[الناس : 4] مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ
4 - (من شر الوسواس) الشيطان سمي بالحدث لكثرة ملابسته له (الخناس) لأنه يخنس ويتأخر عن القلب كلما ذكر الله
وقوله : " من شر الوسواس " يعني : من شر الشيطان " الخناس " الذي يخنس مرة ، ويوسوس أخرى ، وإنما يخنس فيما ذكر عند ذكر العبد ربه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال: ثنا يحيى بن عيسى عن سفيان ، عن حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : " من من مولود إلا على قلبه الوسواس ، فإذا عقل فذكر الله خنس ، وإذا قال وسوس ، قال : فذلك قوله " الوسواس الخناس " " .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن سفيان ، عن ابن عباس ، في قوله " الوسواس الخناس " قال : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس ، وإذا ذكر الله خنس .
قال : ثنا مهران ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد " الوسواس الخناس " قال : ينبسط ، فإذ ذكر الله خنس وانقبض ، فإذا غفل انبسط .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " الوسواس الخناس " قال : الشيطان يكون على قلب الإنسان ، فإذا ذكر الله خنس .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " الوسواس " قال : قال هو الشيطان ، وهو الخناس أيضاً ، إذا ذكر العبد ربه خنس ، وهو يوسوس ويخنس .
حدثنا بشر ، قال :ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " من شر الوسواس الخناس " يعني : الشيطان يوسوس في صدر ابن آدم ، ويخنس إذا ذكر الله .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن أبيه ، قال : ذكر لي أن الشيطان أو قال الوسواس ينفث في قلب الأنسان عند الزن وعند الفرح ، وإذا ذكر الله خنس .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " الخناس " قال : الخناس الذي يوسوس مرة ويخنس مرة ، من الجن والإنس ، وكان يقال : شيطان الإنسن أشد على الناس من شيطان الجن ، وشيطان الجن يوسوس تولا تراه ، وهذا يعاينك معاينة .
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان يقول في ذلك " من شر الوسواس " الذي يوسوس بالعاء إلى طاعته في صدور الناس ، حتى يستجاب له إلى ما دعا من طاعته ، فإذا استجيب له إلى ذلك خنس .
ذكر الرواية بذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثنا أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله " الوسواس " قال : هو الشيطان يأره ، فإذ أطيع خنس .
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ به من شر شيطان يوسوس مرة ويخنس أخرى ، ولم يخص وسوسته على نوع من أنواعها ، ولا يخنوسه على وجه دون وجه ، وقد يوسوس بالدعاء إلى معصية الله ، فإذا أطيع فيها خنس ، وقد يوسوس بالنهي عن طاعة الله فإذا ذكر العبد أمر ربه ، فأطاعه فيه ، وعصى الشيطان خنس ، فهو في كل حالتيه وسواس خناس ، وهذه الصفة صفته .
قوله تعالى:" من شر الوسواس الخناس"
يعني من شر الشيطان. والمعنى: من شر ذي الوسواس، فحذف المضاف ، قال الفراء: وهو(بفتح الواو) بمعنى الاسم، أي الموسوس. و(بكسر الواو) المصدر، يعني الوسوسة. وكذا الزلزال والزلزال. والوسوسة: حديث النفس. يقال : وسوست إليه نفسه وسوسة ووسوسة(بكسر الواو) . ويقال لهمس الصائد والكلاب وأصوات الحلي:
وسواس . قال ذو الرمة:
فبات يشئزه ثأد ويسهره تذوب الريح والوسواس والهضب
وقال الأعشى:
تسمع للحلى وسواساً إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل
وقيل: إن الوسواس الخناس ابن لإبليس، جاء به إلى حواء، ووضع بين يديها وقال: اكفليه. فجاء آدم عليه السلام فقال : ما هذا يا حواء! قالت جاء عدونا بهذا وقال لي: اكفليه. فقال: ألم أقل لك لا تطيعيه في شيء، هو الذي غرنا حتى وقعنا في المعصية؟ وعمد إلى الولد فقطعة أربعة أرباع، وعلق كل ربع على شجرة، غيظاً لهـ فجاء إبليس فقال: يا حواء أين ابني؟ فأخبرته بما صنع به آدم عليه السلام فقال: يا خناس، فحيي فأجابه.فجاء به الى حواء وقال: اكفليه، فجاء آدم عليه السلام فحرقه بالنار، وذر رماده في البحر، فجاء إبليس عليه اللعنة فقال: يا حواء ، أين ابني، فاخبرته بفعل آدم إياه، فذهب إلى البحر، فقال يا خناس فحيي فأجابه فجاء به إلى حواء الثالثة، وقال: اكفليه. فنظر إليه آدم فذبحه وشواه، وأكلاه جميعاً. فجاء إبليس فسألها فأخبرته حواء. فقال : يا خناس فحيي فأجابه فجاء به من جوف آدم وحواء.فقال إبليس : هذا الذي أردت، وهذا مسكنك في صدر ولد آدم، فهو ملتقم قلب ابن آدم ما دام غافلاً يوسوس، فإذا ذكر الله لفظ قلبه وانخنس. ذكر هذا الخبر الحكيم في نوادر الأصول بإسناد عن وهب بن منبه. وما أظنه يصح، والله تعالى أعلم. ووصف بالخناس لأنه كثير الاختفاء، ومنه قوله تعالى:" فلا أقسم بالخنس" [التكوير:15] يعني النجوم، لاختفائها بعد ظهورها. وقيل: لأنه يخنس إذا ذكر العبد الله ، أي يتأخر. وفي الخبر:
(إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا غفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس) أي تأخر وأقصر. وقال قتادة: (الخناس) الشيطان له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان، فإذا غفل الإنسان وسوس له، وإذا ذكر العبد ربه خنس. يقال: خنسته فخنس، أي أخرته فتأخر. وأخنسته أيضاً. ومنه قول أبي العلاء الحضرمي-أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وإن دحسوا بالشر فاعف تكرما وإن خنسوا عند الحديث فلا تسل
الدحس : الإفساد. وعن انس:
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا نسي الله التفم قلبه فوسوس)". وقال ابن عباس: إذا ذكر الله العبد خنس من قلبه فذهب، وإذا غفل التقم قلبه فحدثه ومناه. وقال إبراهيم التيمي: أول ما يبدو الوسواس من قبل الوضوء. وقيل: سمي خناساً لأنه يرجع إذا غفل العبد عن ذكرالله. والخنس: الرجوع. وقال الراجز:
وصاحب يمتعس امتعاساً يزداد حييته خناسا
وقد روى ابن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى " الوسواس الخناس" وجهين : أحدهما أنه الراجع بالوسوسة عن الهدى. الثاني: أنه الخارج بالوسوسة من اليقين.
هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل: الربوبية والملك والإلهية, فهو رب كل شيء ومليكه وإلهه فجميع الأشياء مخلوقة له مملوكة عبيد له, فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات من شر الوسواس الخناس, وهو الشيطان الموكل بالإنسان, فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزين له الفواحش ولا يألوه جهداً في الخيال, والمعصوم من عصمه الله.
وقد ثبت في الصحيح أنه "ما منكم من أحد إلا قد وكل به قرينه قالوا: وأنت يا رسول الله ؟ قال: نعم إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير", وثبت في الصحيح عن أنس في قصة زيارة صفية للنبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف, وخروجه معها ليلاً ليردها إلى منزلها, فلقيه رجلان من الأنصار, فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على رسلكما إنها صفية بنت حيي فقالا: سبحان الله يا رسول الله. فقال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً ـ أو قال شراً", وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا محمد بن بحر حدثنا عدي بن أبي عمارة حدثنا زياد النميري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس, وإن نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس" غريب.
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم حماره فقلت تعس الشيطان, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت: تعس الشيطان تعاظم وقال: بقوتي صرعته وإذا قلت: باسم الله تصاغر حتى يصير مثل الذباب وغلب " , تفرد به أحمد إسناده جيد قوي, وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغلب, وإن لم يذكر الله تعاظم وغلب. وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا الضحاك بن عثمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحدكم إذا كان في المسجد جاءه الشيطان فالتبس به كما يلتبس الرجل بدابته, فإذا سكن له زنقه أو ألجمه" قال أبو هريرة رضي الله عنه: وأنتم ترون ذلك أما المزنوق فتراه مائلاً كذا لا يذكر الله, وأما الملجم ففاتح فاه لا يذكر الله عز وجل, تفرد به أحمد . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: "الوسواس الخناس"
قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم, فإذا سها وغفل وسوس,فإذا ذكر الله خنس, وكذا قال مجاهد وقتادة وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه : ذكر لي أن الشيطان الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح, فإذا ذكر الله خنس. وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: "الوسواس" قال: هو الشيطان يأمر فإذا أطيع خنس.
