[إبراهيم : 31] قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ
31 - (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع) فداء (فيه ولا خلال) مخالة أي صداقة تنفع هو يوم القيامة
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم "قل" يا محمد "لعبادي الذين آمنوا" بك ، وصدقوا أن ما جئتهم به من عندي "يقيموا الصلاة" ، يقول : قل لهم : فليقيموا الصلوات الخمس المفروضة عليهم بحدودها ، ولينفقوا مما رزقناهم ، فخولناهم من فضلنا سراً وعلانية ، فليؤدوا ما أوجبت عليهم من الحقوق فيها سراً وإعلاناً "من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه" ، يقول : لا يقبل فيه فدية وعوض من نفس وجب عليها عقاب الله بما كان منها من معصية ربها في الدنيا ، فيقبل منها الفدية ، وتترك فلا تعاقب ، فسمى الله جل ثناؤه الفدية عوضاً ، إذ كا نأخذ عوض من معتاض منه . وقوله "ولا خلال" يقول : وليس هنالك مخالة خليل ، فيصفح عمن استوجب العقوبة عن العقاب لمخالته ، بل هنالك العدل والقسط ، فالخلال مصدر من قول القائل : خاللت فلاناً فأنا أخاله مخالة وخلالاً ، ومنه قول امرىء القيس :
‌صرفت الهوى عنهن من خشية الردى ولست بمقلي الخلال الخلال ولا قالي
وجزم قوله "يقيموا الصلاة" ، بتأويل الجزاء ، ومعناه : الأمر ، يراد قل لهم ليقموا الصلاة .
حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله ، قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس "قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة" ، يعني الصلوات الخمس "وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية" : يقول : زكاة أموالهم .
حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة في قوله : "من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال" ، قال قتادة : إن الله تبارك وتعالى قد علم أن في الدنيا بيوعاً وخلالاً بها في الدنيا ،فينظر رجل من يخالل ، وعلام يصاحب ، فإن كان الله فليدوام ، وإن كان لغير الله فإنها ستنقطع .
قوله تعالى: " قل لعبادي الذين آمنوا " أي إن أهل مكة بدلوا نعمة الله بالكفر، فقل لمن آمن وحقق عبوديته أن " يقيموا الصلاة " يعني الصلوات الخمس، أي قل لهم أقيموا، والأمر معه شرط مقدر، تقول: أطع الله يدخلك الجنة، أي إن أطعته يدخلك الجنة، هذا قول الفراء. وقال الزجاج: ( يقيموا) مجزوم بمعنى اللام، أي ليقيموا فأسقطت اللام لأن الأمر دل على الغائب بـ ( ـقل). قال: ويحتمل أن يقال: ( يقيموا) جواب أمر محذوف، أي قل لهم أقيموا الصلاة يقيموا الصلاة. " وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية " يعني الزكاة، عن ابن عباس وغيره. وقال الجمهور: السر ما خفي والعلانية ما ظهر. وقال القاسم بن يحيى: إن السر التطوع والعلانية الفرض، وقد مضى هذا المعنى في ( البقرة) مجوداً عند قوله: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي " ( البقرة: 271). " من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال " تقدم في ( البقرة) أيضاً. و ( خلال) جمع خلة كقلة وقلال. قال:
فلست بمقلي الخلال ولا قالي
يقول تعالى آمراً عباده بطاعته والقيام بحقه والإحسان إلى خلقه بأن يقيموا الصلاة , وهي عبادة الله وحده لا شريك له, وأن ينفقوا مما رزقهم الله بأداء الزكوات والنفقة على القرابات والإحسان إلى الأجانب, والمراد بإقامتها هو المحافظة على وقتها وحدودها وركوعها وخشوعها وسجودها, وأمر تعالى بالإنفاق مما رزق في السر أي في الخفية والعلانية وهي الجهر, وليبادروا إلى ذلك لخلاص أنفسهم "من قبل أن يأتي يوم" وهو يوم القيامة " لا بيع فيه ولا خلال " أي ولا يقبل من أحد فدية بأن تباع نفسه, كما قال تعالى: "فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا" وقوله: "ولا خلال" قال ابن جرير: يقول ليس هناك مخالة خليل فيصفح عمن استوجب العقوبة عن العقاب لمخالفته, بل هناك العدل والقسط, والخلال مصدر من قول القائل: خاللت فلاناً فأنا أخاله مخالة وخلالاً, ومنه قول امرىء القيس:
رفت الهوى عنهن من خشية الردى ولست بمقل للخلال ولا قالي
وقال قتادة: إن الله قد علم أن في الدنيا بيوعاً وخلالاً يتخالون بها في الدنيا, فينظر رجل من يخالل وعلام يصاحب, فإن كان لله فليداوم, وإن كان لغير الله فسيقطع عنه, قلت: والمراد من هذا أنه يخبر تعالى أنه لا ينفع أحداً بيع ولا فدية, ولو افتدى بملء الأرض ذهباً لو وجده, ولا تنفعه صداقة أحد ولا شفاعة أحد إذا لقي الله كافراً, قال الله تعالى: "واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون" وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون".
