[يوسف : 101] رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ
101 - (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث) تعبير الرؤيا (فاطر) خالق (السماوات والأرض أنت وليي) متولي صالحي (في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين) من آبائي فعاش بعد ذلك أسبوعا أو أكثر ومات وله مائة وعشرون سنة وتشاحَّ المصريون في قبره فجعلوه في صندوق من مرمر ودفنوه في أعلى النيل لتعم البركة جانبيه فسبحان من لا انقضاء لملكه
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال يوسف ، بعد ما جمع الله له أبويه وإخوته ، وبسط عليه من الدنيا ما بسط من الكرامة ، ومكنه في الأرض ، متشوقاً إلى لقاء آبائه الصالحين : "رب قد آتيتني من الملك" ، يعني :من ملك مصر : "وعلمتني من تأويل الأحاديث" ، يعني من عبارة الرؤيا ، تعديداً لنعم الله عليه ، وشكراً له عليها ، "فاطر السماوات والأرض" ، يقول : يا فاطر السماوات والأرض ، يا خالقها وبارئها ، "أنت وليي في الدنيا والآخرة" ، يقول : أنت وليي في دنياي على من عاداني وأرادني بسوء بنصرك ، وتغذوني فيها بنعمتك ، وتليني في الآخرة بفضلك ورحمتك ، "توفني مسلما" ، يقول : اقبضني إليك مسلماً ، "وألحقني بالصالحين" ، يقول : وألحقني بصالح آبائي إبراهيم وإسحاق ومن قبلهم من أنبيائك ورسلك .
وقيل : إنه لم يتمن أحد من الأنبياء الموت قبل يوسف .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث" ، الآية ،كان ابن عباس يقول : أول نبي سأل الله الموت يوسف .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس : قوله : "رب قد آتيتني من الملك" ، الآية ، قال : اشتاق إلى لقاء ربه ،وأحب أن يلحق به وبآبائه ، فدعا الله أن يتوفاه ويلحقه بهم . ولم يسأل نبي قط الموت غير يوسف ، فقال : "رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث" ، الآية . قال ابن جريج : في بعض القرآن من قال من الأنبياء : توفني .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "توفني مسلما وألحقني بالصالحين" ، لما جمع شمله ، وأقر عينه ، وهو يومئذ مغموس في نبت الدنيا وملكها وغضارتها ، فاشتاق إلى الصالحين قبله . وكان ابن عباس يقول : ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف .
حدثني المثنى قال ، أخبرنا إسحاق قال ، أخبرنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة قال : لما جمع ليوسف شمله ، وتكاملت عليه النعم ، سأل لقاء ربه فقال : "رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين" ، قال قتادة : ولم يتمن الموت أحد قط ، نبي ولا غيره ، إلا يوسف .
حدثني المثنى قال ، حدثنا هشام قال ، حدثنا الوليد بن مسلم قال ، حدثني غير واحد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أن يوسف النبي صلى الله عليه وسلم ، لما جمع بينه وبين أبيه وإخوته وهو يومئذ ملك مصر ، اشتاق إلى الله وإلى آبائه الصالحين إبراهيم وإسحاق ، فقال : " رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين" .
حدثني المثنى قال ، أخبرنا إسحاق قال ، حدثنا هشام ،عن مسلم بن خالد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "وعلمتني من تأويل الأحاديث" ، قال : العبارة .
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "توفني مسلما وألحقني بالصالحين" ، يقول : توفني على طاعتك ، واغفر لي إذا توفيتني .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : قال يوسف ، حين رأى ما رأى من كرامة الله وفضله عليه وعلى أهل بيته ، حين جمع الله له شمله ، ورده على والده ، وجمع بينه وبينه فيما هو فيه من الملك والبهجة : "يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا" ، إلى قوله : "إنه هو العليم الحكيم" . ثم ارعوى يوسف ، وذكر أن ما هو فيه من الدنيا بائد وذاهب ، فقال : "رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين" .
