[الرعد : 8] اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ
8 - (الله يعلم ما تحمل كل أنثى) من ذكر وأنثى وواحد ومتعدد وغير ذلك (وما تغيض) تنقص (الأرحام) من مدة الحمل (وما تزداد) منه (وكل شيء عنده بمقدار) بقدر واحد لا يتجاوزه
أخرج الطبراني وغيره عن ابن عباس أن أربد بن قيس وعامر بن الطفيل قدما المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عامر يا محمد ما تجعل لي إن أسلمت قال لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم قال اتجعل لي الأمر من بعدك قال ليس ذلك لك ولا لقومك فخرجا فقال عامر لأربد إني أشغل عنك وجه محمد بالحديث فاضربه بالسيف فرجعا فقال عامر يا محمد قم معي أكلمك فقام معه ووقف يكلمه وسل أربد السيف فلما وضع يده على قائم السيف يبست والتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه فانصرف عنهما فخرجا حتى إذا كانا بالرقم أرسل الله على أربد صاعقة فقتلته فأنزل الله الله يعلم ما تحمل كل أنثى إلى قوله شديد المحال
وأخرج النسائي والبزار عن أنس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من أصحابه إلى رجل من عظماء الجاهلية يدعوه إلى الله فقال ايش ربك الذي تدعوني اليه أمن حديد أو من نحاس أو من فضة أو ذهب فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأعاد الثانية والثالثة فأرسل الله عليه صاعقة فأحرقته ونزلت هذه الآية ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء إلى آخرها
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : " وإن تعجب فعجب قولهم أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد " ، منكرين قدرة الله على إعادتهم خلقاً جديداً بعد فنائهم وبلائهم ، ولا ينكرون قدرته على ابتدائهم وتصويرهم في الأرحام ، وتدبيرهم وتصريفهم فيها حالاً بعد حال ، فابتدأ الخبر عن ذلك ابتداءاً ، والمعنى فيه ما وصفت فقال جل ثناؤه : "الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد" ، يقول : وما تنقص الأرحام من حملها في الأشهر التسعة لتمام بإرسالها دم الحيض ، "وما تزداد" ، في حملها على الأشهر التسعة لتمام ما نقص من الحمل في الأشهر التسعة بإرسالها دم الحيض ، "وكل شيء عنده بمقدار" ، لا يجاوز شيء من قدره عن تقديره ، ولا يقصر أمر أراده فدبره عن تدبيره ، كما لا يزداد حمل أنثى على ما قدر له من الحمل ، ولا يقصر عما حد له من القدر .
و المقدار ، مفعال من القدر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن ماهان قال ، حدثنا القاسم بن مالك ، عن داود بن أبي هند ،عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : "يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام" ، قال : ما رأت المرأة من يوم دماً على حملها زاد في الحمل يوماً .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام" ، يعني السقط ، "وما تزداد" ، يقول : ما زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماماً . وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر ،ومنهن من تحمل تسعة أشهر ، ومنهن من تزيد في الحمل، ومنهن من تنقص . فذلك الغيض والزيادة التي ذكر الله ، وكل ذلك بعلمه .
حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال ، حدثنا عبد السلام قال ، حدثنا خصيف ، عن مجاهد ، أو سعيد بن جبير في قول الله : "وما تغيض الأرحام" ، قال : غيضها ، دون التسعة ، والزيادة ، فوق التسعة .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا ابو بشر ، عن مجاهد أنه قال : الغيض ، ما رأت الحامل من الدم في حملها فهو نقصان من الولد ، و الزيادة ، ما زاد على التسعة أشهر ، فهو تمام للنقصان ، وهو زيادة .
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا عبد الصمد قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن مجاهد في قوله : "وما تغيض الأرحام وما تزداد" ، قال : ما ترى من الدم ، وما تزداد على تسعة أشهر .
