[يوسف : 109] وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
109 - (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يُوحى) وفي قراءة بالنون وكسر الحاء (إليهم) لا ملائكة (من أهل القرى) الأمصار لأنهم أعلم وأحلم بخلاف أهل البوادي لجفائهم وجهلهم (أفلم يسيروا) أهل مكة (في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) أي آخر أمرهم من إهلاكهم بتكذيبهم رسلهم (ولدار الآخرة) أي الجنة (خير للذين اتقوا) الله (أفلا تعقلون) بالياء والتاء يا أهل مكة هذا فتؤمنوا
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وما أرسلنا ، يا محمد ، من قبلك إلا رجالاً ، لا نساءً ولا ملائكة ، "نوحي إليهم" ، آياتنا ، بالدعاء إلى طاعتنا وإفراد العبادة لنا ، "من أهل القرى" ، يعني :من أهل الأمصار دون أهل البوادي ، كما :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى" ، لأنهم كانوا أعلم وأحلم من أهل العمود .
وقوله : "أفلم يسيروا في الأرض" ، يقول تعالى ذكره : أفلم يسر هؤلاء المشركون الذين يكذبونك ، يا محمد ، ويجحدون نبوتك ، وينكرون ما جئتهم به من توحيد الله ، وإخلاص الطاعة والعبادة له ، "في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم" ، إذ كذبوا رسلنا ؟ ألم نحل بهم عقوبتنا فنهلكهم بها ، وننج منها رسلنا وأتباعنا ، فيتفكروا في ذلك ويعتبروا ؟
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج قوله :"وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم" ، قال : إنهم قالوا : ( ما أنزل الله على بشر من شيء ) ، قال وقوله : ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين * وما تسألهم عليه من أجر ) ، وقوله : ( وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها ) ، وقوله :"أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله" ، وقوله : "أفلم يسيروا في الأرض فينظروا" ، من أهلكنا ؟ قال : فكل ذلك قال لقريش : أفلم يسيروا في الأرض فينظروا في آثارهم ، فيعتبروا ويتفكروا ؟
وقوله : "ولدار الآخرة خير" ، يقول تعالى ذكره : هذا فعلنا في الدنيا بأهل ولايتنا وطاعتنا ، أن عقوبتنا إذا نزلت بأهل معاصينا والشرك بنا ، أنجيناهم منها ، وما في الدار الآخرة لهم خير .
وترك ذكر ما ذكرنا ، اكتفاءً بدلالة قوله : "ولدار الآخرة خير للذين اتقوا" ، عليه ، وأضيفت الدار إلى الآخرة ، وهي الآخرة ، لاختلاف لفظهما ، كما قيل : ( إن هذا لهو حق اليقين ) ، وكما قيل : أتيتك عام الأول ، وبارحة الأولى ، وليلة الأولى ، ويوم الخميس ، وكما قال الشاعر :
‌أتمدح فقعسا وتذم عبسا ألا لله أمك من هجين‌
ولو أقوت عليك ديار عبس عرفت الذل عرفان اليقين
يعني : عرفاناً له يقيناً .
قال أبو جعفر : فتأويل الكلام : وللدار الآخرة خير للذين اتقوا الله ، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه .
وقوله : "أفلا تعقلون" ، يقول : افلا يعقل هؤلاء المشركون بالله حقيقة ما نقول لهم ونخبرهم به ، من سوء عاقبة الكفر ، وغب ما يصير إليه حال أهله ، مع ما قد عاينوا ورأوا وسمعوا ما حل بمن قبلهم من الأمم الكافرة المكذبة رسل ربها ؟
قوله تعالى: " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى " هذا رد على القائلين: " لولا أنزل عليه ملك " ( الأنعام: 8) أي أرسلنا رجالاً ليس فيهم امرأة ولا جني ولا ملك، وهذا يرد ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن في النساء أربع نبيات حواء وآسية وأم موسى ومريم ". وقد تقدم في ( آل عمران) شيء من هذا. ( من أهل القرى) يريد المدائن، ولم يبعث الله نبياً من أهل البادية لغلبة الجفاء والقسوة على أهل البدو، ولأن أصل الأمصار أعقل وأحلم وأفضل وأعلم. قال الحسن: لم يبعث الله نبياً من أهل البادية قط، ولا من النساء، ولا من الجن. وقال قتادة: ( من أهل القرى) أي من أهل الأمصار، لأنهم أعلم وأحلم. وقال العلماء: من شرط الرسول أن يكون رجلاً آدمياً مدنياً، وإنما قالوا آدمياً تحرزاً، من قوله: " يعوذون برجال من الجن " ( الجن: 6) والله أعلم.
