[إبراهيم : 13] وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ
13 - (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن) لتصيرن (في ملتنا) ديننا (فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين) الكافرين
قوله تعالى : "وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين" .
قوله تعالى: " وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا " اللام لام قسم، أي والله لنخرجنكم. " أو لتعودن " أي حتى تعودوا أو إلا أن تعودوا، قاله الطبري وغيره. قال ابن العربي : وهو غير مفتقر إلى هذا التقدير، فإن ( أو) على بابها من التخيير، خير الكفار الرسل بين أن يعودوا في ملتهم أو يخرجوهم من أرضهم، وهذه سيرة الله تعالى في رسله وعباده، ألا ترى إلى قوله: " وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا * سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا " ( الإسراء: 76) وقد تقدم هذا المعنى في ( الأعراف) وغيرها. " في ملتنا " أي إلى ديننا، " فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ".
يخبر تعالى عما توعدت به الأمم الكافرة رسلهم من الإخراج من أرضهم والنفي من بين أظهرهم, كما قال قوم شعيب له ولمن آمن به: "لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا" الاية. وكما قال قوم لوط: "أخرجوا آل لوط من قريتكم" الاية, وقال تعالى إخباراً عن مشركي قريش: "وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلاً". وقال تعالى: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" وكان من صنعه تعالى أنه أظهر رسوله ونصره, وجعل له بسبب خروجه من مكة أنصاراً وأعواناً وجنداً يقاتلون في سبيل الله تعالى, ولم يزل يرقيه تعالى من شيء إلى شيء حتى فتح له مكة التي أخرجته, ومكن له فيها, وأرغم أنوف أعدائه منهم ومن سائر أهل الأرض حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً, وظهرت كلمة الله ودينه على سائر الأديان في مشارق الأرض ومغاربها في أيسر زمان, ولهذا قال تعالى: " فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين * ولنسكننكم الأرض من بعدهم " وكما قال: " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون ", وقال تعالى: "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز", وقال تعالى: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر" الاية, " قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ", وقال تعالى: "وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون" وقوله: "ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد" أي وعيدي هذا لمن خاف مقامي بين يدي يوم القيامة وخشي من وعيدي وهو تخويفي وعذابي كما قال تعالى: " فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى " وقال "ولمن خاف مقام ربه جنتان".
وقوله: "واستفتحوا" أي استنصرت الرسل ربها على قومها, قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: استفتحت الأمم على أنفسها كما قالوا: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" ويحتمل أن يكون هذا مراداً وهذا مراداً, كما أنهم استفتحوا على أنفسهم يوم بدر واستفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم واستنصر, وقال الله تعالى للمشركين: "إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم" الاية, والله أعلم, "وخاب كل جبار عنيد" أي متجبر في نفسه عنيد معاند للحق, كقوله تعالى: " ألقيا في جهنم كل كفار عنيد * مناع للخير معتد مريب * الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد " وفي الحديث "إنه يؤتى بجهنم يوم القيامة, فتنادي الخلائق, فتقول: إني وكلت بكل جبار عنيد" الحديث أي خاب وخسر حين اجتهد الأنبياء في الابتهال إلى ربها العزيز المقتدر.
وقوله: " من ورائه جهنم " وراء هنا بمعنى أمام, كقوله تعالى: "وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً" وكان ابن عباس يقرؤها: وكان أمامهم ملك, أي من وراء الجبار العنيد جهنم, أي هي له بالمرصاد يسكنها مخلداً يوم المعاد, ويعرض عليها غدواً وعشياً إلى يوم التناد "ويسقى من ماء صديد" أي في النار ليس له شراب إلا من حميم وغساق, فهذا حار في غاية الحرارة, وهذا بارد في غاية البرد والنتن, كما قال: " هذا فليذوقوه حميم وغساق * وآخر من شكله أزواج " وقال مجاهد وعكرمة: الصديد من القيح والدم. وقال قتادة: هو ما يسيل من لحمه وجلده, وفي رواية عنه: الصديد ما يخرج من جوف الكافر قد خالط القيح والدم. وفي حديث شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: قلت يا رسول الله ما طينة الخبال ؟ قال "صديد أهل النار". وفي رواية "عصارة أهل النار".
وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن إسحاق, أنبأنا عبد الله, أخبرنا صفوان بن عمرو عن عبيد الله بن بسر, عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " ويسقى من ماء صديد * يتجرعه " قال: "يقرب إليه فيكرهه, فإذا أدني منه شوى وجهه, ووقعت فروة رأسه, فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره" يقول الله تعالى: "وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم" ويقول: "وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه" الاية, وهكذا رواه ابن جرير من حديث عبد الله بن المبارك به. ورواه هو وابن أبي حاتم من حديث بقية بن الوليد عن صفوان بن عمرو به.