وذكر أن بني يعقوب الذين فعلوا بيوسف ما فعلوا ، استغفر لهم أبوهم ، فتاب الله عليهم وعفا عنهم ،وغفر لهم ذنبهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن صالح المري ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك ، قال : إن الله تبارك وتعالى لما جمع ليعقوب شمله وأقر عينه ، خلا ولده نجياً ، فقال بعضهم لبعض : ألستم قد علمتم ما صنعتم ، ما لقي منكم الشيخ ، وما لقي منكم يوسف ؟ قالوا : بلى ‍، قال : فيغركم عفوهما عنكم ، فكيف لكم بربكم ؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ فجلسوا بين يديه ، ويوسف إلى جنب أبيه قاعد ، قالوا : يا ابانا أتيناك في أمر لم نأتك في أمر مثله قط ، ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله ، حتى حركوه ، والأنبياء أرحم البرية ، فقال: ما لكم ، يا بني ؟ قالوا : ألست قد علمت ما كان منا إليك ، وما كان منا إلى أخينا يوسف ؟ قال : بلى ، قالوا : أفلستما قد عفوتما ؟ قالا : بلى ، قالوا : فإن عفوكما لا يغني عنا شيئاً إن كان الله لم يعف عنا ، قال : فما تريدون يا بني ؟ قالوا : نريد أن تدعو الله لنا ، فإذا جاءك الوحي من عند الله بأنه قد عفا عما صنعنا ،قرت أعيننا ، واطمأنت قلوبنا ، وإلا فلا قرة عين في الدنيا لنا أبداً . قال : فقام الشيخ واستقبل القبلة ، وقام يوسف خلف أبيه ، وقاموا خلفهما أذلةً خاشعين . قال : فدعا وأمن يوسف ، فلم يجب فيهم عشرين سنة ، قال صالح المري : يخيفهم . قال : حتى إذا كان رأس العشرين ، نزل جبريل صلى الله عليه على يعقوب عليه السلام فقال : إن الله تبارك وتعالى بعثني إليك أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك ، وأنه قد عفا عما صنعوا ، وأنه قد اعتقد مواثيقهم من بعدك على النبوة .
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا جعفر بن سليمان ، عن أبي عمران الجوني قال : والله لو كان قتل يوسف مضى ، لأدخلهم الله النار كلهم ، ولكن الله جل ثناؤه أمسك نفس يوسف ليبلغ فيه أمره ، ورحمة لهم . ثم يقول : والله ما قص الله نبأهم يعيرهم بذلك ، إنهم لأنبياء من أهل الجنة ، ولكن الله قص علينا نبأهم لئلا يقنط عبده .
وذكر أن يعقوب توفي قبل يوسف ، وأوصى إلى يوسف ، وأمره أن يدفنه عند قبر أبيه إسحاق .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال : لما حضر الموت يعقوب أوصى إلى يوسف أن يدفنه عند إبراهيم وإسحاق . فلما مات ، نفخ فيه المر وحمل إلى الشأم . قال : فلما بلغوا إلى ذلك المكان ، أقبل عيصا أخو يعقوب فقال : غلبني على الدعوة ، فوالله لا يغلبني على القبر ‍، فأبى أن يتركهم أن يدفنوه . فلما احتبسوا ، قال هشام بن دان بن يعقوب ـ وكان هشام أصم ـ لبعض إخوته : ما لجدي لا يدفن ، قالوا : هذا عمك يمنعه ، قال : أرونيه اين هو ؟ فلما رآه ، رفع هشام يده فوجأ بها رأس العيص وجأةً سقطت عيناه على فخذ يعقوب ، فدفنا في قبر واحد .
