[يوسف : 106] وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ
106 - (وما يؤمن أكثرهم بالله) حيث يقرون بأنه الخالق الرزاق (إلا وهم مشركون) به بعبادة الأصنام ولذا كانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك ، تملكه وما ملك . يعنونها
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وما يقر أكثر هؤلاء ـ الذين وصف عز وجل صفتهم بقوله : "وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون" ، ـ بالله أنه خالقه ورازقه وخالق كل شيء ، "إلا وهم مشركون" ، في عبادتهم الأوثان والأصنام ، واتخاذهم من دونه أرباباً ، وزعمهم أن له ولداً ، تعالى الله عما يقولون .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "وما يؤمن أكثرهم بالله" ، الآية ، قال : من إيمانهم ، إذا قيل لهم : من خلق السماء ؟ ومن خلق الأرض ؟ ومن خلق الجبال ؟ قالوا : الله ، وهم مشركون .
حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو الأحوص ،عن سماك ، عن عكرمة في قوله : "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" ، قال : تسألهم : من خلقهم ؟ ومن خلق السماوات والأرض ؟ فيقولون : الله . فذلك إيمانهم بالله ، وهم يعبدون غيره .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر ، و عكرمة : "وما يؤمن أكثرهم بالله" ، الآية ، قالا : يعلمون أنه ربهم وأنه خلقهم ، وهم يشركون به .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر ،و عكرمة ، بنحوه .
قال ، حدثنا ابن نمير ، عن نضر ، عن عكرمة : "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" ، قال : من إيمانهم إذا قيل لهم : من خلق السماوات ؟ قالوا الله . وإذا سئلوا : من خلقهم ؟ قالوا : الله . وهم يشركون به بعد .
قال ، حدثنا أبو نعيم ، عن الفضل بن يزيد الثمالي ، عن عكرمة قال : هو قول الله : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) . فإذا سئلوا عن الله وعن صفته وصفوه بغير صفته ، وجعلوا له ولداً ، وأشركوا به .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن ابي نجيح ، عن قوله : "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" ، إيمانهم قولهم : الله خالقنا ، ويرزقنا ويميتنا .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" ، فإيمانهم قولهم :الله خالقنا ، ويرزقنا ويميتنا .
حدثني المثنى قال ، أخبرنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" ، إيمانهم قولهم : الله خالقنا ، ويرزقنا ويميتنا . فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره .
قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" ، قال : إيمانهم قولهم : الله خالقنا ، ويرزقنا ويميتنا .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا هانىء بن سعيد ، وأبو معاوية ، عن حجاج ، عن القاسم ، عن مجاهد قال : يقولون : الله ربنا ، وهو يرزقنا ، وهم مشركون به بعد .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ،عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : إيمانهم قولهم : الله خالقنا ، ويرزقنا ويميتنا .
قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا ابو تميلة ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن عكرمة و مجاهد ، وعامر : أنهم قالوا في هذه الآية : "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" ، قال : ليس أحد إلا وهو يعلم أن الله خلقه وخلق السماوات والأرض ، فهذا إيمانهم ، ويكفرون بما سوى ذلك .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" ، في إيمانهم هذا .إنك لست تلقى أحداً منهم إلا أنبأك أن الله ربه ، وهو الذي خلقه ورزقه ، وهو مشرك في عبادته .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "وما يؤمن أكثرهم بالله" ، الآية ، قال : لا تسأل أحداً من المشركين :من ربك ؟ إلا قال : ربي الله ، وهو يشرك في ذلك . ‍
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثنا أبي قال ، حدثني عمي قال ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" ، يعني النصارى ، يقول : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) ، ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) ، ولئن سألتهم : من يرزقكم من السماء والأرض ؟ ليقولن : الله . وهم مع ذلك يشركون به ويعبدون غيره ، ويسجدون للأنداد دونه .
