ولذلك سمي المكان : المراح ، لأنها تراح إليه عشياً ، فتأوي إليه ، يقال منه : أراح فلان ماشيته ، فهو يريحها إراحة . وقوله "وحين تسرحون" يقول : وفي وقت إخراجكموها غدوة من مراحها إلى مسارحها ، يقال منه : سرح فلان ماشيته ، يسرحها تسريحاً ، إذا أخرجها للرعي غدوة ، وسرحت الماشية : إذا خرجت للمرعى تسرح سرحاً وسروحاً ، فالسرح بالغداة ، والإراحة بالعشي ، ومنه قول الشاعر :
كأن بقايا الأتن فوق متونه مدب الدبى فوق النقا وهو سارح
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله "ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون" وذلك أعجب ما يكون إذا راحت عظاماً ضروعها ، طوالاً اسنمتها ، وحين تسرحون إذا سرحت لرعيها .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون" قال : إذا راحت كأعظم ما تكون أسنمة ، وأحسن ما تكون ضروعاً .
وقوله "وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس" يقول : وتحمل هذه الأنعام أثقالكم إلى بلد آخر لم تكونوا بالغيه إلا بجهد من أنفسكم شديد ، ومشقة عظيمة .
كما حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا ابو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن جابر ، عن عكرمة ، "وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس" قال : لو تكلفونه لم تبلغوه إلا بجهد شديد .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن سماك ، عن عكرمة : "إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس" قال : لو كلفتموه لم تبلغوه إلا بشق الأنفس .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن سماك ، عن عكرمة : "إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس" قال : البلد : مكة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله "إلا بشق الأنفس" قال : مشقة عليكم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله "وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس" يقول : بجهد الأنفس .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، بنحوه .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار بكسر الشين "إلا بشق الأنفس" سوى أبي جعفر القارىء ، فإن ـ .
المثنى حدثني ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد ، قال : حدثني أبو سعيد الرازي ، عن أبي جعفر قارىء المدينة ، أنه كان يقرأ لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس بفتح الشين ، وكان يقول : إنما الشق : شق النفس . وقال ابن أبي حماد : وكان معاذ الهراء يقول : هي لغة ، تقول العرب بشق وبشق ، وبرق وبرق .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قراء الأمصار ، وهي كسر الشين لإجماع الحجة من القراء عليه ، وشذوذ ما خالفه ، وقد ينشد هذا البيت بكسر الشين وفتحها ،وذلك قول الشاعر :
وذي إبل يسعى ويحسبها له أخي نصب من شقها ودؤوب
ومن شقها أيضاً بالكسر والفتح ، وكذلك قول العجاج :
اصبح مسحول يوازي شقا
وشقا بالفنح والكسر ، ويعني بقوله يوازي شقا : يقاسي مشقة ، وكان بعض أهل العربية يذهب بالفتح إلى المصدر من شققت عليه أشق شقاً ، وبالكسر إلى الاسم . وقد يجوز أن يكون الذين قرءوا بالكسر أرادوا إلا بنقص من القوة ، وذهاب شيء منها حتى لا يبلغه إلا بعد نقصها ، فيكون معناه عند ذلك : لم تكونوا بالغيه إلا بشق قوى أنفسكم ، وذهاب شفها الآخر ، ويحكى عن العرب : خذ هذا الشق : لشقة الشاة بالكسر . فأما في شقت عليك شقاً فلم يحك فيه إلا النصب .
وقوله "إن ربكم لرؤوف رحيم" يقول تعالى ذكره : إن ربكم أيها الناس ذو رأفة بكم ، ورحمة ، من رحمته بكم ، خلق لكم الأنعام لمنافعكم ومصالحكم ، وخلق السماوات والأرض أدلة لكم على وحدانية ربكم ، ومعرفة إلهكم ، لتشكروه على نعمه عليكم ، فيزيدكم من فضله .