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن مجاهد انه قال : يعلم ما تغيض الأرحام وما تزداد ، قال : ما زاد على التسعة الأشهر ، "وما تغيض الأرحام" ، قال : الدم تراه المرأة في حملها .
حدثنا المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون ، والحجاج بن المنهال قالا ، حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن مجاهد في قوله : "وما تغيض الأرحام وما تزداد" ، قال : الغيض ، الحامل ترى الدم في حملها فهو الغيض ، وهو نقصان من الولد . وما زاد على تسعة أشهر فهو تمام لذلك النقصان ، وهي الزيادة .
حدثنا احمد بن إسحق قال ، حدثنا ابو أحمد ، قال ، حدثنا عبد السلام ، عن خصيف ، عن مجاهد : "وما تغيض الأرحام وما تزداد" ، قال : إذا رأت دون التسعة ، زاد على التسعة مثل أيام الحيض .
حدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو احمد قال ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وما تغيض الأرحام" ، قال : خروج الدم "وما تزداد" ، قال : استمساك الدم .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وما تغيض الأرحام" ، إراقة المرأة حتى يخس الولد ، "وما تزداد" ، قال : إن لم تهرق المرأة تم الولد وعظم .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا شعبة ، عن جعفر ، عن مجاهد في قوله : "وما تغيض الأرحام وما تزداد" ، قال : المرأة ترى الدم ، وتحمل أكثر من تسعة أشهر .
حدثنا الحسن قال ، حدثنا محمد بن الصباح قال ، حدثنا هشيم قال ، اخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير في قوله : "وما تغيض الأرحام" ، قال : هي المرأة ترى الدم في حملها .
قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : "وما تغيض الأرحام وما تزداد" ، إهراق الدم حتى يخس الولد ، و"تزداد" ، إن لم تهرق المرأة تم الولد وعظم .
قال ، حدثنا الحكم بن موسى ، قال ، حدثنا هقل ، عن عثمان بن الأسود قال : قلت لمجاهد : امرأتي رأت دماً ، وأرجو أن تكون حاملاً ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍، ـ قال أبو جعفر : هكذا هو في الكتاب ـ فقال مجاهد : ذاك غيض الأرحام : يعلم ما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار ، الولد لا يزال يقع في النقصان ما رأت الدم ، فإذا انقطع الدم وقع في الزيادة ، فلا يزال حتى يتم ، فذلك قوله : "وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار" .
قال ، حدثنا محمد بن الصباح قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا أبو بشر ، عن مجاهد في قوله : "وما تغيض الأرحام وما تزداد" ، قال : الغيض ، الحامل ترى الدم في حملها ، وهو الغيض ، وهو نقصان من الولد . فما زادت على التسعة الأشهر فهي الزيادة ، وهم تمام للولادة .
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا عبد الوهاب قال ، حدثنا داود ، عن عكرمة في هذه الآية : "الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام" ، قال : كلما غاضت بالدم ، زاد ذلك في الحمل .
قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ،حدثنا داود ، عن عكرمة ، نحوه .
حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا عباد بن العوام ، عن عاصم ، عن عكرمة : "وما تغيض الأرحام" ، قال : غيض الرحم ، الدم على الحمل . كلما غاض الرحم من الدم يوماً ، زاد في الحمل يوماً ، حتى تسكتمل وهي طاهرة .
قال ، حدثنا عباد ، عن سعيد ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، مثله .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا الوليد بن صالح قال ، حدثنا أبو يزيد ، عن عاصم ، عنعكرمة في هذه الآية : "وما تغيض الأرحام" ، قال : هو الحيض على الحمل ،"وما تزداد" ، قال : فلها بكل يوم حاضت على حملها يوم تزداده في طهرها ، حتى تستكمل تسعة أشهر طاهراً .
قال ، حدثنا يزيد بن هرون قال ، أخبرنا عمران بن حدير ، عن عكرمة في قوله : "وما تغيض الأرحام وما تزداد" ، قال : ما رأت الدم في حملها زاد في حملها .
