[هود : 83] مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ
83 - (مسوَّمة) معلَّمة عليها اسم من يرمى بها (عند ربك) ظرف لها (وما هي) الحجارة أو بلادهم (من الظالمين) أي أهل مكة (ببعيد)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ولما جاء أمرنا بالعذاب ، وقضاؤنا فيهم بالهلاك ،"جعلنا عاليها" ، يعني : عالي قريتهم : "سافلها وأمطرنا عليها" ، يقول : وأرسلنا عليها ، "حجارة من سجيل" .
واختلف أهل التأويل في معنى "سجيل" .
فقال بعضهم : هو بالفارسية : سنك ، وكل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "من سجيل" ، بالفارسية ، أولها حجر ، وآخرها طين .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثنا القاسم قال ،حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير : "حجارة من سجيل" ، قال : فارسية أعربت ، سنك وكل .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : السجيل ، الطين .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة و عكرمة : "من سجيل" ، قالا : من طين .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال ، حدثني عبد الصمد ، عن وهب قال : "سجيل" ، بالفارسية : سنك ، وكل .
حدثني موسى بن هرون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "حجارة من سجيل" ، أما السجيل ، فقال ابن عباس : هو بالفارسية سنك ، وجل ، سنك ، هو الحجر ، و جل ، هو الطين . يقول : أرسلنا عليهم حجارة من طين .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن السدي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : "حجارة من سجيل" ، قال : طين في حجارة .
وقال ابن زيد في ذلك ما :
حدثني به يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "حجارة من سجيل" ، قال : السماء الدنيا ، قال : والسماء الدنيا اسمها سجيل ، وهي التي أنزل الله على قوم لوط .
وكان بعض اهل العلم بكلام العرب من البصريين يقول : السجيل ، هو من الحجارة الصلب الشديد ، ومن الضرب ، ويستشهد على ذلك بقول الشاعر :
ضربا تواصى به الأبطال سجيلا
وقال : بعضهم يحول اللام نوناً .
وقال آخر منهم : هو فعيل ، من قول القائل : أسجلته ،أرسلته ، فكأنه من ذلك ، أي : مرسلة عليهم .
وقال آخر منهم : بل هو من سجلت له سجلا ، من العطاء ، فكأنه قيل : متحوا ذلك البلاء فأعطوه . وقالوا : أسجله ، أهمله .
وقال بعضهم : هو من السجل ، لأنه كان فيها علم كالكتاب .
وقال آخر منهم : بل هو طين يطبخ كما يطبخ الآجر ،وينشد بيت الفضل بن عباس :
من يساجلني يساجل ماجداً يملأ الدلو إلى عقد الكرب
فهذا من سجلت له سجلا ، أعطيته .
قال أبو جعفر :والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله المفسرون ، وهو أنها حجارة من طين ، وبذلك وصفها الله في كتابه في موضع ، وذلك قوله : ( لنرسل عليهم حجارة من طين * مسومة عند ربك للمسرفين ).
وقد روي عن سعيد بن جبير أنه كان يقول : هي فارسية ونبطية .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير قال : فارسية ونبطية ، سج ، إيل .
فذهب سعيد بن جبير في ذلك إلى أن اسم الطين بالفارسية جل لا إيل ، وأن ذلك لو كان بالفارسية لكان سجل لا سجيل ، لأن الحجر بالفارسية يدعى سج ، والطين جل ، فلا وجه لكون الياء فيها وهي فارسية .
قال أبو جعفر : وقد بينا الصواب من القول عندنا في أول الكتاب ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وقد ذكر عن الحسن البصري أنه قال : كان أصل الحجارة طيناً ، فشددت .
وأما قوله : "منضود" ، فإن قتادة و عكرمة يقولان فيه ، ما :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، و عكرمة : "منضود" ، يقول : مصفوفة .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "منضود" ، يقول : مصفوفة . وقال الربيع بن أنس فيه ما :
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس في قوله : "منضود" ، قال : نضد بعضه إلى بعض .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن أبي بكر الهذلي ابن عبد الله : أما قوله : "منضود" ، فإنها في السماء منضودة معدة ، وهي من عدة الله التي أعد للظلمة .