فيه ثلاث مسائل:
الأولى - قوله تعالى: " وتحمل أثقالكم " الأثقال أثقال الناس من متاع وطعام وغيره، وهو ما يثقل الإنسان حمله. وقيل: المراد أبدانهم، يدل على ذلك قوله تعالى: " وأخرجت الأرض أثقالها " ( الزلزلة: 2). والبلد مكة، في قول عكرمة. وقيل: هو محمول على العموم في كل بلد مسلكه على الطهر. وشق الأنفس: مشقتها وغاية جهدها. وقراءة العامة بكسر الشين. قال الجوهري : والشق المشقة، ومنه قوله تعالى: " لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس " وهذا قد يفتح، حكاه أبو عبيدة. قال المهدوي : وكسر الشين وفتحها في ( شق) متقاربان، وهما بمعنى المشقة، وهو من الشق في العصا ونحوها، لأنه ينال منها كالمشقة من الإنسان. وقال الثعلبي : وقرأ أبو جعفر ( إلا بشق الأنفس) وهما لغتان، مثل رق ورق وجص وجص ورطل ورطل. وينشد قول الشاعر بكسر الشين وفتحها:
وذي إبل يسعى ويحسبها له أخي نصب من شقها ودؤوب
ويجوز أن يكون بمعنى المصدر، من شققت عليه أشق شقا. والشق أيضاً بالكسر النصف، يقال: أخذت شق الشاة وشقة الشاة. وقد يكون المراد من الآية هذا المعنى، أي لم تكونوا بالغيه إلا بنقص من القوة وذهاب شق منها، أي لم تكونوا تبلغوه إلا بنصف قوى أنفسكم وذهاب النصف الآخر. والشق أيضاً الناحية من الجبل. وفي حديث أم زرع:
" وجدني في أهل غنيمة بشق". قال أبو عبيد: هو اسم موضع. والشق أيضاً: الشقيق، يقال: هي أخي وشق نفسي. وشق اسم كاهن من كهان العرب. والشق أيضاً: الجانب، ومنه قول امريء القيس:
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له بشق وتحتي شقها لم يحول
فهو مشترك.
الثانية - من الله سبحانه بالأنعام عموماً، وخص الإبل هنا بالذكر في حمل الأثقال على سائر الأنعام، فإن الغنم للسرح والذبح، والبقر للحرث، والإبل للحمل. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينما رجل يسوق بقرة له قد حمل عليها التفتت إليه البقرة فقالت إني لم أخلق لهذا ولكني إنما خلقت للحرث فقال الناس سبحان الله تعجباً وفزعاً أبقرة تكلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإني أومن به وأبو بكر وعمر ". فدل هذا الحديث على أن البقر لا يحمل عليها ولا تركب، وإنما هي للحرث وللأكل والنسل والرسل.
الثالثة - في هذه الآية دليل على جواز السفر بالدواب وحمل الأثقال عليها، ولكن على قدر ما تحملته من غير إسراف في الحمل مع الرفق في السير. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق بها والإراحة لها ومراعاة التفقد لعلفها وسقيها. وروى مسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها " رواه مالك في الموطأ عن أبي عبيد عن خالد بن معدان. وروى معاوية بن قرة قال: كان لأبي الدرداء جمل يقال له دمون، فكان يقول: يا دمون، لا تخاصمني عند ربك. فالدواب عجم لا تقدر أن تحتال لنفسها ما تحتاج إليه، ولا تقدر أن تفصح بحوائجها، فمن ارتفق بمرافقتها ثم ضيعها من حوائجها فقد ضيع الشكر وتعرض للخصومة بين يدي الله تعالى. وروى مطر بن محمد قال: حدثنا أبو داود قال حدثنا ابن خالد قال حدثنا المسيب بن آدم قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب جمالاً وقال: تحمل على بعيرك ما لا يطيق.