حدثنا عبد الحميد بن بيان قال ، أخبرنا إسحاق ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : "وما تغيض الأرحام وما تزداد" ، "ما تغيض" ، أقل من تسعة ، "وما تزداد" ، أكثر من تسعة .
حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا ابن المبارك ، عن الحسن بن يحيى قال ، سمعت الضحاك يقول : قد يولد المولود لسنتين . فقد كان الضحاك ولد لسنتين . و الغيض ، ما دون التسعة ، "وما تزداد" ، فوق تسعة أشهر .
قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك : "وما تغيض الأرحام وما تزداد" ، قال : دون التسعة ، "وما تزداد" ، قال : فوق التسعة .
قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : ولدت لسنتين .
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن الحسن بن يحيى قال ، حدثنا الضحاك : أن أمه حملته سنتين . قال : "وما تغيض الأرحام" ، قال : ما تنقص من التسعة ، "وما تزداد" ، قال : ما فوق التسعة .
قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : "الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام" ، قال : كل أنثى من خلق الله .
قال ، حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، ومنصور ، عن الحسن قالا : الغيض ، ما دون التسعة الأشهر .
قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن داود بن عبد الرحمن ، عن ابن جريج ، عن جميلة بنت سعد ، عن عائشة قالت : لا يكون الحمل أكثر من سنتين ، قدر ما يتحول ظل مغزل .
حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي : "وما تغيض الأرحام" ، قال : هو الحمل لتسعة أشهر ، وما دون التسعة ، "وما تزداد" ، قال : على التسعة .
قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير : "وما تغيض الأرحام" ، قال : حيض المرأة على ولدها .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "وما تغيض الأرحام وما تزداد" ، قال : الغيض ، السقط ، "وما تزداد" ، فوق التسعة الأشهر .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن سعيد بن جبير : إذا رأت المرأة الدم على الحمل فهو الغيض للولد . يقول : نقصان في غذاء الولد ، وهو زيادة في الحمل .
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد" ، قال : كان الحسن يقول : الغيضوضة ، أن تضع المرأة لستة أشهر أو لسبعة أشهر ، أو لما دون الحد ، قال قتادة : وأما الزيادة فما زاد على تسعة أشهر .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا قيس ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير قال : غيض الرحم ، أن ترى الدم على حملها . فكل شيء رأت فيه الدم على حملها ، ازدادت على حملها مثل ذلك .
قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد قال : إذا رأت الحامل الدم كان أعظم للولد .
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "وما تغيض الأرحام وما تزداد" ، الغيض النقصان من الأجل ، و الزيادة ما زاد على الأجل . وذلك أن النساء لا يلدن لعدة واحدة ، يولد المولود لستة أشهر فيعيش ، ويولد لسنتين فيعيش ، وفيما بين ذلك . قال : وسمعت الضحاك يقول : ولدت لسنتين ، وقد نبتت ثناياي .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "وما تغيض الأرحام" ، قال : غيض الأرحام ، الإهراقة التي تأخذ النساء على الحمل . وإذا جاءت تلك الإهراقة لم يعتد بها من الحمل ، ونقص ذلك حملها حتى يرتفع ذلك . وإذا ارتفع استقبلت عدةً مستقبلةً تسعة أشهر . وأما ما دامت ترى الدم ، فإن الأرحام تغيض وتنقص ، والولد يرق . فإذا ارتفع ذلك الدم ربا الولد ، واعتدت حين يرتفع عنها ذلك الدم عدة الحمل تسعة أشهر . وما كان قبله ، فلا تعتد به ، هو هراقة ، يبطل ذلك أجمع أكتع .
وقوله : "وكل شيء عنده بمقدار" .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "وكل شيء عنده بمقدار" ، إي والله ، لقد حفظ عليهم رزقهم وآجالهم ، وجعل لهم أجلاً معلوماً .