حدثني المثنى قال ، أخبرنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : كانوا يشركون به في تلبيتهم .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن عبد الملك ، عن عطاء : "وما يؤمن أكثرهم بالله" ، الآية ، قال : يعلمون أن الله ربهم ،وهم يشركون به بعد .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن عطاء في قوله : "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" ، قال : يعلمون أن الله خالقهم ورازقهم ، وهم يشركون به .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال سمعت ابن زيد يقول : "وما يؤمن أكثرهم بالله" ، الآية ، قال : ليس أحد يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله ، ويعرف أن الله ربه ، وأن الله خالقه ورازقه ، وهو يشرك به . ألا ترى كيف قال إبراهيم : ( أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ) ؟ قد عرف أنهم يعبدون رب العالمين مع ما يعبدون . قال : فليس أحد يشرك به إلا وهو مؤمن به . ألا ترى كيف كانت العرب تلبي تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك ؟ المشركون كانوا يقولون هذا .
قوله تعالى: " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " نزلت في قوم أقروا بالله خالقهم وخالق الأشياء كلها، وهم يعبدون الأوثان، قاله الحسن ومجاهد وعامر الشعبي وأكثر المفسرين. وقال عكرمة هو قوله: " ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله " ( الزخرف: 87) ثم يصفونه بغير صفته ويجعلون له أنداداً، وعن الحسن أيضاً: أنهم أهل كتاب معهم شرك وإيمان، آمنوا بالله وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فلا يصح إيمانهم، حكاه ابن الأنباري. وقال ابن عباس: نزلت في تلبية مشركي العرب: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك. وعنه أيضاً أنهم النصارى. وعنه أيضاً أنهم المشبهة، آمنوا مجملاً وأشركوا مفصلاً. وقيل: نزلت في المنافقين، المعنى: " وما يؤمن أكثرهم بالله " أي باللسان إلا وهو كافر بقلبه، ذكره الماوردي عن الحسن أيضاً. وقال عطاء: هذا في الدعاء، وذلك أن الكفار ينسون ربهم في الرخاء، فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء، بيانه: " وظنوا أنهم أحيط بهم " ( يونس: 22) الآية. وقوله: " وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه " ( يونس: 12) الآية. وفي آية أخرى: " وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض " ( فصلت: 51) وقيل: معناها أنهم يدعون الله ينجيهم من الهلكة، فإذا أنجاهم قال قائلهم: لولا فلان ما نجونا، ولولا الكلب لدخل علينا اللص، ونحو هذا، فيجعلون نعمة الله منسوبة إلى فلان، ووقايته منسوبة إلى الكلب.
قلت: وقد يقع في هذا القول والذي قبله كثير من عوام المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقيل: نزلت هذه الآية في قصة الدخان، وذلك أن أهل مكة لما غشيهم الدخان في سني القحط قالوا: " ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون " ( الدخان: 12) فذلك إيمانهم، وشركهم عودهم إلى الكفر بعد كشف العذاب، بيانه قوله: " إنكم عائدون " ( الدخان: 15) والعود لا يكون إلا بعد ابتداء، فيكون معنى: ( إلا وهم مشركون) أي إلا وهم عائدون إلى الشرك، والله أعلم.
يخبر تعالى عن غفلة أكثر الناس عن التفكر في آيات الله ودلائل توحيده بما خلقه الله في السموات والأرض من كواكب زاهرات ثوابت, وسيارات وأفلاك دائرات, والجميع مسخرات, وكم في الأرض من قطع متجاورات, وحدائق وجنات, وجبال راسيات, وبحار زاخرات, وأمواج متلاطمات, وقفار شاسعات, وكم من أحياء وأموات, وحيوان ونبات, وثمرات متشابهة ومختلفات في الطعوم والروائح والألوان والصفات, فسبحان الواحد الأحد, خالق أنواع المخلوقات, المتفرد بالدوام والبقاء والصمدية للأسماء والصفات, وغير ذلك.
