[الرعد : 4] وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
4 - (وفي الأرض قطع) بقاع مختلفة (متجاورات) متلاصقات فمنها طيب وسبخ وقليل الربيع وكثيره وهو من دلائل قدرته تعالى (وجنات) بساتين (من أعناب وزرع) بالرفع عطفاً على جنات والجر على أعناب وكذا قوله (ونخيل صنوان) جمع صنو ، وهي النخلات يجمعها أصل واحد وتتشعب فروعها (وغير صنوان) منفردة (تسقى) بالتاء ، أي الجنات وما فيها والياء ، أي المذكور (بماء واحد ونفضل) بالنون والياء (بعضها على بعض في الأُكُل) بضم الكاف وسكونها فمن حلو وحامض وهو من دلائل قدرته تعالى (إن في ذلك) المذكور (لآيات لقوم يعقلون) يتدبرون
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره :"وفي الأرض قطع متجاورات" ، وفي الأرض قطع منها متقاربات متدانيات ، يقرب بعضها من بعض بالجوار ، وتختلف بالتفاضل مع تجاورها وقرب بعضها من بعض ، فمنها قطعة سبخة لا تنبت شيئاً ، في جوار قطعة طيبة تنبت وتنفع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : "وفي الأرض قطع متجاورات" ، قال : السبخة والعذية ، والمالح والطيب .
حدنثا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان، عن ليث ، عن مجاهد ، قوله : "وفي الأرض قطع متجاورات" ، قال : سباخ وعذوية .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان ، عن ليث عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا سعيد بن سليمان قال ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي سنان ، عن ابن عباس في قوله : "وفي الأرض قطع متجاورات" ، قال : العذية والسبخة .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "وفي الأرض قطع متجاورات" ، يعني الأرض السبخة ،والأرض العذية ،يكونان جميعاً متجاورات ، بفضل بعضها على بعض في الأكل .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ،عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس : "قطع متجاورات" ، العذية والسبخة ، متجاورات جميعاً ، تنبت هذه ، وهذه إلى جنبها لا تنبت .
حدثنا الحسن بن محمدقال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ،عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله :"قطع متجاورات" ، طيبها وعذبها ، وخبيثها السباخ .
حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ،عن قتادة قوله : "وفي الأرض قطع متجاورات" ، قرى قربت متجاورات بعضها من بعض .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ،عن قتادة : "وفي الأرض قطع متجاورات" ، قال : قرى متجاورات .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو قال : حدثنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفي ، عن الضحاك في قوله :"قطع متجاورات" ، قال : الأرض السبخة ، تليها الأرض العذية .
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "وفي الأرض قطع متجاورات" ، يعني الأرض السبخة والأرض العذية ، متجاورات بعضها عند بعض .
حدثنا الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : "وفي الأرض قطع متجاورات" ، قال : الأرض تنبت حلواً ، والأرض تنبت حامضاً ، وهي متجاورة تسقى بماء واحد .
حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "وفي الأرض قطع متجاورات" ، قال : يكون هذا حلواً وهذا حامضاً ، وهو يسقى بماء واحد ، وهن متجاورات .
حدثني عبد الجبار بن يحيى الرملي قال ، حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب في قوله :"وفي الأرض قطع متجاورات" ، قال :عذية ومالحة .
وقوله : "وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل" ، يقول تعالى ذكره : وفي الأرض مع القطع المختلفات المعاني منها بالملوحة والعذوبة والخبث والطيب ، مع تجاورها وتقارب بعضها من بعض ، بساتين من أعناب وزرع ونخيل أيضاً متقاربة في الخلقة ، مختلفة في الطعوم والألوان ،مع إجتماع جميعها على شرب واحد . فمن طيب طعمه منها حسن منظره طيبة رائحته ، ومن حامض طعمه ولا رائحة له .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير في قوله : "وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان" ، قال : مجتمع وغير مجتمع ، "يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل" ، قال : الأرض الواحدة يكون فيها الخوخ والكمثري والعنب الأبيض والأسود ، وبعضها أكثر حملاً من بعض ، وبعضه حلو ،وبعضه حامض ، وبعضه أفضل من بعض .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : "وجنات" ، قال : وما معها .
حدثني المنثى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ـ قال المثنى ، وحدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
واختلفت القرأة في قوله : "وزرع ونخيل" .
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة والكوفة : وزرع ونخيل ، بالخفض ، عطفاً بذلك على الأعناب ، بمعنى : وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب ومن زرع ونخيل .