قوله تعالى: " رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث " قال قتادة: لم يتمن الموت أحد، نبي ولا غيره إلا يوسف عليه السلام، حين تكاملت عليه النعم وجمع له الشمل اشتقاق إلى لقاء ربه عز وجل. وقيل: إن يوسف لم يتمن الموت، وإنما تمنى الوفاة على الإسلام، إي إذا جاء أجلي توفني مسلماً، وهذا قول الجمهور. وقال سهل بن عبد الله التستري: لا يتمنى الموت إلا ثلاث: رجل جاهل بما بعد الموت، أو رجل يفر من أقدار الله تعالى عليه، أو مشتاق محب للقاء الله عز وجل. وثبت في الصحيح عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنياً فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي " رواه مسلم . وفيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يتمني أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن إلا خيراً ". وإذا ثبت هذا فكيف يقال: إن يوسف عليه السلام تمنى الموت والخروج من الدنيا وقطع العمل؟ هذا بعيد! إلا أن يقال: إن ذلك كان جائزاً في شرعه، أما أنه يجوز تمني الموت والدعاء به عند ظهور الفتن وغلبتها، وخوف ذهاب الدين، على ما بيناه في كتاب التذكرة و ( من) من قوله: ( من الملك) للتبعيض، وكذلك قوله: ( وعلمتني من تأويل الأحاديث) لأن ملك مصر ما كان كل الملك، وعلم التعبير ما كان كل العلوم. وقيل: ( من) للجنس كقوله: " فاجتنبوا الرجس من الأوثان " ( الحج: 30). وقيل: للتأكيد. أي آتيتني الملك وعلمتني تأويل الأحاديث.
قوله تعالى: " فاطر السماوات والأرض " نصب على النعت للنداء، وهو رب، وهو نداء مضاف، والتقدير: يا رب! ويجوز أن يكون نداء ثانياً. والفاطر الخالق، فهو سبحانه فاطر الموجودات، أي خالقها ومبدئها ومنشئها ومخترعها على الإطلاق من غير شيء، ولا مثال سبق، وقد تقدم هذا المعنى في ( البقرة) مستوفى، عند قوله: ( بديع السماوات والأرض) وزدناه بياناً في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى. " أنت ولي " أي ناصري ومتولي أموري في الدنيا والآخرة. "توفني مسلما وألحقني بالصالحين " يريد آباءه الثلاثة، إبراهيم وإسحق ويعقوب، فتوفاه الله - طاهراً طيباً صلى الله عليه وسلم - بمصر، ودفن في النيل في صندوق من رخام، وذلك أنه لما مات تشاح الناس عليه، كل يحب أن يدفن في محلتهم، لما يرجون من بركته، واجتمعوا على ذلك حتى هموا بالقتال، فرأوا أن يدفنوه في النيل من حيث مفرق الماء بمصر، فيمر عليه الماء، ثم يتفرق في جميع مصر، فيكونوا فيه شرعاً ففعلوا، فلما خرج موسى ببني إسرائيل أخرجه من النيل، ونقل تابوته بعد أربعمائة سنة إلى بيت المقدس، فدفنوه مع آبائه لدعوته: ( وألحقني بالصالحين) وكان عمره مائة عام وسبعة أعوام. وعن الحسن قال: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة، ثم جمع له شمله فعاش بعد ذلك ثلاثاً وعشرين سنة، وكان له من الولد إفراثيم، ومنشا، ورحمة، زوجة أيوب، في قول أبي لهيعة. قال الزهري : ولد لإفراثيم - بن يوسف - نون بن إفراثيم، وولد لنون يوشع، فهو يوشع بن نون، وهو فتى موسى الذي كان معه صاحب أمره، ونبأه الله في زمن موسى عليه السلام، فكان بعده نبياً، وهو الذي افتتح أريحا، وقتل من كان بها من الجبابرة، واستوقفت له الشمس حسب ما تقدم في ( المائدة). وولد لمنشا بن يوسف موسى بن منشا، قبل موسى بن عمران. وأهل التوراة يزعمون أنه هو الذي طلب العالم ليتعلم منه حتى أدركه، والعالم هو الذي خرق السفينة، وقتل الغلام، وبنى الجدار، وموسى بن منشا معه حتى بلغ معه حيث بلغ، وكان ابن عباس ينكر ذلك، والحق الذي قاله ابن عباس، وكذلك في القرآن. ثم كان بين يوسف وموسى أمم وقرون، وكان فيما بينهما شعيب، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
