[هود : 78] وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ
78 - (وجاءه قومه) لما علموا بهم (يهرعون) يسرعون (إليه ومن قبل) قبل مجيئهم (كانوا يعملون السيئات) وهي إتيان الرجال (قال) لوط (يا قوم هؤلاء بناتي) فتزوجوهن (هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون) تفضحون (في ضيفي) أضيافي (أليس منكم رجل رشيد) يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وجاء لوطاً قومه يستحثون إليه ، يرعدون مع سرعة المشي ، مما بهم من طلب الفاحشة .
يقال : أهرع الرجل ، من برد أو غضب أو حمى ، إذا أرعد ، وهو مهرع إذا كان معجلاً حريصاً ، كما قال الراجز :
بمعجلات نحوه مهارع
ومنه قول مهلهل :
فجاوؤا يهرعون وهم أسارى نقودهم على رغم الأنوف
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "يهرعون إليه" ، قال : يهرولون ، وهو الإسراع في المشي .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو خالد ، والمحاربي ، عن جويبر عن الضحاك : "وجاءه قومه يهرعون إليه" ، قال : يسعون إليه .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : فأتوه يهرعون إليه ، يقول : سراعاً إليه .
حدثني ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "يهرعون إليه"، قال : يسرعون إليه .
حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "وجاءه قومه يهرعون إليه" ، يقول : يسرعون المشي إليه .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا يحيى بن زكريا ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : "وجاءه قومه يهرعون إليه" ، قال : يهرولون في المشي ، قال سفيان : "يهرعون إليه" ، يسرعون إليه .
حدثنا سوار بن عبد الله قال ، قال سفيان بن عيينة قوله : "يهرعون إليه" ، قال : كأنهم يدفعون .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب قال ، حدثنا حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية قال : أقبلوا يسرعون مشياً بين الهرولة والجمز .
حدثني علي بن داد قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "وجاءه قومه يهرعون إليه" ، يقول : مسرعين .
وقوله : "ومن قبل كانوا يعملون السيئات" ، يقول : من قبل مجيئهم إلى لوط ، كانوا يأتون الرجال في أدبارهم ، كما :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : "ومن قبل كانوا يعملون السيئات" ، قال : يأتون الرجال .
وقوله : "قال يا قوم هؤلاء بناتي" ، يقول تعالى ذكره : قال لوط لقومه لما جاؤوه يراودونه عن ضيفه : هؤلاء يا قوم بناتي ـ يعني نساء أمته ـ فانكحوهن ، فهن أطهر لكم ، كما :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ،عن قتادة : "هؤلاء بناتي هن أطهر لكم" ، قال : أمرهم لوط بتزويج النساء ، وقال : "هن أطهر لكم" .
حدثنا محمد قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر قال : وبلغني هذا أيضاً عن مجاهد .
حدثنا ابن وكيع قال ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : "هؤلاء بناتي هن أطهر لكم" ، قال : لم تكن بناته ، ولكن كن من أمته ،وكل نبي أبو أمته .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "هؤلاء بناتي هن أطهر لكم" ، قال : أمرهم أن يتزوجوا النساء ، لم يعرض عليهم سفاحاً .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا أبو بشر : سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله :"هن أطهر لكم" ، قال : ما عرض عليهم نكاحاً ولا سفاحاً .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : "هؤلاء بناتي هن أطهر لكم" ، قال : أمرهم أن يتزوجوا النساء . وأراد نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يقي أضيافه ببناته .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال ، أخبرنا ابو جعفر ، عن الربيع في قوله : "هؤلاء بناتي هن أطهر لكم" ، يعني التزويج . حدثني ابو جعفر ، عن الربيع في قوله : "هؤلاء بناتي هن أطهر لكم" ، يعني التزويج .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو النعمان عارم قال ، حدثنا حماد بن زيد قال ، حدثنا محمد بن شبيب الزهراني ،عن ابي بشر ، عن سعيد بن جبير في قول لوط : "هؤلاء بناتي هن أطهر لكم" ، يعني : نساءهم ، هن بناته ، هو نبيهم ، وقال في بعض القراءة : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم ) .