وقوله تعالى: "الذي يوسوس في صدور الناس" هل يختص هذا ببني آدم كما هو الظاهر أو يعم بني آدم والجن ؟ فيه قولان ويكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليباً, وقال ابن جرير : وقد استعمل فيهم رجال من الجن فلا بدع في إطلاق الناس عليهم. وقوله تعالى: "من الجنة والناس" هل هو تفصيل لقوله: "الذي يوسوس في صدور الناس" ثم بينهم فقال: "من الجنة والناس" وهذا يقوي القول الثاني وقيل لقوله: "من الجنة والناس" تفسير للذي يوسوس في صدور الناس من شياطين الإنس والجن كما قال تعالى: "وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً".
وكما قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع حدثنا المسعودي حدثنا أبو عمر الدمشقي , حدثنا عبيد بن الخشخاش عن أبي ذر قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست فقال: "يا أبا ذر هل صليت ؟ قلت: لا قال: قم فصل قال: فقمت فصليت ثم جلست فقال: يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن قال: فقلت يا رسول الله وللإنس شياطين ؟ قال: نعم قال: فقلت يا رسول الله الصلاة ؟ قال: خير موضوع من شاء أقل ومن شاء أكثر قلت يا رسول الله فالصوم قال: فرض مجزىء وعند الله مزيد قلت: يا رسول الله فالصدقة ؟ قال: أضعاف مضاعفة قلت: يا رسول الله فأيها أفضل, قال: جهد من مقل أو سر إلى فقير قلت: يا رسول الله أي الأنبياء كان أول ؟ قال: آدم . قلت: يا رسول الله ونبياً كان ؟ قال: نعم نبي مكلم قلت: يا رسول الله كم المرسلون ؟ قال : ثلثمائة وبضعة عشر جماً غفيراً وقال مرة : خمسة عشر قلت: يا رسول الله أيما أنزل عليك أعظم, قال :آية الكرسي "الله لا إله إلا هو الحي القيوم"".
ورواه النسائي من حديث أبي عمر الدمشقي به وقد أخرج هذا الحديث مطولاً جداً أبو حاتم بن حبان في صحيحه بطريق آخر ولفظ آخر مطول جداً. فا لله أعلم. وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن ذر بن عبد الله الهمداني عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة" ورواه أبو داود والنسائي من حديث منصور زاد النسائي والأعمش كلاهما عن ذر به.
4- "من شر الوسواس" قال الفراء: هو بفتح الواو بمعنى الاسم: أي الموسوس، وبكسرها المصدر: أي الموسوسة كالزلزال بمعنى الزلزلة، وقيل هو بالفتح اسم بمعنى الوسوسة، والوسوسة: هي حديث النفس، يقال: وسوست إليه نفسه وسوسة: أي حدثته حديثاً، وأصلها الصوت الخفي، ومنه قيل لأصوات الحلى وسواس، ومنه قول الأعشى:
تسمع للحلى وسواساً إذا انصرفت
قال الزجاج: الوسواس هو الشيطان: أي ذي الوسواس، ويقال إن الوسواس ابن لإبليس، وقد سبق تحقيق معنى الوسوسة في تفسير قوله: "فوسوس لهما الشيطان" ومعنى "الخناس" كثير الخنس، وهو التأخير، يقال خنس يخنس: إذا تأخر، ومنه قول العلاء بن الحضرمي يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فإن دخسوا بالشر فاعف تكرما وإن خنسوا عند الحديث فلا تسل
قال مجاهد: إذا ذكر الله خنس وانقبض، وإذا لم يذكر انبسط على القلب. ووصف بالخناس لأنه كثير الاختفاء، ومنه قوله تعالى: "فلا أقسم بالخنس" يعنى النجوم لاختفائها بعد ظهورها كما تقدم، وقيل الخناس اسم لابن إبليس كما تقدم في الوسواس.
4- "من شر الوسواس الخناس"، يعني الشيطان، يكون مصدراً واسماً.
قال الزجاج: يعني: الشيطان ذا الوسواس "الخناس" الرجاع، وهو الشيطان جاثم على قلب الإنسان، فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس.
وقال قتادة: الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان فإذا ذكر العبد ربه خنس. ويقال: رأسه كرأس الحية واضع رأسه على ثمرة القلب يمنيه ويحدثه، فإذا ذكر الله خنس وإذا لم يذكر رجع فوضع رأسه.
4-" من شر الوسواس " أي الوسوسة كالزلزال بمعنى الزلزلة ، وأما المصدر فبالكسر كالزلزال ، والمراد به الموسوس وسمي بفعله مبالغة . " الخناس " الذي عادته أن يخنس أي يتأخر إذا ذكر الإنسان ربه .
4. From the evil of the sneaking whisperer,
4 - From the mischief of the Whisperer (of Evil), who withdraws (after his whisper),