فيه ثمان مسائل:
الأولى: قوله تعالى: " الله يعلم ما تحمل كل أنثى " أي من ذكر وأنثى، صبيح وقبيح، صالح وطالح، وقد تقدم في سورة ( الأنعام) أن الله سبحانه منفرد بعلم الغيب وحده لا شريك له، وذكرنا هناك حديث البخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مفاتيح الغيب خمس " الحديث. وفيه ( لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله واختلف العلماء في تأويل قوله: " وما تغيض الأرحام وما تزداد " فقال قتادة: المعنى ما تسقط قبل التسعة الأشهر، وما تزداد فوق التسعة، وكذلك قال ابن عباس. وقال مجاهد: إذا حاضت المرأة في حملها كان ذلك نقصاناً في ولدها، فإن زادت على التسعة كان تماما لم نقص، وعنه: الغيض ما تنقصه الأرحام من الدم، والزيادة ما ما تزداد منه. وقيل: الغيض والزيادة يرجعان إلى الولد، كنقصان إصبع أو غيرها، وزيادة إصبع أو غيرها. وقيل: الغيض انقطاع دم الحيض. ( وما تزداد) بدم النفاس بعد الوضع.
الثانية: في هذه الآية دليل على أن الحامل تحيض، وهو مذهب مالك و الشافعي في أحد قوليه. وقال عطاء و الشعبي وغيرهما: لا تحيض، وبه قال أبو حنيفة ، ودليله الآية. قال ابن عباس في تأويلها: إنه حيض الحبالى، وكذلك روي عن عكرمة ومجاهد، وهو قول عائشة، وأنها كانت تفتي النساء الحوامل إذا حضن أن يتركن الصلاة، والصحابة إذ ذاك متوفرون، ولم ينكر منهم أحد عليها، فصار كالإجماع، قاله ابن القصار. وذكر أن رجلين تنازعا ولداً، فترافعا إلى عمر رضي الله عنه فعرضه على القافة، فألحقه القافة بهما، فعلاه عمر بالدرة، وسأل نسوة من قريش فقال: أنظرن ما شأن هذا الولد؟ فقلن: إن الأول خلا بها وخلاها، فحاضت على الحمل، فظنت أن عدتها انقضت، فدخل بها الثاني، فانتعش الولد بماء الثاني، فقال عمر: الله أكبر! وألحقه بالأول، ولم يقل إن الحامل لا تحيض، ولا قال ذلك أحد من الصحابة، فدل أنه إجماع، والله أعلم. احتج المخالف بأن قال لو كان الحامل تحيض، وكان ما تراه المرأة من الدم حيضاً لما صح استبراء الأمة بحيض، وهو إجماع. وروي عن مالك في كتاب محمد ما يقتضي أنه ليس بحيض.
الثالثة: في هذه الآية دليل على أن الحامل قد تضع حملها لأقل من تسعة أشهر وأكثر، وأجمع العلماء على أن أقل الحمل ستة أشهر، وأن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر.
الرابعة: وهذه الستة الأشهر هي بالأهلة كسائر أشهر الشريعة، ولذلك قد روي في المذهب عن بعض أصحاب مالك ، وأظنه في كتاب ابن حارث أنه إن نقص عن الأشهر الستة ثلاثة أيام فإن الولد يلحق لعلة نقص الأشهر وزيادتها، حكاه ابن عطية.