يمتن تعالى على عباده بما خلق لهم من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم, كما فصلها في سورة الأنعام إلى ثمانية أزواج, وبما جعل لهم فيها من المصالح والمنافع من أصوافها وأوبارها وأشعارها يلبسون ويفترشون, ومن ألبانها يشربون ويأكلون من أولادها, وما لهم فيها من الجمال وهو الزينة, ولهذا قال: "ولكم فيها جمال حين تريحون" وهو وقت رجوعها عشياً من المرعى فإنها تكون أمده خواصر وأعظمه ضروعاً وأعلاه أسنمة "وحين تسرحون" أي غدوة حين تبعثونها إلى المرعى "وتحمل أثقالكم" وهي الأحمال الثقيلة التي تعجزون عن نقلها وحملها "إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس" وذلك في الحج والعمرة والغزو والتجارة وما جرى مجرى ذلك, تستعملونها في أنواع الاستعمال من ركوب وتحميل, كقوله: " وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون * وعليها وعلى الفلك تحملون ", وقال تعالى: "الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون * ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون * ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون", ولهذا قال ههنا بعد تعداد هذه النعم " إن ربكم لرؤوف رحيم " أي ربكم الذي قيض لكم هذه الأنعام وسخرها لكم, كقوله: " أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون * وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ", وقال: "وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون" قال ابن عباس: "لكم فيها دفء" أي ثياب, "ومنافع" ما تنتفعون به من الأطعمة والأشربة. وقال عبد الرزاق: أخبرنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة, عن ابن عباس: دفء ومنافع نسل كل دابة. وقال مجاهد: لكم فيها دفء أي لباس ينسج, ومنافع مركب ولحم ولبن. وقال قتادة: دفء ومنافع, يقول: لكم فيها لباس ومنفعة وبلغة, وكذا قال غير واحد من المفسرين بألفاظ متقاربة.
7- "وتحمل أثقالكم" الأثقال جمع ثقل، وهو متاع المسافر من طعام وغيره وسمي ثقلاً لأنه يثقل الإنسان حمله، وقيل المراد أبدانهم "إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس" أي لم تكونوا واصلين إليه لو لم يكن معهم إبل تحمل أثقالكم إلا بشق الأنفس لبعده عنكم، وعدم وجود ما يحمل ما لا بد لكم منه في السفر. وظاهره يتناول كل بلد بعيدة من غير تعيين، وقيل المراد بالبلد مكة، وقيل اليمن ومصر والشام لأنها متاجر العرب، وشق الأنفس: مشقتها. قرأ الجمهور بكسر الشين، وقرأ أبو جعفر بفتحها. قال الجوهري: والشق المشقة، ومنه قوله: "لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس" وحكى أبو عبيدة بفتح الشين، وهما بمعنى، ويجوز أن يكون المفتوح مصدراً من شققت عليه أشق شقاً، والمكسور بمعنى النصف، يقال أخذت شق الشاة وشقة الشاة، ويكون المعنى على هذا في الآية: لم تكونوا بالغيه إلا بذهاب نصب الأنفس من التعب، وقد امتن الله سبحانه على عباده بخلق الأنعام على العموم.
7. " وتحمل أثقالكم "،أحمالكم "إلى بلد"، آخر غير بلدكم . قال عكرمة: البلد مكة" لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس "، أي: بالمشقة والجهد. والشق: النصف أيضا أي: لم تكونوا بالغية إلا بنقصان قلة النفس وذهاب نصفها .
وقرأ أبو جعفر " بشق " بفتح الشين، وهما لغتان، مثل: رطل ورطل.
"إن ربكم لرؤوف رحيم" بخلقة حيث جعل لهم هذه المنافع.
7."وتحمل أثقالكم"أحمالكم ."إلى بلد لم تكونوا بالغيه"أي إن لم تكن الأنعام ولم تخلق فضلاً أن تحملوها على ظهوركم إليه . "إلا بشق الأنفس" إلا بكلفة ومشقة.وقرئ بالفتح وهو لغة فيه ،وقيل المفتوح مصدر شق الأمر عليه وأصله الصدع والمكسور بمنى النصف ، كأنه ذهب نصف قوته بالتعب . "إن ربكم لرؤوف رحيم" حيث رحمكم بخلقها لانتفاعكم وتيسير الأمر عليكم.
7. And they bear your loads for you unto a land ye could not reach save with great trouble to yourselves. Lo! your Lord is Full of Pity, Merciful.
7 - And they carry your heavy loads to lands that ye could not (otherwise) reach except with souls distressed: for your Lord is indeed Most kind, Most merciful.