وقوله: "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" قال ابن عباس: من إيمانهم أنهم إذا قيل لهم: من خلق السموات, ومن خلق الأرض, ومن خلق الجبال ؟ قالوا: الله, وهم مشركون به. وكذا قال مجاهد وعطاء وعكرمة والشعبي وقتادة والضحاك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم, وفي الصحيحين: أن المشركين كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك, تملكه وما ملك. وفي صحيح مسلم أنهم كانوا إذا قالوا: لبيك لا شريك لك, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد قد" أي حسب حسب, لا تزيدوا على هذا. وقال الله تعالى: "إن الشرك لظلم عظيم" وهذا هو الشرك الأعظم يعبد مع الله غيره, كما في الصحيحين عن ابن مسعود قلت: يا رسول الله, أي الذنب أعظم ؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك".
وقال الحسن البصري في قوله: "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" قال: ذلك المنافق يعمل إذا عمل رياء الناس, وهو مشرك بعمله ذلك يعني قوله تعالى: " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا " وثم شرك آخر خفي لا يشعر به غالباً فاعله, كما روى حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن عروة قال: دخل حذيفة على مريض فرأى في عضده سيراً فقطعه ـ أو انتزعه ـ ثم قال "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" وفي الحديث "من حلف بغير الله فقد أشرك" رواه الترمذي وحسنه من رواية ابن عمر, وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وغيره عن ابن سعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك", وفي لفظ لهما "الطيرة شرك وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل" ورواه الإمام أحمد بأبسط من هذا فقال: حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة, عن يحيى الجزار عن ابن أخي زينب, عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه, قالت: وإنه جاء ذات يوم فتنحنح وعندي عجوز ترقيني من الحمرة فأدخلتها تحت السرير, قالت: فدخل فجلس إلى جانبي, فرأى في عنقي خيطاً فقال: ما هذا الخيط ؟ قالت: قلت: خيط رقي لي فيه, فأخذه فقطعه ثم قال: إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك" قالت: قلت له: لم تقول هذا وقد كانت عيني تقذف, فكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيها, فكان إذا رقاها سكنت, فقال إنما ذاك من الشيطان كان ينخسها بيده, فإذا رقاها كف عنها, إنما كان يكفيك أن تقولي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أذهب الباس, رب الناس, اشف وأنت الشافي, لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً".
وفي حديث آخر رواه الإمام أحمد عن وكيع, عن ابن أبي ليلى, عن عيسى بن عبد الرحمن قال: دخلت على عبد الله بن عكيم وهو مريض نعوده, فقيل له, لو تعلقت شيئاً, فقال: أتعلق شيئاً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلق شيئاً وكل إليه" ورواه النسائي عن أبي هريرة, وفي مسند الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من علق تميمة فقد أشرك", وفي رواية "من تعلق تميمة فلا أتم الله له, ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له", وعن العلاء عن أبيه, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله: أنا أغنى الشركاء عن الشرك, من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" رواه مسلم.
وعن أبي سعيد بن أبي فضالة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا جمع الله الأولين والاخرين ليوم لا ريب فيه ينادي مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله, فليطلب ثوابه من عند غير الله, فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك" رواه الإمام أحمد وقال أحمد: حدثنا يونس حدثنا ليث عن يزيد يعني ابن الهادي, عن عمرو, عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر" قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال: "الرياء, يقول الله تعالى يوم القيامة إذا جازى الناس بأعمالهم: اذهبوا الى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً ؟" وقد رواه إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب, عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد به. وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن, أنبأنا ابن لهيعة, أنبأنا ابن هبيرة عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك" قالوا: يا رسول الله, ما كفارة ذلك ؟ قال: "أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك, ولا طير إلا طيرك, ولا إله غيرك".
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن نمير, حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن أبي علي ـ رجل من بني كاهل ـ قال: خطبنا أبو موسى الأشعري فقال: يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك, فإنه أخفى من دبيب النمل. فقام عبد الله بن حزن وقيس بن المضارب فقالا: والله لتخرجن مما قلت, أو لنأتين عمر مأذونا لنا أو غير مأوذن. قال: بل أخرج مما قلت, خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: "يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك, فإنه أخفى من دبيب النمل" فقال له من شاء الله أن يقول: فكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟ قال: "قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه, ونستغفرك لما لا نعلمه". وقد روي من وجه آخر, وفيه أن السائل في ذلك هو الصديق, كما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي من حديث عبد العزيز بن مسلم, عن ليث بن أبي سليم, عن أبي محمد, عن معقل بن يسار, قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم أو قال: حدثني أبو بكر الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل", فقال أبو بكر: وهل الشرك إلا من دعا مع الله إلهاً آخر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل" ثم قال: "ألا أدلك على ما يذهب عنك صغير ذلك وكبيره ؟ قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم, وأستغفرك مما لا أعلم".