وقوله: "يتجرعه" أي يتغصصه ويتكرهه, أي يشربه قهراً وقسراً لا يضعه في فمه حتى يضربه الملك بمطراق من حديد, كما قال تعالى: "ولهم مقامع من حديد" "ولا يكاد يسيغه" أي يزدرده لسوء طعمه ولونه وريحه وحرارته أو برده الذي لا يستطاع "ويأتيه الموت من كل مكان" أي يألم له جميع بدنه وجوارحه وأعضائه. قال عمرو بن ميمون بن مهران: من كل عظم وعصب وعرق. وقال عكرمة: حتى من أطراف شعره, وقال إبراهيم التيمي: من موضع كل شعرة, أي من جسده حتى من أطراف شعره. وقال ابن جرير: "ويأتيه الموت من كل مكان" أي من أمامه وخلفه, وفي رواية: وعن يمينه وشماله, ومن فوقه ومن تحت أرجله, ومن سائر أعضاء جسده.
وقال الضحاك عن ابن عباس "ويأتيه الموت من كل مكان" قال: أنواع العذاب الذي يعذبه الله بها يوم القيامة في نار جهنم, ليس منها نوع إلا يأتيه الموت منه لو كان يموت, ولكن لا يموت لأن الله تعالى قال: "لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها" ومعنى كلام ابن عباس رضي الله عنه أنه ما من نوع من هذه الأنواع من العذاب إلا إذا ورد عليه اقتضى أن يموت منه لو كان يموت, ولكنه لا يموت ليخلد في دوام العذاب والنكال, ولهذا قال تعالى: "ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت".
وقوله: "ومن ورائه عذاب غليظ" أي وله من بعد هذه الحال عذاب آخر غليظ, أي مؤلم صعب شديد أغلظ من الذي قبله, وأدهى وأمر, وهذا كما قال تعالى عن شجرة الزقوم: " إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم * طلعها كأنه رؤوس الشياطين * فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون * ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم * ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم " فأخبر أنهم تارة يكونون في أكل زقوم, وتارة في شرب حميم, وتارة يردون إلى جحيم, عياذاً بالله من ذلك, وهكذا قال تعالى: " هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون * يطوفون بينها وبين حميم آن ", وقال تعالى: " إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم * خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم * ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم * ذق إنك أنت العزيز الكريم * إن هذا ما كنتم به تمترون ", وقال: " وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال * في سموم وحميم * وظل من يحموم * لا بارد ولا كريم ", وقال تعالى: " هذا وإن للطاغين لشر مآب * جهنم يصلونها فبئس المهاد * هذا فليذوقوه حميم وغساق * وآخر من شكله أزواج " إلى غير ذلك من الايات الدالة على تنوع العذاب عليهم, وتكراره وأنواعه, وأشكاله مما لا يحصيه إلا الله عز وجل جزاءً وفاقاً "وما ربك بظلام للعبيد".
قوله: 13- "وقال الذين كفروا" هؤلاء القائلون هم طائفة من المتمردين عن إجابة الرسل، واللام في "لنخرجنكم" هي الموطئة للقسم: أي والله لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا، لم يقنعوا بردهم لما جاءت به الرسل وعدم امتثالهم لما دعوهم إليه حتى اجترأوا عليهم بهذا، وخيروهم بين الخروج من أرضهم، أو العود في ملتهم الكفرية وقد قيل إن أو في "أو لتعودن" بمعنى حتى أو: يعني إلا أن تعودوا كما قاله بعض المفسرين، ورد بأنه لا حاجة إلى ذلك، بل أو على بابها للتخيير بين أحد الأمرين، وقد تقدم تفسير الآية في سورة الأعراف. قيل والعود هنا بمعنى الصيرورة لعصمة الأنبياء عن أن يكونوا على ملة الكفر قبل النبوة وبعدها، وقيل إن الخطاب للرسل ولمن آمن بهم فغلب الرسل على أتباعهم "فأوحى إليهم ربهم" أي إلى الرسل "لنهلكن الظالمين" أي قال لهم: لنهلكن الظالمين.
"وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا"، يعنون: إلا أن ترجعوا، أو حتى ترجعوا إلى ديننا.
13."وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا " حلفوا على أن يكون أحد الأمرين،إما إخراجهم للرسل أو عودهم إلى ملتهم ، وهو بمعنى الصيرورة لأنهم لم يكونوا على ملتهم قط ، ويجوز أن يكون الخطاب لكل رسول ومن آمن معه فغلبوا الجماعة على الواحد."فأوحى إليهم ربهم"أي إلى رسلهم."لنهلكن الظالمين"على إضمار القول ، أو إجراء الإيحاء مجراه لأنه نوع منه .
13. And those who disbelieved said unto their messengers: Verily we will drive you out from our land, unless ye return to our religion. Then their Lord inspired them, (saying) : Verily We shall destroy the wrong doers,
13 - And the unbelievers said to their Apostles: be sure we shall drive you out of our land, or ye shall return to our religion. but their Lord inspired (this message) to them: verily we shall cause the wrong doers to perish