الخامسة: واختلف العلماء في أكثر الحمل، فروى ابن جريج عن جميلة بنت سعد عن عائشة قالت: لا يكون الحمل أكثر من سنتين قدر ما يتحول ظل المغزل، ذكره الدارقطني . وقالت جميلة بنت سعد - أخت عبيد بن سعد، وعن الليث بن سعد -: إن أكثره ثلاث سنين. وعن الشافعي أربع سنين، وروي عن مالك في إحدى روايتيه، والمشهور عنه خمس سنين، وروي عنه لا حد له، ولو زاد على العشرة الأعوام، وهي الرواية الثالثة عنه. وعن الزهري ست وسبع. قال أبو عمر: ومن الصحابة من يجعله إلى سبع، و الشافعي : مدة الغاية منها أربع سنين. والكوفيون يقولون: سنتان لا غير. ومحمد بن عبد الحكم يقول: سنة لا أكثر. وداود يقول: تسعة أشهر، لا يكون عنده حمل أكثر منها. قال أبو عمر: وهذه مسألة لا أصل لها إلا الاجتهاد، والرد إلى ما عرف من أمر النساء وبالله التوفيق. روى الدارقطني عن الوليد بن مسلم قال: قلت لمالك بن أنس إني حدثت عن عائشة أنها قالت: لا تزيد المرأة في حملها على سنتين قدر ظل المغزل، فقال: سبحان الله! من يقول هذا؟! هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان، تحمل وتضع في أربع سنين، امرأة صدق، وزوجها رجل صدق، حملت ثلاث أبطن في اثنتي عشرة سنة، تحمل كل بطن أربع سنين. وذكره عن المبارك بن مجاهد قال: مشهور عندنا كانت امرأة محمد بن عجلان تحمل وتضع في أربع سنين، وكانت تسمى حاملة الفيل. وروي أيضاً قال: بينما مالك بن دينار يوماً جالس إذ جاءه رجل فقال: يا أبى يحيى! ادع لامرأة حبلى منذ أربع سنين قد أصبحت في كرب شديد، فغضب مالك وأطبق المصحف ثم قال: ما يرى هؤلاء القوم إلا أنا أنبياء! ثم قرأ، ثم دعا، ثم قال: اللهم هذه المرأة إن كان في بطنها ريح فأخرجه عنها الساعة، وإن كان في بطنها جارية فأبدلها بها غلاماً، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب، ورفع مالك يده، ورفع الناس أيديهم، وجاء الرسول إلى الرجل فقال: أدرك امرأتك، فذهب الرجل، فما حط مالك يده حتى طلع الرجل من باب المسجد على رقبته غلام جعد قطط ابن أربع سنين، قد استوت أسنانه، ما قطعت سراره، وروي أيضاً أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين! إني غبت من امرأتي سنتين فجئت وهي حبلى، فشاور عمر الناس في رجمها، فقال معاذ بن جبل: يا أمير المؤمنين! إن كان لك عليها سبيل فليس لك على ما بطنها سبيل، فاتركها حتى تضع، فتركها، فوضعت غلاماً قد خرجت ثنيتاه، فعرف الرجل الشبه فقال: ابني ورب الكعبة! فقال عمر: عجزت النساء إن يلدن مثل معاذ، لولا معاذ لهلك عمر. وقال الضحاك : وضعتني أمي وقد حملت بي في بطنها سنتين، فولدتني وقد خرجت سني. ويذكر عن مالك أنه حمل به في بطن أمه سنتين، وقيل: ثلاث سنين. ويقال: إن محمد بن عجلان مكث في بطن أمه ثلاث سنين، فماتت به وهو يضطرب اضطراباً شديداً، فشق بطنها وأخرج وقد نبتت أسنانه. وقال حماد بن سلمة: إنما سمي هرم بن حيان هرماً لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين. وذكر الغزنوي أن الضحاك ولد لسنتين، وقد طلعت سنه فسمي ضحاكاً. عباد بن العوام: ولدت جارة لنا لأربع سنين غلاماً شعره إلى منكبيه، فمر به طير فقال: كش.
السادسة: قال ابن خويز منداد: أقل الحيض والنفاس وأكثره وأقل الحمل وأكثره مأخوذ من طريق الاجتهاد، لأن علم ذلك استأثر الله به، فلا يجوز أن يحكم في شيء منه إلا بقدر ما أظهره لنا، ووجد ظاهراً في النساء نادراً أو معتاداً، ولما وجدنا امرأة قد حملت أربع سنين وخمس سنين حكمنا بذلك، والنفاس والحيض لما لم نجد فيه أمراً مستقراً رجعنا فيه إلى ما يوجد في النادر منهن.