وقد رواه الحافظ أبو القاسم البغوي عن شيبان بن فروخ, عن يحيى بن كثير, عن الثوري, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن قيس بن أبي حازم, عن أبي بكر الصديق, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا" قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله, فكيف النجاة والمخرج من ذلك ؟ فقال: "ألا أخبرك بشيء إذا قلته برئت من قليله وكثيره وصغيره وكبيره ؟" قال: بلى يا رسول الله. قال: "قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم, وأستغفرك لما لا أعلم". قال الدارقطني: يحيى بن كثير هذا, يقال له أبو النضر, متروك الحديث, وقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي من حديث يعلى بن عطاء, سمعت عمرو بن عاصم, سمعت أبا هريرة قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله, علمني شيئاً أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت, وإذا أخذت مضجعي, قال: "قل: اللهم فاطر السموات والأرض, عالم الغيب والشهادة, رب كل شيء ومليكه, أشهد أن لا إله إلا أنت, أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه", رواه أبو داود والنسائي وصححه, وزاد الإمام أحمد في رواية له: من حديث ليث بن أبي سليم عن مجاهد, عن أبي بكر الصديق, قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول ـ فذكر هذا الدعاء وزاد في آخره ـ "وأن أقترف على نفسي سوءاً أو أجره إلى مسلم".
وقوله: "أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله" الاية, أي أفأمن هؤلاء المشركون بالله أن يأتيهم أمر يغشاهم من حيث لا يشعرون, كما قال تعالى: "أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم". وقوله: "أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون * أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون".
106- "وما يؤمن أكثرهم بالله" أي وما يصدق ويقر أكثر الناس بالله من كونه الخالق الرزاق المحيي المميت "إلا وهم مشركون" بالله يعبدون معه غيره كما كانت تفعله الجاهلية، فإنهم مقرون بالله سبحانه وبأنه الخالق لهم " ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله " "ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله"، لكنهم كانوا يثبتون له شركاء فيعبدونهم ليقربونهم إلى الله " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله " ومثل هؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله المعتقدون في الأموات بأنهم يقدرون على ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه كما يفعله كثير من عباد القبور، ولا ينافي هذا ما قيل من أن الآية نزلت في قوم مخصوصين، فالاعتبار بما يدل عليه اللفظ لا بما يفيده السبب من الاختصاص ممن كان سبباً لنزول الحكم.
106-"وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون"، فكان من إيمانهم إذا سئلوا: من خلق السموات والأرض؟ قالوا: الله، وإذا قيل لهم: من ينزل المطر؟ قالوا: الله، ثم مع ذلك يعبدون الأصنام ويشركون.
وعن ابن عباس أنه قال: إنها نزلت في تلبية المشركين من العرب كانوا يقولون في تلبيتهم، لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك.
وقال عطاء: هذا في الدعاء، وذلك أن الكفار نسوا ربهم في الرخاء، فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء، كما قال الله تعالى: "وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين" (يونس-22) وقال تعالى: "فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون" (العنكبوت-65)، وغير ذلك من الآيات.
106."وما يؤمن أكثرهم بالله"في إقرارهم بوجوده و خالقيته . "إلا وهم مشركون "بعبادة غيره أو باتخاذ الأحبار أرباباً .ونسبة التبني إليه تعالى، أو القول بالنور والظلمة أو النظر إلى الأسباب ونحو ذلك ،وقيل الآية في مشركي مكة ، وقيل في المنافقين ، وقيل في أهل الكتاب.
106. And most of them believe not in Allah except that they attribute partners (unto Him).
106 - And most of them believe not in God without associating (others as partners) with him