[الناس : 5] الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ
5 - (الذي يوسوس في صدور الناس) قلوبهم إذا غفلوا عن ذكر الله
وقوله : " الذي يوسوس في صدور الناس " يعني بذلك : الشيطان الوسواس ، الذي يوسوس في صدور الناس : جنهم وإنسهم .
فإن قال قائل : فالجن ناس ، فيقال : الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس . قيل : قد سماهم الله في هذا الموضع ناساً ، كنا سماهم في موصع آخر رجلاً ، فقال : " وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن " [ الجن : 6] فجعل الجن رجالاً ، وكذلك جعل منهم ناساً .
وقد ذكر عن بعض العرب أنه قال وهو يحدث ، إذا جاء قوم من الجن فوقفوا ، فقيل : من أنتم ؟ فقالوا : ناس من الجن : فجعل منهم ناساً ، فكذلك ما في التنزيل من ذلك .
قوله تعالى:" الذي يوسوس في صدور الناس"
قال مقاتل: إن الشيطان في صورة خنزير، يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق، سلطه الله على ذلك، فذلك قوله تعالى:" الذي يوسوس في صدور الناس" وفي الصحيح:
"عن النبي صلى الله عليه وسلم :(إن الشيطان يجري من أبن آدم مجرى الدم)" وهذا يصحح ما قاله مقاتل. وروى شهر بن حوشب عن أبي ثعلبة الخشني قال: سألت الله أن يريني الشيطان ومكانه من ابن آدم فرأيته، يداه في يديه، ورجلاه في رجليه، ومشاعبه في جسده، غير أن له خطماً كخطم الكلب، فإذا ذكر الله خنس ونكس، وإذا سكت عن ذكر الله أخذ بقلبه. فعلى ما وصف أبو ثعلبه أن متشعب في الجسد، أي في كل عضو منه شعبة. وروي عن عبدالرحمن بن الأسود أوغيره من التابعين أنه قال -وقد كبر سنه - ما أمنت الزنى وما يؤمنني أن يدخل الشيطان ذكره فيوتده! فهذا القول ينبئك أنه متشعب في الجسد،وهذا معنى قول مقاتل. ووسوسته: هو الدعا لطاعته بكلام خفي، يصل مفهومه الى القلب من غير سماع صوت.
هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل: الربوبية والملك والإلهية, فهو رب كل شيء ومليكه وإلهه فجميع الأشياء مخلوقة له مملوكة عبيد له, فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات من شر الوسواس الخناس, وهو الشيطان الموكل بالإنسان, فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزين له الفواحش ولا يألوه جهداً في الخيال, والمعصوم من عصمه الله.
وقد ثبت في الصحيح أنه "ما منكم من أحد إلا قد وكل به قرينه قالوا: وأنت يا رسول الله ؟ قال: نعم إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير", وثبت في الصحيح عن أنس في قصة زيارة صفية للنبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف, وخروجه معها ليلاً ليردها إلى منزلها, فلقيه رجلان من الأنصار, فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على رسلكما إنها صفية بنت حيي فقالا: سبحان الله يا رسول الله. فقال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً ـ أو قال شراً", وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا محمد بن بحر حدثنا عدي بن أبي عمارة حدثنا زياد النميري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس, وإن نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس" غريب.
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم حماره فقلت تعس الشيطان, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت: تعس الشيطان تعاظم وقال: بقوتي صرعته وإذا قلت: باسم الله تصاغر حتى يصير مثل الذباب وغلب " , تفرد به أحمد إسناده جيد قوي, وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغلب, وإن لم يذكر الله تعاظم وغلب. وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا الضحاك بن عثمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحدكم إذا كان في المسجد جاءه الشيطان فالتبس به كما يلتبس الرجل بدابته, فإذا سكن له زنقه أو ألجمه" قال أبو هريرة رضي الله عنه: وأنتم ترون ذلك أما المزنوق فتراه مائلاً كذا لا يذكر الله, وأما الملجم ففاتح فاه لا يذكر الله عز وجل, تفرد به أحمد . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: "الوسواس الخناس"
قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم, فإذا سها وغفل وسوس,فإذا ذكر الله خنس, وكذا قال مجاهد وقتادة وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه : ذكر لي أن الشيطان الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح, فإذا ذكر الله خنس. وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: "الوسواس" قال: هو الشيطان يأمر فإذا أطيع خنس.