حدثني موسى بن هرون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "وجاءه قومه يهرعون إليه" ، قالوا : أولم ننهك أن تضيف العالمين ؟ قال : "هؤلاء بناتي هن أطهر لكم" ، إن كنتم فاعلين ، أليس منكم رجل رشيد ؟
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما جاءت الرسل لوطاً ، أقبل قومه إليهم حين أخبروا بهم ، يهرعون إليه . فيزعمون ، والله أعلم ، أن امرأة لوط هي التي أخبرتهم بمكانهم ، وقالت : إن عند لوط لضيفاناً ما رأيت أحسن ولا أجمل قط منهم ! وكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء ، فاحشة لم يسبقهم بها أحد من العالمين . فلما جاؤوه قالوا : أولم ننهك عن العالمين ؟ أي : ألم نقل لك : لا يقربنك أحد ، فإنا لن نجد عندك أحداً إلا فعلنا به الفاحشة ؟ قال : "يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم" ، فأنا أفدي ضيفي منكم بهن ،ولم يدعهم إلا إلى الحلال من النكاح .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : "هؤلاء بناتي" ، قال : النساء .
واختلفت القرأة في قراءة قوله : "هن أطهر لكم" .
فقرأته عامة القرأة برفع : "أطهر" على أن جعلوا هن اسماً ، وأطهر ، خبره ، كأنه قيل : بناتي أطهر لكم مما تريدون من الفاحشة من الرجال .
وذكر عن عيسى بن عمر البصري أنه كان يقرأ ذلك : هن أطهر لكم ، بنصب أطهر .
وكان بعض نحويي البصرة يقول : هذا لا يكون ، إنما ينصب خبر الفعل الذي لا يستغني عن الخبر ، إذا كان بين الاسم والخبر هذه الأسماء المضمرة .
وكان بعض نحويي الكوفة يقول : من نصبه جعله نكرةً خارجة من المعرفة ، ويكون قوله : هن ، عماداً للفعل ، فلا يعمله .
وقال آخر منهم :مسموع من العرب : هذا زيد إياه بعينه ، قال : فقد جعله خبراً لـ هذا ، مثل قولك : كان عبد الله إياه بعينه . قال : وإنما لم يجز أن يقع الفعل ههنا ، لأن التقريب رد كلام ، فلم يجتمعا ، لأنه ينتاقض ، لأن ذلك إخبار عن معهود ، وهذا إخبار عن ابتداء ما هو فيه : ها أنا ذا حاضر أو :
زيد هو العالم ، فتناقض أن يدخل المعهود على الحاضر ، فلذلك لم يجز .
قال أبو جعفر : والقراءة التي لا أستجير خلافها في ذلك ، الرفع : "هن أطهر لكم" ، لإجماع الحجة من قرأة الأمصار عليه ، مع صحته في العربية ، وبعد النصب فيه من الصحة .
وقوله : "فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي" ، يقول : فاخشوا الله ، أيها الناس ، واحذروا عقابه ، في إتيانكم الفاحشة التي تأتونها وتطلبونها ، "ولا تخزون في ضيفي" ، يقول : ولا تذلوني ، بأن تركبوا مني في ضيفي ما يكرهون أن تركبوه منهم .
و الضيف في لفظ واحد في هذا الموضع ، بمعنى جمع . والعرب تسمي الواحد والجمع ضيفا ، بلفظ واحد . كما قالوا : رجل عدل ، وقوم عدل .