هذا دعاء من يوسف الصديق, دعا به ربه عز وجل لما تمت نعمة الله عليه باجتماعه بأبويه وإخوته, وما من الله به عليه من النبوة والملك سأل ربه عز وجل كما أتم نعمته عليه في الدنيا أن يستمر بها عليه في الاخرة, وأن يتوفاه مسلماً حين يتوفاه, قاله الضحاك: وأن يلحقه بالصالحين وهم إخوانه من النبيين والمرسلين, صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, وهذا الدعاء يحتمل أن يوسف عليه السلام, قاله عند اختصاره, كما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يرفع أصبعه عند الموت ويقول: " اللهم في الرفيق الأعلى " ثلاثاً, ويحتمل أنه سأل الوفاة على الإسلام واللحاق بالصالحين إذا جاء أجله, وانقضى عمره, لا أنه سأله ذلك منجزاً كما يقول الداعي لغيره: أماتك الله على الإسلام, ويقول الداعي: اللهم أحينا مسلمين, وتوفنا مسلمين, وألحقنا بالصالحين, ويحتمل أنه سأل ذلك منجزاً, وكان ذلك سائغاً في ملتهم, كما قال قتادة قوله: "توفني مسلماً وألحقني بالصالحين" لما جمع الله شمله وأقر عينه, وهو يومئذ مغمور في الدنيا وملكها ونضارتها, اشتاق إلى الصالحين قبله.
وكان ابن عباس يقول: ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف عليه السلام, وكذا ذكر ابن جرير والسدي عن ابن عباس أنه أول نبي دعا بذلك , وهذا يحتمل أنه أول من سأل الوفاة على الإسلام, كما أن نوحاً أول من قال: "رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً" ويحتمل أنه أول من سأل إنجاز ذلك, وهو ظاهر سياق قول قتادة, ولكن هذا لا يجوز في شريعتنا. قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم, حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان ولا بد متمنياً الموت, فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي, وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي" وأخرجاه في الصحيحين, وعندهما "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به إما محسناً فيزداد, وإما مسيئاً فلعله يستعتب, ولكن ليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي, وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي".
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة, حدثنا معان بن رفاعة, حدثني علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: جلسنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ورققنا, فبكى سعد بن أبي وقاص فأكثر البكاء, وقال: يا ليتني مت, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا سعد أعندي تتمنى الموت ؟" فردد ذلك ثلاث مرات, ثم قال: "يا سعد إن كنت خلقت للجنة, فما طال من عمرك وحسن من عملك فهو خير لك" وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا أبو يونس, وهو سليم بن جبير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ولا يدع به من قبل أن يأتيه إلا أن يكون قد وثق بعمله, فإنه إذا مات أحدكم انقطع عنه عمره, وأنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً" تفرد به أحمد, وهذا فيما إذا كان الضر خاصاً به, وأما إذا كان فتنة في الدين فيجوز سؤال الموت, كما قال الله تعالى إخباراً عن السحرة لما أرادهم فرعون عن دينهم وتهددهم بالقتل " ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين " وقالت مريم لما أجاءها المخاض, وهو الطلق, إلى جذع النخلة: " يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا " لما علمت من أن الناس يقذفونها بالفاحشة, لأنها لم تكن ذات زوج, وقد حملت ووضعت, وقد قالوا: " يا مريم لقد جئت شيئا فريا * يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا " فجعل الله لها من ذلك الحال فرجاً ومخرجاً, وأنطق الصبي في المهد بأنه عبد الله ورسوله, فكان آية عظيمة, ومعجزة باهرة صلوات الله وسلامه عليه. وفي حديث معاذ الذي رواه الإمام أحمد والترمذي في قصة المنام والدعاء الذي فيه "وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون".