وقرأ ذلك بعض قرأة أهل البصرة : "وزرع ونخيل " ، بالرفع ، عطفاً بذلك على الجنات ، بمعنى : وفي الأرض قطع متجاورات ، وجنات من أعناب ، وفيها أيضاً زرع ونخيل .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان متقاربتا المعنى ، وقرأ بكل واحدة منهما قرأة مشهورون ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وذلك أن الزرع والنخيل إذا كانا في البساتين فهما في الأرض ، وإذا كانا في الأرض فالأرض التي هما فيها جنة ، فسواء وصفا بأنهما في بستان أو في أرض .
وأما قوله : "ونخيل صنوان وغير صنوان" .
فإن الصنوان جمع صنو ، وهي النخلات يجمعهن أصل واحد ، لا يفرق فيه بين جميعه واثنيه إلا بالإعراب في النون ، وذلك أن تكون نونه قي اثنيه مكسورة بكل حال ، وفي جميعه متصرقة في وجوه الإعراب ، ونظيره القنوان واحدها قنو .
وبنحو الذي قلنا في معنى الصنوان قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن البراء : "صنوان" ، قال : المجتمع ، "غير صنوان" ، المتفرق .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا الحسين ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : "صنوان" ، هي النخلة التي إلى جنبها نخلات إلى أصلها ، "وغير صنوان" ، النخلة وحدها .
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا أبو عاصم ، قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب : "صنوان وغير صنوان" ، قال : الصنوان ، النخلتان أصلهما واحد ، "وغير صنوان" ، النخلة والنخلتان المتفرقتان .
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ،حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء يقول في هذه الآية ، قال : النخلة تكون لها النخلات ، "وغير صنوان" ، النخل المتفرق .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عمرو بن الهيثم أبو قطن ، ويحيى بن عباد ، وعفان ـ واللفظ لفظ أبي قطن ـ قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء في قوله : "صنوان وغير صنوان" ، قال : الصنوان ، النخلة إلى جنبها النخلات ، "وغير صنوان" ، المتفرق .
حدثنا الحسن قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا إسرائبل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء في قوله : "صنوان وغير صنوان" ، قال : الصنوان ، النخلات الثلاث والأربع والثنتان أصلهن واحد ، "وغير صنوان" ، المتفرق .
حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، وشريك ، عن أبي إسحاق ، عن البراء في قوله : "صنوان وغير صنوان" ، قال : النخلتان يكون أصلهما واحد ، "وغير صنوان" ، المتفرق .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "صنوان" ، يقول : مجتمع .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ونخيل صنوان وغير صنوان" ، يعني بالصنوان : النخلة يخرج من أصلها النخلات ، فيحمل بعضه ولا يحمل بعضه ، فيكون أصله واحد ورؤوسه متفرقة .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : "صنوان وغير صنوان" ، النخيل في أصل واحد ، "وغير صنوان" ، النخيل المتفرق .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير : "ونخيل صنوان وغير صنوان" ، قال : مجتمع وغير مجتمع .
حدثني المثنى قال ، حدثنا النفيلي قال ، حدثنا زهير قال ، حدثنا أبو إسحاق ، عن البراء قال : الصنوان ما كان أصله واحداً وهو متفرق ، "غير صنوان" ، الذي نبت وحده .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : "صنوان" ، النخلتان وأكثر في أصل واحد ، "وغير صنوان" ، وحدها .
حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "صنوان" ، النخلتان أو أكثر في أصل واحد ، "وغير صنوان" واحدة .
قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ،عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك : "صنوان وغير صنوان" ، قال : الصنوان ، المجتمع ، أصله واحد ، "وغير صنوان" ، المتفرق أصله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : "صنوان وغير صنوان" ، قال : الصنوان ، المجتمع الذي أصله واحد ،"وغير صنوان" ، المتفرق .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "ونخيل صنوان وغير صنوان" ، أما الصنوان ، فالنخلتان والثلاث أصولهن واحدة ،وفروعهن شتى ، "وغير صنوان" ، النخلة الواحدة .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "صنوان وغير صنوان" ، قال : "صنوان" ، النخلة التي يكون في أصلها نخلتان وثلاث أصلهن واحد .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "ونخيل صنوان وغير صنوان" ،قال : الصنوان ، النخلتان أو الثلاث يكن في أصل واحد ، فذلك يعده الناس صنواناً .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر قال ، حدثني رجل : "أنه كان بين عمر بن الخطاب وبين العباس قول ، فأسرع إليه العباس ، فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ألم تر عباساً فعل بي وفعل ! فأردت أن أجيبه ، فذكرت مكانه منك ، فكففت . فقال : يرحمك الله ، إن عم الرجل صنو أبيه" .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة : "صنوان" ، النخلة اتي يكون في أصلها نخلتان وثلاث أصلهن واحد . قال : "فكان بين عمر بن الخطاب وبين العباس رضي الله عنهما قول ، فأسرع إليه العباس ، فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ، ألم تر عباساً فعل بي وفعل ! فأردت أن أجيبه ، فذكرت مكانه منك ، فكففت عند ذلك . فقال : يرحمك الله ، إن عم الرجل صنو أبيه" .
قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن عيينة ، عن داود بن شابور ، عن مجاهد : "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تؤذوني في العباس ، فإنه بقية آبائي ، وإن عم الرجل صنو أبيه" .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا حجاج ، عن عطاء ، وابن أبي مليكة : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: يا عمر ، أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه" .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، أخبرني القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد : "صنوان" ، قال : في أصل واحد ثلاث نخلات ، كمثل ثلاثة بني أم وأب يتفاضلون في العمل كما يتفاضل ثمر هذه النخلات الثلاث في أصل واحد . قال ابن جريج : قال مجاهد : كمثل صالح بني آدم وخبيثهم ، ابوهم واحد .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج قال ، أخبرني إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله ، عن مجاهد ، نحوه .
حدثني القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، عن الحسن قال : هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم ، كانت الأرض في يد الرحمن طينةً واحدة فسطحها وبطحها ، فصارت الأرض قطعاً متجاورة ، فينزل عليها الماء من السماء ، فتخرج هذه زهرتها وثمرها وشجرها ، وتخرج نباتها وتحيي مواتها ، تخرج هذه سبخها وملحها وخبثها ، وكلتاهما تسقى بماء واحد . فلو كان الماء مالحاً قيل : إنما استسبخت هذه من قبل الماء ! كذلك الناس خلقوا من آدم ، فتنزل عليهم من السماء تذكرة ، فترق قلوب فتخشع وتخضع ، وتقسو قلوب فتلهو وتسهو وتجفو . قال الحسن : والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان ، قال الله : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) .
وقوله : تسقى بماء واحد ، اختلفت القرأة في قوله : تسقى .
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة والعراق من أهل الكوفة والبصرة : تسقى ، بالتاء بمعنى : تسقى الجنات والزرع والنخيل ، وقد كان بعضهم يقول : إنما قيل تسقى ، بالتاء ، لتأنيث الأعناب .
وقرأ ذلك بعض المكيين والكوفيين : "يسقى" ، بالياء .
وقد اختلف أهل العربية في وجه تذكيره إذا قرىء كذلك ، وإنما ذلك خبر عن الجنات والأعناب والنخيل والزرع أنها تسقى بماء واحد .
فقال بعض نحويي البصرة : إذا قرىء ذلك بالتاء فذلك على الأعناب ، كما ذكر الأنعام ، في قوله : ( مما في بطونه ) ، وأنث بعد فقال : ( وعليها وعلى الفلك تحملون ) . فمن قال : "يسقى" ، بالياء جعل الأعناب مما تذكر وتؤنث مثل الأنعام .
وقال بعض نحويي الكوفة : من قال : تسقى ، ذهب إلى تأنيث الزرع والجنات والنخيل ، ومن ذكر ذهب إلى أن ذلك كله يسقى بماء واحد ، وأكله مختلف ، حامض وحلو ، ففي هذا آية .
قال أبو جعفر : وأعجب القراءتين إلي أن أقرأ بها ، قراءة من قرأ ذلك بالتاء : تسقى بماء واحد على أن معناه : تسقى الجنات والنخل والزرع بماء واحد ، لمجيء تسقى بعد ما قد جرى ذكرها ،وهي جماع من غير بني آدم . وليس الوجه الآخر بممتنع على معنى : يسقى ذلك بماء واحد ، أي : جميع ذلك يسقى بماء واحد عذب دون المالح .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد في قوله : تسقى بماء واحد ، ماء السماء ، كمثل صالح بني آدم وخبيثهم ، أبوهم مواحد .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : تسقى بماء واحد ، قال : ماء السماء .
حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ،عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو قال ، أخبرنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفي ، عن الضحاك تسقى بماء واحد ، قال : ماء المطر .
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك ، قرأه ابن جريج ، عن مجاهد : تسقى بماء واحد ، قال : ماء السماء ، كمثل صالح بني آدم وخبيثهم ، أبوهم واحد .
قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، وحدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .
حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي قال ، حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب : تسقى بماء واحد ، قال : بماء السماء .
وقوله : "ونفضل بعضها على بعض في الأكل" ، اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأه عامة قرأة المكيين والمدنيين والبصريين وبعض الكوفيين : "ونفضل" ، بالنون ، بمعنى : ونفضل نحن بعضها على بعض في الأكل .
وقرأته عامة قرأة الكوفيين : ويفضل ، بالياء ، رداً على قوله : "يغشي الليل النهار" ، ويفضل بعضها على بعض .