وقال بعضهم : "منضود" ، يتبع بعضه بعضاً عليهم . قال : فذلك نضده .
قال ابو جعفر : والصواب من القول في ذلك ما قاله الربيع بن أنس ، وذلك أن قوله : "منضود" ، من نعت "سجيل" ، لا من نعت الحجارة ، وإنما أمطر القوم حجارة من طين ، صفة ذلك الطين أنه نضد بعضه إلى بعض ، فصير حجارة ،ولم يمطروا الطين ، فيكون موصوفاً بأنه تتابع على القوم بمجيئه .
قال أبو جعفر : وإنما كان جائزاً أن يكون على ما تأوله هذا المتأول ، لو كان التنزيل بالنصب منضودة ، فيكون من نعت الحجارة حينئذ .
وأما قوله :"مسومة عند ربك" ، فإنه يقول : معلمة عند الله ، أعلمها الله ، و المسومة من نعت الحجارة ، ولذلك نصبت على النعت .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "مسومة" ، قال : معلمة .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله ، قال ابن جريج : "مسومة" ، لا تشاكل حجارة الأرض .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ،عن معمر ،عن قتادة و عكرمة : "مسومة" ، قالا : مطوقة ، بها نضح من حمرة .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "مسومة" ، عليها سيما معلومة . حدث بعض من رآها ، أنها حجارة مطوقة ، عليها ـ أو : بها ـ نضح من حمرة ، ليست كحجارتكم .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : "مسومة" ، قال : عليها سيما خطوط .
حدثني موسى بن هرون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "مسومة" ، قال : المسومة ، المختمة .
وأما قوله : "وما هي من الظالمين ببعيد" ، فإنه يقول تعالى ذكره ، متهدداً مشركي قريش :وما هذه الحجارة التي أمطرتها على قوم لوط ، من مشركي قومك ، يا محمد ، ببعيد أن يمطروها ، إن لم يتوبوا من شركهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا أبو عتاب الدلال سهل بن حماد قال ، حدثنا شعبة قال ، حدثنا أبان بن تغلب ، عن مجاهد في قوله : "وما هي من الظالمين ببعيد" ، قال : أن يصيبهم ما أصاب القوم .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وما هي من الظالمين ببعيد" ، قال : يرهب بها من يشاء .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "وما هي من الظالمين ببعيد" ، يقول : ما أجار الله منها ظالماً بعد قوم لوط .
حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة و عكرمة : "وما هي من الظالمين ببعيد" ، يقول : لم يترك منها ظالماً بعدهم .
حدثنا علي بن سهل قال ، حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب ، عن قتادة في قوله : "وما هي من الظالمين ببعيد" ، قال : يعني ظالمي هذه الأمة . قال : والله ما أجار منها ظالماً بعد ! .
حدثنا موسى بن هرون قال ، حدثنا حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "وما هي من الظالمين ببعيد" ، يقول : من ظلمة العرب ، إن لم يتوبوا فيعذبوا بها .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن أبي بكر الهذلي ابن عبد الله قال : يقول : "وما هي من الظالمين ببعيد" ، من ظلمة أمتك ببعيد ، فلا يأمنها منهم ظالم .
وكان قلب الملائكة عالي ارض سدوم سافلها ،كما :
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا جابر بن نوح قال ، حدثنا الأعمش ،عن مجاهد قال : أخذ جبريل عليه السلام قوم لوط من سرحهم ودورهم ، حملهم بمواشيهم وأمتعتهم ، حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ، ثم أكفأهم .
حدثنا به أبو كريب مرة أخرى ، عن مجاهد قال : أدخل جبرل جناحه تحت الأرض السفلى من قوم لوط ، ثم أخذهم بالجناح الأيمن فأخذهم من سرحهم ومواشيهم ، ثم رفعها .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : كان يقول : "فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها" ، قال : لما أصبحوا ، غدا جبريل على قريتهم ففتقها من أركانها ، ثم أدخل جناحه ، ثم حملها على خوافي جناحه .