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سلمة, أنبأنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو عن عاصم بن عمر بن قتادة, عن محمود بن لبيد مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اثنتان يكرههما ابن آدم: يكره الموت والموت خير للمؤمن من الفتن, ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحساب" فعند حلول الفتن في الدين يجوز سؤال الموت, ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في آخر خلافته لما رأى أن الأمور لا تجتمع له ولا يزداد الأمر إلا شدة, فقال: اللهم خذني إليك, فقد سئمتهم وسئموني. وقال البخاري رحمه الله: لما وقعت له تلك الفتنة وجرى له مع أمير خراسان ما جرى, قال: اللهم توفني إليك. وفي الحديث "إن الرجل ليمر بالقبر ـ أي في زمان الدجال ـ فيقول: يا ليتني مكانك" لما يرى من الفتن. والزلازل والبلابل والأمور الهائلة التي هي فتنة لكل مفتون. قال أبو جعفر بن جرير: وذكر أن بني يعقوب الذين فعلوا بيوسف ما فعلوا, استغفر لهم أبوهم, فتاب الله عليهم, وعفا عنهم, وغفر لهم ذنوبهم.
(ذكر من قال ذلك)
حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, حدثني حجاج عن صالح المري, عن يزيد الرقاشي, عن أنس بن مالك قال: إن الله تعالى لما جمع ليعقوب شمله بعينيه خلا ولده نجيا, فقال بعضهم لبعض: ألستم قد علمتم ما صنعتم ؟ وما لقي منكم الشيخ, وما لقي منكم يوسف ؟ قالوا: بلى. قال فيغركم عفوهما عنكم, فكيف لكم بربكم ؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ, فجلسوا بين يديه ويوسف إلى جانب أبيه قاعد, قالوا: يا أبانا إنا أتيناك لأمر لم نأتك لأمر مثله قط, ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله قط حتى حركوه, والأنبياء عليهم السلام أرحم البرية, فقال: ما لكم يا بني ؟ قالوا: ألست قد علمت ما كان منا إليك وما كان منا إلى أخينا يوسف ؟ قال: بلى قالوا: أولستما قد غفرتما لنا ؟ قالا: بلى. قالوا: فإن عفوكما لا يغني عنا شيئاً, إن كان الله لم يعف عنا. قال: فما تريدون يا بني ؟ قالوا: نريد أن تدعو الله لنا, فإذا جاءك الوحي من الله بأنه قد عفا عنا, قرت أعيننا, واطمأنت قلوبنا, وإلا فلا قرة عين في الدنيا لنا أبداً. قال: فقام الشيخ فاستقبل القبلة وقام يوسف خلف أبيه, وقاموا خلفهما أذلة خاشعين, قال: فدعا وأمن يوسف, فلم يجب فيهم عشرين سنة, قال صالح المري يخيفهم, قال: حتى إذا كان على رأس العشرين نزل جبريل عليه السلام, على يعقوب عليه السلام, فقال: إن الله تعالى قد بعثني إليك أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك وأن الله تعالى قد عفا عما صنعوا, وأنه قد اعتقد مواثيقهم من بعدك على النبوة. هذا الأثر موقوف عن أنس. ويزيد الرقاشي وصالح المري ضعيفان جداً. وذكر السدي أن يعقوب عليه السلام لما حضره الموت أوصى إلى يوسف بأن يدفن عند إبراهيم وإسحاق, فلما مات صبره وأرسله إلى الشام, فدفن عندهما عليهم السلام.