قال أبو جعفر : وهما قراءتان مستفيضتان بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . غير أن الياء أعجبهما إلي في القراءة لأنه في سياق كلام ابتداؤه : "الله الذي رفع السماوات" ، فقراءته بالياء ، إذ كان كذلك ، أولى .
ومعنى الكلام : إن الجنات من الأعناب والزرع والنخيل الصنوان وغير الصنوان ، تسقى بماء واحد عذب لا ملح ، ويخالف الله بين طعوم ذلك فيفضل بعضها على بعض في الطعم ، فهذا حلو وهذا حامض .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ،عن سفيان، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "ونفضل بعضها على بعض في الأكل" ، قال : الفارسي والدقل ، والحلو والحامض .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : "ونفضل بعضها على بعض في الأكل" ، قال : الأرض الواحدة يكون فيها الخوخ والكمثري والعنب الأبيض والأسود ، وبعضها أكثر حملاً من بعض ، وبعضه حلو وبعضه حامض ،وبعضه أفضل من بعض .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عامر أبو النعمان قال ، حدثنا حماد بن زيد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : "ونفضل بعضها على بعض في الأكل" ، قال : برني وكذا وكذا ،وهذا بعضه أفضل من بعض .
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا مؤمل قال ، حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير في قوله : "ونفضل بعضها على بعض في الأكل" ، قال : هذا حامض ، وهذا حلو ، وهذا مز .
حدثني محمود بن خداش قال ، حدثنا سيف بن محمد ، ابن أخت سفيان الثوري قال ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : "ونفضل بعضها على بعض في الأكل" ، قال : الدقل والفارسي ، والحلو والحامض .
حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال ، حدثنا سليمان بن عبيد الله الرقي قال ، حدثنا عبيد الله بن عمرو الرقي ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : "ونفضل بعضها على بعض في الأكل" ، قال : الدقل والفارسي ، والحلو والحامض .
وقوله : "إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون" ، يقول تعالى ذكره : أن في مخالفة الله عز وجل بين هذه القطع من الأرض المتجاورات وثمار جناتها وزروعها على ما وصفنا وبينا ، لدليلاً واضحاً وعبرة لقوم يعقلون اختلاف ذلك ، أن الذي خالف بينه على هذا النحو الذي خالف بينه ،هو المخالف بين خلقه فيما قسم لهم من هداية وضلال ، وتوفيق وخذلان ، فوفق هذا وخذل هذا ،وهدى ذا وأصل ذا ، ولو شاء لسوى بين جميعهم ، كما لو شاء سوى بين جميع أكل ثمار الجنة التي تشرب شرباً واحداً ، وتسقى سقياً واحداً ، وهي متفاضلة في الأكل .
فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله تعالى: " وفي الأرض قطع متجاورات " في الكلام حذف، المعنى: وفي الأرض قطع متجاورات وغير متجاورات، كما قال: " سرابيل تقيكم الحر " ( النحل: 81) والمعنى وتقيكم البرد، ثم حذف لعلم السامع. والمتجاورات المدن وما كان عامراً، وغير متجاورات الصحارى وما كان غير عامر.
الثانية: قوله تعالى: ( متجاورات) أي قرى متدانيات، ترابها واحد، وماؤها واحد، وفيها زروع وجنات، ثم تتفاوت في الثمار والتمر، فيكون البعض حلواً، والبعض حامضاً، والغصن الواحد من الشجرة قد يختلف الثمر فيه من الصغير والكبر واللون والمطعم، وإن انبسط الشمس والقمر على الجميع على نسق واحد، وفي هذا أدل دليل على وحدانيته وعظم صمديته، والإرشاد لمن ضل عن معرفته، فإنه نبه سبحانه بقوله: " يسقى بماء واحد " على أن ذلك كله ليس إلا بمشيئته وإرادته، وأنه مقدور بقدراته، وهذا أدل دليل على بطلان القول بالطبع، إذ لو كان ذلك بالماء والتراب والفاعل له الطبيعة لما وقع الاختلاف. وقيل: وجه الاحتجاج أنه أثبت التفاوت بين البقاع، فمن تربة عذبة، ومن تربة سبخة مع تجاورهما، وهذا أيضاً من دلالات كما قدرته، جل وعز تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً.
الثالثة: ذهبت الكفرة - لعنهم الله - إلى أن كل حادث يحدث بنفسه لا من صانع، وادعوا ذلك في الثمار الخارجة من الأشجار، وقد أقروا بحدوثها، وأنكروا محدثها، وأنكروا الأعراض. وقالت فرقة: بحدوث الثمار لا من صانع، وأثبتوا للأعراض فاعلاً، والدليل على أن الحادث لا بد له من محدث أنه يحدث في وقت، ويحدث ما هو من جنسه في وقت آخر، فلو كان حدوثه في وقته لاختصاصه به لوجب أن يحدث في وقته كل ما هو من جنسه، وإذ بطل اختصاصه بوقته صح أن اختصاصه به لأجل مخصص خصصه به، ولولا تخصيصه إياه به لم يكن حدوثه في وقته أولى من حدوثه قبل ذلك أو بعده، واستيفاء هذا في علم الكلام.