وقوله تعالى: "الذي يوسوس في صدور الناس" هل يختص هذا ببني آدم كما هو الظاهر أو يعم بني آدم والجن ؟ فيه قولان ويكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليباً, وقال ابن جرير : وقد استعمل فيهم رجال من الجن فلا بدع في إطلاق الناس عليهم. وقوله تعالى: "من الجنة والناس" هل هو تفصيل لقوله: "الذي يوسوس في صدور الناس" ثم بينهم فقال: "من الجنة والناس" وهذا يقوي القول الثاني وقيل لقوله: "من الجنة والناس" تفسير للذي يوسوس في صدور الناس من شياطين الإنس والجن كما قال تعالى: "وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً".
وكما قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع حدثنا المسعودي حدثنا أبو عمر الدمشقي , حدثنا عبيد بن الخشخاش عن أبي ذر قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست فقال: "يا أبا ذر هل صليت ؟ قلت: لا قال: قم فصل قال: فقمت فصليت ثم جلست فقال: يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن قال: فقلت يا رسول الله وللإنس شياطين ؟ قال: نعم قال: فقلت يا رسول الله الصلاة ؟ قال: خير موضوع من شاء أقل ومن شاء أكثر قلت يا رسول الله فالصوم قال: فرض مجزىء وعند الله مزيد قلت: يا رسول الله فالصدقة ؟ قال: أضعاف مضاعفة قلت: يا رسول الله فأيها أفضل, قال: جهد من مقل أو سر إلى فقير قلت: يا رسول الله أي الأنبياء كان أول ؟ قال: آدم . قلت: يا رسول الله ونبياً كان ؟ قال: نعم نبي مكلم قلت: يا رسول الله كم المرسلون ؟ قال : ثلثمائة وبضعة عشر جماً غفيراً وقال مرة : خمسة عشر قلت: يا رسول الله أيما أنزل عليك أعظم, قال :آية الكرسي "الله لا إله إلا هو الحي القيوم"".
ورواه النسائي من حديث أبي عمر الدمشقي به وقد أخرج هذا الحديث مطولاً جداً أبو حاتم بن حبان في صحيحه بطريق آخر ولفظ آخر مطول جداً. فا لله أعلم. وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن ذر بن عبد الله الهمداني عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة" ورواه أبو داود والنسائي من حديث منصور زاد النسائي والأعمش كلاهما عن ذر به.
5- "الذي يوسوس في صدور الناس" الموصول يجوز أن يكون في محل جر نعتاً للوسواس، ويجوز أن يكون منصوباً على الذم، ويجوز أن يكون مرفوعاً على تقدير مبتدأ. وقد تقدم معنى الوسوسة. قال قتادة: إن الشيطان له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان، فإذا غفل ابن آدم عن ذكر الله وسوس له، وإذا ذكر العبد ربه خنس. قال مقاتل: إن الشيطان في صورة خنزير يجري من ابن آدم مجرى الدم في عروقه سلطه الله على ذلك، ووسوسته هي الدعاء إلى طاعته بكلام خفي يصل إلى القلب من غير سماع صوت.
فذلك:
5- "الذي يوسوس في صدور الناس"، بالكلام الخفي الذي يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع.
5-" الذي يوسوس في صدور الناس " إذا غفلوا عن ذكر ربهم ، وذلك كالقوة الوهمية فإنها تساعد العقل في المقدمات ، فإذا آل الأمر إلى النتيجة خنست وأخذت توسوسه وتشككه ، ومحل " الذي " الجر على الصفة أو النصب أو الرفع على الذم .
5. Who whispereth in the hearts of mankind,
5 - (The same) who whispers into the hearts of Mankind,