قال ،حدثنا شبل قال ، فحدثني هذا ابن أبي نجيح ، عن إبراهيم بن أبي بكر ـ قال : ولم يسمعه ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : فحملها على خوافي جناحه بما فيها ، ثم صعد بها إلى السماء ،حتى سمع أهل السماء نباخ كلابهم ، ثم قلبها . فكان أول ما سقط منها شرافها . فذلك قول الله : "جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل" ، قال مجاهد : فلم يصب قوماً ما أصابهم ، إن الله طمس على أعينهم ، ثم قلب قريتهم ، وأمطر عليهم حجارة من سجيل .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ،عن معمر ، عن قتادة قال : بلغنا أن جبريل عليه السلام أخذ بعروة القرية الوسطى ، ثم أولى بها إلى السماء ، حتى سمع أهل السماء ضواغي كلابهم ، ثم دمر بعضها على بعض ، فجعل عاليها سافلها ، ثم أتبعهم الحجارة ، قال قتادة : وبلغنا أنهم كانوا أربعة آلاف ألف .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن جبريل عليه السلام ، أخذ بعروتها الوسطى ، ثم ألوى بها إلى جو السماء ، حتى سمعت الملائكة ضواغي كلابهم ، ثم دمر بعضها على بعض ، ثم أتبع شذان القوم صخراً . قال : وهي ثلاث قرىً يقال لها : سدوم ، وهي بين المدينة والشأم ، قال : وذكر لنا أنه كان فيها أربعة آلاف ألف . وذكر لنا إن إبراهيم عليه السلام كان يشرف ثم يقول : سدوم ، يوم مالك ! .
حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما أصبحوا ، يعني قوم لوط ، نزل جبريل فاقتلع الأرض من سبع أرضين ، فحملها حتى بلغ السماء الدنيا ، حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ، وأصوات ديوكهم ، ثم قلبها فقتلهم ، فذلك حين يقول : ( والمؤتفكة أهوى ) ، المنقلبة ، حين أهوى بها جبريل الأرض فاقتلعها بجناحه . فمن لم يمت حين أسقط الأرض ، أمطر الله عليه وهو تحت الأرض الحجارة ، ومن كان منهم شاذاً في الأرض . وهو قول الله : "جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل" . ثم تتبعهم في القرى ، فكان الرجل يتحدث فيأتيه الحجر فيقتله ، وذلك قول الله تعالى : "وأمطرنا عليها حجارة من سجيل" .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، وأبو سفيان ، عن معمر ،عن قتاد قال : بلغنا أن جبريل عليه السلام لما اصبح نشر جناحه ، فانتسف به أرضهم بما فيها من قصورها ودوابها وحجارتها وشجرها ، وجميع ما فيها ، فضمها في جناحه ، فحواها وطواها في جوف جناحه ، ثم صعد بها إلى السماء الدنيا ، حتى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلاب ، وكانوا أربعة آلاف ألف ، ثم قلبها ، فأرسلها إلى الأرض منكوسةً ، دمدم بعضها على بعض ،فجعل عاليها سافلها ، ثم أتبعها حجارة من سجيل .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال ،حدثني ابن إسحاق قال ، حدثني محمد بن كعب القرظي قال : "حدثت أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : بعث الله جبريل عليه السلام إلى المؤتفكة ، قرية لوط عليه السلام ، التي كان لوط فيهم ، فاحتملها بجناحه ، ثم صعد بها حتى إن أهل السماء الدنيا ليسمعوا نباح كلابها واصوات دجاجها ، ثم كفأها على وجهها ، ثم أتبعها الله بالحجارة ، يقول الله : "جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل" ، فأهلكها الله وما حولها من المؤتفكات ، وكن خمس قريات ، صنعة و صعوة و عثرة ، دوما و سدوم ـ وسدوم هي القرية العظمى ـ ونجى الله لوطاً ومن معه من أهله ، إلا امرأته كانت فيمن هلك" .