وقوله : "أليس منكم رجل رشيد" ، يقول : أليس منكم رجل ذو رشد ، ينهى من أراد ركوب الفاحشة من ضيفي ، فيحول بينهم وبين ذلك ؟ كما :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد" ، أي : رجل يعرف الحق وينهى عن المنكر ؟
قوله تعالى: " وجاءه قومه يهرعون إليه " في موضع الحال. ( يهرعون) أي يسرعون. قال الكسائي و الفراء وغيرهما من أهل اللغة: لا يكون الإهراع إلا إسراعاً مع رعدة، يقال: أهرع الرجل إهراعاً أي أسرع في رعدة من برد أو غضب أن حمى، وهو مهرع، قال مهلهل:
فجاؤوا يهرعون وهم أسارى نقودهم على رغم الأنوف
وقال آخر:
بمعجلات نحوه مهارع
وهذا مثل: أولع فلان بالأمر، وأرعد زيد، وزهي فلان. وتجيء ولا تستعمل إلا على هذا الوجه. وقيل: أهرع أي أهرعه حرصه، وعل هذا ( يهرعون) أي يستحثون عليه. ومن قال بالأول قال: لم يسمع إلا أهرع الرجل أي أسرع، على لفظ ما لم يسم فاعله. قال ابن القوطية : هرع الإنسان هرعا، وأهرع: سيق واستعجل. وقال الهروي : يقال: هرع الرجل وأهرع أي استحث. قال ابن عباس وقتادة و السدي : ( يهرعون) يهرولون. الضحاك : يسعون. ابن عيينة: كأنهم يدفعون. وقال شمر بن عطية: هو مشي بين الهرولة والجمزى. وقال الحسن: مشي بين مشيين، والمعنى متقارب. وكان سبب إسراعهم ما روي أن امرأة لوط الكافرة، لما رأت الأضياف وجمالهم وهيئتهم، خرجت حتى أتت مجالس قومها، فقالت لهم: إن لوطاً قد أضاف الليلة فتية ما رؤي مثلهم جمالاً، وكذا وكذا، فحينئذ جاؤوا يهرعون إليه. ويذكر أن الرسل لما وصلوا إلى بلد لوط وجدوا لوطاً في حرث له. وقيل: وجدوا ابنته تستقي ماء من نهر سدوم، فسألوها الدلالة على من يضيفهم ورأت هيئتهم فخافت عليهم من قوم لوط، وقالت لهم: مكانكم! وذهبت إلى أبيها فأخبرته، فخرج إليهم، فقالوا: نريد أن تضيفنا الليلة، فقال لهم: أو ما سمعتم بعمل هؤلاء القوم؟ فقالوا: وما عملهم؟ فقال أشهد بالله إنهم لشر قوم في الأرض - وقد كان الله عز وجل قال لملائكته لا تعذبوهم حتى يشهد لوط عليهم أربع شهادات - فلما قال لوط هذه المقالة، قال جبريل لأصحابه: هذه واحدة، وتردد القول بينهم حتى كرر لوط الشهادة أربع مرات، ثم دخل بهم المدينة.
قوله تعالى: " ومن قبل " أي ومن قبل مجيء الرسل. وقيل: من قبل لوط. " كانوا يعملون السيئات " أي كانت عادتهم إتيان الرجال. فلما جاؤوا إلى لوط وقصدوا أضيافه قام إليهم لوط مدافعاً، وقال: " هؤلاء بناتي " ابتداء وخبر. وقد اختلف في قوله: ( هؤلاء بناتي) فقيل: كان له ثلاث بنات من صلبه. وقيل: بنتان، زيتا وزعوراء، فقيل: كان لهم سيدان مطاوعان فأراد أن يزوجهما ابنتيه. وقيل: ندبهم في هذه الحالة إلى النكاح، وكانت سنتهم جواز نكاح الكافر المؤمنة، وقد كان هذا في أول الإسلام جائزاً ثم نسخ، فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بنتاً له من عتبة بن أبي لهب، والأخرى من أبي العاص بن الربيع قبل الوحي، وكانا كافرين. وقالت فرقة - منهم مجاهد وسعيد بن جبير - أشار بقوله: ( بناتي) إلى النساء جملة، إذ نبي القوم أب لهم، ويقوي هذا أن في قراءة ابن مسعود: ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم). وقالت طائفة: إنما كان الكلام مدافعة ولم يرد إمضاءه، روي هذا القول عن أبي عبيدة، كما يقال لمن ينهي عن أكل مال الغير: الخنزير أحل لك من هذا. وقال عكرمة: لم يعرض عليهم بناته ولا بنات أمته، وإنما قال لهم هذا لينصرفوا.