السابعة: قال ابن العربي : نقل بعض المتساهلين من المالكيين أن أكثر الحمل تسعة أشهر، وهذا ما لم ينطق به قط إلا هالكي، وهم الطبائعيون الذين يزعمون أن مدبر الحمل في الرحم الكواكب السبعة، تأخذه شهراً شهراً، ويكون الشهر الرابع منها للشمس، ولذلك يتحرك ويضطرب، وإذا تكامل التداول في السبعة الأشهر بين الكواكب السبعة عاد في الشهر الثامن إلى زحل، فيقبله ببرده، فيا ليتني تمكنت من مناظرتهم أو مقاتلتهم! ما بال المرجع بعد تمام الدور يكون إلى زحل دون غيره؟ آلله أخبركم بهذا أم على الله تفترون؟! وإذا جاز أن يعود إلى اثنين منها لم لا يجوز أن يعود التدبير إلى ثلاث أو أربع، أو يعود إلى جميعها مرتين أو ثلاثاً؟! ما هذا التحكم بالظنون الباطلة على الأمور الباطنة!.
الثامنة: قوله تعالى: " وكل شيء عنده بمقدار " يعني من النقصان والزيادة. ويقال: ( بمقدار) قدر خروج الولد من بطن أمه، وقدر مكثه في بطنها إلى خروجه. وقال قتادة: في الرزق والأجل. والمقدار القدر، وعموم الآية يتناول كل ذلك، والله سبحانه أعلم.
يخبر تعالى عن تمام علمه الذي لا يخفى عليه شيء, وأنه محيط بما تحمله الحوامل من كل إناث الحيوانات, كما قال تعالى: "ويعلم ما في الأرحام" أي ما حملت من ذكر أو أنثى, أو حسن أو قبيح, أو شقي أو سعيد, أو طويل العمر أو قصيره, كقوله تعالى: "هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة" الاية, وقال تعالى: "يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث" أي خلقكم طوراً من بعد طور, كما قال تعالى: " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين " وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن خلق إحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً, ثم يكون علقة مثل ذلك, ثم يكون مضغة مثل ذلك, ثم يبعث الله إليه ملكاً فيؤمر بأربع كلمات, بكتب رزقه, وعمره, وعمله, وشقي أو سعيد". وفي الحديث الاخر "فيقول الملك أي رب أذكر أم أنثى ؟ أي رب أشقي أم سعيد ؟ فما الرزق ؟ فما الأجل ؟ فيقول الله, ويكتب الملك " .
وقوله "وما تغيض الأرحام وما تزداد" قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا معن حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار, عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مفاتيح الغيب خمس, لا يعلمهن إلا الله: لا يعلم ما في غد إلا الله, ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله, ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله, ولا تدري نفس بأي أرض تموت, ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله" وقال العوفي عن ابن عباس "وما تغيض الأرحام" يعني السقط,"وما تزداد" يقول: ما زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماماً, وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر, ومن تحمل تسعة أشهر, ومنهن من تزيد في الحمل, ومنهن من تنقص, فذلك الغيض والزيادة التي ذكر الله تعالى وكل ذلك بعلمه تعالى.
وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله: "وما تغيض الأرحام وما تزداد" قال: ما نقصت من تسعة وما زاد عليها, وقال الضحاك: وضعتني أمي وقد حملتني في بطنها سنتين, وولدتني وقد نبتت ثنيتي. وقال ابن جريج عن جميلة بنت سعد عن عائشة قالت: لا يكون الحمل أكثر من سنتين قدر ما يتحرك ظل مغزل, وقال مجاهد "وما تغيض الأرحام وما تزداد" قال: ما ترى من الدم في حملها, وما تزداد على تسعة أشهر, وبه قال عطية العوفي والحسن البصري وقتادة والضحاك, وقال مجاهد أيضاً: إذا رأت المرأة الدم دون التسعة, زاد على التسعة مثل أيام الحيض, وقاله عكرمة وسعيد بن جبير وابن زيد. وقال مجاهد أيضاً: "وما تغيض الأرحام" إراقة الدم حتى يخس الولد, "وما تزداد" إن لم تهرق المرأة, تم الولد وعظم. وقال مكحول: الجنين في بطن أمه لا يطلب ولا يحزن ولا يغتم, وإنما يأتيه رزقه في بطن أمه من دم حيضتها, فمن ثم لا تحيض الحامل, فإذا وقع إلى الأرض, استهل, واستهلاله استنكاره لمكانه, فإذا قطعت سرته, حول الله رزقه إلى ثديي أمه حتى لا يحزن ولا يطلب ولا يغتم, ثم يصير طفلاً يتناول الشيء بكفه فيأكله, فإذا هو بلغ قال: هو الموت أو القتل أنى لي بالرزق ؟ فيقول مكحول ياويلك: غذاك وأنت في بطن أمك وأنت طفل صغير, حتى إذا اشتددت وعقلت قلت: هو الموت أو القتل أنى لي بالرزق, ثم قرأ مكحول "الله يعلم ما تحمل كل أنثى" الاية.
وقال قتادة: "وكل شيء عنده بمقدار" أي بأجل, حفظ أرزاق خلقه وآجالهم, وجعل لذلك أجلاً معلوماً. وفي الحديث الصحيح أن إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم بعثت إليه أن ابناً لها في الموت, وأنها تحب أن يحضره. فبعث إليها يقول: "إن لله ما أخذ, وله ما أعطى, وكل شيء عنده بأجل مسمى, فمروها فلتصبر ولتحتسب" الحديث بتمامه. وقوله: "عالم الغيب والشهادة" أي يعلم كل شيء مما يشاهده العباد ومما يغيب عنهم, ولا يخفى عليه منه شيء "الكبير" الذي هو أكبر من كل شيء, "المتعال" أي على كل شيء "قد أحاط بكل شيء علماً" وقهر كل شيء, فخضعت له الرقاب ودان له العباد طوعاً وكرهاً.
8- "الله يعلم ما تحمل كل أنثى" الجملة مستأنفة مسوقة لبيان إحاطته بالعلم سبحانه، وعلمه بالغيب الذي هذه الأمور المذكورة منه. قيل ويجوز أن يكون الاسم الشريف خبراً لمبتدأ محذوف: أي ولكل قوم هاد وهو الله، وجملة "يعلم ما تحمل كل أنثى" تفسير هاد على الوجه الأخير، وهذا بعيد جداً، وما موصولة: أي يعلم الذي تحمله كل أنثى في بطنها من علقة، أو مضغة، أو ذكر، أو أنثى، أو صبيح، أو قبيح، أو سعيد، أو شقي. ويجوز أن تكون استفهامية: أي يعلم أي شيء في بطنها، وعلى أي حال هو. ويجوز أن تكون مصدرية: أي يعلم حملها "وما تغيض الأرحام وما تزداد" الغيض النقص: أي يعلم الذي تغيضه الأرحام: أي تنقصه، ويعلم ما تزداده. فقيل المراد نقص خلقة الحمل وزيادته كنقص أصبع أو زيادتها: وقيل إن المراد نقص مدة الحمل على تسعة أشهر، أو زيادتها، وقيل إذا حاضت المرأة في حال حملها كان ذلك نقصاً في ولدها، وقيل الغيض: ما تنقصه الأرحام من الدم، والزيادة ما تزداده منه، و ما في ما تغيض وما تزداد تحتمل الثلاثة الوجوه المتقدمة في ما تحمل كل أنثى "وكل شيء عنده بمقدار" أي كل شيء من الأشياء التي من جملتها الأشياء المذكورة عند الله سبحانه بمقدار، والمقدار: القدر الذي قدره الله، وهو معنى قوله سبحانه: "إنا كل شيء خلقناه بقدر" أي كل الأشياء عند الله سبحانه جارية على قدره الذي قد سبق وفرغ منه، لا يخرج عن ذلك شيء.