قوله تعالى: " أفلم يسيروا في الأرض فينظروا " إلى مصارع الأمم المكذبة لأنبيائهم فيعتبروا. " ولدار الآخرة خير " ابتداء وخبره. وزعم الفراء أن الدار هي الآخرة، وأضيف الشيء إلى نفسه لاختلاف اللفظ، كيوم الخميس، وبارحة الأولى، قال الشاعر:
ولو أقوت عليك ديار عبس عرفت الذل عرفان اليقين
أي عرفاناً يقيناً، واحتج الكسائي بقولهم: صلاة الأولى، واحتج الأخفش بمسجد الجامع. قال النحاس : إضافة الشيء إلى نفسه محال، لأنه إنما يضاف الشيء إلى غيره ليتعرف به، والأجود الصلاة الأولى، ومن قال صلاة الأولى فمعناه: عند صلاة الفريضة الأولى، وإنما سميت الأولى لأنها أول ما صلي حين فرضت الصلاة، وأول ما أظهر، فلذلك قيل لها أيضاً الظهر. والتقدير: ولدار الحال الآخرة خير، وهذا قول البصريين، والمراد بهذه الدار الجنة، أي هي خير للمتقين. وقريء: ( وللدار الآخرة). وقرأ نافع وعاصم ويعقوب وغيرهم " أفلا تعقلون " بالتاء على الخطاب. الباقون بالياء على الخبر.
يخبر تعالى أنه إنما أرسل رسله من الرجال لا من النساء, وهذا قول جمهور العلماء, كما دل عليه سياق هذه الاية الكريمة أن الله تعالى لم يوح إلى امرأة من بنات بني آدم وحي تشريع. وزعم بعضهم أن سارة امرأة الخليل وأم موسى ومريم بنت عمران أم عيسى نبيات, واحتجوا بأن الملائكة بشرت سارة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب, وبقوله: " وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه " الاية, وبأن الملك جاء إلى مريم فبشرها بعيسى عليه السلام, وبقوله تعالى: " إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين * يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ", وهذا القدر حاصل لهن, ولكن لا يلزم من هذا أن يكن نبيات بذلك, فإن أراد القائل بنبوتهن هذا القدر من التشريف, فهذا لا شك فيه, ويبقى الكلام معه في أن هذا هل يكفي في الانتظام في سلك النبوة بمجرده أم لا ؟ الذي عليه أهل السنة والجماعة, وهو الذي نقله الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري عنهم أنه ليس في النساء نبية, وإنما فيهن صديقات, كما قال تعالى مخبراً عن أشرفهن مريم بنت عمران حيث قال تعالى: "ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام" فوصفها في أشرف مقاماتها بالصديقية, فلو كانت نبية لذكر ذلك في مقام التشريف والإعظام, فهي صديقة بنص القرآن.
وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله: "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً" الاية, أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم, وهذا القول من ابن عباس يعتضد بقوله تعالى: "وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق" الاية, وقوله تعالى: "وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين * ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين". وقوله تعالى: "قل ما كنت بدعاً من الرسل" الاية. وقوله: "من أهل القرى" المراد بالقرى المدن لا أنهم من أهل البوادي الذين هم من أجفى الناس طباعاً وأخلاقاً, وهذا هو المعهود المعروف أن أهل المدن أرق طباعاً وألطف من أهل سوادهم, وأهل الريف والسواد أقرب حالاً من الذين يسكنون في البوادي, ولهذا قال تعالى: " الأعراب أشد كفرا ونفاقا " الاية. وقال قتادة في قوله "من أهل القرى" لأنهم أعلم وأحلم من أهل العمور. وفي الحديث الاخر أن رجلاً من الأعراب أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة فلم يزل يعطيه ويزيده حتى رضي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت أن لا أتهب هبة إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي".
وقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج, حدثنا شعبة عن الأعمش عن يحيى بن وثاب, عن شيخ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الأعمش: هو ابن عمر, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم ". وقوله: "أفلم يسيروا في الأرض" يعني هؤلاء المكذبين لك يا محمد في الأرض "فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم" أي من الأمم المكذبة للرسل, كيف دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها, كقوله: "أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها" الاية, فإذا استمعوا خبر ذلك رأوا أن الله قد أهلك الكافرين ونجى المؤمنين, وهذه كانت سنته تعالى في خلقه, ولهذا قال تعالى: " ولدار الآخرة خير للذين اتقوا " أي وكما نجينا المؤمنين في الدنيا كذلك كتبنا لهم النجاة في الدار الاخرة وهي خير لهم من الدنيا بكثير, كقوله: " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار " وأضاف الدار إلى الاخرة, فقال: " ولدار الآخرة " كما يقال: صلاة الأولى ومسجد الجامع, وعام أول, وبارحة الأولى, ويوم الخميس. وقال الشاعر:
أتمدح فقعساً وتذم عبساً ألا لله أمك من هجين
ولو أقوت عليك ديار عبس عرفت الذل عرفان اليقين
قوله 109- "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً" هذا رد على من قال "لولا أنزل عليه ملك": أي لم نبعث من الأنبياء إلى من قبلك إلا رجالاً لا ملائكة، فكيف ينكرون إرسالنا إياك. وتدل الآية على أن الله سبحانه لم يبعث نبياً من النساء ولا من الجن، وهذا يرد على من قال: إن في النساء أربع نبيات: حواء، وآسية، وأم موسى، ومريم، وقد كان بعثة الأنبياء من الرجال دون النساء أمراً معروفاً عند العرب، حتى قال قيس بن عاصم في سجاح المتنبئة:
أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها وأصبحت أنبياء الله ذكرانا
فلعنة الله والأقوام كلهم على سجاح ومن باللوم أغرانا
"نوحي إليهم" كما نوحي إليك "من أهل القرى" أي المدائن دون أهل البادية لغلبة الجفاء والقسوة على البدو ولكون أهل الأمصار أتم عقلاً وأكمل حلماً وأجل فضلاً "أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم" يعني المشركين المنكرين لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم: أي أفلم يسر المشركون هؤلاء فينظروا إلى مصارع الأمم الماضية فيعتبروا بهم حتى ينزعوا عما هم فيه من التكذيب "ولدار الآخرة خير للذين اتقوا" أي لدار الساعة الآخرة، أو لحالة الآخرة على حذف الموصوف. وقال الفراء: إن الدار هي الآخرة، وأضيف الشيء إلى نفسه لاختلاف اللفظ كيوم الجمعة وصلاة الأولى ومسجد الجامع، والكلام في ذلك مبين في كتب الإعراب. والمراد بهذه الدار: الجنة: أي هي خير للمتقين من دار الدنيا. وقرىء وللدار الآخرة وقرأ نافع وعاصم ويعقوب "أفلا تعقلون" بالتاء الفوقية على الخطاب.
109-"وما أرسلنا من قبلك"، يا محمد، "إلا رجالاً" لا ملائكة، "نوحي إليهم"، قرأ حفص: "نوحي" بالنون وكسر الحاء وقرأ الآخرون بالياء وفتح الحاء.
"من أهل القرى"، يعني: من أهل الأمصار دون البوادي، لأن أهل الأمصار أعقل وأفضل وأعلم وأحلم.
وقال الحسن: لم يبعث الله نبيا من بدو، ولا من الجن، ولا من النساء.
وقيل: إنما لم يبعث من أهل البادية لغلظهم وجفائهم.
"أفلم يسيروا في الأرض"، يعني: هؤلاء المشركين المكذبين، "فينظروا كيف كان عاقبة"، آخر أمر، " الذين من قبلهم "، يعني: الأمم المكذبة فيعتبروا.
"ولدار الآخرة خير للذين اتقوا"، يقول جل ذكره: هذا بأهل ولايتنا وطاعتنا، أن ننجيهم عند نزول العذاب، وما في الدار الآخرة خير لهم، فترك ما ذكرنا اكتفاء، لدلالة الكلام عليه.
قوله تعالى: "ولدار الآخرة"، قيل: معناه ولدار الحال والآخرة.
وقيل: هو إضافة الشيء إلى نفسه، كقوله: "إن هذا لهو حق اليقين" (الواقعة-959) وكقولهم: يوم الخميس، وربيع الآخر. "أفلا تعقلون"، فتؤمنون.
109."وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً"رد لقولهم"لو شاء ربنا لأنزل ملائكة"وقيل معناه نفي استنباء النساء" نوحي إليهم "كما يوحي إليك ويميزون بذلك عن غيرهم .وقرأحفصنوحي في كل القرآن ووافقهحمزة والكسائيفي سورة الأنبياء ."من أهل القرى"لأن أهلها أعلم وأحلم من أهل البدو."أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم"من المكذبين بالرسل والآيات فيحذروا تكذيبك ، أو من المشغوفين بالدنيا المتهالكين عليها فيقلعوا عن حبها ."ولدار الآخرة "ولدار الحال أو الساعة أو الحياة الآخرة ."خير للذين اتقوا" الشرك والمعاصي. "أفلا تعقلون" يستعملون عقولهم ليعرفوا أنها خير .وقرأنافع وابن عامر وعاصم ويعقوب بالتاء حملا على قوله:"قل هذه سبيلي"أي قل لهم أفلا تعقلون.
109. We sent not before thee (any messengers) save men whom We inspired from among the folk of the townships Have they not travelled in the land and seen the nature of the consequence for those who were before them? And verily the abode of the Hereafter, for those who ward off (evil), is best. Have ye then no sense?
109 - Nor did we send before thee (as Apostles) any but men, whom we did inspire, (men) living in human habitations. do they not travel through the earth, and see what was the end of those before them? is best, for those who do right. will ye not then understand?