الرابعة: قوله تعالى: " وجنات من أعناب " قرأ الحسن ( وجنات) بكسر التاء، على التقدير: وجعل فيها جنات، فهو محمول على قوله: " وجعل فيها رواسي " ويجوز أن تكون مجرورة على الحمل على ( كل) التقدير: ومن كل الثمرات، ومن جنات. الباقون: ( جنات) بالرفع على تقدير: وبينهما جنات. " وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان " بالرفع. ابن كثير وأبو عمرو وحفص عطفاً على الجنات، أي على تقدير: وفي الأرض زرع ونخيل. وخفضها الباقون نسقاً على الأعناب، فيكون الزرع والنخيل من الجنات، ويجوز أن يكون معطوفاً على ( كل) حسب ما تقدم في ( وجنات). وقرأ مجاهد والسلمي وغيرهما ( صنوان) بضم الصاد، والباقون بالكسر، وهما لغتان، وهما جمع صنو، وهي النخلات والنخلتان، يجمعهن أصل واحد، وتتشعب منه رؤوس فتصير نخيلاً، نظيرها قنوان، واحدها قنو: وروى أبو إسحاق عن البراء قال: الصنوان المجتمع، وغير الصنوان المتفرق، النحاس : وكذلك هو في اللغة، يقال للنخلة إذا كانت فيها نخلة أخرى أو أكثر صنوان. والصنو المثل، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " عم الرجل صنو أبيه ". ولا فرق فيها بين التثنية والجمع، ولا بالإعراب، فتعرب نون الجمع، وتكسر نون التثنية، قال الشاعر:
العلم والحلم خلتا كرم للمرء زين إذا هما اجتمعا
صنوان لا يستتم حسنهما إلا بجمع ذا وذاك معا
الخامسة: قوله تعالى: " يسقى بماء واحد " كصالح بني آدم وخبيثهم، أبوهم واحد، قاله النحاس و البخاري . وقرأ عاصم وابن عامر: ( يسقى) بالياء، أي يسقى ذلك كله. وقرأ الباقون بالتاء، لقوله: ( جنات) واختاره أبو حاتم وأبو عبيدة، قال أبو عمرو: والتأنيث أحسن، لقوله: " ونفضل بعضها على بعض في الأكل " ولم يقل بعضه. وقرأ حمزة و الكسائي وغيرهما ( ويفضل) بالياء رداً على قوله: " يدبر الأمر " و ( يفصل) و ( يغشي) الباقون بالنون على معنى: ونحن نفضل. وروى جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعلي رضي الله عنه: " الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة " ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم " وفي الأرض قطع متجاورات " حتى بلغ قوله: ( يسقى بماء واحد) و ( الأكل) الثمر. قال ابن عباس: يعني الحلو والحامض والفارسي والدقل. وروي مرفوعاً من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى: " ونفضل بعضها على بعض في الأكل " قال: " الفارسي والدقل والحلو والحامض " ذكره الثعلبي . قال الحسن: المراد بهذه الآية المثل، ضربه الله تعالى لبني آدم، أصلهم واحد، وهم مختلفون في الخير والشر والإيمان والكفر، كاختلاف الثمار التي تسقى بماء واحد، ومنه قول الشاعر:
الناس كالنبت والنبت ألوان منها شجر الصندل والكافور والبان
ومنها شجر ينضج طول الدهر قطران
" إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون " أي لعلامات لمن كان له قلب يفهم عن الله تعالى:
لما ذكر تعالى العالم العلوي, شرع في ذكر قدرته وحكمته وإحكامه للعالم السفلي, فقال: "وهو الذي مد الأرض" أي جعلها متسعة ممتدة في الطول والعرض, وأرساها بجبال راسيات شامخات, وأجرى فيها الأنهار والجداول والعيون, ليسقي ما جعل فيها من الثمرات المختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح "من كل زوجين اثنين" أي من كل شكل صنفان "يغشي الليل النهار" أي جعل كلاً منهما يطلب الاخر طلباً حثيثاً, فإذا ذهب هذا غشيه هذا, وإذا انقضى هذا جاء الاخر, فيتصرف أيضاً في الزمان كما يتصرف في المكان والسكان, " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " أي في آلاء الله وحكمه ودلائله.