31- "قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية" لما أمره بأن يقول للمبدلين نعمة الله كفراً الجاعلين لله أنداداً ما قاله لهم أمره سبحانه أن يقول للطائفة المقابلة لهم، وهي طائفة المؤمنين هذا القول والمقول محذوف دل عليه المذكور: أي قل لعبادي أقيموا وأنفقوا ويقيموا وينفقوا، فجزم يقيموا على أنه جواب الأمر المحذوف، وكذلك ينفقوا، ذكر معنى هذا الفراء. وقال الزجاج: إن يقيموا مجزوم بمعنى اللام: أي ليقيموا فأسقطت اللام: ثم ذكر وجهاً آخر للجزم مثل ما ذكره الفراء: وانتصاب سراً وعلانية، إما على الحال: أي مسرين ومعلنين، أو على المصدر: أي إنفاق سر وإنفاق علانية، أو على الظرف: أي وقت سر ووقت علانية. قال الجمهور: السر ما خفي، والعلانية ما ظهر. وقيل السر التطوع، والعلانية الفرض، وقد تقدم بيان هذا عند تفسير قوله: "إن تبدوا الصدقات فنعما هي" "من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال" قال أبو عبيدة: البيع ها هنا الفداء والخلال المخالة، وهو مصدر. قال الواحدي: هذا قول جميع أهل اللغة. وقال أبو علي الفارسي: يجوز أن يكون جمع خلة مثل برمة وبرام وعلبة وعلاب، والمعنى: أن يوم القيامة لا بيع فيه حتى يفتدي المقصر في العمل نفسه من عذاب الله بدفع عوض عن ذلك، وليس هناك مخاللة حتى يشفع الخليل لخليله وينقذه من العذاب، فأمرهم سبحانه بالإنفاق في وجوه الخير مما رزقهم الله ما داموا في الحياة الدنيا قادرين على إنفاق أموالهم من قبل أن يأتي يوم القيامة، فإنهم لا يقدرون على ذلك بل لا مال لهم إذ ذاك، فالجملة أعني "من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال" لتأكيد مضمون الأمر بالإنفاق مما رزقهم الله. ويمكن أن يكون فيها أيضاً تأكيد لمضمون الأمر بإقامة الصلاة، وذلك لأن تركها كثيراً ما يكون بسبب الاشتغال بالبيع ورعاية حقوق الأخلاء، وقد تقدم في البقرة تفسير البيع والخلال.
"قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة"، قال الفراء: هو جزم على الجزاء، "وينفقوا مما رزقناهم سراً وعلانيةً من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال"، مخاللة وصداقة. قرأ ابن كثير، وابن عمرو، ويعقوب: "لا بيع فيه ولا خلال" بالنصب فيهما على النفي العام. وقرأ الباقون: "لا بيع فيه ولا خلال" بالرفع والتنوين.
31."قل لعبادي الذين آمنوا "خصهم بالإضافة تنويهاً لهم وتنبيهاً على أنهم المقيمون لحقوق العبودية ،ومفعول"قل"محذوف يدل عليه جوابه : أي قل لعبادي الذين أمنوا أقيموا الصلاة وأنفقوا "يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم"فيكون إيذاناً بأنهم لفرط مطاوعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم بحيث لا ينفك فعلهم عن أمره ، وأنه كالسبب الموجب له ، ويجوز أن يقدرا بلام الأمر ليصح تعلق القول بهما وإنما حسن ذلك ها هنا ولم يحسن في قوله:
محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من أمر تبالا
لدلالة قل عليه. وقيل هما جوابا أقيموا أنفقوا مقامين مقامهما، وهو ضعيف لأنه لا بد من مخالفة ما بين الشرط وجوابه ولأن أمر المواجهة لا يجاب بلفظ الغيبة إذا كان الفاعل واحداً "سراً وعلانيةً"منتصبان على المصدر أي إنفاق سر وعلانية ، أو على الحال أي ذوي سر وعلانية ، أو على الظرف أي وقتي سر وعلانية ، والأحب إعلان الواجب وإخفاء المتطوع به ، "من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه"فيبتاع المقصر ما يتدارك به تقصره أو يفدي به نفسه ."ولا خلال"ولا مخالة فيشفع لك خليل، أو من قبل أن يأتي يوم لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه الله تعالى.وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوببالفتح فيهما على النفي العام .
31. Tell My bondmen who believe to establish worship and spend of that which We have given them, secretly and publicly, before a day cometh wherein there will be neither traffic nor befriending.
31 - Speak to my servants who have believed, that they may establish regular prayers, and spend (in charity) out of the sustenance we have given them, secretly and openly, before the coming of a day in which there will be neither mutual bargaining nor befriending.