فقال:101- "رب قد آتيتني من الملك" من للتبعيض: أي بعض الملك، لأنه لم يؤت كل الملك، إنما أوتي ملكاً خاصاً، وهو ملك مصر في زمن خاص "وعلمتني من تأويل الأحاديث" أي بعضها، لأنه لم يؤت جميع علم التأويل سواء أريد به مطلق العلم والفهم، أو مجرد تأويل الرؤيا، وقيل من للجنس كما في قوله: "فاجتنبوا الرجس من الأوثان" وقيل زائدة: أي آتيتني الملك وعلمتني تأويل الأحاديث "فاطر السماوات والأرض" منتصب على أنه صفة لرب، لكونه منادى مضافاً، ويجوز أن يكون انتصابه على أنه منادى بحرف مقدر: أي يا فاطر، والفاطر الخالق والمنشيء والمخترع والمبدع "أنت وليي" أي ناصري ومتولي أموري " في الدنيا والآخرة " تتوالاني فيهما "توفني مسلماً وألحقني بالصالحين" أي توفني على الإسلام لا يفارقني حتى أموت، وألحق بالصالحين من النبيين من آبائي وغيرهم فأظفر بثوابهم منك ودرجاتهم عندك. قيل إنه لما دعا بهذا الدعاء توفاه الله عز وجل، قيل كان عمره عند أن ألقي في الجب سبع عشرة سنة، وكان في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة إلى قدوم إبيه يعقوب عليه، ثم عاش بعد اجتماع شملهم حتى كمل عمره المقدار الذي سيأتي وتوفاه الله. قيل لم يتمن الموت أحد غير يوسف لا نبي ولا غيره. وذهب الجمهور إلى أنه لم يتمن الموت بهذا الدعاء، وإنما دعا ربه أن يتوفاه على الإسلام ويلحقه بالصالحن من عباده عند حضور أجله.
وقد أخرج أبو الشيخ عن أبي هريره قال: دخل يعقوب مصر في ملك يوسف وهو ابن ماءة وثلاثين سنة، وعاش في ملكه ثلاثين سنة، ومات يوسف وهو ابن مائة وعشرين.
قال أبو هريرة: وبلغني أنه كان عمر إبراهيم خليل الله مائة وخمسة وتسعين سنة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله:" آوى إليه أبويه " قال: أبوه وأمه ضمهما. وأخرجا عن وهب قال وخالته، وكانت توفيت أم يوسف في نفاس أخيه بنيامين وأخرج أبو الشيخ نحوه عن سفيان بن عيينة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ورفع أبويه على العرش" قال: السرير، وأخرج ابن أبي حاتم عن عدي بن حاتم في قوله: "وخروا له سجداً" قال: كانت تحية من كان قبلكم فأعطاكم الله السلام مكانها. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة نحوه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد قال: ذلك سجود تشرفة كما سجدت الملائكة تشرفة لأدم، وليس سجود عبادة. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله: "إن ربي لطيف لما يشاء" قال: لطيف ليوسف وصنع له حين أخرجه من السجن، وجاء بأهله من البدو، ونزع من قلبه نزغ الشيطان وتحريشه على إخوته. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ما سأل نبي الوفاة غير يوسف. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عنه قال: اشتاق إلى لقاء الله وأحب أن يلحق به وبأبائه. فدعا الله أن يتوفاه، وأن يلحقه بهم وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله "وألحقني بالصالحين" قال: يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: يعني أهل الجنة.
101-فلما جمع الله تعالى ليوسف شمله علم أن نعيم الدنيا لا يدوم سأل الله تعالى حسن العاقبة، فقال: "رب قد آتيتني من الملك"، يعني: ملك مصر، والملك: اتساع المقدور لمن له السياسة والتدبير. "وعلمتني من تأويل الأحاديث"، يعني: تعبير الرؤيا. "فاطر"، أي: يا فاطر، "السموات والأرض" أي: خالقهما "أنت وليي"، أي: معيني ومتولي أمري، "في الدنيا والآخرة توفني مسلماً"، يقول اقبضني إليك مسلما، "وألحقني بالصالحين"، يريد بآبائي النبيين.