وقال أبو بكر الهذلي : معد، أي هو مما أعده الله لأعدائه الظلمة. " مسومة " أي معلمة، من السيما وهي العلامة، أي كان عليها أمثال الخواتيم. وقيل: مكتوب على كل حجر اسم من رمي به، وكانت لا تشاكل حجارة الأرض. وقال الفراء. زعموا أنها كانت مخططة بحمرة وسواد في بياض، فذلك تسويمها. وقال كعب: كانت معلمة ببياض وحمرة، وقال الشاعر:
غلام رماه الله بالحسن يافعاً له سيمياء لا تشق على البصر
و ( مسومةً) من نعت حجارة. و ( منضود) من نعت ( سجيل). وفي قوله: " عند ربك " دليل على أنها ليست من حجارة الأرض، قاله الحسن. " وما هي من الظالمين ببعيد " يعني قوم لوط، أي لم تكن تخطئهم. وقال مجاهد: يرهب قريشاً، المعنى: ما الحجارة من ظالمي قومك يا محمد ببعيد. وقال قتادة وعكرمة: يعني ظالمي هذه الأمة، والله ما أجار الله منها ظالماً بعد. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سيكون في آخر أمتي قوم يكتفي رجالهم بالرجال ونساؤهم بالنساء فإذا كان ذلك فارتقبوا عذاب قوم لوط أن يرسل الله عليهم حجارة من سجيل " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " وما هي من الظالمين ببعيد ". وفي رواية عنه عليه السلام: " لا تذهب الليالي والأيام حتى تستحل هذه الأمة أدبار الرجال كما استحلوا أدبار النساء فتصيب طوائف من هذه الأمة حجارة من ربك ". وقيل: المعنى ما هذه القرى من الظالمين ببعيد، وهي بين الشام والمدينة. وجاء ( ببعيد) مذكراً على معنى بمكان بعيد. وفي الحجارة التي أمطرت قولان: أحدهما: أنها أمطرت على المدن حين رفعها جبريل. الثاني: أنها أمطرت على من لم يكن في المدن من أهلها وكان خارجاً عنها.
يقول تعالى: "فلما جاء أمرنا" وكان ذلك عند طلوع الشمس "جعلنا عاليها" وهي سدوم "سافلها" كقوله: " فغشاها ما غشى " أي أمطرنا عليها حجارة من سجيل وهي بالفارسية حجارة من طين قاله ابن عباس وغيره وقال بعضهم أي من سنك وهو الحجر وكل وهو الطين وقد قال في الاية الأخرى حجارة من طين أي مستحجرة قوية شديدة, وقال بعضهم مشوية, وقال البخاري سجيل: الشديد الكبير, سجيل وسجين اللام والنون أختان, وقال تميم بن مقبل:
ورجلة يضربون البيض صاحبة ضرباً تواصت به الأبطال سجينا
وقوله: "منضود" قال بعضهم: في السماء أي معدة لذلك وقال آخرون: "منضود" أي يتبع بعضها بعضاً في نزولها عليهم وقوله: " مسومة " أي معلمة مختومة عليها أسماء أصحابها كل حجر مكتوب عليه اسم الذي ينزل عليه وقال قتادة وعكرمة: "مسومة" مطوقة بها نضح من حمرة وذكروا أنها نزلت على أهل البلد وعلى المتفرقين في القرى مما حولها فبينا أحدهم يكون عند الناس يتحدث إذ جاءه حجر من السماء فسقط عليه من بين الناس فدمره فتتبعهم الحجارة من سائر البلاد حتى أهلكتهم عن آخرهم فلم يبق منهم أحد, وقال مجاهد: أخذ جبريل قوم لوط من سرحهم ودورهم حملهم بمواشيهم وأمتعتهم ورفعهم حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ثم أكفأهم, وكان حملهم على حوافي جناحه الأيمن قال ولما قلبها كان أول ما سقط منها شرفاتها, وقال قتادة بلغنا أن جبريل أخذ بعروة القرية الوسطى ثم ألوى بها إلى جو السماء حتى سمع أهل السماء ضواغي كلابهم ثم دمر بعضهم على بعض ثم أتبع شذاذ القوم صخراً قال وذكر لنا أنهم كانوا أربع قرى في كل قرية مائة ألف وفي رواية ثلاث قرى الكبرى منها سدوم, قال وبلغنا أن إبراهيم عليه السلام كان يشرف على سدوم ويقول: سدوم يوم هالك وفي رواية عن قتادة وغيره قال وبلغنا أن جبريل عليه السلام لما أصبح نشر جناحه فانتسف بها أرضهم بما فيها من قصورها ودوابها وحجارتها وشجرها وجميع ما فيها فضمها في جناحه فحواها وطواها في جوف جناحه ثم صعد بها إلى السماء الدنيا حتى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلاب وكانوا أربعة آلاف ثم قلبها فأرسلها إلى الأرض منكوسة ودمدم بعضها على بعض فجعل عاليها سافلها ثم أتبعها حجارة من سجيل, وقال محمد بن كعب القرظي: كانت قرى قوم لوط خمس قريات سدوم وهي العظمى وصعبة وصعود وغمة ودوما احتملها جبريل بجناحه ثم صعد بها حتى إن أهل السماء الدنيا ليسمعون نابحة كلابها وأصوات دجاجها ثم كفأها على وجهها ثم أتبعها الله بالحجارة, يقول الله تعالى: "جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل" فأهلكها الله وما حولها من المؤتفكات, وقال السدي: لما أصبح قوم لوط نزل جبريل فاقتلع الأرض من سبع أرضين فحملها حتى بلغ بها السماء حتى سمع أهل السماء الدنيا نباح كلابهم وأصوات ديوكهم ثم قلبها فقتلهم فذلك قوله: "والمؤتفكة أهوى" ومن لم يمت حتى سقط للأرض أمطر الله عليه وهو تحت الأرض الحجارة ومن كان منهم شاذاً في الأرض يتبعهم في القرى فكان الرجل يتحدث فيأتيه الحجر فيقتله فذلك قوله عز وجل: "وأمطرنا عليهم" أي في القرى حجارة من سجيل هكذا قال السدي وقوله: "وما هي من الظالمين ببعيد" أي وما هذه النقمة ممن تشبه بهم في ظلمهم ببعيد عنه, وقد ورد في الحديث المروي في السنن عن ابن عباس مرفوعاً "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" وذهب الإمام الشافعي في قول عنه وجماعة من العلماء إلى أن اللائط يقتل سواء كان محصناً أو غير محصن عملاً بهذا الحديث, وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنه يلقى من شاهق ويتبع بالحجارة كما فعل الله بقوم لوط والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
والمسومة: المعلمة أي التي لها علامة: قيل: كان عليها أمثال الخواتيم، وقيل: مكتوب على كل حجر اسم من رحي به. وقال الفراء: زعموا أنها كانت مخططة بحمرة وسواد في بياض. فذلك تسويمها، ومعنى 83- "عند ربك" في خزائنه "وما هي من الظالمين ببعيد" أي وما هذه الحجارة الموصوفة من الظالمين وهم قوم لوط ببعيد، أو ما هي من كل ظالم من الظلمة ومنهم كفار قريش ومن عاضدهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ببعيد، فهم لظلمهم مستحقون لها. وقيل: "وما هي" أي قرى "من الظالمين" من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم "ببعيد" فإنها بين الشام والمدينة. وفي إمطار الحجارة قولان: أحدهما: أنها أمطرت على المدن حين رفعها جبريل. والثاني: أنها أمطرت على من لم يكن في المدن من أهلها وكان خارجاً عنها. وتذكير البعيد على تأويل الحجارة بالحجر أو إجراء له على موصوف مذكر: أي شيء بعيد، أو مكان بعيد، أو لكونه مصدراً كالزفير والصهيل، والمصادر يستوي في الوصف بها المذكر والمؤنث.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً" قال: ساء ظناً بقومه، وضاق ذرعاً بأضيافه "وقال هذا يوم عصيب" يقول: شديد. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله: "يهرعون إليه" قال: يسرعون "ومن قبل كانوا يعملون السيئات" قال: يأتون الرجال. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أيضاً قال: "يهرعون إليه" يستمعون إليه. وأخرج أبو الشيخ عنه أيضاً في قوله: "هؤلاء بناتي" قال: ما عرض لوط بناته على قومه لا سفاحاً ولا نكاحاً، إنما قال هؤلاء نساؤكم، لأن النبي إذا كان بين ظهراني قوم فهو أبوهم، قال الله تعالى في القرآن: "وأزواجه أمهاتهم" وهو أبوهم في قراءة أبي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: لم تكن بناته ولكن كن من أمته، وكل نبي أبو أمته. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه. وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن السدي نحوه. قال: وفي قراءة عبد الله النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن حذيفة بن اليمان قال: عرض عليهم بناته تزويجاً، وأراد أن يقي أضيافه بتزويج بناته. وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله: "ولا تخزون في ضيفي" قال: لا تفضحوني. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك "أليس منكم رجل رشيد" قال: رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس "أليس منكم رجل رشيد" قال: واحد يقول لا إله إلا الله. وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي "وإنك لتعلم ما نريد" قال: إنما نريد الرجال "قال" لوط "لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد" يقول: إلى جند شديد لمقاتلتكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أو آوي إلى ركن شديد قال: عشيرة. وقد ثبت في البخاري وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يغفر الله للوط إن كان يأوي إلى ركن شديد" وهو مروي في غير الصحيح من طريق غيره من الصحابة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس "بقطع من الليل" قال: جوف الليل. وأخرجا عنه قال: بسواد الليل. وأخرج عبد الرزاق عن قتادة قال: بطائفة من الليل. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ولا يلتفت منكم أحد" قال: لا يتخلف. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "ولا يلتفت منكم أحد" قال: لا ينظر وراءه أحد "إلا امرأتك". وأخرج أبو عبيد وابن جرير عن هارون قال: في حرف ابن مسعود: فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: "فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها" قال: لما أصبحوا عدا جبريل على قريتهم فقلعها من أركانها، ثم أدخل جناحه ثم حملها على خوافي جناحه بما فيها ثم صعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم، ثم قلبها، فكان أول ما سقط منها سرادقها، فلم يصب قوماً ما أصابهم، ثم إن الله طمس على أعينهم، ثم قلبت قريتهم، وأمطر عليهم حجارة من سجيل. وقد ذكر المفسرون روايات وقصصاً في كيفية هلاك قوم لوط طويلة متخالفة، وليس في ذكرها فائدة لا سيما وبين من قال بشيء من ذلك وبين هلاك قوم لوط دهر طويل لا يتيسر له في مثله إسناد صحيح، وغالب ذلك مأخوذ عن أهل الكتاب، وحالهم في الرواية معروف. وقد أمرنا بأنا لا نصدقهم ولا نكذبهم، فاعرف هذا، فهو الوجه في حذفنا لكثير من هذه الروايات الكائنة في قصص الأنبياء وقومهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "وما هي من الظالمين ببعيد" قال: يرهب بها قريش أن يصيبهم ما أصاب القوم. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: من ظلمة العرب إن لم يؤمنوا فيعذبوا بها. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن أبي حاتم عن قتادة قال: من ظالمي هذه الأمة.
83- "مسومةً"، من نعت الحجارة، وهي نصب على الحال، ومعناها معلمة: قال ابن جريج: عليها سيما لا تشاكل حجارة الأرض.
وقال قتادة وعكرمة: علها خطوط حمر على هيئة الجزع.
وقال الحسن والسدي: كانت مختومة عليها أمثال الخواتيم.
وقيل: مكتوب على كل حجر اسم من رمي به.
"عند ربك وما هي"، يعني: تلك الحجارة، "من الظالمين"، أي: من مشركي مكة، "ببعيد"، وقال قتادة وعكرمة: يعني ظالمي هذه الأمة، والله ما أجار الله منها ظالما بعد.
وفي بعض الآثار: ما من ظالم إلا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة.
وروي: أن الحجر اتبع شذاذهم ومسافريهم أين كانوا في البلاد، ودخل رجل منهم الحرم فكان الحجر معلقا في السماء أربعين يوما حتى خرج فأصابه فأهلكه.
83."مسومةً"معلمة للعذاب .وقيل معلمة ببياض وحمرةً.أو بسيما تتميز به عن حجارة الأرض ، أو باسم من يرمى بها."عند ربك "في خزائنه ."وما هي من الظالمين ببعيد"فإنهم بظلمهم حقيق بأن تمطر عليهم، وفيه وعيد لكل ظالم أمتك ما من ظالم منهم إلا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلا ساعة وقيل الضمير للقرى أي هي قريبة من ظالمي مكة يمرون بها في أسفارهم إلى الشام ،وتذكير البعيد على تأويل الحجر أو المكان.
83. Marked with fire in the providence of thy Lord (for the destruction of the wicked). And they are never far from the wrong-doers.
83 - Marked as from thy Lord: nor are they ever far from those who do wrong