قوله تعالى: " هن أطهر لكم " ابتداء وخبر، أي أزوجكموهن، فهو أطهر لكم مما تريدون، أي أحل. والتطهر التنزه عما لا يحل. وقال ابن عباس: كان رؤساؤهم خطبوا بناته فلم يجبهم، وأراد ذلك اليوم أن يفدي أضيافه ببناته. وليس ألف ( أطهر) للتفضيل حتى يتوهم أن في نكاح الرجل طهارة، بل هو كقولك: الله أكبر وأعلى وأجل، وإن لم يكن تفضيلاً، وهذا جائز شائع في كلام العرب، ولم يكابر الله تعالى أحد حتى يكون الله تعالى أكبر منه. وقد قال أبو سفيان بن حرب يوم أحد: " اعل هبل اعل هبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: قل الله أعلى وأجل ". وهبل لم يكن قط عالياً ولا جليلاً. وقرأ العامة برفع الراء. وقرأ الحسن وعيسى بن عمرو ( هن أطهر) بالنصب على الحال. و ( هن) عماد. ولا يجيز الخليل و سيبويه و الأخفش أن يكون ( هن) ها هنا عماداً، وإنما يكون عماداً فيما لا يتم الكلام إلا بما بعدها، نحو كان زيد هو أخاك، لتدل بها على أن الأخ ليس بنعت. قال الزجاج: ويدل بها على أن كان تحتاج إلى خبر. وقال غيره: يدل بها على أن الخبر معرفة أو ما قارنها.
قوله تعالى:" فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي " أي لا تهينوني ولا تذلوني. ومنه قول حسان:
فأخزاك ربي يا عتيب بن مالك ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق
مددت يميناً للنبي تعمداً ودميت فاه قطعت بالبوارق
ويجوز أن يكون من الخزاية، وهو الحياء، والخجل، قال ذو الرمة:
خزاية أدركته بعد جولته من جانب الحبل مخلوطاً بها الغضب
وقال آخر:
من البيض لا تخزي إذا الريح ألصقت بها مرطها أو زايل الحلي جيدها
وضيف يقع للأثنين والجميع على لفظ الواحد، لأنه في الأصل مصدر، قال الشاعر:
لا تعدمي الدهر شفار الجازر للضيف والضيف أحق زائر
ويجوز فيه التثنية والجمع، والأول أكثر كقولك: رجال صوم وفطر وزور. وخزي الرجل خزايةً، أي استحيا مثل ذل وهان. وخزي خزياً إذا افتضح، يخزى فيهما جميعاً. ثم وبخهم بقوله: " أليس منكم رجل رشيد " أي شديد يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر. وقيل: ( رشيد) أي ذو رشد. أو بمعنى راشد أو مرشد، أي صالح أو مصلح. ابن عباس: مؤمن. أبو مالك: ناه عن المنكر. وقيل: الرشيد بمعنى الرشد، والرشد والرشاد الهدى والاستقامة. ويجوز أن يكون بمعنى المرشد، كالحكيم بمعنى المحكم.
يخبر تعالى عن قدوم رسله من الملائكة بعد ما أعلموا إبراهيم بهلاكهم وفارقوه وأخبروه بإهلاك الله قوم لوط هذه الليلة فانطلقوا من عنده فأتوا لوطاً عليه السلام وهو على ما قيل في أرض له وقيل في منزله ووردوا عليه وهم في أجمل صورة تكون على هيئة شبان حسان الوجوه ابتلاء من الله وله الحكمة والحجة البالغة فساءه شأنهم وضاقت نفسه بسببهم وخشي إن لم يضيفهم أن يضيفهم أحد من قومه فينالهم بسوء "وقال هذا يوم عصيب" قال ابن عباس وغير واحد: شديد بلاؤه وذلك أنه علم أنه سيدافع عنهم ويشق عليه ذلك. وذكر قتادة أنهم أتوه وهو في أرض له فتضيفوه فاستحيا منهم فانطلق أمامهم وقال لهم في أثناء الطريق كالمعرض لهم بأن ينصرفوا عنه: إنه والله يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء. ثم مشى قليلاً ثم أعاد ذلك عليهم حتى كرره أربع مرات, قال قتادة وقد كانوا أمروا أن لا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك.
وقال السدي خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط فبلغوا نهر سدوم نصف النهار ولقوا بنت لوط تستقي فقالوا يا جارية هل من منزل ؟ فقالت مكانكم حتى آتيكم وفرقت عليهم من قومها فأتت أباها فقالت يا أبتاه أدرك فتياناً على باب المدينة ما رأيت وجوه قوم أحسن منهم لا يأخذهم قومك وكان قومه نهوه أن يضيف رجلاً فقالوا خل عنا فلنضيف الرجال فجاء بهم فلم يعلم بهم أحد إلا أهل بيته فخرجت امرأته فأخبرت قومها فجاءوا يهرعون إليه وقوله: "يهرعون إليه" أي يسرعون ويهرولون من فرحهم بذلك وقوله: "ومن قبل كانوا يعملون السيئات" أي لم يزل هذا من سجيتهم حتى أخذوا وهم على ذلك الحال وقوله: "قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم" يرشدهم إلى نسائهم فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم في الدنيا والاخرة كما قال لهم في الاية الأخرى: " أتأتون الذكران من العالمين * وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون " وقوله في الاية الأخرى: "قالوا أولم ننهك عن العالمين" أي ألم ننهك عن ضيافة الرجال "قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين * لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون" وقال في هذه الاية الكريمة: "هؤلاء بناتي هن أطهر لكم" قال مجاهد لم يكن بناته ولكن كن من أمته وكل نبي أبو أمته وكذا روي عن قتادة وغير واحد.