وقوله: "وفي الأرض قطع متجاورات" أي أراض يجاور بعضها بعضاً, مع أن هذه طيبة تنبت ما ينفع الناس وهذه سبخة مالحة لا تنبت شيئاً, هكذا روي عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وغير واحد. ويدخل في هذه الاية اختلاف ألوان بقاع الأرض, فهذه تربة حمراء, وهذه بيضاء, وهذه صفراء, وهذه سوداء, وهذه محجرة, وهذه سهلة, وهذه مرملة, وهذه سميكة, وهذه رقيقة, والكل متجاورات, فهذه بصفتها, وهذه بصفتها الأخرى, فهذا كله مما يدل على الفاعل المختار لا إله إلا هو ولا رب سواه. وقوله: "وجنات من أعناب وزرع ونخيل" يحتمل أن تكون عاطفة على جنات, فيكون "وزرع ونخيل" مرفوعين. ويحتمل أن يكون معطوفاً على أعناب, فيكون مجروراً, ولهذا قرأ بكل منهما طائفة من الأئمة.
وقوله: "صنوان وغير صنوان" الصنوان: هو الأصول المجتمعة في منبت واحد, كالرمان والتين, وبعض النخيل ونحو ذلك, وغير الصنوان: ما كان على أصل واحد, كسائر الأشجار, ومنه سمي عم الرجل صنو أبيه, كما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر: "أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه". وقال سفيان الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه: الصنوان هي النخلات في أصل واحد, وغير الصنوان المتفرقات, وقاله ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد.
وقوله: " يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل " قال الأعمش عن أبي صالح, عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم "ونفضل بعضها على بعض في الأكل" قال "الدقل, والفارسي, والحلو, والحامض", رواه الترمذي وقال: حسن غريب, أي هذا الاختلاف في أجناس الثمرات والزروع في أشكالها وألوانها, وطعومها وروائحها, وأوراقها وأزهارها, فهذا في غاية الحلاوة, وهذا في غاية الحموضة, وذا في غاية المرارة, وذا عفص, وهذا عذب, وهذا جمع هذا وهذا, ثم يستحيل إلى طعم آخر بإذن الله تعالى, وهذا أصفر, وهذا أحمر, وهذا أبيض, وهذا أسود, وهذا أزرق, وكذلك الزهورات مع أنها كلها تستمد من طبيعة واحدة وهو الماء, مع الاختلاف الكثير الذي لا ينحصر ولا ينضبط ففي ذلك آيات لمن كان واعياً, وهذا من أعظم الدلالات على الفاعل المختار الذي بقدرته فاوت بين الأشياء, وخلقها على ما يريد, ولهذا قال تعالى: " إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ".
4- "وفي الأرض قطع متجاورات" هذا كلام مستأنف مشتمل على ذكر نوع آخر من أنواع الآيات. قيل وفي الكلام حذف: أي قطع متجاورات في قوله "سرابيل تقيكم الحر" أي وتقيكم البرد. قيل والمتجاورات: المدن وما كان عامراً، وغير المتجاورات: الصحارى وما كان غير عامر وقيل المعنى: متجاورات متدانيات، ترابها واحد وماؤها واحد، وفيها زرع وجنات، ثم تتفاوت في الثمار فيكون البعض حلواً والبعض حامضاً، والبعض طيباً والبعض غير طيب، والبعض يصلح فيه نوع والبعض الآخر نوع آخر "وجنات من أعناب" الجنات: البساتين، قرأ الجمهور برفع جنات على تقدير: وفي الأرض جنات، فهو معطوف على قطع متجاورات، أو على تقدير: وبينها جنات. وقرأ الحسن بالنصب على تقدير: وجعل فيها جنات، وذكر سبحانه الزرع بين الأعناب والنخيل، لأنه يكون في الخارج كثيراً كذلك، ومثله في قوله سبحانه "جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً" "صنوان وغير صنوان" قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص " وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان " برفع هذه الأربع عطفاً على جنات. وقرأ الباقون بالجر عطفاً على أعناب. وقرأ مجاهد والسلمي بضم الصاد من صنوان. وقرأ الباقون بالكسر، وهما لغتان. قال أبو عبيدة صنوان: جمع صنو، وهو أن يكون الأصل واحداً، ثم يتفرع فيصير نخيلاً، ثم يحمل، وهذا قول جميع أهل اللفة والتفسير. قال ابن الأعرابي: الصنو: المثل، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم "عم الرجل صنو أبيه" فمعنى الآية على هذا: أن أشجار النخيل قد تكون متماثلة وقد لا تكون. قال في الكشاف: و\الصنوان جمع صنو، وهي النخلة لها رأسان وأصلها واحد، وقيل الصنوان المجتمع، وغير الصنوان المتفرق. النحاس: وهو كذلك في اللغة، يقال للنخلة إذا كانت فيها نخلة أخرى أو أكثر: صنوان. والصنو: المثل، ولا فرق بين التثنية والجنع إلا بكسر النون في المثنى. وبما يقتضيه الإعراب في الجمع "يسقى بماء واحد" قرأ عاصم وابن عامر: "يسقى" بالتحتية: أي يسقى ذلك كله. وقرأ الباقون بالفوقية بإرجاع الضمير إلى جنات. واختاره أبو حاتم وأبو عبيد وأبو عمرو قال أبو عمرو: التأنيث أحسن لقوله: "ونفضل بعضها على بعض في الأكل" ولم يقل بعضه. وقرأ حمزة والكسائي " نفضل " بالتحتية كما في قوله "يدبر الأمر يفصل الآيات" وقرأ الباقون بالنون على تقدير: ونحن نفضل.