8- قوله تعالى: "الله يعلم ما تحمل كل أنثى"، من ذكر أو أنثى، سوي الخلق أو ناقص الخلق، واحدا أو اثنين أو أكثر "وما تغيض الأرحام"، أي ما تنقص "وما تزداد".
قال أهل التفسير: غيض الأرحام: الحيض على الحمل، فإذا خاضت الحامل كان نقصانا في الولد، لأن دم الحيض غذاء الولد في الرحم، فإذا أهرقت الدم ينقص الغذاء فينتقص الولد، وإذا لم تحض يزداد الولد ويتم، فالنقصان نقصان خلقة الولد بخروج الدم، والزيادة تمام خلقته باستمساك الدم.
وقيل: إذا حاضت ينتقص الغذاء وتزداد مدة الحمل حتى تستكمل تسعة أشهر ظاهرا، فإن رأت خمسة أيام دما وضعت لتسعة أشهر وخمسة أيام، فالنقصان في الغذاء، والزيادة في المدة.
وقال الحسن: غيضها: نقصانها من تسعة أشهر، والزيادة: زيادتها على تسعة أشهر.
وقيل النقصان: السقط، والزيادة: تمام الخلق.
وأقل مدة الحمل: ستة أشهر، فقد يولد المولود لهذه المدة ويعيش.
واختلفوا في أكثرها: فقال قوم: أكثرها سنتان، وهو قول عائشة رضي الله عنها، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله.
وذهب جماعة إلى أن أكثرها أربع سنين، وإليه ذهب الشافعي رحمه الله، قال حماد بن سلمة. إنما سمي هرم بن حيان هرما لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين.
"وكل شيء عنده بمقدار"، أي: بتقدير وحد لا يجاوزه ولا يقصر عنه.
8." الله يعلم ما تحمل كل أنثى " أي حملها أو ما تحمله على أي حال هو من الأحوال الحاضرة والمترقبة."وما تغيض الأرحام وما تزداد"وما تنقصه وما تزد اده في الجنة والمدة والعدد ، وأقصى مدة الحمل أربع سنين عندنا وخمس عند مالك وسنتان عند أبي حنيفة.روي الضحاك ولد لسنتين هرم بن حيانلأربع سنين وأعلى عدده لا حد له .وقيل نهاية ما عرف به أربعة وإليه ذهبأبو حنيفةرضي الله عنه،وقالالشافعيرحمه الله أخبرني شيخ باليمن أن امرأته ولدت بطوناً في كل بطن خمسة. وقيل المراد نقصان دم الحيض وازدياده، وغاض جاء متعدياً ولازماً وكذا ازداد قال تعالى: "وازدادوا تسعاً"فإن، جعلتهما لازمين تعين إما أن تكون مصدرية . وإسنادهما إلى الأرحام على المجاز فإنهما لله تعالى أولما فيها."وكل شيء عنده بمقدار"بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه كقوله تعالى:"إنا كل شيء خلقناه بقدر"فإنه تعالى خص كل حادث بوقت وحال معينين، وهيأ له أسباباً مسوفة إليه تقتضي ذلك ,وقرأابن كثير"هاد"و"وال"و"واق""وما عند الله باق"بالتنوين في الوصل فإذا وقف وقف بالياء في هذه الأحرف الأربعة حيث وقعت لا غير ، والباقون يصلون ويقفون بغير ياء.
8. Allah knoweth that which every female beareth and that which the wombs absorb and that which they grow. And everything with Him is measured.
8 - God doth know what every female (womb) doth bear, by how much the wombs fall short (of their time or number) or do exceed. every single thing is before his sight, in (due) proportion.