وقال ابن جريج: أمرهم أن يتزوجوا النساء ولم يعرض عليهم سفاحاً, وقال سعيد بن جبير: يعني نساءهم هن بناته وهو أب لهم ويقال في بعض القراءات " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم " وكذا روي عن الربيع بن أنس وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وغيرهم وقوله: "فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي" أي اقبلوا ما آمركم به من الاقتصار على نسائكم "أليس منكم رجل رشيد" أي فيه خير يقبل ما آمره به ويترك ما أنهاه عنه "قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق" أي إنك لتعلم أن نساءنا لا أرب لنا فيهن ولا نشتهيهن "وإنك لتعلم ما نريد" أي ليس لنا غرض إلا في الذكور وأنت تعلم ذلك فأي حاجة في تكرار القول علينا في ذلك ؟ قال السدي "وإنك لتعلم ما نريد" إنما نريد الرجال.
78- "وجاءه قومه يهرعون إليه" أي جاءوا لوطاً، الجملة في محل نصب على الحال. ومعنى يهرعون إليه: يسرعون إليه. قال الكسائي والفراء وغيرهما من أهل اللغة: لا يكون الإهراع إلا إسراع مع رعدة، يقال: أهرع الرجل إهراعاً: أي أسرع في رعدة من برد أو غضب أو حمى، قال مهلهل:
فجاءوا يهرعون وهم أسارى نهودهم على رغم الأنوف
وقيل يهرعون: يهرولون، وقيل: هو مشي بين الهرولة والعدو. والمعنى: أن قوم لوط لما بلغهم مجيء الملائكة في تلك الصورة أسرعوا إليه، كأنما يدفعون دفعاً لطلب الفاحشة من أضيافه "ومن قبل كانوا يعملون السيئات" أي ومن قبل مجيء الرسل في هذا الوقت كانوا يعملون السيئات، وقيل: ومن قبل لوط كانوا يعملون السيئات: أي كانت عادتهم إتيان الرجال، فلما جاءوا إلى لوط، وقصدوا أضيافه لذلك العمل، قام إليهم لوط مدافعاً " قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم " أي تزوجوهن، ودعوا ما تطلبونه من الفاحشة بأضيافي، وقد كان له ثلاث بنات، وقيل اثنتان، وكانوا يطلبون منه أن يزوجهم بهن فيمتنع لخبثهم، وكان لهم سيدان مطاعان فأراد أن يزوجهما بنتيه، وقيل أراد بقوله: "هؤلاء بناتي" النساء جملة، لأن نبي القوم أب لهم، وقالت طائفة: إنما كان هذا القول منه على طريق المدافعة ولم يرد الحقيقة. ومعنى "هن أطهر لكم" أي أحل وأنزه، والتطهر: التنزه عما لا يحل، وليس في صيغة أطهر دلالة على التفضيل، بل هي مثل الله أكبر، وقرأ الحسن وعيسى بن عمر بنصب أطهر، وقرأ الباقون بالرفع، ووجه النصب أن يكون اسم الإشارة مبتدأ وخبره بناتي، وهن ضمير فصل، وأطهر حال. وقد منع الخليل وسيبويه والأخفش مثل هذا، لأن ضمير الفصل الذي يسمى عماداً إنما يكون بين كلامين بحيث لا يتم الكلام إلا بما بعدها، نحو كان زيد هو أخاك "فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي" أي اتقوا الله بترك ما تريدون من الفاحشة بهم، ولا تذلوني وتجلبوا علي العار في ضيفي، والضيف يطلق على الواحد والاثنين والجماعة، لأنه في الأصل مصدر، ومنه قول الشاعر:
لا تعدمي الدهر شفار الجازر للضيف والضيف أحق زائر
ويجوز فيه التثنية والجمع، والأول أكثر. يقال: خزي الرجل خزاية: أي استحيا أو ذل أو هان، وخزي خزياً: إذا افتضح، ومعنى في ضيفي: في حق ضيفي، فخزي الضيف خزي للمضيف، ثم وبخهم فقال: "أليس منكم رجل رشيد" يرشدكم إلى ترك هذا العمل القبيح ويمنعكم منه.