قال قتادة: لم يسأل نبي من الأنبياء الموت إلا يوسف.
وفي القصة: لما جمع الله شمله وأوصل إليه أبويه وأهله اشتاق إلى ربه عز وجل فقال هذه المقالة.
قال الحسن: عاش بعد هذا سنين كثيرة. وقال غيره: لما قال هذا القول لم يمض عليه أسبوع حتى توفي.
واختلفوا في مدة غيبة يوسف عن أبيه، فقال الكلبي: اثنتان وعشرون سنة.
وقيل: أربعون سنة.
وقال الحسن: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وغاب عن أبيه ثمانين سنة، وعاش بعد لقاء يعقوب ثلاثا وعشرين سنة، ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة.
وفي التوراة مات وهو ابن مائة وعشر سنين، وولد ليوسف من امرأة العزيز ثلاثة أولاد: أفرائيم وميشا ورحمة امرأة أيوب المبتلى عليه السلام.
وقيل: عاش يوسف بعد أبيه ستين سنة. قيل: أكثر. واختلفت الأقاويل فيه.
وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة، فدفنوه في النيل في صندوق من رخام، وذلك أنه لما مات تشاح الناس فيه فطلب أهل كل محلة أن يدفن في محلتهم رجاء بركته، حتى هموا بالقتال، فرأوا أن يدفنوه في النيل حيث يتفرق الماء بمصر ليجري الماء عليه وتصل بركته إلى جميعهم.
وقال عكرمة: دفن في الجانب الأيمن من النيل، فأخصب ذلك الجانب وأجدب الجانب الآخر، فنقل إلى الجانب الأيسر فأخصب ذلك الجانب وأجدب الجانب الآخر، فدفنوه في وسطه وقدروا ذلك بسلسة فأخصب الجانبان جميعا إلى أن أخرجه موسى فدفنه بقرب آبائه بالشام.
101."رب قد آتيتني من الملك"بعض الملك وهو ملك مصر. "وعلمتني من تأويل الأحاديث"الكتب أو الرؤيا، ومن أيضاً للتبعيض لأنه لم يؤت كل التأويل ."فاطر السموات والأرض"مبدعهما وانتصابه على أنه صفة المنادى أو منادى برأسه."أنت وليي"ناصري ومتولي أمري."في الدنيا والآخرة "أو الذي يتولاني بالنعمة فيهما."توفني مسلماً"اقبضي."وألحقني بالصالحين"من آبائي أو بعامة الصالحين في الرتبة والكرامة. روي أن يعقوب عليه السلام أقام معه أربعاً وعشرين سنة ثم توفي وأوصى أن يدفن بالشام إلى جنب أبيه، فذهب به ودفنه ثم عاد وعاش بعده ثلاثاً وعشرين سنة، ثم تاقت نفسه إلى الملك المخلد فتمنى الموت فتوفاه الله طيباً طاهراً ، فتخاصم أهل مصر في مدفنه حتى هموا بالقتال، فرأوا أن يجعلوه في صندوق من مرمر ويدفنوه في النيل بحيث يمر عليه الماء ، ثم يصل إلى مصر ليكونوا شرعاً فيه، ثم نقله موسى عليه الصلاة والسلام إلى مدفن آبائه وكان عمره مائة وعشرين سنة. وقد ولد له من راعيل افرثيم وميشا وهو جد يوشع بن نون، ورحمة أيوب عليه الصلاة والسلام .
101. O my Lord! Thou hast given me (something) of sovereignty and hast taught me (something) of the interpretation of events, Creator of the heavens and the earth! Thou art my Protecting Friend in the world and the Hereafter. Make me to die submissive (unto Thee), and join me to the righteous.
101 - O my Lord thou hast indeed bestowed on me some power, and taught me something of the interpretation of dreams and events, O thou creator of the heavens and the earth thou art my protector in this world and in the hereafter. take thou my soul (at death) as one submitting to thy will (as a Muslim), and unite me with the righteous.