وفي هذا من الدلالة على بديع صنعه وعظيم قدرته ما لا يخفى على من له عقل، فإن القطع المتجاورة والجنات المتلاصقة المشتملة على أنواع النبات مع كونها تسقى بماء واحد وتتفاضل في الثمرات في الأكل، فيكون طعم بعضها حلواً والآخر حامضاً، وهذا في غاية الجودة، وهذا ليس بجيد، وهذا فائق في حسنه، وهذا غير فائق مما يقطع من تفكر، واعتبر ونظر نظر العقلاء أن السبب المقتضي لاختلافها ليس إلا قدرة الصانع الحكيم جل سلطانه وتعالى شأنه، لأن تأثير الاختلاف فيما يخرج منها ويحصل من ثمراتها لا يكون في نظر العقلاء إلا لسببين: إما اختلاف المكان الذي هو المنبت، أو اختلاف الماء الذي تسقى به، فإذا كان المكان متجاوراً، وقطع الأرض متلاصقة، والماء الذي تسقى به واحداً، لم يبق سبب للاختلاف في نظر العقل إلا تلك القدرة الباهرة والصنع العجيب. ولهذا قال الله سبحانه "إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون" أي يعملون على قضية العقل وما يوجبه غير مهملين لما يقتضيه من التفكر في المخلوقات والاعتبار في العبر الموجودات.
وقد أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "المر" قال: أنا الله أرى. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد "المر" فواتح يفتتح بها كلامه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله: "تلك آيات الكتاب" قال: التوراة والإنجيل "والذي أنزل إليك من ربك الحق" قال: القرآن. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة نحوه: وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: " رفع السماوات بغير عمد ترونها " قال: وما يدريك لعلها بعمد لا ترونها. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال: يقول لها عمد ولكن لا ترونها: يعني الأعماد. وأخرج ابن جرير عن إياس بن معاوية في الآية قال: السماء مقببة على الأرض مثل القبة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: السماء على أربعة أملاك كل زاوية موكل بها ملك. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في قوله: "لأجل مسمى" قال: الدنيا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "يدبر الأمر" قال: يقضيه وحده. وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال: الدنيا مسيرة خمسمائة عام: أربعمائة خراب، ومائة عمران في أيدي المسلمين من ذلك مسيرة سنة. وقد روي عن جماعة من السلف في ذلك تقديرات لم يأت عليها دليل يصح. وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب قال: لما خلق الله الأرض قمصت وقالت: أي رب تجعل علي بني آدم يعملون علي الخطايا ويجعلون علي الخبث، فأرسل الله فيها من الجبال ما ترون وما لا ترون، فكان إقرارها كاللحم ترجرج. وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله " جعل فيها زوجين اثنين " قال: ذكراً وأنثى من كل صنف. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله " يغشي الليل النهار " أي يلبس الليل النهار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "وفي الأرض قطع متجاورات" قال: يريد الأرض الطيبة العذبة التي يخرج نباتها بإذن ربها تجاورها السبخة القبيحة المالحة التي لا تخرج، وهما أرض واحدة، وماؤها شيء واحد، ملح أو عذب، ففضلت إحداهما على الأخرى. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: قرئ متجاورات قريب بعضها من بعض. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: الأرض تنبت حلواً، والأرض تنبت حامضاً، وهي متجاورات تسقى بماء واحد. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن البراء بن عازب في قوله: "صنوان وغير صنوان" قال: الصنوان ما كان أصله واحداً وهو متفرق، وغير صنوان التي تنبت وحدها، وفي لفظ: صنوان النخلة في النخلة ملتصقة. وغير صنوان النخل المتفرق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "صنوان" قال: مجتمع النخل في أصل واحد "وغير صنوان" قال: النخل المتفرق. وأخرج الترمذي وحسنه والبزار وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "ونفضل بعضها على بعض في الأكل" قال: الدقل والفارسي والحلو والحامض وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: هذا حامض، وهذا حلو، وهذا دقل، وهذا فارسي.