"وجاءه قومه يهرعون إليه"، قال ابن عباس وقتادة: يسرعون إليه. وقال مجاهد: يهرولون، وقال الحسن: مشي بين مشيتين. وقال شمر بن عطية: بين الهرولة والجمز.
"ومن قبل"، أي: من قيل مجيئهم إلى لوط، "كانوا يعملون السيئات"، كانوا يأتون الرجال في أدبارهم. "قال"، لهم لوط حين قصدوا أضيافه وظنوا أنهم غلمان، "يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم"، يعني: بالتزويج، وفى أضيافه ببناته، وكان في ذلك الوقت، تزويج المسلمة من الكافر جائزا كما زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته من عتبة بن لهب، وأبي العاص بن الربيع قبل الوحي، وكانا كافرين.
وقال الحسين بن الفضل: عرض بناته عليهم بشرط الإسلام.
وقال مجاهد و سعيد بن جبير: قوله: "هؤلاء بناتي"، أراد: نساءهم، وأضاف إلى نفسه لأن كل نبي أو أمته. وفى قراءة أبي بن كعب: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم" (الأحزاب-6) وهو أب لهم.
وقيل: ذكر ذلك على سبيل الدفع لا على التحقيق، ولم يرضوا هذا.
"فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي"، أي: خافوا الله ولا تخزون في ضيفي، أي: لا تسوؤني ولا تفضحوني في أضيافي. "أليس منكم رجل رشيد"، صالح سديد. قال عكرمة: رجل يقول لا إله إلا الله. وقال ابن إسحاق: رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
78."وجاءه قومه يهرعون إليه "يسرعون إليه كأنهم يدفعون دفعاً لطلب الفاحشة من أضيافه."ومن قبل "أي ومن قبل ذلك الوقت."كانوا يعملون السيئات"الفواحش فتمرنوا بها ولم يستحيوا منها حتى جاؤوا يهرعون لها مجاهرين."قال يا قوم هؤلاء بناتي"فدى بهن أضيافه كرماً وحمية، والمعنى هؤلاء بناتي فتزوجوهن ،وكانوا يطلبونهن قبل فلا يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءتهم لا لحرمة المسلمات على الكفار فإنه شرع طارئ أو مبالغة في تناهي خبث ما يرومونه حتى إن ذلك أهون منه، أو إظهاراً لشدة امتعاضه من ذلك كي يرقوا له.وقيل المراد بالبنات نساؤهم فإن كل نبي أبو أمته من حيث الشفقة والتربية وفي حرف ابن مسعود"وأزواجه أمهاتهم"وهو أب لهم"هن أطهر لكم "أنظف فعلاً وأقل فحشاً كقولك: الميتة أطيب من المعصوب وأحل منه.وقرئ "أطهر "بالنصب على الحال على أنهن خبر بناتي كقولك:هذا أخي هو الأفضل فإنه لا يقع بين الحال وصاحبها." فاتقوا الله "بترك الفواحش أو بإيثارهن عليهم "ولا تخزون"ولا تفضحوني من الخزي ،أو ولا تخجلوني من الخزاية بمعنى الحياء ."في ضيفي "في شأنهم فإن إخزاء ضيف الرجل إخزاؤه." أليس منكم رجل رشيد "يهتدي إلى الحق ويرعوي عن القبيح.
78. And his people came unto him, running towards him and before then they used to commit abominations He said: O my people! Here are my daughters! They are purer for you. Beware of Allah, and degrade me not in (the person of) my guests. Is there not among you any upright man?
78 - And his people came rushing towards him, and they had been long in the habit of practising abominations. he said: O my people here are my daughters: they are purer for you (if ye marry) now fear God, and cover me not with shame about my guests is there not among you a single right minded man?