[يوسف : 78] قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ
78 - (قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخاً كبيراً) يحبه أكثر منا ويتسلى به عن ولده الهالك ويحزنه فراقه (فخذ أحدنا) استعبده (مكانه) بدلاً منه (إنا نراك من المحسنين) في أفعالك
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قالت إخوة يوسف ليوسف : "يا أيها العزيز" ، يا أيها الملك ،"إن له أبا شيخا كبيرا" ، كلفاً بحبه ، يعنون يعقوب ، "فخذ أحدنا مكانه" ، يعنون : فخذ أحداً منا بدلاً من بنيامين ، وخل عنه ، "إنا نراك من المحسنين" ، يقول : إنا نراك من المحسنين في أفعالك .
وقال محمد بن إسحاق في ذلك ما :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "إنا نراك من المحسنين" ، إنا نرى ذلك منك إحساناً إن فعلت .
قوله تعالى: " قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه " خاطبوه باسم العزيز إذ كان في تلك اللحظة بعزل الأول أو موته. وقولهم: ( إن له أبا شيخا كبيرا) أي كبير القدر، ولم يريدوا كبر السن، لأن ذلك معروف من حال الشيخ. ( فخذ أحدنا مكانه) أي عبداً بدله، وقد قيل: إن هذا مجاز، لأنهم يعلمون أنه لا يصح أخذ حر يسترق بدل من قد أحكمت السنة عندهم رقه، وإنما هذا كما تقول لمن تكره فعله: اقتلني ولا تفعل كذا وكذا، وأنت لا تريد أن يقتلك، ولكنك مبالغ في استنزاله. ويحتمل أن يكون قولهم: ( فخذ أحدنا مكانه) حقيقة، وبعيد عليهم وهم أنبياء أن يروا استرقاق حر، فلم يبق إلا أن يريدوا بذلك طريق الحمالة، أي خذ أحدنا مكانه حتى ينصرف إليك صاحبك، ومقصدهم بذلك أن يصل بنيامين إلى أبيه، ويعرف يعقوب جلية الأمر، فمنع يوسف عليه السلام من ذلك، إذ الحمالة في الحدود ونحوها - بمعنى إحضار المضمون فقط - جائزة مع التراضي، غير لازمة إذا أبى الطالب، وأما الحمالة في مثل هذا على أن يلزم الحميل ما كان يلزم المضمون من عقوبة، فلا يجوز إجماعاً. وفي ( الواضحة): إن الحمالة في الوجه فقط في جميع الحدود جائزة، إلا في النفس. وجمهور الفقهاء على جواز الكفالة في النفس. واختلف فيها عن الشافعي ، فمرة ضعفها، ومرة أجازها.
قوله تعالى: " إنا نراك من المحسنين " يحتمل أن يريدوا وصفه بما رأوا من إحسانه في جميع أفعاله معهم، ويحتمل أن يريدوا: إنا نرى لك إحساناً علينا في هذه اليد إن أسديتها إلينا، وهذا تأويل ابن إسحق.
لما تعين أخذ بنيامين وتقرر تركه عند يوسف بمقتضى اعترافهم, شرعوا يترققون له ويعطفونه عليهم " قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا " يعنون وهو يحبه حباً شديداً ويتسلى به عن ولده الذي فقده "فخذ أحدنا مكانه" أي بدله يكون عندك عوضاً عنه, "إنا نراك من المحسنين" أي العادلين المنصفين القابلين للخير, "قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده" أي كما قلتم واعترفتم "إنا إذاً لظالمون" أي إن أخذنا بريئاً بسقيم.
78- " قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا " أي إن لبنيامين هذا أباً متصفاً بهذه الصفة، وهي كونه شيخاً كبيراً لا يستطيع فراقه ولا يصبر عنه ولا يقدر على الوصول إليه "فخذ أحدنا مكانه" يبقى لديك، فإن له منزلة في قلب أبيه ليست لواحد منافلا يتضرر بفراق أحدنا كما [يتضرر] بفراق بنيامين، ثم عللوا ذلك بقوله، "إنا نراك من المحسنين" إلى الناس كافة. وإلينا خاصة، فتمم إحسانك إلينا بإجابتنا إلى هذا المطلب.
78-"قالوا يا أيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً". وفى القصة أنهم غضبوا غضبا شديدا لهذه الحالة، وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا، وكان روبيل إذا غضب لم يقم لغضبه شيء، وإذا صاح ألقت كل امرأة حامل سمعت صوته ولدها، وكان من هذا إذا مسه أحد من ولد يعقوب سكن غضبه.
وقيل: كان هذا صفة شمعون من ولد يعقوب.
وروي أنه قال لإخوته: كم عدد الأسواق بمصر؟ فقالوا عشرة، فقال: اكفوني أنتم الأسواق وأنا أكفيكم الملك، أو اكفوني أنتم الملك وأنا أكفيكم الأسواق، فدخلوا على يوسف فقال روبيل: لتردن علينا أخانا أو لأصيحن صيحة لا تبقي بمصر امرأة حامل إلا ألقت ولدها وقامت كل شعرة في جسد روبيل فخرجت من ثيابه، فقال يوسف لابن له صغير: قم إلى جنب روبيل فمسه. وروي: خذ بيده فاتني به، فذهب الغلام فمسه فسكن غضبه. فقال روبيل: إن هاهنا لبزرا من بزر يعقوب، فقال يوسف: من يعقوب؟
وروي أنه غضب ثانيا فقام إليه يوسف فركضه برجله وأخذ بتلابيبه، فوقع على الأرض وقال: أنتم معشر العبرانيين تظنون أن لا أحد أشد منكم؟
فلما صار أمرهم إلى هذا ورأوا أن لا سبيل لهم إلى تخليصه خضعوا وذلوا، وقالوا: يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا يحبه، "فخذ أحدنا مكانه"، بدلا منه، "إنا نراك من المحسنين"، في أفعالك.
وقيل: من المحسنين إلينا في توفية الكيل وحسن الضيافة ورد البضاعة. وقيل: يعنون إن فعلت ذلك كنت من المحسنين.
78."قالوا يا أيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً" أي في السن أو القدر ،ذكروا له حاله استعطافاً له عليه ."فخذ أحدنا مكانه"بدله فإن أباه ثكلان على أخيه الهالك مستأنس به."إنا نراك من المحسنين"إلينا فأتمم إحسانك، أومن المتعودين بالإحسان فلا تغير عاداتك.
78. They said: O ruler of the land! Lo! he hath an aged father, so take one of us instead of him. Lo ! we behold thee of those who do kindness.
78 - They said: O exalted one behold he has a father, aged and venerable, (who will grieve for him); so take one of us in his place; for we see that thou art (gracious) in doing good.