[النحل : 50] يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ
50 - (يخافون) أي الملائكة حال من ضمير يستكبرون (ربهم من فوقهم) حال من هم أي عاليا عليهم بالقهر (ويفعلون ما يؤمرون) به
يقول تعالى ذكره : يخاف هؤلاء الملائكة التي في السماوات ، وما في الأرض من دابة ، ربهم من فوقهم ، أن يعذبهم إن عصوا أمره ، ويفعلون ما يؤمرون . يقول : ويفعلون ما أمرهم به ، فيؤذن حقوقه ، ويجتنبون سخطه .
ومعنى " يخافون ربهم من فوقهم " أي عقاب ربهم وعذابه، لأن العذاب المهلك إنما ينزل من السماء. وقيل: المعنى يخافون قدرة ربهم التي هي فوق قدرتهم، ففي الكلام حذف. وقيل: معنى ( يخافون ربهم من فوقهم) يعني الملائكة، يخافون ربهم وهي من فوق ما في الأرض من دابة ومع ذلك يخافون، فلأن يخاف من دونهم أولى، دليل هذا القول قوله تعالى: " ويفعلون ما يؤمرون " يعني الملائكة.
يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وكبريائه الذي خضع له كل شيء, ودانت له الأشياء والمخلوقات بأسرها: جماداتها وحيواناتها, ومكلفوها من الإنس والجن, والملائكة, فأخبر أن كل ما له ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال, أي بكرة وعشياً فإنه ساجد بظله لله تعالى. قال مجاهد: إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله عز وجل, وكذا قال قتادة والضحاك وغيرهم, وقوله "وهم داخرون" أي صاغرون. وقال مجاهد أيضاً: سجود كل شيء فيؤه , وذكر الجبال, قال: سجودها فيؤها. وقال أبو غالب الشيباني: أمواج البحر صلاته, ونزلهم منزلة من يعقل إذ أسند السجود إليهم فقال: "ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة" كما قال: " ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال ". وقوله: "والملائكة وهم لا يستكبرون" أي تسجد لله أي غير مستكبرين عن عبادته "يخافون ربهم من فوقهم" أي يسجدون خائفين وجلين من الرب جل جلاله "ويفعلون ما يؤمرون" أي مثابرين على طاعته تعالى وامتثال أوامره, وترك زواجره.
50- "يخافون ربهم من فوقهم" هذه الجملة في محل نصب على الحال: أي حال كونهم يخافون ربهم من فوقهم، أو جملة مستأنفة لبيان نفي استكبارهم، ومن آثار الخوف عدم الاستكبار، ومن فوقهم متعلق بيخافون على حذف مضاف: أي يخافون عذاب ربهم من فوقهم، أو يكون حالاً من الرب: أي يخافون ربهم حال كونه من فوقهم، وقيل معنى "يخافون ربهم من فوقهم" يخافون الملائكة فيكون على حذف المضاف: أي يخافون ملائكة ربهم كائنين من فوقهم وهو تكلف لا حاجة إليه، وإنما اقتضى مثل هذه التأويلات البعيدة المحاماة على مذاهب قد رسخت في الأذهان، وتقررت في القلوب، قيل وهذه المخافة هي مخافة الإجلال، واختاره الزجاج فقال: "يخافون ربهم" خوف مجلين، ويدل على صحة هذا المعنى قوله: "وهو القاهر فوق عباده"، وقوله إخباراً عن فرعون "وإنا فوقهم قاهرون"، "ويفعلون ما يؤمرون" أي ما يؤمرون به من طاعة الله: يعني الملائكة، أو جميع من تقدم ذكره، وحمل هذه الجمل على الملائكة أولى، لأن في مخلوقات الله من يستكبر عن عبادته، ولا يخافه ولا يفعل ما يؤمر به، كالكفار والعصاة الذين لا يتصفون بهذه الصفات وإبليس وجنوده.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا" قال: هم قوم من أهل مكة هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ظلمهم. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر عن داود بن أبي هند قال: نزلت هذه الآية في أبي جندل بن سهيل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "والذين هاجروا في الله" الآية قال: هؤلاء أصحاب محمد ظلمهم أهل مكة فأخرجوهم من ديارهم حتى لحق طوائف منهم بأرض الحبشة، ثم بوأهم الله المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة، وجعل لهم أنصاراً من المؤمنين "ولأجر الآخرة أكبر" قال: أي والله لما يصيبهم الله من جنته ونعمته أكبر "لو كانوا يعلمون". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الشعبي في قوله: "في الدنيا حسنة" قال: المدينة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: لنرزقنهم في الدنيا رزقاً حسناً. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: "لما بعث الله محمداً رسولاً أنكرت العرب ذلك، فأنزل الله "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم"". وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في قوله: "فاسألوا أهل الذكر" الآية، يعني مشركي قريش أن محمداً رسول الله في التوراة والإنجيل. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: نزلت في عبد الله بن سلام ونفر من أهل التوراة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "بالبينات" قال: الآيات "والزبر" قال: الكتب. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: "أفأمن الذين مكروا السيئات" قال: نمروذ بن كنعان وقومه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: أي الشرك. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: تكذيبهم الرسل، وإعمالهم بالمعاصي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "أو يأخذهم في تقلبهم" قال: في اختلافهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه "في تقلبهم" قال: إن شئت أخذته في سفره "أو يأخذهم على تخوف" يقول على أثر موت صاحبه. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً "على تخوف" قال: تنقص من أعمالهم. وأخرج ابن جرير عن عمر أنه سألهم عن هذه الآية "أو يأخذهم على تخوف" فقالوا ما نرى إلا أنه عند تنقص ما يردد من الآيات فقال عمر ما أرى إلا أنه على ما يتنقصون من معاصي الله، فخرج رجل ممن كان عند عمر فلقي أعرابياً، فقال يا فلان: ما فعل ربك؟ قال قد تخيفته، يعني انتقصته، فرجع إلى عمر فأخبره، فقال قد رأيته ذلك. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: "أو يأخذهم على تخوف" قال: يأخذهم بنقص بعضهم بعضاً. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: " يتفيأ " قال: يتميل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: "وهم داخرون" قال: صاغرون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "ولله يسجد" الآية قال: لم يدع شيئاً من خلقه إلا عبده له طائعاً أو كارهاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: يسجد من في السموات طوعاً ومن في الأرض طوعاً وكرهاً.
50 - " يخافون ربهم من فوقهم " ، كقوله : " وهو القاهر فوق عباده " ( الأنعام - 18 )
" ويفعلون ما يؤمرون " .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا محمد بن سمعان ، حدثنا أبو بكر بن إبراهيم الشعرانبي ، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي ، حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي ، حدثنا إسرائيل ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، عن مورق ، عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أرى مالا ترون ، وأسمع مالا تسمعون ، أطت السماء وحق لها أن تئط ، والذي نفسي بيده ما فيها موضع ، أربع أصابع إلا وفيه ملك يمجد الله ، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً وما تلذذتم بالنساء على الفرشات ، ولصعدتم إلى الصعدات تجارون ، قال أبو ذر : يا ليتني كنت شجرة تعضد" . رواه أبو عيسى عن أحمد بن منيع ، عن أبي أحمد الزبيرى ، عن إسرائيل وقال : " إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله " .
50."يخافون ربهم من فوقهم "يخافونه أن يرسل عذاباً من فوقهم ، أو يخافونه وهو فوقهم بالقهر كقوله تعالى : "وهو القاهر فوق عباده" .والجملة حال من الضمير في"لا يستكبرون"، أو بيان له وتقرير لأن من خاف الله تعالى لم يستكبر عن عبادته. "ويفعلون ما يؤمرون"من الطاعة والتدبير، وفيه دليل على أن الملائكة مكلفون مدارون بين الخوف والرجاء .
50. They fear their Lord above them, and do what they are hidden.
50 - They all revere their Lord, high above them, and they do all that they are commanded.