4- " وفي الأرض قطع متجاورات "، متقاربات يقرب بعضها من بعض، وهي مختلفة: هذه طيبة تنبت، وهذه سبخة لا تنبت، وهذه قليلة الريع، وهذه كثيرة الريع، "وجنات": بساتين، "من أعناب وزرع ونخيل صنوان"، رفعها كلها ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص، ويعقوب، عطفا على الجنات، وجرها الآخرون نسقا على الأعناب.
والصنوان: جمع صنو، وهو النخلات يجمعهن أصل واحد.
"وغير صنوان"، هي النخلة المنفردة بأصلها.
وقال أهل التفسير: صنوان: مجتمع، وغير صنوان: متفرق. نظيره من الكلام: قنوان جمع قنو.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في العباس: "عم الرجل صنو أبيه".
ولا فرق في الصنوان والقنوان بين التثنية والجمع إلا في الإعراب، وذلك أن النون في التثنية مكسورة غير منونة، وفي الجمع منونة.
"يسقى بماء واحد"، قرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب "يسقى" بالياء أي يسقى ذلك كله لماء واحد، وقرأ الآخرون بالتاء لقوله تعالى: "وجنات" ولقوله تعالى من بعد "بعضها على بعض"، ولم يقل بعضه. والماء جسم رقيق مائع به حياة كل نام.
"ونفضل بعضها على بعض في الأكل"، في الثمر والطعم.
قرأ حمزة والكسائي " ونفضل " بالياء، لقوله تعالى: "يدبر الأمر يفصل الآيات" (الرعد-2).
وقرا الآخرون بالنون على معنى: ونحن نفضل بعضها على بعض في الأكل، وجاء في الحديث في قوله:" "ونفضل بعضها على بعض في الأكل"، قال: الفارسي، والدقل، والحلو، والحامض".
قال مجاهد: كمثل بني آدم، صالحهم وخبيثهم، وأبوهم واحد.
قال الحسن: هذا مثل ضربه الله تعالى لقلوب بني آدم، يقول: كانت الأرض طينة واحدة في يد الرحمن عز وجل، فسطحها، فصارت قطعا متجاورة، فينزل عليها المطر من السماء، فتخرج هذه زهرتها، وشجرها وثمرها ونباتها، وتخرج هذه سبخها وملحها وخبيثها، وكل يسقى لماء واحد، كذلك الناس خلقوا من آدم عليه السلام فينزل من السماء تذكرة فترق قلوب فتخشع، وتقسو قلوب فتلهو.
قال الحسن: والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان، قال الله تعالى: "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً" (الإسراء-82).
"إن في ذلك" الذي ذكرت "لآيات لقوم يعقلون".
4."وفي الأرض قطع متجاورات"بعضها طيبة وبعضها سبخة، وبعضها رخوة وبعضها صلبة ، وبعضها يصلح للزرع دون الشجر وبعضها بالعكس .ولولا تخصيص قادر موقع لأفعاله على وجهه دون وجه لم تكن كذلك ، لاشتراك تلك القطع في الطبيعة الأرضية وما يلزمها وعرض لهها بتوسط ما يعرض من الأسباب السماوية ، من حيث أنها متضامة متشاركة في النسب والأوضاع. "وجنات من أعناب وزرع ونخيل"وبساتين فيها أنواع الأشجار الزروع ، وتوحيد الزرع لأنه مصدر في أصله. وقرأابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وحفص"وزرع ونخيل" بالرفع عطفاً على"وجنات"."صنوان"نخلات أصلها واحد. "وغير صنوان" متفرقات مختلفات الأصول . وقرأ حفص بالضم وهو لغة بني تميم كـ "قنوان " في جمع قنو." يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل " في التمر شكلاً وقدراً ورائحة وطعماً ، وذلك أيضاً مما يدل على الصانع الحكيم ، فإن اختلافها مع اتحاد الأصول والأسباب لا يكنون إلا بتخصيص قادر مختار .وقرأابن عامر وعاصم ويعقوب يسقى بالتذكير على تأويل ما ذكر، وحمزة والكسائي بفضل الياء ليطابق قوله "يدبر الأمر" "إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون"يستعملون عقولهم بالتفكر .
4. And in the Earth are neighboring tracts, vineyards and ploughed lands, and date palms, like and unlike, which are watered with one water. And We have made some of them to excel others in fruit. Lo! herein verily are portents for people who have sense.
4 - And in the earth are tracts (diverse though) neighboring, and gardens of vines and fields sown with corn, and palm trees growing out of single roots or otherwise: watered with the same water, yet some of them we make more excellent than others to eat. behold, verily in these things there are signs for those who understand